تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلنطي هي مصطلح يشير إلى تجارة العبيد الذين تم نقلهم عبر المحيط الأطلنطي من القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر. جلبت الغالبية العظمى من العبيد الذين نقلوا عبر الأطلنطي من أفارقة وسط وغرب القارة، لبيعهم في المستعمرات في أمريكا الشمالية والجنوبية. استخدم هؤلاء العبيد للعمل في مزراع البن والقطن والكاكاو وقصب السكر والأرز، ومناجم الذهب والفضة، وصناعات التشييد والبناء ونقل الأخشاب، والخدمة في المنازل.
كان نقل العبيد يتم على السفن البرتغالية والبريطانية والفرنسية والإسبانية والهولندية والأمريكية، حيث كان التجار يشترون العبيد من تجار العبيد الأفارقة على الساحل الأفريقي.[1] التقديرات المعاصرة لأعداد هؤلاء العبيد تقدر عددهم بحوالي 12 مليون عبد.[2] وإن كان هناك من يقدر عددهم بأكثر من ذلك بكثير.[3][4][5]
يسمى العلماء الأفارقة والأمريكيون الأفارقة تجارة العبيد أحيانًا بـ "معفا" (Maafa)، والتي تعني "المحرقة" أو "الكارثة الكبرى" في اللغة السواحيلية. كما يسميها بعض العلماء مثل ماريمبا آني ومولانا كارينجا بـ "الهولوكوست الأفريقي". كانت العبودية أحد ثلاث عناصر في الدورة الاقتصادية في التجارة الثلاثية بين أوروبا وأفريقيا والأمريكتين.[6]
اشتملت تجارة عبيد الأطلسي أو تجارة العبيد عبر الأطلسي على نقل بشرٍ أفارقة مستعبَدين من قبل تجّار العبيد، بصورة رئيسية إلى الأمريكيتين. استخدمت تجارة العبيد طريق التجارة المثلثة وممرها الأوسط بصورة منتظمة، واستمرت منذ القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر. كانت الغالبية العظمى ممن استُعبِدوا ونُقلوا في تجارة العبيد عبر الأطلسي بشرًا من أفريقيا الغربية أو الوسطى جرى بيعهم من قبل أفارقة غربيين آخرين إلى تجار عبيد أوروبيين غربيين (أُسِر عدد قليل منهم مباشرةً من قبل تجار العبيد في غارات ساحلية)، وجلبوهم إلى الأمريكيتين. كانت تجارتي الكاريبي والأطلسي الجنوبي معتمدتين بوجه خاص على إنتاج القطن. كانت الدول الأوروبية الغربية، والتي كانت تنافس بعضها بعضًا، في أواخر القرن السابع عشر والثامن عشر، لإقامة إمبراطورياتٍ وراء المحيطات، تعدّ هذا أمرًا حاسمًا.
كان البرتغاليون، في القرن السادس عشر، أول من باشر في تجارة عبيد الأطلسي. في عام 1526، أكملوا أول رحلة عبيد عبر الأطلسي إلى البرازيل، وتبعهم أوروبيون آخرون بعد فترة قصيرة. اعتبر ملاك السفن العبيد حمولةً ينبغي نقلها إلى الأمريكيتين بأسرع وقتٍ وأرخص ثمن ممكنين، ليجري بيعهم هناك للعمل في زراعة القهوة والتبغ والكاكاو والسكر والقطن، وفي مناجم الفضة والذهب وفي حقول الأرز وفي صناعة البناء وقطع الخشب للسفن وفي العمل الذي يتطلب مهارة وكخدمٍ منزليين. في حين أن الأفارقة الأولين ممن خُطِفوا إلى المستعمرات البريطانية كانوا قد صُنِّفوا كخدمٍ بعقود مؤقتة، بحالة قانونية مماثلة للعمال أصحاب العقود القادمين من بريطانيا وأيرلندا، تعزّزت العبودية كفئة عرقية في أواسط القرن السابع عشر، مع اعتبار الأفارقة العبيد وذرّيتهم من حيث القانون ملكيّة لملاكهم، وكذلك اعتُبر الأطفال المولودين للأمهات العبدات عبيدًا أيضًا (الولد يتبع الرحم). بصفتهم ملكية، اعتُبر هؤلاء البشر بضائع أو وحدات عمل، وجرى بيعهم مع خدمات وبضائع أخرى.
الأمم المتاجرة بعبيد الأطلسي الرئيسية كانت، مرتّبةً بحسب ضخامة تجارتها، البرتغالية والبريطانية والفرنسية والإسبانية والإمبراطورية الهولندية والدنماركية، إضافة إلى النرويجية على فترات متقطّعة. أسّست العديد من هذه الأمم بؤرًا استعمارية على الساحل الأفريقي حيث قامت بشراء العبيد من القادة الأفارقة المحليين. أشرف وسيطٌ على هؤلاء العبيد، أقام قرب أو على الساحل لتعجيل شحن العبيد إلى العالم الجديد. سُجن العبيد في مصنع بانتظار الشحن. تشير التقديرات الحالية إلى نحو 12 مليون إلى 12.8 مليون أفريقي أرسِلوا عبر الأطلسي على امتداد 400 عام، برغم أن العدد المشترَى من قبل التجار كان أعلى بكثير، إذ تسبب الممر بمعدل وفيات عالٍ. قرابة بداية القرن التاسع عشر سنّت حكومات مختلفة قوانين لمنع التجارة، إلا أن التهريب غير الشرعي استمر. في أوائل القرن الحادي والعشرين قدمت حكوماتٌ عديدة اعتذاراتٍ عن تجارة العبيد عبر الأطلسي.
الخلفية
السفر عبر الأطلسي
تطوّرت تجارة عبيد الأطلسي بعد إقامة صلات تجارية بين «العالم القديم» (أفريقيا وآسيا) و«العالم الجديد» (الأمريكيتين). لقرون، جعلت تيارات المد والجزر السفر عبر المحيط بصورة خاصة صعبًا وخطيرًا للسفن المتاحة آنذاك، وبذلك كان هناك اتصال قليل، إن كان هناك اتصال أساسًا، بحرًا بين الشعوب التي تعيش في هذه القارات. إلا أنه في القرن الخامس عشر، نتج عن تطوراتٍ أوروبية في تكنولوجيا حياة البحار تجهيزٌ أفضل للسفن للتعامل مع تيارات المد والجزر، وقدرتها على البدء بعبور المحيط الأطلسي، أقام البرتغاليون مدرسة للملاحة (على الرغم من الجدال الكبير حول إذا ما كانت قد وجدت، وإن كانت قد وجدت، ماذا كانت). بين عامي 1600 و1800، زار غرب أفريقيا تقريبًا 300,000 بحارٍ منخرط في تجارة العبيد. بقيامهم بذلك، أقاموا صِلاتًا مع المجتمعات التي تعيش على طول الساحل الغربي الأفريقي وفي الأمريكيتين لم يواجههوها من قبل قط. نحت المؤرخ بيير تشانو نتائج الملاحة الأوروبية بمصطلح «كسر العزلة»، مشيرًا بالمصطلح إلى نهاية عزلة بعض المجتمعات وزيادة في الاتصال بين معظم المجتمعات الأخرى.
أشار المؤرخ جون ثورنتون: «عدد من العوامل الجغرافية والتقنية المتجمعة يجعل من الأوروبيين الشعب الأكثر ملاءمةً لاستكشاف الأطلسي وتطوير تجارته». حدّد ماهية هذه العوامل بالدافع لإيجاد فرصٍ تجارية جديدة ورابحة خارج أوروبا وكذلك الرغبة بإقامة شبكة تجارة بديلة لتلك التي تسيطر عليها الإمبراطورية العثمانية الإسلامية في الشرق الأوسط، والتي كانت بمثابة تهديدٍ ديني وسياسي وتجاري للعالم المسيحي الأوروبي. على وجه التحديد، أراد التجار الأوروبيون التجارة من أجل الذهب، الذي يمكن إيجاده في أفريقيا الغربية، وأيضًا إيجاد طريق بحري إلى «الهند الشرقية» (الهند)، حيث بإمكانهم التجارة من أجل البضائع الفاخرة مثل البهارات دون أن يكونوا مرغمين على الحصول على هذه المواد من التجار المسلمين الشرق أوسطيين.
على الرغم من أن العديد من الاستكشافات البحرية الأطلسية الأولية كانت بقيادة الإيبيريين، كان من بينهم أعضاءٌ من جنسيات أوروبية عديدة، من ضمنهم بحارة من الممالك البرتغالية والإسبانية والإيطالية، وفرنسا وبريطانيا وهولندا. أفضى هذا التنوع بثورنتون إلى وصف «استكشاف الأطلسي» الأوّلي بـ«ممارسة عالمية حقًا، حتى وإن كانت العديد من الاكتشافات قد جرت تحت رعاية الملوك الإيبيريين». أدت هذه القيادة فيما بعد إلى أسطورة أن «الإيبيريين كانوا القادة الوحيدين للاستكشاف».
العبودية الأفريقية
كانت العبودية سائدة في عدة أجزاء من أفريقيا، قبل عدة قرون من بداية تجارة العبيد عبر الأطلسي. ثمة دليل على تصدير البشر المستعبَدين في بعض أجزاء أفريقيا إلى دولٍ في أفريقيا وأوروبا وآسيا قبل الاستعمار الأوروبي للأمريكيتين.
لم تكن تجارة العبيد عبر الأطلسي تجارة العبيد الوحيدة من أفريقيا، برغم أنها كانت الأكبر في حجمها وشدتها، كتب إيليكيا إمبوكولو في صحيفة لوموند ديبلوماتيك:
استُنزفت الموارد البشرية للقارة الأفريقية عبر كل الطرق الممكنة. عبر الصحراء الكبرى والبحر الأحمر، ومن مرافئ المحيط الهندي وعبر المحيط الأطلسي. على الأقل عشر قرون من العبودية لمصلحة الدول المسلمة (من القرن التاسع حتى القرن التاسع عشر).. أربعة ملايين شخص مستعبَدين صُدِّروا عبر البحر الأحمر، أربعة ملايين آخرين عبر مرافئ السواحليين في المحيط الهندي، وربما ما يقارب تسعة ملايين على طول طريق قافلة التجارة العابرة للصحراء الكبرى، و11 مليون إلى 20 مليون (يتوقف الأمر على المؤلف) عبر المحيط الأطلسي.
وفقًا لجون ك ثورنتون، اشترى الأوروبيون عادة بشرًا مستعبَدين كانوا قد أسِروا في الحروب القبلية المتوطنة بين الدول الأفريقية. أسس بعض الأفارقة تجارةً من أسر وبيع أفارقة من جماعات إثنية مجاورة أو من أسرى الحرب. ثمة تذكيرٌ بهذه الممارسات موثّق في مناظرات تجارة العبيد في إنجلترا في أوائل القرن التاسع عشر: «جميع الكتاب القدماء.. يتفقون على ذِكر أن الدخول في الحروب لا يكون بغرض صناعة العبيد فحسب، بل أنه يُحرَّض عليها من قبل الأوروبيين لأجل ذلك الغرض». نُقِل الناس الذين يعيشون حول نهر النيجر من هذه الأسواق إلى الساحل وبيعوا في مرافئ التجارة الأوروبية مقابل بنادق وبضائع مصنوعة مثل القماش أو الكحول. غير أن الطلب الأوروبي على العبيد أتاح سوقًا جديدًا ضخمًا للتجارة القائمة مسبقًا. في حين كان يأمل بالفرار من حُجِزوا في العبودية في إقليمهم في أفريقيا، كانت فرصة العودة إلى أفريقيا ضعيفة لأولئك الذي شُحِنوا بعيدًا.
معرض صور
المراجع
- Klein, Herbert S.: The Atlantic Slave Trade. Cambridge University Press, 1999. , . pp. 103–139.
- Ronald Segal, The Black Diaspora: Five Centuries of the Black Experience Outside Africa (New York: Farrar, Straus and Giroux, 1995), , page 4. "It is now estimated that 11,863,000 slaves were shipped across the Atlantic. [Note in original: Paul E. Lovejoy, "The Impact of the Atlantic Slave Trade on Africa: A Review of the Literature", in Journal of African History 30 (1989), p. 368.]"
- Eltis, David and Richardson, David. The Numbers Game. In: Northrup, David: The Atlantic Slave Trade, 2nd edition, Houghton Mifflin Co., 2002. p. 95.
- Basil Davidson. The African Slave Trade.
- "African Holocaust How Many". African Holocaust Society. مؤرشف من الأصل في 5 مايو 201704 يناير 2007.
تعتمد الدراسات التقليدية على الوثائق الرسمية الفرنسية والبريطانية عن كيفية وصول العديد من الأفارقة إلى العالم الجديد، وهي لم تشمل الوفيات نتيجة الإهمال على ظهر السفن والغارات، والوفيات الناجمة عن الأمراض الأوروبية، كما أهملت تعدادات القادمين حجم الأفارقة الذين وصلوا عن طريق القراصنة.
- "African Holocaust Special". African Holocaust Society. مؤرشف من الأصل في 5 مايو 201704 يناير 2007.