يغطي تاريخ الكومنولث البولندي الليتواني (1648-1764) فترة من تاريخ بولندا والدوقية الليتوانية الكبرى، منذ أن أصبحت دولتهما المشتركة مسرحًا للحروب، والغزوات التي حدثت على نطاق واسع في منتصف القرن السابع عشر، حتى الوقت الذي سبق انتخاب ستانيساو أوغست بونياتوفسكي، آخر ملوك رابطة الكومنولث البولندية الليتوانية.[1]
شهدت ديمقراطية النبلاء منذ القرن السابع عشر حروبًا مدمرة، وغرقت بحالة من الفوضى الداخلية، وتحوّل الكومنولث الذي كان قويًا في الماضي إلى مكان تملؤه الحروب الداخلية، والتدخلات الأجنبية، وفي عام 1648 غمرت انتفاضة القوزاق خميلنيتسكي جنوب وشرق الدولة البولندية الليتوانية الشاسعة، وتبعه ذلك غزو سويدي سريع للأراضي البولندية الأساسية. تركت الحرب مع القوزاق وروسيا أوكرانيا مُقسّمة، وأصبح الجزء الشرقي منها (الذي كان تحت حكم الكومنولث) تابعًا لقيصر روسيا. أحيا يوحنا الثالث سوبيسكي قوّة الكومنولث العسكرية مرة أخرى بعد أن خاض حروبًا مطوّلة ضد الإمبراطورية العثمانية.[1]
وتبع ذلك مزيدٌ من التفكك، فقد عانى الكومنولث بعد خضوعه لحروب مستمرة تقريبًا حتى عام 1720 من خسائر سكانية مدمرة، وأضرار جسيمة في الاقتصاد، ولم يتحسن الوضع الاقتصادي السيئ بشكل كامل طوال فترة وجود الكومنولث، وأصبحت الحكومة غير فعالة بسبب النزاعات الداخلية واسعة النطاق (مثل وقوف روكومز لوبوميرسكي ضد جون الثاني كازيمير، والاتحادات المتمرّدة)، والإجراءات التشريعية الفاسدة (كالاستخدام الفاضح لحق النقض).[2] وسقطت طبقة النبلاء تحت سيطرة مجموعة من العائلات القوية التي كانت تسيطر على أقاليم معينة، وتحوّلت البنية التحتية ومعظم مزارع الفلاحين إلى خراب.
أدّت فترة حكم اثنين من ملوك سلالة سكسون ويتين، وهما أغسطس الثاني العظيم، وأغسطس الثالث للكومنولث إلى مزيد من الأضرار السياسية، والقليل من الإصلاحات المهمة، وقد تكون الحرب الشمالية العظمى (وهي فترة اعتبرها المعاصرون مجرّد أزمة عابرة) هي الضربة الحاسمة التي أضعفت الدولة البولندية الليتوانية بشدّة. وأصبحت بروسيا قوة إقليمية قوية، واستولت على سيليزيا من مملكة هابسبورغ.[1]
التدهور الاقتصادي والاجتماعي
اعتُبر تدهور اقتصاد الكومنولث في النصف الثاني من القرن السابع عشر ناتجًا عن تدمير البلاد بسبب الحروب بشكل أساسي. أدت خسائر الحرب، وتفشي الأوبئة (خاصة في الفترة بين 1659 حتى 1663) إلى انخفاض عدد السكان إلى حوالي 6 أو 7 مليون (انخفض إلى الثلث).[3]
تفكك صفوف البلدات والمدن
كان سقوط المدن والبلدات الجانب الأكثر وضوحًا في انهيار اقتصاد الكومنولث، فقد اقتصرت مشتريات الفلاحين (الذين كانوا يشكلون جزءًا هامًا من زبائن تجّار المدن) على الأشياء التي تُنتَج أو تُباع داخل ممتلكات الجهة الإقطاعية التي يعملون عندها، وأصبح السوق في حالة من البلبلة بسبب الأزمات المالية، وتدمير الحروب للبلاد، وخسارة بعض المراكز البلدية في بولندا وليتوانيا للدول المجاورة.
كانت عمليات إعادة البناء بعد عام 1720 بطيئة، ولم تشمل كل المناطق بشكل متساوٍ، فقد حققت نتائج جيدة في المدن الكبيرة كوارسو، ودانزيغ، ولكن كانت المدن الصغرى تعاني بشكل سيئ من الوضع، باستثناء تلك الموجودة في غرب بولندا الكبرى.
أثّرت كل هذه التغيرات على الطابع العرقي للطبقات السكانية، فقد تباطأ تدفّق الفلاحين إلى البلدات كثيرًا، في حين زادت نسبة السكان اليهود بشكل كبير، فمن بين 750 ألف يهودي عاش في الكومنولث في منتصف القرن الثامن عشر (ومصادر أخرى تقول إنهم كانوا مليونًا في سبعينيات القرن الثامن عشر) كان ثلاثة أرباعهم يعيش في المدن، وشكلوا حوالي نصف سكان المدن، وقد كانوا مجتهدين للغاية، وسرعان ما سيطروا على الحِرف، والتجارة، خاصّة في البلدات الصغيرة، وقدّمت مجتمعاتهم خدمات واسعة النطاق للطبقات الاجتماعية العليا، والمتوسطة البولندية. وكانت هناك أحيانًا محاولات من سكان البلدات المسيحيين للحدّ من حقوق اليهود التجارية.[4]
بداية التعافي
بدأت التغيرات الأولى التي أشارت لحدوث انتعاش اقتصادي في الفترة بين 1725 و 1750 ، فكان التقدم الزراعي والصناعي أكثر وضوحًا خلال العقدين التاليين (1750-1770)، وكانت لذلك علاقة مع التحسّنات التي طرأت على السوق الزراعية في أوروبا، فخلال تلك الفترة حدثت تطورات تقنية سببت تقدمًا ملحوظًا، وحسّنت من الزراعة، والأهم من ذلك هو التغيرات في طبيعة العلاقات الاجتماعية الريفية، فبدءًا من منطقة بوزنان من ثم كل المناطق غرب بولندا الكبرى وبروسيا الملكيّة، استُبدلت ظروف العمل الإقطاعية العبودية بتأجير الأراضي للفلاحين، مع حصول أصحابها على تعويضات مالية، وقد فضّل الفلاحون هذا النوع من «الشراء» على التزامات العمل القسرية، لأنها حسّنت من وضعهم المالي، وجعلتهم على تواصل مع الأسواق في المدن.
وقد شهدت المنطقتين، والعاصمة وارسو أيضًا تحسّنًا معتدلًا في المجالات الصناعية، والتجارية، وكانت أهم الصناعات في تلك الفترة هي صناعة الحديد في جنوب ووسط بولندا (المنطقة الصناعية البولندية القديمة)، ولكن تأخّر هذا التقدم الصناعي المتواضع للكومنولث ما يقارب نصف قرن، ليس فقط بالمقارنة مع جيران بولندا في الغرب، والجنوب، بل أيضًا بالمقارنة مع بروسيا.[5]
المراجع
- Józef Andrzej Gierowski – Historia Polski 1505–1764 (History of Poland 1505–1764), Państwowe Wydawnictwo Naukowe (Polish Scientific Publishers PWN), Warszawa 1986, ISBN , pp. 174–301
- نورمان ديفيز, Europe: A History, p. 582, 1998 New York, HarperPerennial, ISBN
- Józef Andrzej Gierowski – Historia Polski 1505–1764 (History of Poland 1505–1764), pp. 190–193
- Piotr Pieśniarczyk, Historia Polski w pigułce (History of Poland in a Pill), p. 157. Agencja Benkowski, Białystok 1998, (ردمك ).
- Józef Andrzej Gierowski – Historia Polski 1505–1764 (History of Poland 1505–1764), pp. 193–195, 214–219