الرئيسيةعريقبحث

تعايش سلمي


☰ جدول المحتويات


التعايش السلمي هو مفهوم في العلاقات الدولية دعا إليه خروتشوف عقب وفاة ستالين، ومعناه انتهاج سياسة تقوم على مبدأ قبول فكرة تعدد المذاهب الإيديولوجية والتفاهم بين المعسكرين في القضايا الدولية. و نعنى بالمعسكرين هنا المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي. كما تدعو الأديان كافة إلى التعايش السلمي فيما بينها، وتشجيع لغة الحوار والتفاهم والتعاون بين الأمم المختلفة.

التسامح الديني

لا شك أن ثورة المعلومات الحديثة والتي تمثلت في استخدام ملايين الناس لشبكة الإنترنت، جعلت العالم أشبه بالقرية الصغيرة، وسهَّلت التواصل والتعارف بين البشر من شتى الجنسيات والأديان، واختصرت المسافات والسنين بدقائق معدودة، وسهولة الاستزادة بالمعلومة بضغطة زر واحدة. ولعل كل هذا يزيد إيجابا أكثر من سهولة التفاهم والتعايش السلمي بين الاتجاهات المختلفة والمتعارضة.

إن السياسة الدولية عرَّفت مصطلح التعايش السلمي، على أنه قيام تعاون بين دول العالم، على أساس من التفاهم وتبادل المصالح الاقتصادية والتجارية، وحيث ظهر هذا المصطلح بعد الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى معسكرين متقاتلين.

تعايش الإسلام مع كافة الأديان، سواء السماوية منها أو غير السماوية، وهذه العلاقة من الناحية العقائدية بين المسلم والغير المسلم تنظمها السورة الكريمة التي عُنونت باسم "سورة الكافرون"، كما كان الحال مع مشركي وكفار قريش الذين حاربوا واضطهدوا الإسلام والمسلمين منذ قيام الدعوة إلى الإسلام: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}

وفي التاريخ الإسلامي الدليل الواضح على ذلك، فقد عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العهود والمواثيق مع كفار قريش ودعى إلى احترام وعدم نقض الوعود والعهود، مع غير الدمة من الكتابيين، ونفس الامر مع طوائف اليهود وقبائلها في الجزيرة العربية، ونجد في تلك العهود التي تضع أسس التعايش السلمي المشترك، لا تُلزم أحدا على الملة، مع الاحتفاظ كل بدينه وبشريعته واحترام معتقداته دون إلزام الآخر به. وذلك انطلاقا من نزول سورة سورة الكافرون، كما في قوله تعالي ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ۝ [1] وفي قوله: ﴿ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ۝ [2] وهي كذلك سنّة الخلفاء الراشدون. ونجد أرقى نماذج التعايش السلمي إبان العصور الوسطى في بلاد الأندلس، بين مختلف الأديان والطوائف والأعراق وخاصة بين المسلمين واليهود. مما أنتج حضارة متميزة لازالت قيمها الجمالية وإشعاعاتها في العديد من المجالات تقف شاهدة على بزوغها من ذلك العصر.

وقد حث الإسلام على ضرورة البر والإحسان إلى جميع الناس كافة، مهما اختلفت أديانهم وعقائدهم، كما جاء في محكم قوله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ۝ ﴾ ﴿ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۝ ﴾ "الآية الثامنة والتاسعة من سورة الممتحنة"

تفسير الميسر:لا ينهاكم الله -أيها المؤمنون- عن الذين لم يقاتلوكم من الكفار بسبب الدين، ولم يخرجوكم من دياركم أن تكرموهم بالخير، وتعدلوا فيهم بإحسانكم إليهم وبرِّكم بهم. إن الله يحب الذين يعدلون في أقوالهم وأفعالهم.

وقد حرم الإسلام بشكل قاطع سباب الأديان الأخرى كيفما كانت معتقداتها، لقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ۝ ﴾، ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ۝ ﴾.

حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد، عن قتادة قوله، كان المسلمون يسبون أوثان الكفار، فيردّون ذلك عليهم، فنهاهم الله أن يستسبوا لربهم، فإنهم قوم جهلة لا علم لهم بالله .

وفي نفس الإطار أوجب الإسلام الإيمان بجميع الرسل وعدم التفرقة بينهم، في قوله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ۝ ﴾" (سورة البقرة الآية 285).

هذا على مستوى التعاليم الإسلامية، أما على مستوى الشواهد التاريخية فهي مليئة بالعديد من النماذج التي تشهد على التعايش السلمي في عصور الازدهار الإسلامي الأولى، ويكفي استحضار النموذج والمثال الأندلسي الذي تعايش فيه المسلمون ويهود الأندلس بسلام وطمأنينة، كما في الغرب الإسلامي، وخير دليل على ذلك طائفة يهود السفارديم التي طردت من الأندلس بقرار أصدره الملكان فريناندو وإيزابيلا في 22 جمادى الأولى 897هـ ـ 30 مارس 1492م، والقاضي بأن يغادر سائر اليهود الذين لم يتنصروا من أي سن وظرف إسبانيا في غضون أربعة أشهر من تاريخ القرار، ولا يعودوا إليها أبدًا، ويعاقب المخالفون بالموت والمصادرة. وما كان في مجيء يهود الأندلس السفارديم إلى المغرب إلا استمرارا لهذا التعايش السلمي بين الموريسكيين والسفارديم حتى بعد سقوط الأندلس على أرض المغرب، ومن أكثر الشواهد التاريخية على ذلك عندما أنشأ لهم السلطان السعدي حيا بجوار قصره. كما ان أحياءهم كانت تقام إلى جانب قصور السلاطين وفي المواقع استراتيجية وآمنة للمدينة المغربية تلك الأحياء التي تعرف باسم الملاح في المدن المغربية والمغاربية ككل.

التعايش السلمي في تاريخ الغرب الإسلامي المعاصر

جلبت السيطرة الإسلامية في المغرب موجات جديدة من اليهود انضمت إلى الجالية الموجودة. وكانت أول الجاليات اليهودية التي استوطنت في المدون الرئيسية في القرن التاسع والعاشر.[3] وقع هذا التعايش السلمي الذي يضرب جذوره في تاريخ المغرب في محك واختبار حقيقي في عهد الحماية الإستعمارية في تونس والمغرب والجزائر، عندما سقطت فرنسا في يد الاحتلال الألماني بعد غزوها سنة 1939 ، وتعيين ألمانيا النازية لحكومة فيشي. التي قامت بسن قوانين مماثلة لقوانين ألمانيا النازية، رفض المغاربة آنذاك باسم السلطان محمد الخامس،[4] ومحمد المنصف باي في تونس،[5] تلك القوانين العنصرية لحكومة فيشي، رفضها محمد الخامس، ومحمد المنصف باي أثناء التفاوض والتوقيع عليها، رغم أن السلطان كان في موقف ضعف نظرا للظرفية السياسية آنذاك، فلم يسمح محمد الخامس لنفسه التمييز بين المغاربة وقبول إجبار المغاربة اليهود، الذين كانوا يشكلون ما نسبته 10% من سكان المغرب تعليق الشارة السداسية، وتسليم لائحة للمواطنين المنتمين للطائفة اليهودية للماريشال بيتان، قائلا: لو فرضت هذه القاوانين سأعتلي وأفراد عائلتي تلك النجمة السداسية، ونص المخابرات العسكرية الفرنسية واضح في إبراز هذا الموقف.[6] كما أقدم على زيارة الملاح تضامنا مع خصم حصة المغاربة اليهود عندما أقدمت فرنسا على منحهم 50% فقط من المواد الغذائية مقارنة مع المغاربة المسلمين، منتقدا هذا التمييز الذي ربما كان وفق تخطيطات صهيونية تمهيدا لمشروع إجبارهم على الهجرة نحو دولة إسرائيل.[7]

إن الثقافة والحضارة الإسلاميتين منفتحتان على حضارات الأمم، ومتجاوبتان مع ثقافات الشعوب الأخرى، وهما مؤثرتان ومتأثرتان. ومبدأ عالمية الإسلام، هو الأساس الثابت الذي تقوم عليه علاقة المسلم مع أهل الأديان السماوية.

إن مشاكل الحروب والتعصب ورفض الآخر وعلاقات التشنج هي نتيجة اديولوجيات مستحدثة، تفرغ غالبا الدين من محتواه الجوهري، الذي يهدف إلى إصلاح النفوس وإفراغها من الكراهية والعنصرية والتعصب، ويهذف إلى زرع بذور التسامح والإيثار والتعايش السلمي المبني على الاحترام والاحترام المتبادل.

إن ابتعاد الاديان عن هذا المنحى ومحاولة جرها إلى صراعات اديولوجية واستعمالها في بت الكراهية، لدليل على تأزم الأوضاع واتساع الهوة، بدمج الدين في الصراعات السياسية والنفوذ والإستحوذ الاقتصادي والهيمنة بين إيديلوجية الإفيون حينا وبين التجييش للعنصرية والكراهية من جهة أخرى، مما قد يؤدي إلى مزيد من الشرخ بين الشعوب والأمم، رغم محاولات ترقيع هذا الشرخ من جهة أخرى، بعد بروز واتساع مؤثرات العولمة وإمكانية حوار الحضارات والشعوب بشكل أكثر وضوحا وإشراقا ودون ضبابيات.

  • التعايش السلمي في المسيحية:

إن التعاليم المسيحية المتمثلة في الإنجيل، مليئة بالتعاليم التي تلزم المسيحيين بالتعامل مع بقية أبناء الأديان والطوائف الأخرى بالمحبة والتسامح، وعدم نبذ الآخر المختلف عقيدة ولونا وشكلا، وأن المحبة هي الشعار الرئيسي للدّين المسيحي، والأصل في جميع المعتقدات أن الإنسان عند الله مفضل على أي شيء آخر، وأنه من الظلم الكبير أن تتناحر الشعوب وتسفك الدماء البريئة على معتقدات، لو شاء لها الله أن تكون واحدة موحدة لجميع بني البشر، لفعل ذلك، ولكن الأصل في الحياة هو الاختلاف وتبادل الآراء والتفاهم والعيش المشترك، وإبعاد المخاطر المحيطة بهم، دون أي تمييز أو تفرقة، وما يخدم الإزهار والتطور الإنساني للصالح العام.

من الصعوبة أن يعيش الإنسان مع نفسه دون أن يختلط مع بقية المجتمعات الأخرى، التي تؤمن بغير دينه، ودون أن يدخل في عملية تَبادلِية مع طرف ثانٍ، أو مع أطراف أخرى، تقوم على التوافق حول مصالح، أو أهداف، أو ضرورات مشتركة. إن الأمل ما زال معقودا في أن يتعايش أبناء ومعتنقو الأديان المختلفة بين بعضهم البعض، دون التأثر بالأبواق التي لا تريد الخير للبشرية. أما كيف يتم التعايش بين المسلمين وغيرهم من أهل الأديان، فإنه ينبغي أن ينطلق هذا التعايش ابتداء من الثقة والاحترام المتبادلين، ومن الرغبة في التعاون لخير الإنسانية، في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وفيما يمس حياة الإنسان من قريب، وليس فيما لا نفع فيه، ولا طائل تحته.

وصلات خارجية

انظر أيضاً

مصادر ومراجع

مقالات ذات صلة

موسوعات ذات صلة :