مقاومة بني مناصر
تشكلت مقاومة الغزو الأجنبي لبلادنا إحدى المظاهر التي تميز بها الإنسان الجزائري عبر كافة العصور ببطولاته وتضحياته ورفضه الدائم للسيطرة الأجنبية، وبني مناصر الذين سنتناول تاريخ مقاومتهم للاستعمار في مختلف مراحله من هذا الرفض الدائم لكل أشكال الاستعمار.
إن سكان بني مناصر الذين يتواجدون في منطقة تمتد قديما من بني حواء(الشلف) إلى حدود مدينة حجوط، وإلى جبل زكار(مليانة) جنوبا، بالإضافة إلى كون العناصر التي تسكن هذه المنطقة قد امتزجت بالأندلسيين القادمين من غرناطة بعد سقوطها عام 1492 م، حيث استقروا بمدينة شرشال، وفي عهد الأتراك تمتع سكان بني مناصر باستقلال تام حيث كان على رأسهم عائلة البراكنة الواسعة النفوذ والتي كانت تمارس سلطتها على سكان هذه المنطقة.
وما يقال عن البراكنة أنهم شكلوا زاوية سيدي أحمد ابركان، التي تبعد (ب07كلم) عن الجنوب الغربي لمدينة مناصر الحالية، والزاوية في ذلك العهد تتكون من بيوت محاطة ببساتين رائعة (حسب دراسة العقيد فلبر سنة 1878) وكانت مركزا دينيا وإداريا وثقافيا في آن واحد.
بني مناصر والغزو الفرنسي
وبعد الغزو الفرنسي سنة 1830 بقي بني مناصر بقيادة أمحمد بن عيسى البركاني نظرا لسمعته والتزامة بالدين الإسلامي وتمثيله للسلطة الروحية للسكان، لم يتردد سنة 1832 م وقد كان رجل دين وقائد عسكري وكان متحمسا ومحبا لوطنه، ولم يتردد منذ سنة 1832 من الانضواء تحت لواء المقاومة المسلحة للأمير عبد القادر. وقد تجند سكان بني مناصر بقيادته لحمل السلاح ضد الاستعمار الفرنسي والوثائق الفرنسية (بروفانس) تدل على أنه أثناء الحكم التركي للبلاد كان بني مناصر يشكلون مقاطعة تمتد إلى بني حواء، وكانت تابعة لأغا الجزائر وفي الأخير كونوا عرق ومنح لهم الاستقلال التام بحيث طلب من القائد القاطن بشرشال بعدم التدخل في شؤون العرش، غير أنه لم يفعل ذلك فهاجم بنو مناصر منطقة شرشال ثلاث مرات في 1815 م، 1825 م، 1840 م. وقد أصبح سيدي أمحمد البركاني قائد لقوات الأمير عبد القادر في المنطقة باتفاقية عقدت مع الفرنسيين، وأثناء هذه الاتفاقية ركز الأمير على استقطاب رجال الدين وذوي النفوذ الواسع وذلك من أجل إعادة تنظيم قواته تنظيما محكما، وأول اتصالاته كانت في الزاوية مع سي أمحمد البركاني في لقاء جمعهما في برج الخميس، وبعد صلاة أقيمت بالمسجد الكبير بشرشال عين سي أمحمد بن عيسى البركاني خليفة للأمير للإدارة وقيادة منطقة التيطري وفي نفس الوقت عين صهرة ابن علال ولد سيدي علي أمبارك المقيم بالقليعة والذي أصبح يدير منطقة مليانة وكانت هذه الطريقة تعين العسكريين بالمساجد إحدى ميزات الأمير عبد القادر وبنفس الطريقة تم تعيين مصطفى بن تامي " على معسكر " وأبو حميدي وأحمد بن سالم في برج بوحيرة وسابو والحاج الصغير بوعزوز في منطقة ميزاب والصحراء وعبد السلام بن عبد الباقي على واد الخير.
ولأسباب نجهلها رجع سي أمحمد بن عيسى البركاني على رأس بني مناصر بعد أن تم تعويضه بسي الحاج مصطفى – أخ الأمير عبد القادر –
وفي ذلك العهد كانت شرشال تحت سيطرة الأمير حسب معاهدة التافنة وأن المنطقة كانت في أعين الطامعين الفرنسيين، وهذا استنادا إلى رسالة الماريشال " فالي " المؤرخة في 28/ 12/ 1839 موجودة في أرشيف أكس بروفانس موجهة إلى الحكومة الفرنسية ونصها يحث على ضرورة الاستيلاء على المنطقة.
وكذلك منطقة دلس لأن ظروف الاحتلال مواتية وملائمة والسيطرة على المنطقتين ضرورية لأنهما تلعبان دورا هاما على الصعيدين الإستراتيجيين العسكري والاقتصادي (التموين) وفعلا كان احتلال شرشال بأمر من السلطات العليا الفرنسية، حيث نفذ في شهر ماي 1840 م.
وبالرغم من المساندة والدعم الذي تلقته فرنسا من طرف رؤساء الغبريني إلا أنها اصطدمت بمقاومة بني مناصر، حيث تهيأ جميع سكان المنطقة للثورة تاركين مالديهم من مكاسب وأرزاق لهذا نجد في ملخص عقد الحكومة الفرنسية 1830- 1854 مرسوما مؤرخ في 20/09/1840 بإمضاء الماريشال فاني والذي ينص على أن كل الأملاك والأراضي الموجودة في مدينة شرشال والأراضي المحيطة بها إذا لم يطلب بها أصحابها إلى 01 أكتوبر 1840 تكون محجوزة وتصبح من أملاك الدولة الفرنسية.
وإذا كانت مدينة شرشال قد تم الاستيلاء عليها في 1840 فإن المناطق المحيطة بها تبقى لبني مناصر الذين كانوا يشكلون خطرا دائما ضد الاحتلال.
ولكي يدافع العدو عنها لجأ إلى استعمال بعض المباني والأسوار التي أسسها المهندسون العسكريون وهذه الأسوار هي الأبواب الثلاثة الموجودة بمدينة شرشال حاليا "باب الغرب - باب مليانة- باب الجزائر"، والتي يعود تاريخها إلى هذه الفترة فقط وليس إلى العهد الروماني كما يعتقد البعض.
ومن بين الهجمات المتكررة التي شنها بني مناصر على شرشال، هناك وثيقة رسمية من الأرشيف الوطني " أكس بروفانس " للمارشال " فالي " نفسه تبين: أنه في 19 ماي 1940 تعرضت مدينة شرشال لهجوم واسع النطاق دام ستة (06) أيام.
وفي 10 مارس و11 نوفمبر 1846 هاجمت قوات بني مناصر القوات الفرنسية وذلك بقيادة سي أمحمد البركاني، أحد ضباط الأمير عبد القادر وصانع هذه العملية فقد ظهر في ساحة القتال من 07 إلى 08 آلاف رجل بعد أن اتصل بمراكزه المتقدمة من الجهة الغربية (باب تنس) حيث وقعت معركة حامية دامت يومين كاملين. وكان الأمير عبد القادر قد وصلت إليه معلومات عن السيرة والسلوك السيئ لأخيه الحاج مصطفى الذي كان قائدا للتيطري، فخلعه من منصبه وعاد سي أمحمد بن عيسى البركاني لقيادة منطقة التيطري للمرة الثانية فلجأ سي أمحمد بن عيسى البركاني بقواته إلى المغرب الأقصى سنة 1843 م، ففسح المجال لفرنسا لقمع السكان وخلف الثأر في بني مناصر. لذا كان - لبيجو- أولا وقبل كل شي القبض على سي أمحمد بن عيسى وهذا بقرار مؤرخ في: 10/02/1843 يتضمن مايلي:
- المادة الأولى: إن أمحمد بن عيسى البركاني الخليفة السابق لمقاطعة التيطري مطرود لأجل غير محدود من بني مناصر ومن كل الأراضي الواقعة تحت السيطرة الفرنسية، وأما ممتلكاته تجمع وتحجز لصالح الدولة، والمطلوب من كل محروم أوروبي أن يلقي القبض عليه ويسلمه للقوات الفرنسية وأن القبائل والأحياء التي توافق عن لجوء هذا الشخص في بيوتها أو تراه ولم تسلمه للقوات الفرنسية فتعتبر عدوة لفرنسا.
- المادة الثانية: كل عائلة من عائلات البراكنة مطالبة بإرسال شخص من أهم الشخصيات كرهينة إلى شرشال ابتداء من 01 مارس 1843، وإذا لم تطبق الأوامر الصادرة ضد " أمحمد بن عيسى " سوف يتم حجز كل أملاك العائلة المقدرة بـ 5000 هكتار ونفي أكثر من 94 شخصا من رجال ونساء إلى جزيرة " سانت نار غريت ".
وهذا النص مثبت في جريدة (فرنسا الجزائرية) الصادرة بتاريخ 14/01/1846 والمسجلة تحت رقم 69 بالمكتبة الوطنية بالجزائر. ومباشرة بعد احتلال منطقة بني مناصر بدأت عملية النهب والسلب وحجز الأراضي وهذا ما جعل القوات الفرنسية تنشأ مركز مناصر (مدينة مناصر حاليا). وفي هذه الأثناء فإن الذي بإمكانه أن يخلف سي أمحمد بن عيسى البركاني كقائد لعائلة البراكنة هو حفيد سي مالك البركاني الذي ضرب بشدة وقد أعتقل لمدة 14 سنة. وبعد عودة عائلة البراكنة إلى الزاوية، نالت كل الاحترام والتقدير من طرف سكان المنطقة وعمدوا إلى التفكير والتشاور لوضع سي مالك البركاني كقائد على بني مناصر دون نفي العراقيل التي يتلقونها نظرا لسمعة وعظمة القائد وكذلك سمعة رقعة بني مناصر، وفي تقرير الجنرال الفرنسي حاكم المقاطعة المؤرخ في 22/11/1869 مرسل إلى المارشال الفرنسي الحاكم العام بالجزائر (وجد هذا في أرشيف اكس بروفانس) يتناول الوضعية الخاصة لبني مناصر ويقترح تقسيم هذه المنطقة إلى قسمين: دوار القرين وتقدر مساحته بـ 18387 هكتار و32 اربـ 4727 فردا مؤهلين لدفع 12833 فرنك و28 سنتيم كضرائب. 2- والآخر يحمل اسم سيدي سميان تقدر مساحته بـ 16418 هكتار و17 اربـ 4929 فردا يدفعون 11395 فرنك و29 سنتيم كضرائب أيضا، هذا التقرير يبين لنا بوضوح الاتفاق الذي توصل إليه المسؤولين الفرنسيين في شأن الأراضي التابعة لبني مناصر بخلف مراكز سكانية (مناصر، زوريخ، نوفي) والأغراض الأخرى تطبيق مرسوم 16/08/1859 الذي صودق عليه في 22/08/1863 يقترح على ترك على الأقل قطعة من الأراضي للبراكنة عند عودتهم من منفاهم حيث لا يجدون شيئا.
- تقسيم الإقليم إلى المنطقتين المذكورتين:
- يصبح بني مناصر الشرقية " الشرقيين " أي دوار القرين بقيادة سي مالك البركاني. - بني مناصر الغربية " الغربيين " أسندت قيادتهم إلى سي مولود الحبو شي، والمؤرخ " رين " في كتابه يعرفنا بمعلومات تخص هاتين الشخصين. 1- سيي مالك البركاني: أطلق سراحه سنة 1865 بعد أن أعتقل 14 سنة وكان يتميز بالهدوء وعدم التعصب وثباته، كما كان محبوبا ومحترما من طرف سكان مناصر وأصبح يدير شؤون بني مناصر ومثلهم أحسن تمثيل كما دافع عن قضاياهم كلما دعت الضرورة إلى ذلك. 2- سي مولود الحبو شي: واحد من أبرز قادتنا الذي انضم إلى صفوف المقاومة في الأيام الأولى للغزو وقد برهن في عدة مرات عن شجاعته وذكائه الخارق للعادة. وكان عدوا لدودا لعائلة البراكنة وسبق له أن قتل واحدا من أعضائها في عملية " خيانة " والذي شارك في إلقاء القبض على" الثائر بومعزة " وقد نال إعجاب مسئوليه والعكس بالنسبة لرعيته وذلك أن نشطات الحبو شي تصطدم بمعارضة معاونيه ومساعديه الذين رفضوه واستقال من منصبه في 08 ماي 1871 وتيقن أن هناك مؤامرة دبرت ضده، وكلف سي مالك البركاني ليتولى مهام قيادة المنطقة بالنيابة لأنه الوحيد الذي يستطيع أن يؤثر في بني مناصر الغربية (سيدي سميان) وهذه النيابة لم تدم طويلا لأنه في 20 جوان 1871 تم تعيين سي محمد بن محمد سعيد الغبريني رسميا قائد المنطقة ويعترف " رين " في كتابه قائلا: هذا خطأ ونسينا أن الغبريني من المستحيل أن يكون قائدا على بني مناصر لأنهم قديما سلموا للأمير عبد القادر الأغا محمد سعيد الغبريني ومن أجل هذا حاربت عائلة الغبريني بني مناصر منذ سنتين وبقي الحقد والكراهية تسرى في نفوس بني مناصر. وعندما وصلت هذه المعلومات بعث سكان سيدي سميان رسالة في يوم 22 جوان إلى الحاكم العام وهذا نصها: - سمعنا أنكم عينتم محمد ولد سي سعيد الغبريني كقائد على بني مناصر ونحن نطلب منكم بعدم تعيينه في منطقتنا، لأن الجماعة تريد سي مالك البركاني علما أن في عهد الأتراك وعهد الأمير الحاج عبد القادر، البراكنة هم قادة بني مناصر. بينما محمد ولد سي سعيد الغبريني عدونا منذ زمن الأتراك كنا في حرب ضده لن يكن أبدا قائدنا وفي حالة ما إذا رفضتم سي مالك البركاني إختروا أي شخصية أخرى من القبيلة وعينوه قائدا. إذا كنتم من محبي السلام والاستقرار لا يحكمنا سي محمد سعيد الغبريني نحن تحت أمركم وندفع الغرائم ولكننا نرفض ولن نقبل أبدا قائدا من أبناء سعيد الغبريني، اقطعوا رؤوسنا وهدموا منازلنا ولكن لن نقبل. والجماعة تطلب منكم أن تجعلونا تحت إشراف السلطة لمدينة شرشال، استدعوا رئيس بلدية شرشال لزيارة قبيلتنا وتسجيل كل سكان بني مناصر الذين يرغبون في الالتحاق بسلطة المدينة. كيف ذلك يارب الأبناء الثلاثة للغبريني يعيشون في نفس البيت الواحد منهم: قائد قوراية وهو سي سعيد وسي إبراهيم قائد " زاتيمة " وسي محمد أراد تعيينه في بني مناصر الغربية (سيدي سميان) وإذا لم تصدقوا أقوالنا اسألوا السادة الفرنسيين الذين يتاجرون في زيت الزيتون في قبيلة بني ميلك وفي واد ريحا بقوراية اجعلونا تحت رقابة السلطة المدنية في أقرب وقت ممكن لتبعدونا عن قيادة سي محمد الغبريني. (عن سكان بني مناصر الغربية)
إلى اللقاء في 03 ربيع الثاني 1288 (22 جوان 1871).
وعندما تولى مهامه كقائد على المنطقة أي محمد ولد سي سعيد الغبريني، كان عليه أن يرجع قبل وصوله إلى مقر قيادته بالقريب من قرية " افاين " استقبلته الجماهير الشعبية بمظاهرة صاخبة، ثم قدم استقالته في 01 جويلية، وفي صبيحة الغد ذهب النقيب " فيرلو " شخصيا، وهو رئيس المكتب الغربي إلى عين المكان (تامزيط) ليعلن لهم أن سي محمد بن محمد سعيد الغبريني لم توافق عليه السلطات العليا ولهذا فإن سي مالك البركاني يواصل مهامه في قيادة المنطقة بالنيابة حتى نعين شخصا آخر يكون خارج عائلة الغبريني وعن عائلة البراكنة أيضا. ويقول المؤرخ " رين " أن هذا التنازل لن يهدئ الأوضاع لأن بعد أيام قلائل وفي 04 جويلية عرف بني مناصر (سيدي سميان) سيفرض عليهم قائد وهو عبدي بن سي مولود عبدي الذي كان في افاين بالقرب من بني حبيبة وكان رجل ثقة وأمان. اجتمع سكان بني مناصر " الغربية " وقالوا أن السلطة الفرنسية وعدتهم بتكليف سي مالك البركاني كقائد للمنطقة واليوم سمع بني مناصر أن الشخص الذي يتولى قيادة وإدارة المنطقة هو سي عبدي بن مولود، وهم يرفضون وينكرون هذا الشخص وهم مستعدون للطلب من جديد بوضعهم تحت رقابة السلطة المدنية لشرشال وختموا رسالتهم بهذه الكلمات: إن أعضاء الجماعة يكرهون ويمقتون سي عبدي ويعلنون بأنهم لن يقبلوا قائد آخر من غير سي مالك البركاني وفي حالة أخرى نطالب وضعنا تحت السلطة المدنية. إلى اللقاء في 15 ربيع الثاني 1288 هـ (04 جويلية 1871 م
ويضيف المؤرخ (رين) قائلا: " التعيين الرسمي لسي مولود عبدي تأخر موعده وفي هذه الفترة تبادل كل من مالك البركاني والبوزيدي قائد (بني زيوى) الخادم القديم لعائلة مالك البركاني، الرسائل فيما بينهما ثم اتصل بالقائد أحمد بن جلول " بزاتيمة " وبسادة قوراية والأرهاط، كمل قدمت قبائل هذه المنطقة شكاوي ضد قساوة الغبريني وهكذا تمكن مالك البركاني من توطيد علاقة مع كل قادة النواحي الغربية لمناصر، كان سكان بني مناصر قد تهيئوا للثورة معلمين أنهم قادرون على تفجير الأوضاع وفي نفس الوقت علم مالك البركاني أن سكان القبائل الغربية دفعوا الغرائم للسلطات الفرنسية وبذلك تطالب بني مناصر بذلك أيضا ولكنهم صرحوا أنه من العبث دفع إتاوة للدولة مع العلم أن الدولة الفرنسية غير قادرة على فرض رأيهم بالقوة ولم يتمتعوا عن دفع الضريبة فحسب، بل يطالبون بالنقود التي دفعها بعض الأفراد.
ولكي يثور جميعهم استدعوا كل سادة القبائل وعقدوا جمعية عامة يوم الخميس 13 جويلية بـ " سوق الحد " وهكذا كونواعددا هائلا من الرجال لمقاومة العدو، وبعد انتهاء الجمعية كانت كلمة " الجهاد " تتردد بأصوات مرتفعة وتقرر أنه في صبيحة اليوم الموالي ستنظم مسيرة في ثلاث اتجاهات، نحو نوفي (سيدي غيلاس) وشر شال وزوريخ (سيدي عمار) والجدير بالذكر بالملاحظة أن مالك البركاني لم يحضر لذلك الاجتماع ولكن اتصل به بعض السادة الذين حضروا الاجتماع وأحاطوا به وهم يرددون ويهتفون باسمه وفرضوا عليه زعامة وقيادة الثورة.
إلا أن الأسباب الحقيقية والرئيسية لم تكن في القائد وليس كذلك في الضرائب ولكنها ناتجة عن رفض بني مناصر الذين لم يقبلوا السيطرة الأجنبية.
وكانت أيضا ثمره الاتصالات التي أجريت مع بومرزاق الذي خلف أخاه الأغا المقراني على رأس الثورة التي ظهرت في الشرق الجزائري.
وفي 14 جويلية على الساعة الثانية صباحا وصل نبأ القرار الذي اتخذه بني مناصر إلى رئيس المكتب الغربي ومنع حظر التجوال للمعمرين القاطنين بالمزارع المجاورة، كما تم نقل سكان " نوفي " (سيدي غيلاس) إلى شرشال، وفي هذا الوقت أحاط الثوار بمالك البركاني وهتفوا باسمه معلنين مؤازرته، وعند وصولهم إلى تيزي (الخميس) كونوا ثلاثة أفواج:
- الغرابة: (سيدي سميان) بقيادة سي محمد الجلودي، وعبد الله أوقايدة، بلعيد بن عمر بن مولود وأحمد اودعى، ساروا في اتجاه نوفي (سيدي غيلاس).
- الشراقة: (القرين – مناصر) بقيادة سي عبد الله بن مرزوق وعبد القادر بن العربي، سي محمد أوبلخير وسي علي بن أحمد أوفروج (الذي كانت عائلة البراكنة تثق فيه كثيرا) أما سي مالك البركاني وأخوه إبراهيم ومحمد أو جلول أوزهرة شقوا طريقهم نحو شرشال وكان هذا اضعف فوج.
منطقة " نوفي " (سيدي غيلاس) كانت الجهة الأولى التي هوجمت من طرف فوج الغرابة، حيث نصب كمينا بوادي سيدي غيلاس، وكانت فرق كثيرة في القمم لمراقبة وضمان انسحاب القوات المتقدمة وأسفرت هذه العملية عن قتلى من المدنيين والعسكريين والجدير بالملاحظة أن سكان " نوفي " (سيدي غيلاس) عاشوا فترة من الخوف والهلع حتى جاء زورق تابع للجمارك الفرنسية كقوة إضافية لإنقاذ النساء والأطفال بحيث نقلهم إلى شرشال.
وفي هذه الأثناء كان بني مناصر " الشراقة " قد شنوا هجوما على زوريخ (سيدي عمار) وفي فترة قصيرة سحقت الديار والمدرسة التي أنشأها الاستعمار لان الهجوم كان قويا بالرغم من أن دفاع القرية كان متكونا من 75 مدافع وهذا مما استوجب قدوم القائد المدني من شنوه على رأس مجموعة من " القومية " لإنقاذ المعمرين وسكان القرية إلا أن وصول القائد استقبله الفرنسيون بطلقات من النار حيث أصيب فرسه بجروح.
وفي نفس الوقت كانت (مرا نقوا) حجوط تعيش نوعا من التوتر خوفا من هجمات بني مناصر وكان سي مالك البركاني قد جعل من مزرعة مقرا لقيادته عندما استولى عليها بمجموعة من قواته.
وتمكن من إعادة تنظيم فرقة بمساندة ومساعدة بني مناصر وبني زيوة وزاتيمة وبني ميلك وكان سي محمد سعيد الغبريني قائد قوراية وأخوه انتقلا إلى هذه المناطق في ليلة 15- 16 جويلية لمنعهم بعدم مشاركتهم في قضية بني مناصر، ولكن للأسف حيث دخلا على شرشال ليعلنا أن سكان قوراية والأرهاط ساندوا انتفاضة بني مناصر.
وفي 17 جويلية جاء مجاهدو الأرهاط لمحاصرة مصنع الزيت والجص في وادي مالح المعروف باسم رحى " بيكي " والقائد الحاج إبراهيم بلقاسم الذي مد يد المساعدة لمحتلي المصنع وبعد الإهانة التي تلقاها من طرف فرنسا استطاع الفرار بفرسه وحراسه ليتجه إلى تنس.
كانت شرشال في حالة طوارئ وتوقفت عن نشاطاتها نتيجة الهجمات المتتالية حيث تم الاستيلاء على مزرعة (برينكور) ومزرعة (نيكولاي) وزيادة عن هجمات واشتباكات واسعة النطاق وكانت تدور في شعبة القطاع " عين البنيان " وحمام ريغة وخاصة في مناصر بجوار جبل " بوحرب " والذي حضروا في هذه المعارك نقلوا شفهيا قائلين عن نتائج تلك الاشتباكات مايلي:
يمكن إحصاء عدد أشجار الفلين الموجودة في هذه الغابة ولا يمكن إحصاء الموتى بالنسبة للعدو " وأن معركة عين البنيان " بالقرب من مليانة تعد من أهم الانتصارات لولا المساعدة والدعم الذي جاء به الأغا بوعلام بن شريفة من جندل وكان على رأس 450 من القومية وكذلك الأغا " سليمان بن صيام " (مليانة) الذي قاد 300 من الخونة لإنقاذ ماتبقى من مقاتلي العدو في تلك الأماكن.
ومنذ 17 جويلية كان البراكنة قد كثفوا اتصالاتهم ومتنوا علاقاتهم مع الأصدقاء القدامى للأمير عبد القادر وأتباعه منهم شخصين انظما إلى الحركة الثورية لبني مناصر، هما سي قدور ولد سيدي علي مبارك (القليعة) ابن خليفة الأمير المعروف والمشهور في مليانة الذي كان الصديق الحميم للأمير وبالنسبة لبني فرح مليانة كان سي عبد القادر بن مختار قائد الطائفة المعادية لعائلة خلادي الذين هم من سلالة سيدي أحمد بن يوسف، وكان سي مالك البركاني قد طلب من آل خلدي الالتحاق والانضمام إليه إلا أن زعيمهم عبد القادر بن الحاج خلادي عوض أن يرد على الطلب بعث برسالة إلى القائد العسكري الفرنسي لقطاع مليانة مخبرا إياه فيها بأن كمية من الأسلحة ستصل عن قريب إلى مالك البركاني.
صحيح أن في تلك الفترة كان بني مناصر يسيطرون على زمام الأمور والرائد " رين " يعترف بذلك حيث كتب يقول (لغاية 17 جويلية الوضعية كانت خطيرة، ونحن لم نكن مؤهلين لا للهجوم ولا للثورة ولا لإنقاذ أعواننا ومساعدينا الذين هم في خدمتنا مع العلم أن قضيتنا هي قضيتهم أيضا).
وكان أيضا في ليلتي 17- 18 جويلية قائد قادة (زاتيمة) سي إبراهيم بن محمد سعيد الغبريني المتأثر بالهزيمة التي مني بها إخوته في قوراية ونقص فعاليتة في شرشال تمكن من كراء سفينة صغيرة متجها إلى ضفة وادي الداموس (منطقة قيادته).
وفي يوم 18 جويلية تمركز في برج (كرافازيراي) الواقع على ضفاف وادي الداموس وبعد عودته قدم تقريرا شاملا للحاكم العسكري الأعلى قائلا فيه: حالها لم تحرك ساكنا مضيفا لن نيأس من معداته للعصاه والمتمردين مع سكان (زاتيمة).
إلا أن الغليان بدأ يسري في نفوس سكان الأرهاط فحملوا السلاح وشرعوا في عملية واسعة النطاق اجتاحت كل ضواحي الأرهاط ممتدة إلى (زاتيمة) واتجهوا إلى نحو (كرافازيراى) فأحاطوا به وطوقوه ومما تجدر الإشارة هنا أن سكان (زاتيمة) اهتزوا لهذه العملية الهجومية بينما هدد إبراهيم الغبريني بالقتل وأرغم بإيقاف عملية نزع السلاح للمواطنين ورد الأسلحة المحجوزة عندهم ومغادرة المكان فورا بسفينته، مما جعل الحياة في شرشال شبه معدومة ولا حركة فيها، لأن الثوار سيطروا عليها وحاصروها من كل جهة حيث أنشئوا مركزين متقدمين بسيدي يحي ومزرعة "كارولي " لتسهيل عملية المراقبة.
وقد حطم وخرب وأحرق الثوار كل ممتلكات الاستعمار بأطراف شرشال.
إلا أن الخونة والعملاء نجدهم في كل مكان حيث كان البشا أغا سليمان بن صيام، جلب المساعدة والدعم إلى قوات الاحتلال في الحرب التي تخوضها ضد بني مناصر، حيث أصبح من أصحاب الدعاة الحاقدين وتمكن من اقناع آل خلادي الذين ينحدر نسبهم من سيدي أحمد بن يوسف (مليانة) لتصبح هذه الطائفة من أنصار الستطة الفرنسية، كما توصل إلى تقسيم وتفريق بني مناصر (مرابط البرازيين) سي الحاج جلول بن عبد السلام الذي كانت له علاقات قديمة مع الأمير عبد القادر المرتبطة بالبراكنة ومواطنو مناصر أحسوا بالأعداد الهائلة من " القومية " والدعم المتزايد الآتي من الجزائر وفي اشتباك مفاجئ في ضاحية تيضاف وبالضبط في "تيزي باي أحمد " استشهد مالك البركاني وهو يقاتل المستعمر في 02 أوت 1871 ودفن مساء ذلك اليوم في ضريح سيدي أمحمد أبركان.
إن هذا الحدث قد خلق ضجة واختلال في صفوف المقاتلين حيث شرعوا في البحث عن الشروط التي يطالبون بها في زوريخ (سيدي عمار) لمواجهة مايفرضه الفرنسيين وأقروا أنهم يتصلون بكل القبائل المجاورة للتشاور وإيجاد السبل التي تمكنهم من مواصلة المقاومة وتكون بقيادة:
- سي علي بن أحمد أفرجوج.
- سي إبراهيم البوزيدي قائد بني زيوى.
- سي أحمد بن جلول قائد زاتيمة.
كما صرح إبراهيم البركاني شقيق سي مالك البركاني زعيم الانتفاضة أن سكان بني مناصر لن يستسلموا للأمر الواقع في 05 أوت عاد القتال من جديد ضد الغزاة بالرغم من الدعم والقوات الإضافية القادمة من مليانة بقيادة العقيد " نيكولي " فوقع اشتباك في تيزي محا يلي وتكبد العدو خسائر جسيمة في الأرواح والعتاد من بينهم ضابطين " فارج وليتر " وكان العقيد " ينزار " شق طريق زوريخ (سيدي عمار) بفرقته المزودة بأسلحة عصرية إلا انه لم يفلت من أيدي الثوار حيث ألحقت به خسائر من بينهم نقيب وعشرين (20) آخرين أصيبوا بجروح في منتهى الخطورة. والجدير بالملاحظة أيضا أن مجموعات نيكولي نصب لها كمين من جديد يوم 06 أوت ونتيجته 05 قتلى في صفوف العدو ومنهم ضابط ومن ثم كان احتلال " سوق الحد " (واقلاش حناش) أين كان أحمد بن مالك البركاني حفيد سي مالك البركاني المرتبط بالمكتب العربي للاستعلامات حيث أطلق صراحه مسجون فرنسي وهو الرقيب المرسوم الكندر الذي كان معتقلا في الزاوية وهذا الأخير اعترف أنه يستحق الحياة من البراكنة لأنه نصب أعينهم وأخبرهم بنبأ سي مالك البركاني.
إلا أن الخناق اشتد من كل جهة على بني مناصر بوصول قوات أخرى إلى المنطقة، وأطفئ الجهاد من شمعة بني مناصر بقيادة البركاني، ولكن في بني زيوى وبني ميلك كان 450 مقاتل اختبئوا في خندق " اغيل اوزوا " بزاتيمة والآخرون في قمة تحانوت تحت أوامر إبراهيم البوزيدي أعطوا الدروس الأخيرة في الحرب للفرنسيين والقنا صين القادمين من الجزائر، وهذا لبضعة أيام وفي 20 أوت اعتقلت السلطات الفرنسية ابن مالك البركاني وأرسل إلى شرشال كما ألقت القبض على إبراهيم البوزيدي واعتقلته بعد انتهاء الحرب. انتهت ثورة بني مناصر لتأتي محلها عملية تصفيات الحسابات ينفى الأشخاص حجز الأراضي من جديد حتى الأراضي التي كانت خصصت لزاوية البراكنة، وهكذا تنتهي ملحمة بني مناصر، ولكن التاريخ لن يموت أبدا بل يبقى لنستلهم نحن القدوة والعبرة من المقاتلين الأوائل لبني مناصر ولبني زيوى وبني فرح، ومن كل أنحاء القطر جاءوا منذ 01 نوفمبر لطرد الغزاة وتحرير الوطن الجزائري وهذه المرة إلى الأبد.
منطقة بني مناصر خلال ثورة التحرير 1954- 1962
لم يسكت أهالي منطقة بني مناصر رغم ما ألحق بهم من دمار ما ضرب حولهم من حصار سياسي واقتصادي طوال فترة تواجد الاستعمار ببلادنا.
لقد شرد الكثير منهم إلى الجبال وحرموا من أراضيهم التي ملكت للمعمرين ونفى الكثير منهم إلى خارج المنطقة بل إلى خارج الوطن أيضا.
وكان حقدهم على الاستعمار يتأجج من يوم لآخر إلى أن جاء ذلك اليوم الأغر يوم أعلنت فيه الثورة الكبرى على الوجود الفرنسي كله.
وهنا تنفس السكان الصعداء وأعلنوا انضمامهم للثورة منذ انطلاقها الأول ورغم أن قوات الاستعمار الفرنسي بالنطق تعرف شجاعتهم وبسالتهم في التضحية والفداء. ومن أجل محاصرتهم وتضيق الخناق عليهم أنشئت 07 مراكز للعدو مزودة بأحدث الآلات والأسلحة العسكرية وتحتل أهم المواقع الإستراتيجية وموزعة على مناصر المركز بني عبد الله فجانة – سيدي بلقاسم – تملول – بني بوصالح، وكانت المنطقة منظمة أثناء بداية الثورة كمايلي: - جزء منها تابع للقسم الأول وجزء للقسم الثاني. - وهي كلها تابعة للناحية الثالثة المنطقة الرابعة الولاية الرابعة.
إن منطقة بني مناصر قد قدمت على مذبح الحرية والفداء مئات الشهداء الذين لم يبخلوا بأرواحهم الغالية ولم يرسخوا للاستعمار وخداعه ومكره بل رفضوه منذ دخول أول غازي إلى أرض الوطن الحبيب. وهكذا صنعوا كغيرهم من أبناء هذا الوطن جزائر الثورة وخلدوا أنفسهم مع الخالدين، إن استعراض قائمة الشهداء في هذه المنطقة وحدها يجعلنا نسجل أكثر من 1200 شهيد أعيد دفن رفاة 457 شهيد منهم وتتواصل العملية لإعادة دفن البقية منهم.
ويتشرف مكتب المجاهدين مرة أخرى بأن يورد أهم المعارك التي وقعت بالمنطقة.
عملية فدائية بوسط قرية مناصر
كان يشترط في كل راغب في الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني أن يظهر النية الصادقة بالقيام بعملية فدائية ضد الاستعمار وفي عام 1956 كلف الشاب بوعام أحمد بتنفيذ العملية الفدائية تتمثل إلقاء قنبلة يدوية على العدو. وفي 20 ديسمبر من نفس السنة على الساعة الرابعة مساء كان يترقب تحركات العدو صادف شاحنة من نوع (ج.م.س) التي تحمل مجموعة من الجنود الفرنسيين متوقفة قرب سوق القرية وجرح خمسة آخرون أثناء ملاحقته من طرف القوات الفرنسية تسلل إلى قناة صرف المياه القذرة الموجودة بالقرب، وبقي هناك حتى الليل ثم خرج إلى بستان حيث تم تجنيده في صفوف جيش التحرير الوطني إلى أن أستشهد في إحدى المعارك بتاقرارة وذلك سنة 1959 م.
عملية تخريبية لمزرعة بيلو
كان هدف جيش التحرير الوطني (ج.ت.و) نشر الرعب في صفوف القوات الاستعمارية والمعمرين وتجنب الاصطدام المباشر مع العدو وذلك بهدف شل وتخريب الهيكل الاقتصادي لهم. ففي السابع والعشرين من جويلية 1956 على الساعة العاشرة ليلا قام مسبلان بإحراق مزرعة المعمر " بيلو" التي تبعد عن قرية مناصر حوالي 08 كلم وهذا بعد تخطيط محكم. وقد تم تنفيذ هذه العملية باستعمال البنزين وبعد نشوب الحريق استنجد حارس المزرعة بأفراد مزرعة مجاورة ثانية لنفس المعمر وفي حين أطلقت صفارات الإنذار وهرع جيش العدو من ثكنة سيدي أمعمر فطوق المكان وشرع في إطلاق النار في اتجاهات مختلفة ولكن منفذ العملية كان قد ابتعد عن الضيعة سالمين.
هجوم على دورية للعدو
ولقد تفطن العدو إلى الإستراتيجية من طرف الثورة وبدأ يقوم بدوريات عادية لحماية ومراقبة مزارع المعمرين. وبعد علم المجاهدين بذلك قرروا الهجوم وبالتحدي لدورية كانت تتردد على المعمر " بيري " التي تبعد عن قرية مناصر بتسعة (09) كلم. وبعد التخطيط المحكم للعملية هاجم فوج من المجاهدين البالغ عددهم سبعة (07) أفراد وهذه الدورية كانت يوم 01 نوفمبر 1956 م على الساعة الثانية عشر(12) ليلا وأحرقوا مرافق المزرعة واشتبكوا وأسفر الهجوم على مقتل فرنسيين وإتلاف المزرعة وانسحاب المجاهدين سالمين.
معركة إحموداين 1956
وادي إحموداين الواقع بقرب من عزابن في جنوب شرق مدينة مناصر من الوديان الصعبة المسالك والذي يبعد عنها بحوالي 09 كلم المعروف بمسالكه ودوريته الوعرة ويعتبر من أكبر مراكز جيش التحرير الوطني. ففي يوم 24/11/1956 شرعت القوات الفرنسية في إنشاء قاعدة عسكرية في المنطقة وفي نفس اليوم كلف جيش التحرير الوطني فدائيين للقيام بعملية ضد العدو قصد شل عمله حيث تمكنا من التسلل إلى عين المكان وأطلق النار على أفراد العدو وقتل في هذه العملية أربعة عساكر من العدو وانسحب الفدائيان إلى قواعدهما سالمين وفي اليوم الموالي أي 25/11/1956 م حشدت القوات الفرنسية قوتها من عين "بوسلامة " ومزرعة " كابيرات " متجهة إلى واد إحموداين للقيام بتفتيش المنطقة ومحاصرة جيش التحرير المتمركزة بذلك المكان ولما اكتشف العدو قواعد جيش التحرير دارت معركة بين الطرفين على الساعة الثالثة مساء وقصد تصدي جيش التحرير الوطني لقوات العدو مما مما جعله يستنجد بالطائرات المقنبلة والاستكشافية والهيلكوبتر التي كانت تقوم بتنزيل العساكر في كل جهة للقضاء على المجاهدين وزادت المعركة أكثر ضراوة دامت 04 ساعات وأسفرت عن النتائج التالية:
- أستشهد (05) مجاهدين في صفوف جيش التحرير الوطني وثلاثة آخرين أصيبوا بجروح وقتل أربعة جنود من جانب العدو ومنهم ملازم أول.
- وبعد انسحاب جيش التحرير الوطني إلى ناحية جبل " زكار " كان رد فعل فرنسا أن وصلت عمليتها التفتيشية لسكان المنطقة حيث عثرت على ذخائر متنوعة في مركز عند بيت أحد المواطنين فألقت القبض على أهل البيت وجماعة سكان الناحية بمزرعة " كبيرا " وقتلت مواطنين (02) على مرأى الحاضرين لخلق الرعب والفزع في صفوف المواطنين إلا أن هذا العمل الشنيع لم ينقض معنوياته بل زادهم حقدا وانتقاما من الاستعمار البغيض.
عملية هجومية 1957
في سيدي بلقاسم الموجود بناحية تضاف الذي يبعد عن مدينة مناصر بحوالي 08 كلم شمال المدينة كان العدو الفرنسي منهمكا في أشغاله قصد إنشاء مركز في يوم 10 أكتوبر من سنة 1957 م كانت مجموعة من المجاهدين تهيئ وتخطط لشن هجوم على المركز لمنع العدو من إنجاح هذا المشروع وبهذا المكان وفي اليوم الموالي أي في 11 أكتوبر 1957 جاءت فصيلة من جيش التحرير الوطني مزودة بأسلحة أوتوماتيكية من بينهما رشاش عيار 24 ملم، وفي طريقهم إلى مركز العدو وضعوا لغما في الطريق المؤدي إلى مركز العدو، وفي الأخير تمكنت الفصيلة من تطويق المركز من كل ناحية وهاجموه حيث دام هذا الهجوم حوالي 20 دقيقة، ثم اضطر العدو إلى الاستنجاد بقوات مركز " جانكو " الواقع بواد البلاع لقذف الناحية بمدافعها البعيدة المدى، كما دعمت المنطقة بدبابات وشاحنات لتحمل أعداد هائلة من العساكر، وأثناء عبورها للطريق المشار إليه أعلى انفجر اللغم على الشاحنة الموصفة الأولى حيث دمرت عن آخرها، وتكبد العدو خسائر بشرية ومادية معتبرة، وبعد تنفيذ العملية انسحب المجاهدون إلى مواقعهم سالمين، وفي الغد كان رد فعل القوات الفرنسية قويا وقاسيا حيث أحرقت منازل المواطنين العزل ومن بينهم الأخوين – مجاوري محمد – مسؤول الحي " الدوار " وأخيه عبد القادر الذين تم قتلهما في عين المكان.
معركة جبل سي حمدان المعروف بجبل بونكرانت بقيادة حمدان 1957
في الطريق الرابط بين مناصر ومليانة تيزي فرانكو. (جبل سي حمدان حاليا) الذي يبعد عن المدينة بحوالي 10كلم. كانت قافلة من الجيش الفرنسي تمر بهذا الطريق لتموين قاعدة عسكرية في (جبل تامسيت) وقامت مخابرات جيش التحرير الوطني بجمع معلومات دقيقة عن تلك القافلة ووضعت خطة للقضاء عليها. وفي يوم 09/01/1957 م صباحا انطلقت القافلة من مناصر في اتجاه القاعدة المذكورة التي تتكون من 07 شاحنات لنقل الجنود 02 سيارة "جيب " وشاحنة مصفحة ولما وصلت القافلة إلى القاعدة شرعت كتيبة جيش التحرير الوطني في حفر الطريق وقطعه ونصبت كمينا حوله ولما عادت القافلة على الساعة الثالثة بعد الزوال وجدت الطريق مقطوعا فتوقفت عنده ونزل قائد القافلة من سيارة " جيب " ونظر إلى الطريق المقطوعة وقال بتهكم " انظروا إلى الفلاقة يحفرون كالأرنب فيهربون " وما كاد ينهي كلامه هذا حتى اخترقته رصاصة جيش التحرير الوطني وتلتها طلقات أخرى من كل جهة من طرف المجاهدين ولم ينج من هذا الكمين إلا عسكريان من أفراد العدو حيث تسلل على الأقدام في اتجاه مناصر وهما في حالة غيبوبة والجدير بالملاحظة أن واحد من جرحى العدو قصد أحد منازل المواطنين فوجد أمامه امرأة عجوز وطلب منها أن تسقيه ماء وعندما تيقنت منه أنه عدو ناولته ماء وأثناء شربه الماء أحضرت شفرة وضربته على العنق وقضت عليه وأخذت منه بندقيته وبدلته وسلمتها إلى جيش التحرير، وأسفر الكمين على النتائج التالية: 01) منطقة مناصر المركزية. 02) منطقة بني بوصالح. 03) منطقة أولاد العربي. 04) منطقة بني عبد الله. 05) منطقة فجانة. 06) منطقة سيدي صالح(تيضاف). 1- - في صفوف العدو 91 قتيل منهم 03 من رجال الدرك وواحد برتبة نقيب وأصيب عشرة آخرون بجروح خطيرة وغنم المجاهدون 40 بندقية منها 05 رشاشات ثقيلة و02 من نوع 7.12 و02 من نوع افمبار و06 مسدسات عيار 09 ملم وعدد كبير من الذخيرة والألبسة، وأما في صفوف جيش التحرير الوطني فقد أستشهد 04 من المجاهدين منهم: (شريف أحمد المدعو سي أحمد العدوي) (علي الأخول من واد العلا يق) (سي عميمر الو ناس من موزاية) (سي القوري من موزاية توفي في الطريق)، كما أصيب آخرون بجروح وكان رد فعل العدو إثر هذه العملية أن لجأ إلى إحراق وتدمير منازل المواطنين بالمنطقة وقتل حوالي 12 مواطن.