'القلم الفاسي'[1] ويشار إليه كذلك باسم رسم الزمام'[2] أو القلم الرومي'[3] هو طريقة مُبتكَرة تَعتمد على وضع رموز خاصة للأرقام (آحاد وعشرات ومئات) ثم وضع قاعدة مطَّردة لآحاد الآلاف وما فوقها، إلى ما لا نهاية له، وهذه الطريقة في الأساس اخترعها العلماء في بلاد المغرب الأقصى بقصد التعمية[4] والإلغاز، فلم يكن يفهمها غيرهم.
استخدماته
استخدام القلم الفاسي - في المقام الأول - كان في تقييد التَّرِكات، بغرض مَنْع التَّلاعب والتزوير فيها. وقد وضع الأستاذ محمد الفاسي (ت 1412هـ / 1992م) في مقالٍ له بمجلة مجمع اللغة العربية المصري بعنوان « حساب القلم الفاسي » صورةً من وثيقة تقسيم تَرِكة كُتبت بالقلم الفاسي[5]، وقد نُسِبت هذه الطريقة لمدينة فاس بسبب شيوع استخدامها فيها.
والقلم الفاسي لم يكن يستخدمه ويتعلمه إلا القُضاة والعُدول، ومع مرور الوقت وقلّة مستخدميه لم يَعد يعرفُه أحدٌ، إلا الواحد بعد الواحد من أهل العلم، يقول الأستاذ محمد الفاسي: « هذا، وإن القلم الفاسي لم يبقَ أحدٌ يَعرفه من عُدول فاس وقُضاتِها، وفي الماضي كان كل مَن يدلي برسم عَدْلي لدى أحد القُضاة يبدأ هذا الأخير بالتعريف بالعدلَيْن الموقِّعَيْن عليه، وبالقاضي الذي جعل عليه علامته، ثم يَنظر في أشكال القلم الفاسي ويُصدِّق على الكلِّ بما يُسمَّى « الإكمال »، أي: يجعل الوثيقة معمولًا بها »[6].
وقال قبله الشيخ أحمد سْكِيرج أنه « قليل الدوران بين العدول المتقدِّمين، ولا يَعرفه غالبًا إلا مَن له ممارسة وبحث واعتناء بالأمور »[7]، وقد قال ذلك في سنة (1316هـ)، وهي السنة التي ألَّف فيها « إرشاد المتعلِّم والنَّاسي ».
ولئن كان القلم الفاسي قد اشتُهر وارتبط بتقييد التركات وما يُخشى وقوع التزوير فيه، فإن استخدامه لم يكن مقتصرًا على تلك الوثائق، بل استخدمه العلماء والنُّسَّاخ في تأريخ المخطوطات، وقد ذكر الأستاذ محمد الفاسي في مقالته أنه يمتلك عددًا من الكتب المؤرَّخة بالقلم الفاسي، بخطِّ الشيخ أبي زيد عبد الرحمن الفاسي (ت1096هـ)[8]، وأيضًا كتاب «طبقات الأطباء» لابن جُلجُل (ت بعد 377هـ) الذي نشره الأستاذ فؤاد سيد - رحمه الله - كانت نُسْخته مؤرَّخة بحساب القلم الفاسي، وقد استعان بالعلَّامة حسن حسني عبد الوهاب (ت 1388هـ/1968م) لحلِّ تعميتها.
ويجد المتتبّع لهذا النوع من التعمية عددًا من المخطوطات المؤرّخة به، منها: - نسخة كتاب الشفا للقاضي عياض المحفوظة بخزانة القرويين برقم (1865)، فقد أُرِّخت بحساب القلم الفاسي في سنة (1144هـ). - نسخة فيها المجلدة الثانية من « كتاب الأفعال » لمؤلِّف غير معروف برقم (1242) في الخزانة نفسها، وهي مؤرخة سنة (449هـ)، وعليها تحبيسُ السلطان سيدي محمد بن عبد الله العلوي في سنة (1175هـ)، وقد كُتب تاريخ التحبيس بالقلم الفاسي[9].
ولم يتوقفْ استخدام القلم الفاسي عند ذلك، بل ربّما استُخدم في تعمية الرسائل السرية على المستوى الدبلوماسي والعسكري (في بلاد المغرب)، وقد رَجَّح الدكتور عبد الهادي التازي أن يكون هذا الاستخدام قد بدأ في (رجب1322هـ = سبتمبر 1904م) أو قبل ذلك، ثم أعيد استخدامه في ذلك التاريخ[10].
نشأته
أما استخدام القلم الفاسي للمرة الأولى فيمكن الجزم بأن ذلك كان قبل عام (669هـ) وهي سنة وفاة الصُّوفي المعروف أبي محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الأندلسي، الشهير بابن سَبْعِين، فقد ذكر المقَّري في ترجمته لهذا الأخير نقلًا عن الشَّريف الغَرْناطي - أن ابن سبعين « كان يكتب عن نفسه: (ابن )، يعني الدارة التي هي كالصفر، وهي في بعض طُرق المغاربة في حسابهم سبعون؛ وشُهِر لذلك بابن دارةَ - ضَمّن فيه البيت المشهور: محا السَّيفُ ما قال ابنُ دارَةَ أجْمَعا» اهـ[11]
والظاهر أن ابن سبعين كان يُعجبه التفنُّن في ذكر اسمه ونسبه، فقد ذكر في آخر كتابه « الإحاطة » ما نصّه: « هذا تقييد قيل فيه الحق، وظهر فيه الحق، وأملاه عبد الحق، وبالضرورة أن الفرع محمولٌ على الشجرة، وبالاتفاق قامت شُهرة الواضع من ضرب سبعة في عشرة »[12]، و(7×10)، إشارة إلى شُهرته بابن سَبْعِين. وقد نقل د. قاسم السامرائي عن بعض المستشرقين أن الأرقام الفاسية استُخدمت في الأندلس في القرنين السادس والسابع للهجرة[13]، فإن صحَّ ذلك فيكون القرن السادس أقدم تاريخ لاستخدام الحساب الفاسي.
مؤلفات
وقد ألَّف العلماء مؤلَّفات خاصة في هذا القلم نظمًا ونثرًا، ومما وقفت عليه من ذلك:
- - « الاقتضاب من العمل بالرُّومي في الحساب »، لابن البَنَّاء المراكشي (ت721 هـ). منه نسخة في الخزانة العامة بالرباط تحت رقم [ق416]، ضمن مجموع، من ( ص: 425 - 432). وأخرى بخزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم 2/478، ضمن مجموع.
- - « رَشْم الزِّمام » ، لعبد الرحمن بن محمد الفاسي الشهير بابن العربي. منه نسخة في خزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم 2/478، ضمن مجموع.
- - « وجوه قريبة في الحساب والزِّمام »، لمؤلف غير معروف، منه نسخة في خزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم 2/478، ضمن مجموع.
- - « كتاب فيه رَشْم الزِّمام وشرحه »، لمؤلِّف غير معروف، منه نسخة في خزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم 2/478، ضمن مجموع.
- - « صور القلم الرُّومي وأعماله ومبدأ صورة آحاده »، لمحمد بن أحمد ابن محمد الصَّبّاغ (ت1076هـ)، منه نسخة في الخزانة الملكية بالمغرب برقم (11/12032)، ضمن مجموع.
تسميات أخرى
والقلم الفاسي يُعرف أيضًا بِرَشْم الزِّمام، وبالقلم الرُّومي.
نماذج الأعداد في طريقة حساب القلم الفاسي
المراجع
- كامييا, مانابو. "الأرقام الفاسية ونقود المعاملات في الوثائق الرقية". رباط الكتب. مؤرشف من الأصل في 10 ديسمبر 201905 سبتمبر 2019.
- "مقدمة ابن خلدون - الجزء السادس - ويكي مصدر". web.archive.org. 2015-12-03. مؤرشف من الأصل في 19 مايو 202005 سبتمبر 2019.
- لزرق، عز الدين. "Arabic Mathematical Old Symbols, Additional characters proposed to Unicode". جامعة القاضي عياض. مراكش المغربية. https://www.unicode.org/L2/L2005/05321-lazrek-amos3l.pdf نسخة محفوظة 2019-06-14 على موقع واي باك مشين.
- التعمية مصطلح تراثي، والمقصود به: « تحويل نص واضح إلى نص غير مفهوم باستعمال طريقة محددة، يستطيع مَن يعرفها أن يعود ويفهم النص » . « علم التعمية عند العرب » (1 / 28).
- (ج62/ص259).
- مجلة مجمع اللغة العربية المصري(ج62/ ص 258)، وهذا الكلام قيل في سنة (1408هـ - 1988م) وهو تاريخ نشر المقال .
- إرشاد المتعلم والناسي في صفة أشكال القلم الفاسي (ص:60) نشرة مجلة معهد المخطوطات العربية مج (53) تحقيق ودراسة: تامر الجبالي. نسخة محفوظة 18 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- مجلة مجمع اللغة العربية المصري (ج62 / ص 256)، وعبد الرحمن الفاسي هو ابن عبد القادر الفاسي صاحب المنظومة التي يشرحها الشيخ أحمد سْكيرج في كتابه "إرشاد المتعلم والناسي في صفة أشكال القلم الفاسي". انظر سلوة الأنفاس (1/315).
- وقد ذكر الدكتور قاسم السامرائي في « تاريخ الخط العربي وأرقامه » (ص: 55) عددًا من المخطوطات مؤرَّخة به، غير تلك .
- « تقديم مخطوطة مغربية حول المراسلات بواسطة الأرقام العربية » ، مقال بمجلة مجمع اللغة العربية المصري (51 / 196) .
- نفح الطيب (2 / 196)، والدارة (الدائرة) في حساب القلم الفاسي ترمز إلى العدد سبعين.
- الإحاطة (33 و34) .
- تاريخ الخط العربي وأرقامه (54 و55)، نقلًا عن: A. Conzález Palencia, Los Mozárabes de Toledo en los singles XII y WIII.