تدور هذه المقالة حول تاريخ قبرص للفترة من عام 1878 حتى الآن.
كانت قبرص جزءًا من الإمبراطورية البريطانية وتحت حكم الاحتلال العسكري للفترة من 1914 إلى 1925 وأحد مستعمرات التاج للفترة من 1925 إلى 1960. أصبحت قبرص دولة مستقلة في عام 1960.
قبرص البريطانية
محمية قبرص (1878-1914)
في عام 1878، وتنفيذًا لمعاهدة قبرص، استلمت المملكة المتحدة جزيرة قبرص كمحمية من الإمبراطورية العثمانية في مقابل تقديم المملكة المتحدة الدعم العسكري للإمبراطورية العثمانية في حال محاولة روسيا الاستحواذ على الأراضي التابعة للعثمانيين في آسيا.[1]
مُنح البريطاني الأول الذي أدار دفة الحكم في محمية قبرص لقب «المفوض السامي»، وشُغل هذا المنصب من قبل الفريق السيرغارنت جوزيف ولسلي (1833-1913). واجه البريطانيون مشكلةً سياسيةً كبرى في جزيرة قبرص. آمن القبارصة المحليون بحقهم في ضم جزيرتهم إلى دولة اليونان بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. أجرت السلطات البريطانية التعداد السكاني الأول في عام 1881، وُجد أن العدد الكلي للسكان في حينها 186,173 نسمة، كان 137,631 (73.9%) منهم من اليونانيين، و45,438 (24.4%) من الأتراك و3,084 (1.7%) من الأقليات مثل الموارنة واللاتينيين والأرمن. وجَّه أسقف مدينة كيتيوم القبرصية خطابًا إلى السيرغارنت جوزيف ولسلي عقب وصوله إلى مدينة لارنكا في يوم 22 من يوليو من عام 1878 والذي قال فيه: «نتقبل نحن (اليونانيون) الحكم البريطاني، لأننا نؤمن أن بريطانيا العظمى ستساعد قبرص على الانضمام إلى دولة اليونان، تمامًا كما فعلت مع الجزر الأيونية».[2][3]
على الرغم من ترحيب القبارصة بالحكم البريطاني في بادئ الأمر وأملهم في تحقيق الرخاء والديمقراطية والتحرير الوطني، إلا أنهم خُذلوا في النهاية؛ إذ فرض البريطانيون ضرائب ثقيلة عليهم لتغطية نفقات التعويض الذي كانوا يدفعونه إلى السلطان العثماني مقابل تسليم قبرص لهم. إضافة إلى هذا، لم يُمنح المواطنون حق المشاركة في إدارة شؤون الجزيرة، واحتُكرت السلطة من قبل المفوض السامي ولندن.
قبرص البريطانية (1914-1960)
كانت قبرص جزءًا من الإمبراطورية البريطانية وتحت حكم الاحتلال العسكري للفترة من 1914 إلى 1925 وأحد مستعمرات التاج للفترة من 1925 إلى 1960.
انتهت الحماية البريطانية لقبرص في عام 1914 بعد إعلان الإمبراطورية العثمانية الحرب على قوى الوفاق الثلاثي، والتي كانت بريطانيا العظمى جزءًا منها. ضمت الإمبراطورية البريطانية جزيرة قبرص إلى إمبراطوريتها في 5 نوفمبر من عام 1914. خلال الحرب العالمية الأولى، عرضت بريطانيا التنازل عن قبرص وتسليمها إلى اليونان في حالة الوفاء بالتزاماتهم التعاهدية في مهاجمة بلغاريا، لكن اليونان رفضت ذلك.
أعلنت بريطانيا قبرص كمستعمرة للتاج تحت اسم قبرص البريطانية في عام 1925، وحكمتها في ظل دستور غير ديمقراطي.
تولد الاعتراف الدولي بجمهورية تركيا الجديدة من خلال معاهدة لوزان في عام 1923 والتي اعترفت بموجبها الحكومة التركية الجديدة رسميًا بسيطرة بريطانيا على قبرص (المادة 20). أُعيد تشكيل الحكومة في نهايات عشرينيات القرن العشرين، وانتُخب بعض أعضاء المجلس التشريعي (أُسس في عام 1926) من قبل القبارصة، لكن مشاركتهم كانت هامشية جدًا. أُلغي المجلس التشريعي في عام 1931. [4]
آمن القبارصة اليونانيون أن الظروف قد أصبحت مواتية لطلب ضم جزيرة قبرص إلى اليونان في ما يُعرف باسم «إينوسيس» وذلك أسوةً بالجزر الأيجية والأيونية التي ضُمت إلى اليونان بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. في السنوات اللاحقة، تطورت مطالب القبارصة اليونانيين لتحقيق الإينوسيس (الاتحاد مع اليونان) بشكل متسارع وخاصةً في ثلاثينيات القرن العشرين، ما أدى إلى تدمير دار المندوب السامي في مدينة نيقوسيا، إذ أُحرق خلال ثورة قبرص في عام 1931.
البّالمرقراطية
كانت الفترة بين أكتوبر 1931 وأكتوبر 1940 من أكثر الحقب صعوبة على القبارصة. اتخذ الحاكم في وقتها، السير ريتشموند بّالمر، مجموعةً من التدابير القمعية من ضمنها فرض تقييدات على إدارة وعمل المدارس اليونانية، وحظر الاتحادات والجمعيات التجارية بجميع أنواعها وأشكالها. عُرف نظام الحكم هذا باسم «البّالمرقراطية»، والذي سُمي على اسم الحاكم. هدَفَ هذا النظام إلى منع الاهتمام المحلي بالسياسة. خرج القبارصة باحتجاجات شديدة ضد هذا النظام إلا أن التدابير القمعية لم تُرفع حتى بداية الحرب العالمية الثانية، والتي انضم خلالها أكثر من ثلاثين ألف قبرصي إلى القوات البريطانية المسلحة.
فشلت المساعي البريطانية في تقديم حكومة دستورية في جزيرة قبرص مصممة لإشراك القبارصة اليونانيين فيها دون الاتحاد مع اليونان، وذلك بالرغم من جهود البريطانيين الحثيثة لتأسيس حكومة ذات مظهر ليبرالي ديمقراطي وخاصة من قبل حكومة العمال المؤسسة بعد الحرب العالمية الثانية في بريطانيا.
الاتحاد المقترح مع اليونان
في عام 1948، أعلن بول ملك اليونان عن رغبة قبرص في الاتحاد مع اليونان. أجرت الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية استفتاءً شعبيًا والذي بيّن تأييد ما يقارب 97% من السكان القبارصة اليونانيين للاتحاد مع اليونان. وافقت الأمم المتحدة على الالتماس اليوناني وأصبح الإينوسيس قضيةً دولية. انضمت كل من اليونان وتركيا إلى عضوية حلف شمال الأطلسي في عام 1952. بعد الحرب، قدَّم وفدٌ من قبرص طلبًا لإجراء الإينوسيس إلى لندن. رُفض هذا الطلب من البريطانيين لكنهم اقترحوا إنشاء دستورٍ أكثر ليبرالية وبرنامجًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ممتدًا على مدى 10 سنوات.
في خمسينيات القرن العشرين، ساهم مكاريوس الثالث رئيس وكبير أساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية في تجدد مطالبة القبارصة اليونانيين بإجراء الإينوسيس، وذلك بعد إفصاح اليونان عن دعمها لهذا المطلب في الساحة الدولية. أدت هذه المحاولة إلى إحساس الدولة التركية والقبارصة الأتراك بالخطر.
اتخذت بريطانيا من جزيرة قبرص مقرًا رئيسيًا لها في الشرق الأوسط، وذلك بعد انسحابها من مصر.
حالة الطوارئ في قبرص
أدى عدم رضوخ بريطانيا للضغط الدولي إلى تصاعد وتيرة العنف عن طريق تنظيم حملة ضد القوة الاستعمارية من خلال «الأيوكا» وهي مختصر لما يُعرف باسم «المنظمة الوطنية للمقاتلين القبارصة». كان لقائد الأيوكا، الكولونيل جورج جريفاس، دورٌ كبير في إنشاء وتوجيه حملة مثمرة ضد القوة الاستعمارية في عام 1955. فُجرت القنابل الأولى في الأول من شهر أبريل، وتُبعت بتوزيع منشورات على السكان. بدأت الهجمات على مراكز الشرطة في 19 يونيو. أعلن الحاكم البريطاني حالة الطوارئ في 26 نوفمبر 1955.
في السنوات الأربع التالية، هاجمت حركة الأيوكا البريطانيين أو الأهداف ذات العلاقة ببريطانيا والقبارصة الذين اتهمتهم بالتعاون مع السلطات البريطانية. نُفي مكاريوس الثالث رئيس وكبير أساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية مع عدد من رجال الدين والسياسيين القبارصة بشكلٍ قسري إلى السيشل. قُتل 371 من الجنود البريطانيين وهم يحاربون حركة الاستقلال خلال إعلان حالة الطوارئ في قبرص، من ضمنهم أكثر من 20 جنديًا خلال «عملية ألفونس المحظوظ».[5]
اختُرقت القوات الأمنية البريطانية بسهولة من قبل المتعاطفين مع القبارصة اليونانيين الذين يؤدون مهامًا ثانوية مختلفة، لذا فقد كان على هذه القوات، التي كانت تحت قيادة المشير السير جون هاردينغ، أن تبذل جهودًا عظيمة لقمع حركة الاستقلال. نجحوا في قمع الحركة إلى حدٍ كبير، لكن لم تتوقف الهجمات على العناصر البريطانية بشكل تام. نُفي مكاريوس الثالث بسبب الاشتباه في ضلوعه في حملة الأيوكا، لكن أُطلق سراحه بعد موافقة الأيوكا على إيقاف الأعمال العدائية في مقابل إطلاق سراح كبير أساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية وعودته إلى موطنه.
كانت هناك مباحثات مستمرة في حلف شمال الأطلسي لتحقيق استقلال قبرص، لكن باءت هذه الجهود الساعية لتكوين دولة قبرصية مستقلة وعضوة في دول الكومنولث بالفشل.
المراجع
- "Library of Congress". مؤرشف من الأصل في 6 يناير 202025 مايو 2017.
- Bishops speech published in The Times, London 7/8/1878
- Language contact and the lexicon in the history of Cypriot Greek, Stavroula Varella, page 69, 2006
- "30. British Cyprus (1914-1960)". uca.edu. مؤرشف من الأصل في 13 مايو 201925 مايو 2017.
- "The British Cyprus memorial". مؤرشف من الأصل في 9 أغسطس 201825 مايو 2017.