أبو محمد جواد ولى الدين (ت. 1433 هـ / 2012 م) هو رجل دين وشيخ الموحدون الدروز، من أهل لبنان.
جواد ولي الدين | |
---|---|
معلومات شخصية | |
تاريخ الميلاد | 1916 |
تاريخ الوفاة | 2012 |
ولد سنة 1916 م.[1] توفي عن عمر يناهز الستة وتسعين سنة.[2]
نبذة عن حياة الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين
كان فضيلة الشيخ الراحل عالمًا في أصول الدين والشريعة والفقه مفتيًا في أمور الأمّة ومشكلاتها، قاضيًا في أحكامها ومعضلاتها، كما كان شديد التعلّق بالمصحف المكرّم فكان يحفظه عن ظهر قلب بل يعرف أرقام سوره وآياته، يقضي جُلّ أوقاته في تلاوته والتعمّق في تفاسيره وإعجازه وبقي على ذلك عمره كلّه حتّى وافته المنيّة وهو يتلو ذكر ربّه خاشعًا فسبحان الذي قهر عباده بالموت. كان شيخنا الكريم المفضال على سعةٍ من العيش لكنّه كان مع هذا زاهدًا متقشّفًا مبغضًا للدنيا وزينتها اتّخذ له خلوةً في مكانٍ منقطعٍ عن العمران يخلو بها إلى ربّه مكتفيًا ببساطٍ بالٍ وفراشٍ خشن وكانت خلوا من الكهرباء لا ينيرها إلاّ مصباحٌ خافت الضوء(قنديل)، يتّفي مطر الشتاء الذي (يدلف) من ثغرات سطحها بالأواني والأوعية التي يوزّعها هنا وهناك وتراه مع ذلك فرحًا مستبشرًا كأنّما ينبعث النور من قسمات وجهه فيبث في زائره غبطة تختلط بالهيبة والوقار فيشعره أنّ المكان يستمدّ نورًا من قاطنه الذي قضى فيه الليالي الطوال مستأنسًا بربّه مطمئنًّا إليه فكأنّه آتٍ ليرسم للأجيال معنى الحياة الروحيّة الراقية وسعادة اتّصال الإنسان بخالقه؛ تلك السعادة التي خبرها وذلك الاتّصال الذي حقّقه في خلوته فشفّ وجهه نورًا وشفّت بصيرته فراسةً وصفاءً.
وقد كان هذا الشيخ الفريد عصاميًّا لا يأكل إلا من عرق جبينه وكدّ يمينه فكان يمتهن الكتابة وتربية النحل وظلّ لآخر عمره يعتاش من غلّة أرضه ونتاج نحله، فكان يرفض أن يأخذ الهبات والصدقات لنفسه ولا يُنفق منها مهما أصرّ معطيها بل يصرفها على مستحقّيها من المحتاجين والفقراء. وبقي الشيخ حتّى سن متقدّمة يُباشر شؤونه بنفسه إلى أن أقعده المرض عن ذلك فقام الشيخ بتكليف أحد الشبان الاعتناء بخلايا النحل التي يملكها وكان الشيخ يأبى إلّا ان يُعطي ذلك الشاب أجرته كاملة وظلّ حتّى آخر أيّامه يُتابع عبره شؤون النحل وكان يقول:(هلحشرة أنا بحبها ونحنا بني معروف مثل النحل منجني العسل بس إذا حدا تعدّا علينا منلحقو ومناخد ثارنا منو لو بدنا نموت) والنحل لا يؤذي إلاّ من يعتدي عليه، وتموت النحلة مباشرة بعد اللسع. فكان الشيخ مطبّقًا لهذه المقولة يجني الشهد في عزلته وخلوته، وفي كلامه وأفعاله وحركته، ويطعمه لإخوانه في صحائف طهره وبركته؛ يأبى التعدّي لكنّه أيضًا يقدّس الدفاع ولا يقبل لمعتدٍ أو باغٍ أن ينال شبرًا من أرض أو أن يمسّ شعرةً من عرض ولو أدّى الدفاع إلى الموت فلا يبالي. فكان مثالاً يُحتذى في الشجاعة والإقدام ورمزًا للبطولة والكرامة، سطّر في أحلك الظروف وأصعبها من المواقف ما حفظ الكرامة وصان العرض والأرض وطيب ذكره على أفواه من عايش الأزمات وشهد جرأته ودوره في الحفاظ على هذه العشيرة. ومن أبرز هذه المواقف وقوفه في وجه العدو حين دخل بعقلين بجنوده وآليّاته العسكريّة مهدّدا عبر مكبّرات الصوت بضرورة تسليم السلاح من قبل الأهالي في مهلةٍ لا تتجاوز ساعةً من الزمن ما أوقع الرعب في النفوس ودفع بالأهالي إلى جمع السلاح تمهيدًا للتسليم فما كان من الشيخ إلا أن أعلن غضبه على كل من يسلّم قطعة من السلاح ما أغضب جيش العدوّ الذي جاء بآليّاته ودباباته وحاصر منزل الشيخ إرهابًا له كي يتراجع عن موقفه وبعد أخذ ورد غضب الضابط المسؤول وهدّد بقصف بعقلين بالطائرات إذا لم يذعنوا لأمره فأجابه الشيخ بحدة أن يفعل ما يحلو له وأنه لن يتم تسليم السلاح ثمّ أضاف بصوت هادر ملؤه الثقة:" إنتو لو كنتو قوايا بعدتكن بس إنتو ضعاف مع الله تعالى والسلاح مش رح تاخدوه إلا على جثثنا" فما إن سمع الضابط كلامه حتى تقهقر وخرج منكسرًا آمرًا جنوده بالانسحاب. هذا بالإضافة إلى مواقفه أثناء الأحداث التي فرضت على اللّبنانيين فكان أوّل الداعيين إلى الواجب المقدس في الدفاع عن الأرض والعرض وعدم التعدّي على أحد فكان دائمًا يردّد:"أنّ من يعتدي ليس منا ومن لا يرد الاعتداء ليس منّا" وكان يوصي دائمًا: إذا اضررتم للقتال فالتعرّض للنساء والأطفال حرام وقتل كل من يلقي سلاحه حرام بل إن كل من أدار لكم ظهره فقتله حرام وكان لدقته ووعيه يوصي بعدم استعمال المدافع لأن المدفع أعمى يصيب المذنب والبريء كما كان يشدّد على التمسّك بالأرض وعدم تركها مهما قست الظروف. ومن فائق شجاعته وجرأته أيضًا ما كان يرويه بنفسه في مطلع شبابه حيث برز في ذلك الزمان تيّارٌ من الناس يعتمدون على الحسابات والإشارات ويحدّدون للناس المواقيت والآجال ونتيجة للجهل وقلّة الوعي انجرف كثيرًا من اللّبنانيّين مع هذا التيّار ومنهم بعض العقلاء فما كان من الشيخ وهو لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره آنذاك إلاّ أن وقف وحيدًا في وجه هذا التيّار داعيًا إلى الوعي وتحكيم العقل ومشدّدًا على أنّ الغيب لا يعلمه إلاّ الله. وكانت هذه الجرأة محطّة بارزة في مسيرة الشيخ البطل.
ومن بديع ما جمع هذا الشيخ من المعاني وحميد ما حوى من الخصال والمغاني أنّه كان حاضر البديهة، متوقّد الذهن، حاد البصيرة، كامل الوعي حتّى آخر يوم من عمره؛ فكان بديهيًّا في فهم الأمور واستيعابها، عارفًا بزمانه ودخائله وأسراره، دائم القلق على مصير لبنان والأمّة، يسأل دائمًا عن أوضاع البلاد ويختزن ذلك كلَّهُ في ذهنه وقلبه ويستعرضه أمام زوّاره من قادةٍ وزعماء داعيًا أيّأهم إلى الوحدة والتعقّل وكان يردّد دائمًا أنّ المشاكل لا تخدم مصلحة أحد بل إذا وقع الخلاف فإنّ الخسارة تشمل الجميع. هذا غيضٌ يسير، من فيض هذا السيد العلم الكبير؛ الذي جمع من المآثر والخصال، ما يعجز عن وصفه المقال؛ فتبقى الحروف قاصرة، والكلمات مبعثرة ؛ تتيه في فسيح ميادينه، وتتشعب في دروب المكرمات التي اجتمعت في عرينه؛ فكان بطلًا مغوارًا، وفارسًا بسيف الحقّ كرّارًا؛ أخلى لتوحيد الخالق قلبَهُ، فامتلأ من فيض أنوار العليّ لبَّهُ؛ وصفا فكره بقوّة اليقين، فزاد في نقاءه كرُّ السنين؛ ففي كل مكرمةٍ له ذراع، وفي كلّ مفخرةٍ حظٌّ وباع؛ فكان موسوعةً روحيّة دينيّة أخلاقيّة وطنيّة جمعت من فضائل الأخلاق ومكارم العقائد والصفات ما لو تفرّق في قبيلةٍ لخرج كلُّ فردٍ منهم غانمًا موفورًا: فكان عاقلًا مع مشورةٍ وتدبّر؛ حازمًا مع رفقٍ وتبصُّر؛ شجاعًا مع أناةٍ وتروٍّ؛ فاخرًا مع زهدٍ وتقشّف؛ صاحب عزّةٍ وكرامة مع تواضعٍ وخشوع؛ فكان معينًا لا يزال يفيض علينا من عبق ذكره فطوبى للواردين وألف طوبى للناهلين المرتوين.
مقالات ذات صلة
المراجع
- نبذة عن حياة الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين - تصفح: نسخة محفوظة 9 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- لبنان : الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين في ذمّة الله - تصفح: نسخة محفوظة 30 أبريل 2012 على موقع واي باك مشين.