الرئيسيةعريقبحث

حسين الحلي


☰ جدول المحتويات


الشيخ حسين الحلّي (1309ه ـ 1394ه)

حسين الحلي
معلومات شخصية
الميلاد 1903
 العراق النجف
تاريخ الوفاة سنة 1974 (82–83 سنة) 
الحياة العملية
التلامذة المشهورون محمد حسين فضل الله،  وعلي الحسيني السيستاني،  ومحمود الحبوبي،  وكاظم الهجري 

اسمه ونسبه

الشيخ حسين ابن الشيخ علي بن الحاج حسين بن حمود بن حسن الحلي النجفي وينتمي إلى أُسرة من عشيرة عربية أصيلة من قبيلة شمر وهي عشيرة العيفار، التي تقطن في ريف الحلة وريف كربلاء المتلاصقين جغرافياً وعشيرة العيفار عشيرة شمرية طائية قحطانية النسب وتنتمي بالتفصيل لقبيلة شمر - عبدة - إجعفر، ولعشيرة العيفار أربعة أفخاذ وهم 1- آل عنيني ( وفيهم مشيخة العشيرة ) 2- الخناجات 3- آل مريمي 4- آل حـسـيـن، والشيخ حسين الحلى ( قدس سره ) ينتمي إلى فخذ آل حـسـيـن، وللعشيرة امتدادات في النجف والديوانية وبغداد .

ملاحظة:

غالباً ما يُكتب عن الشيخ حسين الحلى ( قدس سره ) إنه ينتمي لعشيرة الطفيل لأن الباحثين لا يجهدون إنفسهم بالبحث والسعي والاعتماد على مصدر وحيد كتب هذه المعلومة الخاطئة حول نسبه الشريف كون الطفيل منطقة تحتوي عدة عشائر ومنها عشيرة العيفار، وأغلب سكاني وادي الطفيل يرجع نسبهم لقبيلة شمر الطائية .

والده وعائلته

لقد كان والده الشيخ علي من أصحاب الفضل والفقاهة، وكان الصديق الحميم، والأخ الودود للتقي الورع الشيخ علي رفيش والذي كان يقيم صلاة الجماعة في الصحن الحيدري في النجف الأشرف وملازما له وكان بينهما إخاء تام ومودة ثابتة، ولمّا توفي عام 1334 ه‍ خلفه الشيخ علي الحلّي في إقامة الجماعة في الصحن الشريف مكان الشيخ رفيش، وشيخنا الجليل الشيخ حسين الحلي، وهو أصغر ولديه. والأكبر منه الشيخ حسن بن الشيخ علي ( 1305 ـ 1337 ه‍ ) كان فاضلا وشاعرا، عرفته الندوات الأدبية من الشعراء اللامعين، « فقد أجاد وأبدع وساجل وطارح حتى صقلت مواهبه وذاع صيته » . لقد برز المرحوم الشيخ علي في المجتمع العلمي النجفي شخصية لها مكانتها بين أقرانه من أعلام الحوزة العلمية، وعرف أخيرا بـ أحد العلماء الأبدال، والصلحاء الأبرار الذين أجمعت على صلاحه وجدارته كلمة الخواص والعوام، فقد اتصف بالورع والزهد والتقى والنسك، ويتحدث عنه المرحوم الشيخ آغا بزرك الطهراني قائلا : « صحبته ( الشيخ علي ) مدة طويلة، واقتديت به في الصلاة مرارا، وكان يأتم به من صلحاء الناس وثقاتهم عدد كبير، ويميل إليه كل عارف بحقيقته وخبير بشئونه، كان حسن الملتقى والخلق، دائم الذكر، شديد القناعة، يقتات بالعبادة، ويزهد بما يزيد على سد الرمق، وكنت أزوره في بيته، وأطلع على أحواله وخصوصياته فأرى التقى والصبر والقناعة والعفاف متمثلة في شخصه، وفي هذا الجو عاش في ظل والده الشيخ علي يتنقل معه في مجالس العلماء والوجهاء، ويرتاد مع أخيه الشيخ حسن الذي يكبره بأربع أو خمس سنوات مجالس الأدب والشعر، فقد عرّفته بعض المصادر بأنه : « من نوابغ عصره ... شديد الملازمة لحضور نادي العلاّمة السيد محمد سعيد الحبوبي الذي كان من أزهى الأندية العلمية الأدبية التي لها تأثيرها الخاص في التوجيه والتربية، وبث روح الفضيلة، وصقل الأفكار والقرائح » . وشبّ الشيخ مترجمنا ـ من خلال ملازمة والده لمجالس أهل العلم والفضل، وملازمته لأخيه الشيخ حسن لمجالس المعرفة والآداب ـ على حب العلم والأدب والفضيلة، فمن يوم معرفته للحياة ـ رغم أنه كان متجها في بداية حياته لخياطة الملابس ـ أخذ يتطلع لمستقبل يشدّه إلى الحوزة العلمية ليكون فيها وجودا شاخصا، وفعلا حقق ما يصبو إليه بجده واجتهاده.

ولادته

ولد عام 1309ه بمدينة النجف.

دراسته

كانت دراسته الأوّلية على يد والده في مبادئ القراءة والكتابة، ثم تنقل إلى أساتذة في علوم الفقه والأصول المعروفين في الحوزة بالاختصاص في السطوح، وقد ساعده ذكاؤه إلى تقبّل ما يمليه عليه أساتذته حتى إذا أنهى دراسة السطوح انتقل إلى بحوث الخارج التي يتلقاها طالب العلم في المرحلة الثانية من الحياة العلمية، وهي مرحلة مهمة بالنسبة لمن يصبو إلى تسلق المجد الحوزوي ليكون من فرسان حلباتها.

من أساتذته

في فترة النصف الأول من القرن الماضي الهجري ( ألف وثلاثمائة ) قد عرفت المرجعية الدينية في النجف ثلاثة فرسان اشتهروا بالفقه والأصول والبحث العلمي الخارجي، وهم : الميرزا حسين النائيني، والسيد أبو الحسن الاصفهاني، والشيخ آغا ضياء العراقي، وقد ركّز شيخنا الحلي على حضور دروس هذه النخبة من الأعلام للاستفادة منهم فقها وأصولا، وإن أشتهر باختصاصه بالميرزا النائيني . استفاد ( الحلي ) خبرة بأقوال العلماء، وإحاطة بآرائهم في مسائل الفقه والأصول، لأنه أخذها من معدنها ومصدرها، هو ذلك الاستاذ الكبير الذي خلّدته آراؤه واستنباطاته للأحكام. فبذلك يكون هؤلاء الأساتذة الأكفاء فرسان وهم : الشيخ محمد حسين الغروي النائيني، السيّد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني، الشيخ ضياء الدين العراقي.

تدريسه

لازم التدريس منذ كان يواصل دراسته، وكان يلقي درسه في مرحلة السطح العالي، وكان يحضر درسه ثُلّة من الطلبة المشتغلين بالتحصيل من المنبع الأصيل، فكانوا يستفيدون من علمه الغزير، ويستقون من معين فضله الكبير، وكانت له طريقة فنّية في التدريس قلّ نظيرها، وهي أنّه عندما يشرع في البحث يتناول المسألة الفقهية أو الأُصولية فيقلّب فيها وجوه النظر، ويبيّن أقوال العلماء المؤيّدين والمفنّدين، ثمّ يناقش بعض الأقوال التي تستحقّ المناقشة على ضوء الأدلّة والقواعد العلمية.

وكان من طريقته في البحث أنّه لا يذكر رأيه الصريح في المسألة المبحوث عنها، وعندما ينتهي من إلقاء بحثه يجتمع طلّابه حوله، فيسألونه عن رأيه في المسألة فكان يجيبهم بقوله: «هذا عملكم».

إجتهاده

إجازة المرحوم الميرزا النائيني إلى تلميذه الشيخ الحلي بالاجتهاد والرواية، وما فيها من تعبير يدل على اهتمام الميرزا به وجد ما يدل على اعتزازه بهذا التلميذ الذي يصفه « وبعد ... فان شرف العلم لا يخفى، وفضله لا يحصى، قد ورثه أهله من الأنبياء، وأدركوا به درجات الصديقين والشهداء. وممن جدّ في الطلب والعمل به هو قرة عيني العالم العامل العلاّم، والفاضل الكامل الهمام، صفوة المجتهدين العظام، وعماد الأعلام، وركن الإسلام، المؤيد المسدد، والتقي الزكي، جناب الآغا الشيخ حسين النجفي الحلي كثر الله تعالى في أهل العلم أمثاله، وبلغه في الدارين آماله. فلقد بذل في هذا السبيل برهة من عمره، واشتغل به شطرا من دهره. وقد حضر أبحاثي الفقهية والاصولية باحثا فاحصا مجتهدا، باذلا جهده في كتابة ما استفاده وضبطه وتنقيحه، فأصبح وبحمد الله تعالى من المجتهدين العظام، والأفاضل الأعلام، وحق له العمل بما يستنبطه من الأحكام على النهج الجاري بين المجتهدين الأعلام، فليحمد الله تعالى على ما أولاه، وليشكره على ما أنعمه به وحباه، فلقد كثر الطالبون وقل الواصلون، وعند الصباح يحمد القوم السرى، وينجلي عنهم غلالات الكرى ... الخ ». وكتب في آخر الإجازة « حرره بيمناه الداثرة في يوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم 17 ربيع الأول 1352 ، أفقر البرية إلى رحمه ربه الغني محمد حسين الغروي النائيني »

مكانته العلمية

كان من نوابغ عصره، ومن الذين تميّزوا بالتحقيق والتدقيق، وكان ذا اطّلاع واسع بالعلوم الدينية، وكان فقيهاً متبحّراً، له إحاطة واسعة بالفروع الفقهية، وأُصولي محقّق له نظريات وتأسيسات راقية، وهو من المتضلّعين في التاريخ واللغة والأدب.

قال الشيخ جعفر محبوبة عن طاقاته العلمية: «كان من رجال العلم البارزين، ومن أهل الفضل السابقين، مرغوب في التدريس، التفّ حوله ثُلّة من طلّاب العلم الساهرين على تحصيل ما يستفيدون من علمه، ويستقون من معين فضله».

« لقد كان الشيخ حسين الحلي من أعاظم تلامذة الميرزا النائيني، وكان هو الذي حمل الميرزا النائيني على تأسيس مجلس الاستفتاء، كما كان الميرزا النائيني يرجع إليه في مهام اموره، وعنه يصدر الرأي، فكانت أغلب أجوبة المسائل الشرعية التي ترد إلى الميرزا النائيني تصدر عن الشيخ الحلي وبقلمه، فكانت له عند استاذه مكانة سامية للغاية ».

عدم التصدي للمرجعية

أن الشيخ الحلي بحكم منزلته العلمية والاجتهادية، كان من الممكن أن يتصدى للمرجعية بعد وفاة السيد أبو الحسن الاصفهاني كما تصدى أقرانه من العلماء، خاصة أن احترام أهل العلم له في المجالس العلمية قبل الاجتماعية والاخوانية خير علامة تقدير له، وهذه تزكية مناسبة لأهليته لتسنم مركز المرجعية، لكنه رفض ذلك رفضا قاطعا. في الوقت نفسه دعم مرجعية الإمام السيد محسن الحكيم رحمه‌الله تأييدا مطلقا، وتبعه كل أصحابه من « الصفوة » ، ولم يكن هذا الموقف التأييدي من الشيخ الحلي للإمام الحكيم مبعثه عاطفيا لأنه كان صديقه وزميله في دروس بعض الفرسان الثلاثة ( النائيني، والعراقي، والاصفهاني ) ولا تعصبا « عربيا » لأن السيد الحكيم عربي وأغلب المتصدين كانوا من الإيرانيين، فالقضية في التقليد عند الشيعة الإمامية ترتبط بشروط عديدة، وليس فيها شرط القومية، أو العصبية المحلية، إنما هي القناعة الخاصة التي انطلق منها الشيخ الحلي في هذا الدعم المطلق. واستمرار الصلة بينهما قائمة على أساس من الأيمان بهذه الحقيقة رغم اختلاف الذوق بين العلمين، كما صرّح بذلك سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم. وقد لاحظت في كثير من المناسبات التي تجمعهما كان السيد الحكيم يجلّ الشيخ ويحترمه بما يشعر الطرف المشاهد هذا التأييد، مضافا إلى ما يكنّ له من المودة والتقدير، فضلا عن الناحية العلمية ، فقد كان يعتمد رأيه في المسائل التي يتناقش معه فيها ، ويأخذ رأيه بكل اهتمام وقبول. إن عناية واهتمام الإمام الراحل السيد الحكيم رحمه‌الله من الناحية الشخصية ، يكشف عن مكانته العلمية لديه ، وقد ذكر سماحة السيد محمد سعيد الحكيم أن سماحة جدّه الإمام الراحل الحكيم في أواخر أيامه كان كثير الاستفسار عن الشيخ ، وكان يتتبع خبره عن حاله ووحشته بعد ذهاب أصدقائه وأقرانه ، وكان يتألم كثيرا ، ويوصينا به ويشيد بمنزلته العلمية . حتى وبعد وفاة الإمام الراحل السيد محسن الحكيم جاء بعض المؤمنين إلى الشيخ الحلي وطلبوا منه طبع رسالته العلمية لأجل تقليده ، فأرجعهم الشيخ إلى رسالة الميرزا النائيني . ويعلّق سماحة السيد محمد سعيد الحكيم ـ ناقل النص ـ فيقول : « ويستفاد من هذا أن بصمات الشيخ الحلي مركّزة على رسالة الميرزا النائيني ، وهي تعبّر عن رأيه ، وإلاّ فما معنى قول الشيخ « ارجعوا إلى رسالة الميرزا » ولا نستغرب من هذا إذا رجعنا إلى الأقوال المتقدمة عن الميرزا النائيني في حق الشيخ ، وأهمها « أفضلهم » ويقصد أفضل طلابه ، وهي شهادة مهمة من الشيخ الكبير الميرزا النائيني إلى تلميذه المقرب له الشيخ الحلي. وفي مقابلة شخصية مع آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم في النجف الأشرف بتاريخ 2 / ذي الحجة 1427 كما أكد هذا القول سماحة آية الله السيد محمد علي الحكيم ، بأن رسالة الشيخ النائيني هي من شغل الشيخ الحلي. ويقول أحد تلاميذه في ترجمته لأستاذه : « في أي وقت يسأل الشيخ عن رأيه في مسألة سواء كان في الدرس أو في خارجه وما هي فتواه يكون جوابه لا شأن لي بالفتوى ، إن عملنا أن نبحث حول المسألة في الكتب ونستنسخها لنناقشها مع الأصحاب ». ويتم السيد اللاله زاري حديثه عن استاذه فيقول : « كان الشيخ رجلا دقيقا في كل المسائل ، وتحقيقا لا أستطيع أن أقول إن الشيخ حسين الحلي أقل من العلاّمة الحلي » .

موقفه في الحوزة ضد النظام السياسي

الشيخ الحلي وإن كان لا يرى التصدي لإقامة حكومة إسلامية في عصر الغيبة ولكنه لا يتخلف من الوقوف إلى جانب الإمام الحكيم في ساعة محنته وما ترتب عليها من أضرار تخص المرجعية الدينية الممثلة للإسلام عامة ، والسيد الإمام الحكيم خاصة. ويصف أحد تلاميذ الشيخ الحلي وهو آية الله المرحوم السيد محمد حسين الطهراني اللاله زاري علاقة الشيخ الحلي بالإمام السيد الحكيم بأنها كانت متينة للغاية ، والاحترام المتبادل بينهما يدل على معرفة تامة كل منهما لمكانة الآخر ، وأن الشيخ الحلي كان يحرص كل الحرص أن يسدد خطى السيد الحكيم بما يتناسب ومكانته ، حتى أنه في بعض المناسبات يتجاوز الشكليات المجلسية فيحضر في بعض مجالس السيد الحكيم مع الزوار المسئولين كباقي الحاضرين مسددا له ، قناعة منه بأن تسديد المرجعية الدينية يقتضيها الواجب الشرعي والعرفي. كذلك لم يكن شيخنا الحلي بعيدا عن الجو السياسي العراقي أو الإيراني حين عصف بالعراق الجمهوري الشأن السياسي الحزبي المتطرف فمثّل البعد الإديولوجي بينهما صراعا عنيفا انتهى بحرب طاحنة أكلت الأخضر واليابس في الدولتين ، وكان على مراجع الدين في الدرجة الاولى ـ بما يتحملون من المسئولية الاجتماعية ، والسياسية ـ أن يحددوا الموقف الديني من القضية ، وهذا ما اصطدم به الشيخ الحلي وأمثاله ، وفي مقدمتهم المرجع الديني آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي ، وأن الموقف لا يختلف بينهما من حيث الرأي الأولي ، فالسيد الخوئي ( رضوان الله عليه ) متصد بصفته مركز القيادة الدينية في العراق خاصة والعالم الإسلامي عامة ، وشيخنا الحلي يعيش نفس الأمر ولكن درجة المسئولية الشرعية تختلف عما عاشها السيد الحكيم من قبل والسيد الخوئي لاحقا ، ولهذا كان الشيخ الحلي يقف إلى جانب المرجعية في مثل هذه الظروف ، ويساعدهم في الرأي ، وتحديد الموقف المقتضي ، على أساس تأييد المرجعية الدينية في أحلك ظروفها. ومن هذا المنطلق المبدئي لم يترك الشيخ الحلي المرجعية الدينية وحيدة تغوص في اعماق السياسة ما لم يشاركها الرأي الذي يقتضيه الشرع الشريف في الميدان الخطير. فالظروف القاسية التي مرّ بها العراق بصورة عامة ، والنجف الأشرف على الخصوص ، وما عانته المرجعية الدينية من نظام لم يحترم القيم الدينية ، ولا يبالي في اجتثاثها ليخلو له الجو بكل فعالياته وليقيم على أطلاله سلطته الدكتاتورية الدنيوية. ورغم هذا فان المرجعية الدينية الشريفة في النجف الأشرف التي كانت تعاني مداهمة الأخطار لكنها كانت تقف إلى صف الشعب لم يرهبها سيف الحاكم ، وشراسة الجلادين ، وسجلت موقفا رائعا في المحنة السوداء التي مرت على عراقنا ، مثّلت الصمود والتضحية والفداء من أجل عقيدتها وقيمها العليا ، وشرف الحوزة العلمية النجفية.

الشيخ حسين الحلي وأحداث العراق المعاصرة

لقد تفجرت بالعراق في القرن الماضي أحداث كثيرة من انقلابات إلى ثورات ومؤامرات نجحت بعضها ، وفشلت بعضها ، وأدى كل ذلك إلى تعاقب حكومات تختلف في توجهاتها وايديولوجياتها. ومن أبرزها تغيير الحكم من الملكي إلى الجمهوري ، ومدى المآسي التي عاناها الشعب العراقي من هذه الأحداث ، كان أشدها وأضيقها وأمرّها عهد صدام حسين الأسود ، ولمّا كانت المرجعية الدينية الشيعية في العراق تمثل الثقل الأكبر في المعادلة السياسية العراقية ، كان من الطبيعي أن يكون لها رأيها في التطورات السياسية العامة والخاصة التي تخص البلاد.

ولو تابعنا مسيرة المرجعية الدينية في القرن الماضي ، وما بعد سقوط النظام الشمولي لاحظنا أن المرجعية الدينية المتصدية في العراق بالأمس : تمثلت بالإمامين الراحلين السيد محسن الحكيم ، والسيد أبو القاسم الخوئي ـ قدس‌ سرهما ولم يكن شيخنا الحلي بعيدا عن الجو السياسي العراقي أو الإيراني ، وحين عصف بالعراق الجمهوري الشأن السياسي الحزبي المتطرف فمثّل البعد الايديولوجي بينهما صراعا عنيفا انتهى بحرب طاحنة أكلت الأخضر واليابس في الدولتين ، وكان على مراجع الدين في الدرجة الاولى ـ بما يتحملوا من المسئولية الاجتماعية والسياسية ـ أن يحددوا الموقف الديني من القضية ، وهذا ما اصطدم به الشيخ الحلي وأمثاله ، وفي مقدمتهم المرجعان الدينيان السيد الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي ، وأن الموقف لا يختلف بينهم من حيث الرأي ، فلقد تصديا بصفتهما مركزي القيادة الدينية في العراق خاصة والعالم الإسلامي عامة ، وشيخنا الحلي يعيش الأمر نفسه ، ولكن درجة المسئولية الشرعية تختلف عما عاشها السيد الحكيم من قبل والسيد الخوئي بعده ، وكان الشيخ الحلي يقف إلى جانب المرجعية في مثل هذه الظروف ، ويساعدهم في الرأي ، وتحديد الموقف المقتضي ، على أساس تأييد المرجعية الدينية في أحلك ظروفها ضرورة دينية. ومن هذا المنطلق المبدئي لم يترك الشيخ الحلي المرجعية الدينية وحيدة تغوص في أعماق السياسة ما لم يشاركها الرأي الذي يقتضيه الشرع الشريف في الميدان الخطير. فالظروف القاسية التي مرّ بها العراق بصورة عامة والنجف الأشرف على الخصوص ، وما عانته المرجعية الدينية من نظام لم يحترم القيم الدينية ، ولا يبالي في اجتثاثها ليخلو له الجو بكل فعالياته ، ليقيم على أطلاله سلطته الدكتاتورية الدنيوية. ورغم هذا فان المرجعية الدينية الشريفة في النجف الأشرف التي كانت تعاني مداهمة الأخطار لكنها كانت تقف إلى صف الشعب لم يرهبها سيف الحاكم ، وشراسة الجلادين ، وسجلت موقفا رائعا في المحنة السوداء التي مرت على عراقنا مثل الصمود والتضحية والفداء من أجل عقيدتها وقيمها العليا ، وشرف الحوزة العلمية النجفية.

عطاؤه الفكري

أولا : في مجال الفقه. 1 ـ الاجتهاد والتقليد90 صفحة 2 ـ شرح العروة الوثقى الطهارة878 صفحة 3 ـ شرح العروة الوثقى الإجارة82 صفحة 4 ـ شرح المكاسب / شروط العوضين ـ الغرر99 صفحة 5 ـ شرح المكاسب / المعاطاة44 صفحة 6 ـ صلاة المسافر من بحث الميرزا النائيني66 صفحة 7 ـ قاعدة لا تعاد من بحث النائيني 8 صفحات 8 ـ قاعدة « لا ضرر » 18 صفحة 9 ـ كتاب الصلاة من بحث النائيني 180 ورقة

ثانيا : في مجال أصول الفقه. 1 ـ تقريرات خارج الأصول من بحث السيد الاصفهاني على كفاية الأصول في 597 صفحة والتي استمرت من سنة 1334 ـ 1338 ه‍ وهي في مجلدين. 2 ـ تقريرات خارج الأصول من بحث الشيخ النائيني في خمسة مجلدات ما يقارب 837 ورقة ، والتي استغرقت ما بين 1342 ـ 1348 ه‍ ، ( أكثر من دورة أصولية ). 3 ـ تقريرات خارج الأصول من بحث المحقق العراقي في مجلد واحد تقع في 511 صفحة ابتداء من سنة 1338 ه‍. 4 ـ حاشية على أجود التقريرات ( وهي تقريرات الميرزا النائيني كتبها السيد الخوئي ) في مباحث الألفاظ في 706 صفحة. 5 ـ حاشية على فوائد الأصول ( وهي تقريرات الميرزا النائيني كتبها الشيخ محمد علي الكاظمي ) في مباحث الأدلة والأصول العلمية في 1081 صفحة. وهما في الواقع الدروس التي كان يلقيها على تلامذته في خارج الأصول طيلة الدورات الثلاثة التي درّسها قدس‌سره ابتداء من سنة 1366 متخذا الكتابين متنا لدرسه ، كما دوّنه هو رحمه‌الله في هامش المخطوطة. 6 ـ رسالة في تعريف علم الأصول وبيان موضوعه تقع في 19 صفحة. 7 ـ مباحث أصولية متفرقة في مواضيع شتى.

ثالثا : كتب مشتركة. 1 ـ مجموعة مسائل فقهية وأصولية متعددة تزيد على 1000 صفحة. 2 ـ مجموعة استفتاءات السيد الاصفهاني في 418 صفحة. 3 ـ مجموعة استفتاءات الميرزا النائيني في 414 صفحة. 4 ـ كشكول يتضمن مختارات من الطرائف والحكم والروايات التاريخية والنوادر الأدبية والعلمية المختلفة التي انتقاها أثناء مطالعاته ، ويقع فيما يزيد على 300 صفحة. هذه مجموعة مؤلفات شيخنا الحلي المخطوطة والمصوّرة في مكتبة الإمام الراحل السيد محسن الحكيم العامة في النجف الاشرف . للاطلاع : ورد في بعض القوائم التي وردت لنا عن مؤلفات المرحوم الشيخ كتاب « كتاب البيع تقريرات الميرزا النائيني » وعند التحقيق ظهر أن الكتاب المشار إليه هو من تقريرات بعض تلاميذ الميرزا النائيني ، وليس للمرحوم الشيخ الحلي مما دوّنه هو في أول المخطوطة ، وإنما استنسخها للاستفادة منها . ولدى مؤسسة كاشف الغطاء العامة ـ قسم الذخائر للمخطوطات في النجف الأشرف ، والتي يديرها الأخ الفاضل الدكتور الشيخ عباس كاشف الغطاء ـ مجموعة من مؤلفات شيخنا الحلي ، ولكنها لم تكن بخطه ، وإنما منقولة عنه بخط تلميذه الشيخ محمد حسين الكرباسي .

العالم الموسوعي

ولا شك أن شيخنا كان من الذين تبحروا في اختصاصه الفقهي والأصولي نتيجة انتمائه إلى مدرسة الفرسان الثلاثة : النائيني ، والعراقي ، والاصفهاني أقطاب الحوزة العلمية الدينية في النجف الأشرف ، بالإضافة إلى الاطلاع الواسع على تراث العصر الذي خلفه أساتذة القرن من بناة المدرسة الفقهية والأصولية في جامعة النجف بداية من عهد الشيخ المفيد ، والسيد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، إلى جيل أجداده الحليين ، إلى عصره ، وما طرأ عليه من تطور فكري عظيم ، مضافا إلى تضلعه في التاريخ والأدب ، وما يتصل بهما من علوم ، وكان ما يقرأه من الكتب المصدرية يفهرس لها فهرسا خاصا بما يتعلق بالمذهب أو القضايا المتعلقة بالدين أو بعض النكات التاريخية أو الأدبية التي يرى فيها فائدة تاريخية أو معرفية ، وقد أكد هذا الأمر أحد تلاميذه السيد محمد حسين الطهراني اللاله زاري ، حيث يقول : هذا العالم متضلع وخبير ومنظم ، وكل كتبه سواء الشيعية أو العامة بعد مطالعتها يعمل لها فهرسا خاصا لما يتعلق بالمواضيع التي يرى فيها خصوصية للمذهب أو غيره ، وكانت هذه الفهارس موضع استفادة من يرغب للاستفادة بها . بعد هذا فان كل هذه المؤهلات الضخمة تساعدنا بدون تردد أن نقبل اللقب الذي اطلق عليه بحق « شيخ فقهاء عصره » وإن كان يعتز هو بأصوليته ـ كما أشار إليها ـ ونقل عنه « إني مشهور عند الناس بالفقه ، واصولي أقوى من فقهي ».

مميزات بحثيه الفقهي والاصولي

ويلاحظ أن الشيخ حسين الحلي وجّه بحثه الفقهي إلى مسارين متوازيين : الأول : أن لا يتعدى الخط التقليدي ، وهو ما نهجه في بحثه حول كتاب العروة الوثقى للسيد محمد كاظم اليزدي رحمه‌الله ، كبحوث الطهارة ، والنجاسات ، والصلاة والصوم ، وإلى آخر العبادات ، ثم الانتقال إلى المعاملات ، وهكذا إلى آخر أبواب الفقه ، كما هو جار في المصادر الفقهية المعروفة. وكتاب الشيخ حسن السعيد يتضمن هذا الخط التقليدي ، وكذلك في كتبه الخطية. الثاني : كشفه الشهيد الأخ عزّ الدين بحر العلوم في كتابه القيم « بحوث فقهية » وهو خلاصة أفكار شيخنا الحلي في كثير من قضايا ومسائل الساعة المستحدثة التي يتطلبها الإنسان في حياته العامة والخاصة ، كالتلقيح الصناعي ، ومعاملات البنوك ، والشوارع المفتوحة من قبل الحكومة ، واليانصيب ، وأمثالها من المواضيع التي يصطدم بها الإنسان في مجتمعه المدني كل يوم ، وخاصة في السنوات التي توسعت فيها الحضارة، وتقدمت بها المدنية الحديثة .

الشيخ حسين الحلي الاصولي

ذكر الشيخ حسين الحلي ( رحمه‌ الله ) لبعض تلاميذه قائلا : « إني مشهور عند الناس بالفقه ، واصولي أقوى من فقهي » وليس بالبعيد منه هذا القول ، فلقد تأثر شيخنا بفرسان علم الأصول في عصره ، وهم : الميرزا النائيني ، وآغا ضياء العراقي ، والسيد أبو الحسن الاصفهاني. ومنهجه في بحوثه الأصولية ـ كما نقل عنه قدس‌ سره ـ يمتد إلى المدرسة الأصولية التي تصل إلى الشيخ الأنصاري وطلابه الذين تبنوا منهجه في محاولاته التجديدية ، ومميزاته التي أعطت المدرسة الأصولية الحديثة حيوية ونشاطا لم تعهد قبلا بالرغم من انحسار التيار الأخباري ، فلم يكن مثل هذا النشاط مجرد رد فعل للتيار المذكور ، بل هو انفتاح لآفاق جديدة لعلم الأصول ، وتسرب الفكر الفلسفي والدقة العلمية بالتدريج إلى الفكر الأصولي ، واجتماع خيرة القدرات العلمية من أرجاء هذه المدرسة ، انتهت إلى حدوث تطورات واسعة وسريعة جدا ، بحيث نجد الطلاب الذين ينتهون من الرسائل في هذا اليوم يشعرون بالقفزة الكبيرة بين ما درسوه في مرحلة السطوح وما يدرسونه في البحث الخارج ، حتى كأنهم يحتاجون إلى استيعاب ما دوّنته الأجيال الثلاثة من أفكار عميقة بعد الشيخ ، كي يمكنهم استيعاب ما يطرحه أساتذة الخارج في عصرنا هذا، وكان الشيخ حسين الحلي يهتم كثيرا ببلورة آراء أساتذته ، ثم يعطي الرأي المختار فيها ، اعتقادا منه أن طلابه يجب أن يطلعوا على أفكار الأساتذة الذين سبقوه في الموضوع ، التي تعبّر عن تطور الفكر الأصولي تبعا لأساتذتهم. وليس معنى هذا أن لا يكون له رأي في الموضوع ، وكمثل على ذلك انطباعات السيد محمد تقي الحكيم عن محاضرات استاذه الأصولية ، فقد نقل استاذنا المرحوم السيد محمد تقي الحكيم عن انطباعاته لمحاضرات استاذه الشيخ الحلي في الأصول ، وآرائه المميزة .

المرجعية المعاصرة تعتمد آراء الشيخ الحلي

1 ـ إن القارئ لكتاب « المحكم في اصول الفقه » لسماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم ( دام ظله ) يجد آراء الشيخ الحلي في أغلب أبواب الأصول ومواضيعه منتثرة بين سطوره نقاشا واستشهادا رغم أن الكتاب ليس من تقريرات الشيخ قدس‌ سره بل هو من تأليفات السيد ( حفظه الله ) كما ان سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم ( دام ظله ) يحتفظ بتقريرات بحث الشيخ حسين الحلي .

2 ـ بأمر من سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني ( دام ظله ) تألفت لجنة لإعداد طبع دورة كاملة أصولية للمرحوم الشيخ الحلي كتبها نفسه .

ما تركه تلاميذه من عطاء الشيخ العلمي

إن الشيخ حسين الحلي ترك عطاء علميا ثرا فقهيا وأصوليا : أولا : تقريرات تلاميذه. 1 ـ تقريرات سماحة السيد علي السيستاني في الفقه والأصول. 2 ـ تقريرات سماحة السيد محمد سعيد الحكيم ، وتتضمن ما يلي : أ ـ تقرير بحث استاذه المحقق الحلي في علم الأصول ، ويقع في مجلدين ، وقد اشتملا على مبحث الاستصحاب ولواحقه ، ومبحث التعارض. ب ـ تقرير بحث استاذه الحلي في الفقه ، ويقع في مجلدين. 3 ـ تقريرات سماحة السيد محمد تقي الحكيم ، في الفقه والأصول. 4 ـ تقريرات سماحة الشيخ حسن السعيد ، وقد تضمنت بعض المسائل الفقهية كالتقية والعدالة وصلاة الجمعة وغيرها. 5 ـ تقريرات الشهيد السيد علاء الدين بحر العلوم في علم الأصول. 6 ـ تقريرات الشهيد السيد عزّ الدين بحر العلوم في الفقه والأصول. 7 ـ تقريرات سماحة الشيخ عباس النائيني في الفقه والأصول. 8 ـ تقريرات سماحة الشيخ جعفر النائيني في الفقه. 9 ـ تقريرات الشيخ الشهيد ميرزا علي الغروي . 10 ـ تقريرات المرحوم السيد محمد حسين الطهراني اللاله زاري في الفقه والأصول . وكان بودّي أن أوثق كل ما مر ، سواء مما كتبه هو رحمه‌الله عن أساتذته ، أو ما كتبه تلاميذه من دروسه ، وتمكنت أن أطلع على بعض تقريرات تلاميذه حيث أشرت لها بالخاتمة ، ومنها : ـ تقريرات الشهيد السيد علاء الدين بحر العلوم في الفقه ، وقد اطلعت على مخطوطة هذا التقرير ، وجاء في بداية الصفحة الاولى منه : « قال شيخنا الاستاذ العم الحلي دامت بركاته : الفقه : وقد عرّف بانه عبارة ... ». وجاء في نهاية الصفحة الثانية من هذه المخطوطة الآتي : « لقد عدل سيدنا العم دام ظله عن متن الشرائع ، وأخذ في دراسة العروة الوثقى للسيد الطباطبائي اليزدي قدس‌ سره. كما أرخ بداية بحث الشيخ هذا في يوم السبت 7 ذي القعدة سنة 1375. و ـ تقريرات السيد الشهيد علاء الدين في موضوع « الاجتهاد والتقليد » وقد أشار السيد الشهيد إلى تاريخ الشروع في هذا البحث في 10 / جمادى الاولى عام 1375. و ـ تقريرات الشهيد السيد عزّ الدين بحر العلوم عن بحث الشيخ في كتاب الطهارة بدأ به في سنة 1377 ه‍ ، وكان حديثه في حرمة تنجيس المشاهد المشرفة كالمساجد ، جاء فيه « وقال شيخنا الاستاذ متعنا الله ببقائه : يبحث في هذه المسألة من جهتين ... ».

من تلامذته

من أقوال العلماء فيه

1- قال الشيخ الميرزا النائيني : «ما من مسألة تطرح حتى يكتب عنها رسالة مشتملة على التحقيق والتدقيق ، ونقل كافة الأقوال فيها ».

2ـ قال الشيخ آقا بزرك الطهراني: «وقد عُرف بالتحقيق والتبحّر والتقى والعفّة، وشرف النفس، وحُسن الأخلاق، وكثرة التواضع، كما أنّه من الذين يخدمون العلم للعلم، ولم يطلب الرئاسة، ولم يتهالك في سبيل الدنيا، وهو من أجل ذلك محبوب مقدّر بين الجميع».

3ـ قال الشيخ محمد علي اليعقوبي: «فهو اليوم ممّن يُشار إليه بالبنان، ويُعدّ في الطبقة العليا بين أهل العلم وذوي الفضيلة».

5ـ قال الشيخ حسن سعيد الطهراني: «كان مداراً للبحث والتحقيق، ومحطّاً لأنظار أهل الفضل، يؤمّونه للارتواء من مناهل علومه؛ لما عُرِف به من غزارة العلم، وعمق التجربة، وسعة الأُفق، ووفرة الاطّلاع، وقد تخرّج على يديه جيل من أهل العلم، هم الطليعة اليوم في جامعة مدينة النجف».

6- قال السيد علي الحسيني السيستاني: «مالي والمرجعية، ليتني بقيت كأحد رجال الدين، ذلك أستاذنا الشيخ حسين الحلي عاش بعيداً عن الأضواء، ومات سعيداً، لم يتحمل أية مسؤولية، ما هذه المشاكل؟ ما هذه الابتلاءات؟».

7- قال السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: «ان استفادتي من مجالسة الشيخ الحلي أكثر من استفادتي من حضوري في درسه، من دون أن يعني ذلك التقليل من أهمية درسه، وانما لبيان مدى الفائدة في تلك المداولات العلمية المستمرة مع الشيخ الحلي وملازمته له».

من صفاته وأخلاقه

الإنسان حيث يضع نفسه: كان يستشهد دائماً بهذه المقولة التربوية النافعة، وهي: «الإنسان حيث يضع نفسه»، فكلّ إنسان يمكن أن يضع نفسه في الموضع الذي يُريده، فكما يمكنه أن يكون صادقاً يمكنه أن يكون كاذباً، وكما يمكنه أن يكون محبّاً للخير له وللآخرين يمكنه أن يكون محبّاً للشرّ، وإلخ.

التواضع: كان متواضعاً إلى أبعد الحدود، وبسيطاً بكلّ معنى البساطة، فقد كان متواضعاً في مسكنه وملبسه ومأكله ومشيته، فكان يملك بيتاً متواضعاً يسكن فيه هو وعائلته، وكان لا يحبّ المظاهر بكافّة أشكالها، لذلك تجده لا يعتني بمظهره.

الزهد: كان زاهداً بكلّ معنى الزهد، وكريماً رغم إمكانياته المحدودة، فكان لا يجد للمال قيمة، إلّا أن يواسي به الفقراء والمساكين والمحتاجين، وكان مصداقاً لقوله تعالى: )وَيُؤْثِرُوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.

الورع: كان مثالاً يُحتذى به في الزهد والصلاح، وأُسوة طيّبة في الهداية والاقتداء، وكان من شدّة ورعه واحتياطه أنّه لم يتصدّ للزعامة الدينية التي كانت تتوجّه إليه، فكان يتهرّب منها، وكم من مرّة دفعها عن نفسه وثنى طرفه عنها.

5ـ تعلّقه بالأدب: كان أديباً ممتازاً، وقد مارس الأدب في شبابه بُرهةً من الزمن، وربما تعاطى الشعر بين أقرانه، وكانت النجف في عهد شبابه كسوق عكّاظ، فيها العشرات من النوادي الأدبية، يحضرها أعلام الأدب وكبار الشعراء، وكان يحضر تلك المجالس ويتّخذها وسيلة لترويض الروح، وللتعبير عن خواطره وخوالجه.

الكرم: نقل أن أحد طلبته ذهب إلى بيت الشيخ حسين الحلي ليناقشه في مسألة فقهية علقت في ذهنه ، ولما دخل عليه في غرفته الخاصة المتواضعة في أثاثها ، استقبله بكل بشاشة وترحاب ، وبعد أن استقر به المقام أتم مناقشة المسألة وخرجا سوية باتجاه الصحن الحيدري ، وفي الطريق التقى به أحد خدم الروضة العلوية ، ومعه رجل عرّف نفسه للشيخ وسلّم عليه ، وقدّم له ظرفا فيه بعض المال ، وودعه وانصرف ، وبعد دقائق عاد خادم الروضة الذي صحب الرجل ، وقال للشيخ : اعطني بعض المساعدة مما وصل لكم يا مولانا ، فقال له الشيخ : أنت محتاج ، فقال الرجل : وحق جدي رسول الله إني محتاج ، فدفع الشيخ الحلي له الظرف بما فيه ، ولم يأخذ منه دينارا واحدا. يقول الناقل : وبقيت مندهشا ، فقبل فترة وجيزة طلب منه ولده بعض المال لشراء حاجة ضرورية للبيت اعتذر له من عدم مال لديه ، وجاء له رزق فأعطاه بسخاء ولم يقدّم حاجته عليه. هكذا كان كرم الشيخ ، يقدّم المحتاج ويؤثره على نفسه حتى في أضيق الأوقات.

من مؤلّفاته

شرح كفاية الأُصول، تقريرات بحث الشيخ النائيني في الفقه والأُصول، تقريرات بحث الشيخ العراقي في الفقه والأُصول، تعليقة على الجزء الأوّل من أجود التقريرات، تعليقة على الجزء الثاني من فوائد الأُصول، تعليقة على المكاسب، الأوضاع اللفظية وأقسامها، رسالة في حكم بيع جلد الضبّ وطهارته، رسالة في إلحاق ولد الشبهة بالزواج الدائم، رسالة في أخذ الأُجرة على الواجبات، رسالة في معاملة اليانصيب، رسالة في قاعدة من ملك، رسالة في قاعدة الفراش.

وفاته

تُوفّي في الرابع من شوّال 1394ه بالنجف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن بمقبرة أُستاذه الشيخ النائيني بالصحن الحيدري للإمام علي().[1] ونقلا عن آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم عن الشيخ عباس عن المرحوم والده آية الله الشيخ ميرزا علي النائيني أنه « قال كان الميرزا النائيني يقول : إن الشيخ حسين أفضلهم » قال السيد الحكيم : نقل ذلك لي في فاتحة المرحوم الشيخ حسين الحلي ».

وقد أرخ وفاته المرحوم السيد محمد الحلي قال :

فجع الغري وأصبحت

تبكي القداسة والعلوم

لما قضى شيخ الفضائل

من به العليا تريم

إن ( الحسين ) لآية

فيها الشريعة تستقيم

الحلة الفيحاء صارت

فيه تحسدها النجوم

وبه الغري سما مقاما

حين راح به يقيم

ساد الظلام بفقده

فوفاته خطب جسيم

فجع الوصي فأرخوا

( رزء الحسين به عظيم)

1394 هـ رحمك الله يا سيدي ، وحباك من رضاه وغفرانه في آخرتك ما آنس وحشتك ، ووفقنا لنحفظ حقك علينا ما دمنا نشعر بالحياة ، ونستضيء بالنور.

المصادر

موسوعات ذات صلة :