كما صاغها الفيلسوف جاك دريدا، التفكيكية هي أسلوب فهم العلاقة بين النص والمعنى. يتكون أسلوب دريدا من ربط قراءات النص بأذن لما يناقض المعنى المقصود أو الوحدة الهيكلية لنص معين. هدف التفكيكية هو إظهار أن استخدام اللغة في نص ما واللغة ككل معقد غير قابل للتبسيط، وغير مستقر، أو مستحيل. من خلال قراءاته، كان دريدا يأمل أن يُظهر التفكيكية عمليا.[1]
تشير العديد من المناظرات في الفلسفة القارية المحيطة بعلم الوجود[2] ونظرية المعرفة[3][4] وعلم الأخلاق وفلسفة الجمال[5] وعلم التأويل وفلسفة اللغة،[6] تشير إلى ملاحظات دريدا. منذ الثمانينات، ألهمت هذه الملاحظات سلسلة واسعة من المشاريع النظرية في الإنسانيات، بما في ذلك مجالات القانون وعلم الإنسانيات وعلم التأريخ واللسانيات وعلم اللغات الاجتماعية والتحليل النفسي ودراسات أحرار الجنس، والمدرسة النسوية الفكرية. ألهمت التفكيكية أيضا التفكيكية في العمارة وظلت هام في الأدب والموسيقى والنقد الأدبي.[7][8]
في حين تنتشر في أوروبا القارية (وحيثما انتشرت الفلسفة القارية)، إلا أن التفكيكية غير متبناه أو مقبولة في معظم أقسام الفلسفة في الجامعات التي تسودها الفلسفة التحليلية.
نظرة عامة
قدم كتاب جاك دريدا عن علم النحو المنشور في عام 1967 غالبية الأفكار المؤثرة في التفكيكية.[9] نشر دريدا عددا من الأعمال الأخرى المرتبطة مباشرة مع مفهوم التفكيكية. تشمل الكتب التي تُظهر التفكيكية عمليا أو تعرّف التفكيكية بصورة أكثر اكتمالا كلا من الاختلاف، والحديث والظاهرة، والكتابة والاختلاف.
طبقا لدريدا واستلهاما من عمل فرديناند دو سوسور،[10] فإن اللغة كنظام من الإشارات والكلمات لها معنى فقط بسبب الاختلاف والتباين بين هذه الإشارات. كما صرح ريتشارد رورتي فإن "للكلمات معان فقط بسبب تأثير التباين مع الكلمات الأخرى... لا يوجد معنى لكلمة بالمفهوم الذي أمله الفلاسفة من أرسطو إلى بيرتراند راسل بأن تكون تعبيرا منفصلا عن شيء غير لغوي (على سبيل المثال المشاعر والأشياء الفيزيائية والفكرة والواقعية الأفلاطونية). كنتيجة لذلك، فإن المعنى لا يكون موجودا أبدا ولكنه يُحول إلى إشارات أخرى. يشير دريدا –مخطئ في هذه الرؤية- إلى الاعتقاد بأن هناك معنى كاف ذاتيا غير مُحول بأنه ما وراء الوجود. بالتالي فإن المفهوم لا بد من فهمه في سياق ضده، مثل الكون والعدم، والطبيعي وغير الطبيعي، والحديث والكتابة، إلخ.[11][12]
إضافة إلى ذلك، فإن دريدا يصرح بأنه "في التضاد الفلسفي الكلاسيكي لا نتعامل مع تعايش سلمي للتضاد، بل مع تسلسل عنيف. يحكم أحد المصطلحين الآخر أو يكون له اليد العليا": المُحدَد أعلى من المُحدِد، والمفهوم أعلى من المحسوس، والحديث أعلى من الكتابة، والنشاط أعلى من السلبية، إلخ. بالتالي فإن أولى مهام التفكيكية هي إيجاد وعكس هذا التضاد داخل نص ما أو مجموعة من النصوص، ولكن الغاية النهائية للتفكيكية ليست تجاوز كل التضاد، لأنها تفترض أنه ضرورة هيكلية من أجل إنتاج المعنى. دائما ما ينظم تسلسل التضاد نفسه من جديد. تشير التفكيكية فقط إلى ضرورة التحليل غير المنتهي الذي يستغل القرارات والعنف الفوضوي الموجود في كل النصوص.
أخيرا، يجادل دريدا أنه ليس من الكافي كشف وتفكيك طريقة عمل التضاد ثم الوقوف هناك في موقف عدمي أو تشاؤمي، "بالتالي نمنع أي وسائل تدخل في المجال بفاعلية". لكي تكون فعالة، تحتاج التفكيكية إلى خلق مصطلحات جديدة، وليس إلى صناعة المفاهيم المتضادة، بل تحديد الفروق بينها. هذا يفسر لماذا يقدم دريدا دائما مصطلحات جديدة في التفكيكية الخاصة به، ليس كلعب حر بل كضرورة حتمية للتحليل بهدف إبراز الفروقات. يُطلق دريدا على اللامحددات اسم خواص لفظية "خاطئة" والتي لا يمكن شملها في التضاد الفلسفي بعد الآن، إلا أنها تشغل تضادا فلسفيا يقاومها وينظمها بدون مساهمة من مصطلح ثالث، وبدون ترك المجال لحل في صورة ديالكتيك هيغلي (على سبيل المثال الكتابة الأصلية وفارماكون).
التأثيرات
كانت نظريات دريدا عن التفكيكية متأثرة بأعمال لغويين أمثال فرديناند دي سوسور (الذي أصبحت كتاباته في علم العلامات حجر زاوية في النظرية الهيكلية في منتصف القرن العشرين) والنظريين الأدبيين مثل رولان بارت (الذي كانت أعماله بحثا في النهايات المنطقية للفكر الهيكلي). وقفت آراء دريدا عن التفكيكية في مواجهة نظريات الهيكليين أمثال عالم التحليل النفسي جاك لاكان، واللغوي كلود ليفي ستروس. إلا أن دريدا واجه محاولات في وصم أعماله بأنها ما بعد البنيوية.
مقالات ذات صلة
مراجع
- "Deconstruction". Encyclopedia Britannica (باللغة الإنجليزية). مؤرشف من الأصل في 30 أبريل 201508 سبتمبر 2017.
- Allison, David B.; Garver, Newton (1973). Speech and Phenomena and Other Essays on Husserl's Theory of Signs (الطبعة 5th). Evanston: Northwestern University Press. . مؤرشف من الأصل في 14 مايو 202008 سبتمبر 2017.
A decision that did not go through the ordeal of the undecidable would not be a free decision, it would only be the programmable application or unfolding of a calculable process...[which] deconstructs from the inside every assurance of presence, and thus every criteriology that would assure us of the justice of the decision.
- "Critical Legal Studies Movement". The Bridge. مؤرشف من الأصل في 21 أغسطس 201608 سبتمبر 2017.
- "German Law Journal - Past Special Issues". 16 May 2013. مؤرشف من الأصل في 16 مايو 201308 سبتمبر 2017.
- Morris, Rosalind C. (September 2007). "Legacies of Derrida: Anthropology". Annual Review of Anthropology. 36 (1): 355–389. doi:10.1146/annurev.anthro.36.081406.094357.
- Munslow, Alan (1997). "Deconstructing History" ( كتاب إلكتروني PDF ). Institute of Historical Research. مؤرشف من الأصل ( كتاب إلكتروني PDF ) في 4 مارس 201608 سبتمبر 2017.
- Douglas, Christopher (31 March 1997). "Glossary of Literary Theory". University of Toronto English Library. مؤرشف من الأصل في 8 نوفمبر 201716 سبتمبر 2017.
- Kandell, Jonathan (10 October 2004). "Jacques Derrida, Abstruse Theorist, Dies at 74". The New York Times. مؤرشف من الأصل في 24 يوليو 201801 يونيو 2017.
- Derrida, Jacques; Spivak, Gayatri Chakravorty (1997). Of Grammatology. Baltimore: Johns Hopkins University Press. .
- Saussure, Ferdinand de (1959). "Course in General Linguistics". Southern Methodist University. New York: New York Philosophical Library. صفحات 121–122. مؤرشف من الأصل في 21 سبتمبر 201808 سبتمبر 2017.
In language there are only differences. Even more important: a difference generally implies positive terms between which the difference is set up; but in language there are only differences without positive terms. Whether we take the signified or the signifier, language has neither ideas nor sounds that existed before the linguistic system, but only conceptual and phonic differences that have issued from the system.
- Derrida, Jacques; Bass, Alan (2001). "7 :Freud and the Scene of Writing". Writing and Difference (الطبعة New). London: Routledge. صفحة 276. 08 سبتمبر 2017.
The model of hieroglyphic writing assembles more strikingly—though we find it in every form of writing—the diversity of the modes and functions of signs in dreams. Every sign—verbal or otherwise—may be used at different levels, in configurations and functions which are never prescribed by its "essence," but emerge from a play of differences.
- Derrida, Jacques (1982). Positions (باللغة الإنجليزية). University of Chicago Press. .