حرب التحالف الثالث هو صراع امتد بين 1803-1806.[1][2][3] شهدت الحرب هزيمة تحالف من النمسا والبرتغال وروسيا وغيرها على يد فرنسا ودولها العميلة تحت حكم نابليون الأول. كانت بريطانيا العظمى بالفعل في حالة حرب مع فرنسا عقب استئناف الأعمال العدائية الناجمة عن انهيار معاهدة أميان، وسوف تكون بريطانيا الدولة الوحيدة التي لا تزال في حرب مع فرنسا بعد صلح برسبورغ.
الفترة التاريخية
يختلف المؤرخون على تحديد التاريخ الدقيق لبداية حرب التحالف الثالث ونهايتها، فمن وجهة نظر بريطانيا بدأت الحرب بإعلان بريطانيا الحرب على فرنسا في 18 مايو 1803، دخلت مملكة السويد في تحالف مع المملكة المتحدة في ديسمبر 1804، وفي 11 أبريل 1805 انضمت روسيا إلى التحالف، وبعدها أكملت النمسا ومملكة نابولي وصقلية التحالف. لم تحدث أي أعمال عدائية كبيرة بين فرنسا وأي عضو في التحالف إلا بريطانيا حتى معركة أولم في سبتمبر 1805. وانتهت المعارك الكبيرة بعد معركة أوستريليتز وتوقيع معاهدة بريسبيرغ في 26 ديسمبر 1805، ما أجبر النمسا على الانسحاب من التحالف وإيقاف أعمالها القتالية ضد فرنسا. يعتقد بعض المؤرخين أن انسحاب النمسا أدى إلى انهيار الحالف الثالث الهش أصلاً، ولكن هذه الرواية تتجاهل الغزو الفرنسي اللاحق لمملكة نابولي الذي استمر من فبراير إلى يوليو من العام 1806، والذي أدى إلى انسحاب القوات البريطانية والروسية من نابولي واستسلام قوات نابولي المتبقية بسرعة.[4] ولكن علماء آخرين يقترحون أن تُدرج حملة جنوب إيطاليا ضمن حرب التحالف الثاني، وينتقدون تجاهل جبهة البحر الأبيض المتوسط والتركيز فقط على المعارك البرية التي جرت في أوروبا الوسطى ومعركة الطرف الأغر.[5]
مقدمة
تورطت أوروبا في حروب الثورة الفرنسية منذ عام 1792، وبعد خمس سنوات من الحرب خضعت الجمهورية الفرنسية لجيوش التحالف الأول في عام 1797، وتشكَّل تحالف ثانٍ في عام 1798، ولكنَّ هذا التحالف هُزم أيضاً بحلول عام 1801 تاركاً من بريطانيا الخصم الوحيد للجمهورية الفرنسية الجديدة.[6]
من معاهدة أميان إلى التحالف الثالث
وافقت فرنسا وبريطانيا على وقف الأعمال القتالية بموجب معاهدة أميان في مارس 1802، وهكذا عاشت أوروبا حالة سلام لأول مرة منذ عشر سنوات، ومع ذلك فقد استمرت العديد من الاضطرابات بين الجانبين ما جعل من تطبيق المعاهدة أكثر صعوبة، وكان نابليون بونابرت غاضباً من عدم إخلاء القوات البريطانية من جزيرة مالطا، وازداد التوتر سوءاً عندما أرسل نابليون قوة استكشافية لإعادة السيطرة على هايتي، كل ذلك أدى في النهاية لإعلان بريطانيا الحرب على فرنسا في 18 مايو 1803، على الرغم أن نابليون تقبَّل أخيراً احتلال البريطانيين لمالطا. فتك المرض بجيش نابليون الاستطلاعي في هايتي،[7] وهو الأمر الذي دمر خططه لبناء إمبراطورية فرنسية في العالم الجديد، فمن دون موارد كافية من مستعمرات السكر في منطقة البحر الكاريبي لم تكن مساحة لويزيانا الشاسعة في أمريكا الشمالية ذات قيمة تذكر بالنسبة لفرنسا. لم تكن إسبانيا قد أكملت بعد نقل ملكية لويزيانا إلى فرنسا بموجب معاهدة سان إلديفونسو الثالثة، كما أن الحرب بين فرنسا وبريطانيا كانت وشيكة، ولذلك قرر نابليون بيع كامل أراضي لويزيانا للولايات المتحدة بمبلغ إجمالي قدره 68 مليون فرنك (15 مليون دولار)،[8] ووُقعت معاهدة شراء لويزيانا في 30 أبريل 1803.
كانت الحكومة الفرنسية قد أصدرت أوامر بإنفاق 60 مليون فرنك لبناء خمس قنوات ري جديدة في فرنسا، ولكن نابليون أنفق المبلغ بالكامل على خططه لغزو إنجلترا.[9]
نشأ الحلف الثالث في ديسمبر عام 1804، ووقعت بريطانيا والسويد اتفاقية تعاون تسمح للبريطانيين باستخدام بوميرانيا السويدية كقاعدة عسكرية ضد فرنسا مقابل المال. قطعت الحكومة السويدية علاقاتها الدبلوماسية مع فرنسا في أوائل عام 1804 بعد إلقاء القبض على لويس أنطوان المتهم في مؤامرة اغتيال القنصل الفرنسي الأول نابليون بونابرت. كما قام رئيس الوزراء البريطاني وليام بيت بإثارة المخاوف من القوة الفرنسية المتزايدة، وركز أغلب نشاطه الدبلوماسي في عامي 1804 و1805 على تشكيل تحالف جديد ضد فرنسا، وكان الحليف الجديد القوي الذي أمنه بيت هو روسيا.[10]
سيطرت روسيا على بحر البلطيق وهو الأمر الذي لم تكن بريطانيا تشعر بالارتياح بشأنه لأن تلك المنطقة كانت غنية بسلع قيمة مثل الأخشاب والقنب وهي الإمدادات الحيوية للقوت البحرية الملكية البريطانية، كما أن بريطانيا دعمت الإمبراطورية العثمانية في مواجهتها للتوغلات الروسية في البحر الأبيض المتوسط. تراجعت كل هذه الشكوك المتبادلة بين البريطانيين والروس عندما تصاعدت المخاطر الفرنسية، وفي 11 أبريل 1805 وقعت الدولتان معاهدة تحالف في سانت بطرسبرغ، كان الهدف المعلن للتحالف هو إجبار فرنسا على التراجع إلى حدود 1792، وانضمت النمسا والسويد ونابولي في النهاية إلى هذا التحالف، في حين بقيت بروسيا على الحياد مرة أخرى. أما في فرنسا فقد سمحت فترة الهدوء الممتدة من عام 1801 لعام 1804 لنابليون بتعزيز قوته السياسية في فرنسا، فأعلن نفسه قنصلاً مدى الحياة في عام 1802، ثم نصب نفسه إمبراطوراً في مايو 1804 وتوج في كاتدرائية نوتردام في 2 ديسمبر 1804. ونصب ثمانية عشر مارشالاً من بين كبار جنرالاته لضمان ولاء الجيش، وأضاف التاج الإيطالي لسلطاته في مايو 1805.[11]
الجيش العظيم في بولوني
بدأ نابليون يشكل جيشاً مخصصاً لغزو إنجلترا، وخصص لذلك ستة معسكرات في بولوني شمال فرنسا، وعلى الرغم من أنَّ هذه القوات لم تهاجم إنجلترا ولكنها تلقت تدريباً ممتازاً وأصبحت جاهزةً لأي معركة قادمة.[12]
شكلت هذه القوات النواة الرئيسية لما بات يعرف بالجيش العظيم. تكوَّن هذا الجيش في البداية من 200 ألف جندي وزعوا على سبعة فيالق، وكان كل فيلق يمتلك نحو 40 مدفعًا ويعمل بشكل ميداني مستقل عن بقية الفيالق، بالإضافة لجيش يتكون من 22 ألف جندي من سلاح الفرسان مع المعدات الخاصة بهم. أصبح تعداد الجيش العظيم بحلول عام 1805 أكثر من 350 ألف جندي. كان هذا الجيش مجهزاً ومدرباً بشكلٍ جيد، ويمتلك ضباطاً ماهرين.[13]
الجيوش الروسية والنمساوية
كان الجيش الروسي في عام 1805 يتبع نفس التنظيم العسكري القديم، فلم يكن هناك تشكيل عسكري دائم في الخدمة، واختير كبار الضباط من الأوساط الأرستقراطية، أما التعامل مع الجنود الروس فكان سيئاً ولا يتماشى مع ممارسات القرن الثامن عشر، فتعرض الجنود للضرب والعقاب بشكلٍ مستمر، بالإضافة لقلة التدريب وضعف خبرة الضباط بشكلٍ عام، إلا أن سلاح المدفعية الروسي كان جيداً إلى حدٍّ ما.[14]
بدأ الأرشيدوق تشارلز -شقيق الإمبراطور النمساوي- إصلاح الجيش النمساوي في عام 1801، فانتزع السلطة من المجلس العسكري السياسي المسؤول عن صنع القرار في القوات المسلحة النمساوية. كان تشارلز أفضل قائد ميداني عسكري في النمسا، لكنه لم يحظَ بشعبية كبيرة في البلاط الملكي الذي رفض نصيحته وأعلن الحرب على فرنسا. أصبح كارل ماك القائد الجديد للجيش النمساوي، وأجرى تعديلات على تنظيم المشاة عشية الحرب فأصبح الفوج يتكون من أربع كتائب وكل كتيبة من أربع سرايا بدلاً من التنظيم القديم الذي ضم ثلاث كتائب تتكون كل منها من ست سرايا. حدث هذا التغيير المفاجئ دون وجود ضباط مدربين لقيادة هذه القوات، من جهة أخرى كانت قوات سلاح الفرسان النمساوية الأفضل في أوروبا، لكن دمج العديد من هذه الوحدات ضمن تشكيلات المشاة جعلها أضعف من نظيرتها الفرنسية.[15]
حملة أولم
نقل نابليون جيشه من مقابل القناة الإنجليزية إلى نهر الراين في أغسطس 1805، بهدف مواجهة التهديدات النمساوية والروسية الجديدة. بدأت حرب التحالف الثالث بحملة أولم، وهي سلسلة من المناورات العسكرية الفرنسية والمعارك الميدانية التي هدفت للتغلب على الجيش النمساوي بقيادة الجنرال ماك.
الخطط والاستعدادات الفرنسية
تركزت القوات الفرنسية حول نهر الراين من أوائل سبتمبر إلى منتصفه تقريباً، إذ كان نحو 200 ألف جندي من الجيش العظيم على استعداد لاجتياح ألمانيا ومحاصرة القوات النمساوية. توقع نابليون أن محيط نهر الدانوب سيكون المحور الرئيسي للمعارك، ولكن الأراضي الإيطالية أصبحت الأكثر أهمية. اعتقد قادة التحالف أن نابليون سيهاجم إيطاليا مرة أخرى، ولكن نابليون كانت لديه خططٌ أخرى، فقد أمر 200 ألف جندي فرنسي بالزحف شرقاً انطلاقاً من معسكرات بولوني، ومحاصرة الجيش النمساوي المكشوف، في هذه الأثناء أيضاً خدع سلاح الفرسان الفرنسي النمساويين بتقدمه عبر الغابة السوداء ليعتقدوا أن الهجوم الفرنسي سيكون عبر المحور الشرقي.[16]
أجرى الجنرالان الفرنسيان مراد وبرتران استطلاعاً للمنطقة المتاخمة لتيرول والماين، وقام الجنرال سافاري -رئيس أركان التخطيط في الجيش الفرنسي- بوضع خرائط تفصيلية للطرق في المناطق الواقعة بين نهري الراين والدانوب. زحف الجناح الأيسر من الجيش العظيم من هانوفر وأوتريخت ليستقر في فورتمبرغ، أما الجناح الأيمن ووسط الجيش فتركز هجومها على طول نهر الراين حول مدن مثل مانهايم وستراسبورغ، وبينما كان الجنرال مراد يضلل النمساويين بمناوشات في الغابة السوداء، غزت القوات الفرنسية الأخرى قلب ألمانيا واستولت على أوغسبورغ، وهي الخطوة التي كان من المفترض أن تعزل الجنرال ماك وتقطع خطوط الاتصال النمساوية وتحاصر الجيش النمساوي بكامله.[17]
الغزو الفرنسي
بدأت القوات الفرنسية الزحف نحو العمق النمساوي في أواخر شهر سبتمبر. اعتقد قائد الجيش النمساوي الجنرال ماك أن الفرنسيين لن يدخلوا الأراضي البروسية، ولكن عندما علم أنَّ إحدى فرق الجيش الفرنسي قد اقتحمت الحدود البروسية قرَّر البقاء والدفاع عن أولم بدلاً من الانسحاب جنوباً، وهو الأمر الذي كان سيوفر فرصة لإنقاذ الجزء الأكبر من جيشه. كان لدى نابليون معلومات دقيقة حول نوايا ماك وتحركاته، وأمر جنرالاته بمحاصرة فيلق كينماير الذي تقدم إلى غولشتات شرق المواقع الفرنسية، ولكن الحصار لم يكن كاملاً وتمكن كينماير من الانسحاب، وفي 6 أكتوبر توجهت ثلاثة من فيالق المشاة الفرنسية وسلاح الفرسان إلى دوناوورث لإغلاق طريق هروب الجنرال ماك، وإكمال حصار الجيش النمساوي.[18]
مراجع
- "Nelson and His Navy – England or Nelson?". Historical Maritime Society. مؤرشف من الأصل في 28 سبتمبر 200612 سبتمبر 2006.
- Thomas J. Fleming (26 June 2003). The Louisiana Purchase. John Wiley and Sons. صفحات 129–. . مؤرشف من الأصل في 10 يونيو 201619 ديسمبر 2011.
- Finley, Milton C. Jr. (April 1976). "Prelude to Spain: The Calabrian Insurrection, 1806–1807". Military Affairs. 40 (2): 84–87. doi:10.2307/1987151. JSTOR 1987151.
- Rosenberg, Chaim M. (2017). Losing America, Conquering India: Lord Cornwallis and the Remaking of the British Empire. McFarland. صفحة 168. . مؤرشف من الأصل في 8 أبريل 202018 أكتوبر 2018.
- Pagedas, Constantine A., 'Counterpoint to Trafalgar: The Anglo-Russian Invasion of Naples, 1805-1806 (review)' in Mediterranean Quarterly, Volume 16, Number 1, Winter 2005, pp. 120-122. نسخة محفوظة 18 أكتوبر 2018 على موقع واي باك مشين.
- For the diplomatic history see Paul W. Schroeder, The Transformation of European Politics 1763–1848 (1996). pp 210–86
- Chandler p. 320.
- Herring, p. 101.
- Thomas J. Fleming (26 June 2003). The Louisiana Purchase. John Wiley and Sons. صفحات 129–. . مؤرشف من الأصل في 8 أبريل 202019 ديسمبر 2011.
- Either Antoine Boulay de la Meurthe (The Oxford Dictionary of Quotations), deputy from Meurthe in the Corps législatif, or Bonaparte's chief of police, Joseph Fouché (John Bartlett, Familiar Quotations, 10th ed. (1919), said about his execution "C'est pire qu'un crime, c'est une faute", a statement often rendered in English as "It was worse than a crime; it was a blunder." The statement is also sometimes attributed to French diplomat شارل موريس تاليران. Sometimes the quote is given as, "It was worse than a crime; it was a mistake."
- Chandler p. 328.
- Chandler p. 323.
- Chandler p. 333.
- حرب التحالف الثالث p. 33.
- Fisher & Fremont-Barnes p. 32.
- Fisher & Fremont-Barnes p. 36.
- Chandler p. 382.
- Chandler p. 384.