تقع مملكة مقدونيا القديمة في ما يعرف اليوم بالمنطقة المقدونية شمال اليونان. تأسست هذه المملكة في منتصف القرن السابع قبل الميلاد في العصر اليوناني القديم، واستمرت حتى منتصف القرن الثاني قبل الميلاد. حكمت السلالة الأرغية مملكة مقدونيا، والتي أصبحت تابعة للإمبراطورية الأخمينية الفارسية في عهد أمينتاس الأول (حكم من 547 ق.م - 498 ق.م)، وابنه الإسكندر الأول (حكم من 498 ق.م – 454 ق.م). انتهت فترة النفوذ الأخميني في مقدونيا في حوالي 479 ق.م مع انتصار الإغريق على الغزو الفارسي الثاني لليونان بقيادة خشايارشا الأول وانسحاب القوات الفارسية من كامل البر الأوروبي.
تدخَّل بيرديكاس الثاني ملك مقدونيا (حكم من 454 ق. – 413 ق.م) بشكل مباشر في الحرب البيلوبونيسية (431 ق.م – 404 ق.م) بين أثينا وأسبارطة في العصر اليوناني الكلاسيكي، وغيَّر تحالفه من دولة إلى أخرى خلال محاولته الاحتفاظ بالسيطرة المقدونية على شبه جزيرة خالكيذيكي. تميز عهده أيضًا بالصراع والتحالفات المؤقتة مع سيتاليس حاكم مقاطعة تراقيا التابعة للملكة الأوريشيدية، وفي النهاية أقام سلامًا طويل الأمد مع أثينا. استمر التحالف في عهد ملك مقدونيا أرخيلاوس الأول (حكم من 413 ق.م – 399 ق.م). نعمت مقدونيا بالسلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي في عهد أرخيلاوس الأول، ولكن اغتياله غير المفهوم ترك المملكة في حالة من الفوضى. شهد حكم أمينتاس الثالث (حكم من 393 ق.م - 370 ق.م) غزوات مدمرة من دولتي إيليريا وأولينثوس، لكن مقدونيا تمكنت من هزيمة الغزاة بمساعدة ثيساليا وأسبارطة. غزا الإسكندر الثاني ملك مقدونيا (حكم من 370 إلى 368 قبل الميلاد) ثيساليا لكنه فشل في السيطرة على لاريسا، التي استولى عليها الجنرال بيلوبيداس من طيبة والذي وافق على إقامة سلام مع مقدونيا بشرط أخذ رهائن من النبلاء وكان من بينهم فيليب الثاني الملك المستقبلي لمقدونيا.
وصل فيليب الثاني إلى السلطة بعد أن هُزم شقيقه الأكبر بيرديكاس الثالث (حكم من 368 ق.م - 359 ق.م) على يد قوات بارديليس وقُتل في المعركة. استخدام فيليب دبلوماسيته وبراعته السياسية وتمكن من تحقيق السلام مع إيليريا وتراقيا وأثينا، وهو الأمر الذي أعطاه مزيدًا من الوقت لتطوير الجيش المقدوني القديم، وإنشاء الكتائب المقدونية التي كان لها دور حاسم في نجاح مقدونيا في إخضاع اليونان لاحقًا باستثناء أسبارطة. عزز فيليب الثاني تدريجيًا من سلطته السياسية من خلال تحالفات زواج مع قوى أجنبية، ودمر دولة خالكيسا في الحرب الأولمبية (349 ق.م - 348 ق.م). انتصر فيليب على تحالف بقيادة أثينا وطيبة في معركة تشارونيا عام 338 ق.م، ثم أسس تحالف كورنث (يُشار إليه أحيانًا باسم التحالف الهيليني) استعدادًا لغزو يوناني موحد للإمبراطورية الأخمينية الفارسية بقيادة مقدونية.[1][2][3]
اغتيل فيليب الثاني على يد أحد حراسه، فخلفه ابنه الإسكندر الثالث المعروف باسم الإسكندر الأكبر (حكم من 336 ق.م - 323 ق.م) والذي غزا مصر الأخمينية وآسيا وأطاح بحكم داريوس الثالث الذي أُجبر على الفرار إلى باكتريا (أفغانستان) حيث قتل على يد بيسوس أحد أقربائه. أصيب الإسكندر بمرض غير معروف في سن 32 ومات نتيجة لذلك. أدى موت الإسكندر المفاجئ إلى تقسيم إمبراطوريته الواسعة على يد جنرالاته السابقين وأبرزهم أنتيباتروس الذي كان وصيًا على الإسكندر الرابع (حكم من 323 ق.م - 309 ق.م). أدى ذلك إلى ما يُعرف بالفترة الهلنستية في غرب آسيا وعالم البحر الأبيض المتوسط، وساهم في قيام الممالك البطلمية والسلوقية والأتالية على أراضي إمبراطورية الإسكندر الأكبر. واصلت مقدونيا دورها كدولة مهيمنة في اليونان الهلنستية، لكن سلطتها تضاءلت بسبب الحرب الأهلية بين الأسرة الأنتيبترية والأسرة الأنتيغونية.
تمكنت مقدونيا من مواجهة غزوات بيروس الإبيري وليسيماخوس وسلوقس الأول نيكتور، ثم أخضعت أثينا بقيادة ملك مقدونيا أنتيجونوس الثاني (حكم من 277 ق.م - 274 ق.م الميلاد، ومن 272 ق.م - 239 ق.م)، وتصدَّت بنجاح للحملة البحرية التي شنها البطالمة على مقدونيا في حرب الكرومنادين (267 ق.م - 261 ق.م)، ومع ذلك فقد أدى تمرد أراطوس السيكيوني إلى تشكيل التحالف الآخيني (351 ق.م)، وأصبح هذا التحالف عائقًا دائمًا أمام طموحات الملوك المقدونيين في البر الرئيسي لليونان. عادت قوة مقدونيا ومكانتها من جديد تحت حكم أنتيجونوس الثالث (229 ق.م - 221 ق.م) الذي هزم الإسبارطيين بقيادة كليومنيس الثالث في الحرب الكلومينية (229 ق.م – 222 ق.م). هزم فيليب الخامس المقدوني (حكم من 221 ق.م – 179 ق.م) التحالف الأيتولي في حرب الحلفاء (220 ق.م - 217 ق.م)، ولكن محاولاته لمد النفوذ المقدوني إلى البحر الأدرياتيكي وتحالفه مع قرطاجة بقيادة حنبعل أثار حفيظة الجمهورية الرومانية، والتي حرَّضت تحالف الدول اليونانية على مهاجمة مقدونيا بينما ركزت روما على هزيمة حنبعل في إيطاليا. انتصرت روما على مقدونيا بقيادة فيليب الخامس في الحرب المقدونية الأولى (214 ق.م – 205 ق.م) والحرب المقدونية الثانية (200 ق.م – 197 ق.م)، وهُزمت مقدونيا أيضًا في الحرب الكريتية (205 ق.م – 200 ق.م) من قبل تحالف بقيادة مملكة رودس. اضطرت مقدونيا إلى التنازل عن جميع ممتلكاتها في اليونان، وأدت الحرب المقدونية الثالثة (171 ق.م – 168 ق.م) إلى سقوط النظام الملكي في مقدونيا، ووضعت روما بيرسيوس المقدوني (حكم من 179 ق.م – 168 ق.م) تحت الإقامة الجبرية، وأنشأت أربع مقاطعات جمهورية تابعة لروما في مقدونيا، وفرضت قوانين سياسية واقتصادية لمنع أي تمرد مستقبلي، ومع ذلك فقد قام أندريسكوس بإحياء الملكية في مقدونيا لفترة وجيزة خلال الحرب المقدونية الرابعة (150 ق.م - 148 ق.م)، لكن قواته سُحقت في معركة بيدنا الثانية ما أدى لإنشاء مقاطعة مقدونيا الرومانية وبدء الفترة الرومانية الأولى في اليونان.
صعود مقدونيا
قضى فيليب الثاني المقدوني (حكم من 359 ق.م – 336 ق.م) معظم فترة مراهقته كرهينة في مدينة طيبة، وكان يبلغ من العمر أربعة وعشرين عامًا فقط عندما اعتلى العرش، وواجه على الفور العديد من الأزمات التي هددت بإسقاط حكمه،[4] ومع ذلك فقد تمكَّن بفضل الدبلوماسية التي تمتَّع بها من إقناع تراقيا بإيقاف دعمها لباوسانيس الذي كان أحد الثائرين على حكم فيليب، وأقنع أثينا أيضًا بإيقاف دعمها لمتمرد آخر يدعى آرغوس، وأقام كذلك سلامًا طويل الأمد مع إيليريا التي كانت تهدد حدود مقدونيا.[5][6][7]
لا يُعرف بالضبط التاريخ الدقيق الذي بدأ فيه فيليب الثاني إصلاحاته لتطوير نظام الجيش المقدوني ومعداته وتدريبه بشكل جذري وغير مسبوق في ذلك العصر، بما في ذلك تشكيل الكتائب المقدونية المسلحة. تطلبت هذه الإصلاحات عدة سنوات وأثبتت نجاحها على الفور ضد إيليريا. تقترح بعض المصادر التاريخية أن العديد من ملوك مقدونيا الذين سبقوا فيليب ساهموا في تطوير الجيش المقدوني، وربما تكون سنوات أسر فيليب الثاني في طيبة قد أثرت على أفكاره العسكرية خاصة بعد لقائه الجنرال الشهير إيبامينونداس.[8] كان الرجال في مقدونيا وبقية مدن اليونان يتزوجون امرأة واحدة فقط، لكن فيليب الثاني تزوج سبع زوجات لتوطيد علاقاته مع الطبقة الأرستقراطية في مقدونيا أو لدعم تحالفه مع ملوك الدول الأخرى، وربما يكون قد تأثر بالملوك الأخمينيين الفارسيين في ذلك.[9]
اغتنم فيليب الثاني انشغال أثينا في حرب الحلفاء (357 ق.م – 355 ق.م) واستعاد مدينة أمفيبوليس في عام 357 ق.م الميلاد، فأعلن الأثينيون الحرب عليه، لكنه وبحلول عام 356 ق.م كان قد استعاد بيدنا وبوتيدا، واستولى في نفس العام على كرينايدس التي حصل منها على كميات كبيرة من الذهب وغير اسمها إلى فيليبيا، وحاصر ميثون من عام 355 ق.م إلى عام 354 ق.م، ورغم أنه فقد عينه اليمنى أثناء الحصار لكنه تمكن من الاستيلاء على المدينة وعامل أهلها بشكلٍ ودي.[10][11][12][13][14]
المراجع
- Gabriel, Richard A. (2010). Philip II of Macedonia: Greater Than Alexander. Potomac Books. صفحة 232. .
That sense of being one people allowed each Greek state and its citizens to contribute their values, experiences, traditions, resources, and talents to a new national identity and psyche. It was not until Philip's reign that a common sentiment of what it meant to be a Hellene reached all Greeks. Alexander took this culture of Hellenism with him to Asia, but it was Philip, as leader of the Greeks, who created it and in doing so made the Hellenistic Age possible.
- Kinzl, Konrad H (2010). A Companion to the Classical Greek World. Wiley-Blackwell. صفحة 553. .
He [Philip] also recognized the power of pan-hellenic sentiment when arranging Greek affairs after his victory at Chaironeia: a pan-hellenic expedition against Persia ostensibly was one of the main goals of the League of Corinth.
- Burger, Michael (2008). The Shaping of Western Civilization: From Antiquity to the Enlightenment. University of Toronto Press. صفحة 76. .
In the end, the Greeks would fall under the rule of a single man, who would unify Greece: Philip II, king of Macedon (360-336 BC). His son, Alexander the Great, would lead the Greeks on a conquest of the ancient Near East vastly expanding the Greek world.
- Müller 2010، صفحات 166–167; Buckley 1996، صفحات 467–472.
- Müller 2010، صفحات 167–168; Buckley 1996، صفحات 467–472.
- Müller 2010، صفحة 167.
- Müller 2010، صفحات 167–168; Buckley 1996، صفحات 467–472; Errington 1990، صفحات 38.
- Müller 2010، صفحة 168.
- Müller 2010، صفحات 168–169.
- Müller 2010، صفحات 169–170, 179; Müller is skeptical about the claims of فلوطرخس and أثينايوس that Philip II of Macedon married Cleopatra Eurydice of Macedon, a younger woman, purely out of love or due to his own أزمة منتصف العمر. Cleopatra was the daughter of the general Attalus, who along with his father-in-law Parmenion were given command posts in الأناضول (modern تركيا) soon after this wedding. Müller also suspects that this marriage was one of political convenience meant to ensure the loyalty of an influential Macedonian noble house.
- Müller 2010، صفحات 169, 173–174; Cawkwell 1978، صفحة 84; Errington 1990، صفحات 38–39.
- Müller 2010، صفحات 170–171; Gilley & Worthington 2010، صفحة 187.
- Müller 2010، صفحة 170; Buckler 1989، صفحة 62.
- Müller 2010، صفحة 169.