الجوانب الاجتماعية للتلفاز هي التأثيرات التي أحدثتها وسيلة الإعلام هذه على المجتمع منذ بدايتها. لم يطعن أحد بالرأي القائل إن هذا التأثير كان دراماتيكيًا في النظرية الإعلامية منذ بدايته. ومع ذلك، هناك الكثير من الخلاف حول ماهية تلك الآثار، ومدى خطورة تداعياتها، وما إذا كانت هذه الآثار أكثر أو أقل تطوريةً مع الاتصالات البشرية.
الآثار الإيجابية
فرضية الاستنابة الاجتماعية
تكشف الأبحاث الحالية أن الأفراد الذين يعانون العزلة الاجتماعية يمكنهم استخدام التلفاز لإنشاء ما يطلق عليه علاقة ما وراء اجتماعية أو مزيفة مع شخصيات من برامجهم وأفلامهم التلفزيونية المفضلة باعتباره وسيلة للتهرب من مشاعر الوحدة والحرمان الاجتماعي. تمامًا كما يقضي الفرد وقتًا مع شخص حقيقي ويتشارك معه الآراء والأفكار، تتشكل العلاقات المزيفة مع شخصيات تلفزيونية من خلال جعلها محط اهتمام شخصي في حياته كما لو أنهم أصدقاء مقربين، من أجل أن يتمكن الفرد من إشباع الرغبة الإنسانية بتشكيل علاقات هادفة وإيجاد مكان لنفسه في المجتمع. وجد جاي ديريك وشيرا غابرييل من جامعة بافالو وكورت هوغنبرغ من جامعة ميامي أنه عندما لا يتمكن الفرد من الانخراط في علاقات مع أناس حقيقيين، فإن احتمال إظهاره مشاعر الوحدة عند مشاهدة برنامجه التلفازي المفضل أقل.[1][2]
يُشار إلى هذه النتيجة باسم فرضية الاستنابة الاجتماعية. علاوة على ذلك، عندما تتزعزع علاقة شخصية نتيجة حدث مثل شجار أو جدال، فإن مشاهدة البرنامج التلفازي المفضل كانت قادرة على خلق مُتكأ ومنع الفرد من الشعور بتدني الثقة بالنفس ومشاعر الضعف التي غالبًا ما تصاحب التهديد المحتمل. من خلال توفير بديل مؤقت للقبول والانتماء الذي نشعر بها من خلال العلاقات الاجتماعية، يساعد التلفاز على تخفيف مشاعر الاكتئاب والشعور بالوحدة عندما لا تتوفر هذه العلاقات. تعتبر هذه الفائدة نتيجة إيجابية لمشاهدة التلفاز، إذ يمكنها مواجهة الأذى النفسي الناتج عن العزلة عن العلاقات الاجتماعية.
الفوائد التعليمية
وجدت العديد من الدراسات أن للتلفزيون التعليمي العديد من الفوائد. تشرح شبكة التوعية الإعلامية في مقالها المعنون «الأمور الجيدة في التلفاز» أن التلفاز قد يكون أداة تعليمية مؤثرة وفعالة للغاية بالنسبة للأطفال إن استُخدم بحكمة. ينص المقال على أن التلفاز قد يساعد الشباب على اكتشاف المكان الذي يناسبهم في المجتمع، وتطوير علاقات أوثق مع زملائهم وعائلتهم، وتعليمهم فهمَ الجوانب الاجتماعية المعقدة للتواصل. يستشهد ديميتري كريستاكيس بالدراسات التي أحرز فيها من شاهدوا شارع السمسم والبرامج التعليمية الأخرى من الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة درجات أعلى، وكانوا يقرؤون المزيد من الكتب، ويولون النجاح قيمة أكبر، وكانوا أكثر إبداعًا. وبالمثل، في الوقت الذي عانى فيه أولئك الذين تعرضوا لنماذج ذات أدوار سلبية، تصرف الذين تعرضوا للنماذج الإيجابية بشكل أفضل.[3][4][5]
الآثار الصحية
في مجلة بارينت سيركل، تشير الدكتورة بريسيلا جاي إس سلفارج إلى الفوائد العديدة لمشاهدة التلفاز على الصعيدين التعليمي والعاطفي. وقالت: «يمكن استخدامه ... سواء في المنزل أو في الفصل. بوجود مجموعة من القنوات المعروضة، لن يكون هناك نقص في المحتوى التعليمي». بالإضافة إلى هذه الفوائد، تحقق مشاهدة التلفاز الوعي في المجتمع، وأيضًا قد تساعد الأشخاص على التحدث بلغتين. ولأن الأطفال يتعلمون أمورًا خارج الفصل الدراسي، فإنه يجعل الأمور أسهل عليهم داخله. يمكن لهذا أن يخلق السعادة ويعزز الطاقة أيضًا. عندما تكون نشطًا وسعيدًا، يمكن لجسمك أن يكون أكثر نشاطًا، وزيادة النشاط تجعل الناس بصحة أفضل.[6]
عاطفيًا، قد تساعد مشاهدة التلفاز على تعزيز الروابط العائلية. يمكن القول إن قضاء بعض الوقت مع عائلتك أو أحبائك قد يتسبب في إطلاق الإندورفين في جسمك ما يجعلك أكثر سعادة.
الآثار السلبية
تشير الألفاظ الكثيرة التي تحقّر التلفاز (على سبيل المثال، «الأنبوب المعتوه» و«علكة العقل» وما إلى ذلك) إلى ازدراء الكثير من الناس لوسيلة الإعلام هذه. تحدث نيوتن إن. مينو عن «القفار الشاسع» الذي كانت عليه البرامج التلفزيونية آنذاك في خطابه لعام 1961.[7]
استمع نظام القضاء الأمريكي إلى الشكاوى المتعلقة بالتأثير الاجتماعي للتلفاز، إذ ندد المحققون والمدعون العامون بما أطلقوا عليه «متلازمة سي إس آي». اشتكوا من أنه نظرًا إلى شعبية سي إس آي وعدد مشاهديه الكبير، فمن المتوقع أن تصبح هيئة المحلفين آنذاك «مبهورة» وتبرئ المجرمين من التهم ما لم يتم تقديم أدلة مادية دامغة، حتى عندما تقدم هيئة الادعاء الدافع والشاهد وتبيّن الافتقار إلى الحجة.[8]
يُنسب إلى التلفاز أيضًا تغيير قواعد الانضباط الاجتماعي، على الرغم من كون اتجاه هذا التغيير وقيمته موضع جدل. كتب ميلتون شولمان، الذي كان يكتب عن التلفاز في ستينيات القرن الماضي، أن «أفلام الكرتون التلفزيونية عرضت أبقارًا دون ضروع ولم تظهر حاملًا في أي موقف»، وأشار إلى أن الألفاظ السوقية على الهواء كانت مستنكرةً للغاية. اقترح شولمان أنه حتى في سبعينيات القرن الماضي، كان التلفاز يصوغ أفكار الانضباط والملاءمة في البلدان المغطاة بوسيلة الإعلام هذه. أكد أن التلفاز، وخاصةً بصفته وسيلةً «شائعًة وواسعة الانتشار»، يخلق ألفةً مريحة وقبولًا للغة والسلوك بعد أن كانا غير مقبولين اجتماعيًا. فضلًا عن التأثير على مشاهديه، حرض التلفاز تحرّكًا محاكيًا من وسائط منافسة أخرى ناضلت لتبقى مواكبة وتحافظ على المشاهدين أو القراء.[9]
وفقًا لدراسة نُشرت عام 2008، أجراها جون روبنسون وستيفن مارتن من جامعة ميريلاند، يُمضي الأشخاص غير الراضين عن حياتهم وقتًا أطول في مشاهدة التلفاز بنسبة 30% مما يمضيه الأشخاص الراضون عن حياتهم. أٌجري البحث على 30,000 شخص خلال الفترة بين عامي 1975 و2000. تناقض هذا مع دراسة سابقة أشارت إلى أن مشاهدة التلفاز اعتُبرت أكثر الأوقات سعادةً خلال اليوم بالنسبة لبعض الناس. بناءً على دراسته، علق روبنسون أنه يمكن تشبيه التأثيرات الممتعة للتلفاز بنشاط إدماني يؤدي إلى «متعة مؤقتة ولكن تعاسة وندم على المدى البعيد». [10]
الآثار الصحية
وجدت دراسات أُجريت على كل من الأطفال والبالغين وجود ارتباط بين عدد الساعات التي يقضونها في مشاهدة التلفاز والسمنة. وجدت دراسة أن مشاهدة التلفاز تخفض معدل الأيض لدى الأطفال إلى مستوى أقل من نظيره عند باقي الأطفال. يصف الكاتب جون شتاينبك مشاهدي التلفاز:[11][12]
«لاحظتُ ظهور الأعراض الجسدية للتلفاز على الأطفال وأيضًا على البالغين. يزداد ارتخاء الفم وتبقى الشفتان مفتوحتان، ويبدو على العينين مظهر النوم أو التخدير، ويسيل الأنف أكثر من المعتاد، وتختلّ استقامة العمود الفقري، وتنتزع الأصابع الزخرفات من الأثاث المطرز ببطء وانتظام. هذا هو مظهر حالة اللاوعي التي قد تدفع المرء للتساؤل عن مقدار الرسائل التي يمررها التلفاز إلى المخ خلالها».[13]
توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بألا يشاهد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنتين التلفاز أبدًا، وأن يشاهد الأطفال الذين تبلغ أعمارهم سنتين أو أكثر التلفاز لمدة لا تزيد عن ساعة واحدة أو ساعتين. فالأطفال الذين يشاهدون التلفاز لأكثر من أربع ساعات يوميًا أكثر عرضة لزيادة الوزن.[14][15]
ترتبط مشاهدة التلفاز وغيرها من أنشطة القُعدة مع ازدياد خطر الإصابة بالنوبات القلبية، والسكري، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والموت.[16][17]
المراجع
- Butler, Fionnuala; Cynthia Pickett (28 July 2009). "Imaginary Friends". Scientific American. Scientific American. مؤرشف من الأصل في 14 أكتوبر 201926 مارس 2010.
- Derrick, Jaye L.; Gabriel, Shira; Hugenberg, Kurt (2009). "Social surrogacy: How favored television programs provide the experience of belonging". Journal of Experimental Social Psychology. 45 (2): 352–362. doi:10.1016/j.jesp.2008.12.003.
- Media Awareness Network - تصفح: نسخة محفوظة 2006-02-02 على موقع واي باك مشين.
- Media Awareness Network. "The Good Things About Television". مؤرشف من الأصل في 20 أغسطس 2019.
- Dimitri Christakis (February 22, 2007). "Smarter kids through television: debunking myths old and new". Seattle Times Newspaper. مؤرشف من الأصل في 4 يناير 200831 أغسطس 2007.
- Selvaraj, Dr Priscilla J. S. (2017-07-11). "Benefits of watching TV, Why watching TV can be good for kids - Parentcircle". www.parentcircle.com (باللغة الإنجليزية). مؤرشف من الأصل في 19 فبراير 202019 فبراير 2020.
- McFedries, Paul (2001). The Complete Idiot's Guide to a Smart Vocabulary. Alpha Books. صفحة 88. . مؤرشف من الأصل في 19 مارس 2020.
- Van Zandt, Clint (MSNBC analyst & former FBI profiler (3 August 2005). "The Real World vs. the CSI Syndrome". NBC News. مؤرشف من الأصل في 25 سبتمبر 201627 أكتوبر 2007.
- Shulman, Milton (1973) The Ravenous Eye, Cassell and Company, p. 277.
- Robinson, John P.; Martin, Steven (2008-07-31). "What Do Happy People Do?" ( كتاب إلكتروني PDF ). Social Indicators Research. 89 (3): 565–571. doi:10.1007/s11205-008-9296-6. ISSN 1573-0921. مؤرشف من الأصل ( كتاب إلكتروني PDF ) في 19 مارس 202029 ديسمبر 2011. ضع ملخصا – University of Maryland Newsdesk (2009-11-14).
If interpreted in the Princeton group's framework of activity as experienced being the sine qua non of measurement, that would mean that TV represents a highly enjoyable activity that would improve the quality of people's lives, given that more of Americans' free time is being devoted to it. Clearly, the data analyzed here point in the opposite direction. As noted at the outset, whether that means happiness leads to lower viewing, or that more viewing leads to unhappiness, cannot be determined from these data, and thus will require a panel design along with some careful observational study.
- Gortmaker SL, Must A, Sobol AM, Peterson K, Colditz GA, Dietz WH (April 1996). "Television viewing as a cause of increasing obesity among children in the United States, 1986-1990". Arch Pediatr Adolesc Med. 150 (4): 356–62. doi:10.1001/archpedi.1996.02170290022003. PMID 8634729.
- Klesges, Robert C.; Mary L. Shelton; Lisa M. Klesges (1993). "Effects of Television on Metabolic Rate: Potential Implications for Childhood Obesity". Pediatrics. 91 (2): 281–286. PMID 8424001. مؤرشف من الأصل في 13 ديسمبر 200919 مايو 2008.
- Steinbeck, John. The Reporter, March 10, 1955
- "The Benefits of Limiting TV". American Academy of Pediatrics. 29 March 2010. مؤرشف من الأصل في 21 أكتوبر 2010.
- "How TV affects your child". Kids Health. مؤرشف من الأصل في 06 فبراير 201626 أبريل 2010.
- Grøntved, A; Hu, FB (15 June 2011). "Television viewing and risk of type 2 diabetes, cardiovascular disease, and all-cause mortality: a meta-analysis". JAMA. 305 (23): 2448–55. doi:10.1001/jama.2011.812. PMC . PMID 21673296.
- Roni Caryn Rabin (January 12, 2011). "Inactivity Is Harmful, Even With Trips to the Gym". The New York Times. مؤرشف من الأصل في 11 مارس 2012.