مسألة العادة السرية في الإسلام هي قضية خلافية، ترى فيها فئة كبيرة تمثل أغلب فقهاء المذهب التحريم وحصر قضاء الشهوة في الزوجة، وذكروا أن من طلب قضاء الوطر في غيرها فقد بغى وطغى، بينما يميل الرأي الثاني إلى أن الاستمناء لا يوجد دليل صريح على تحريمه ولا يتعدى حكمه الكراهية كونه ليس من مكارم الأخلاق، وهو رأي بن حزم، وجابر بن زيد[1] والشوكاني والصنعاني والألباني.[2] ورأي ثالث يقول بالتفصيل، وهو التحريم في حالة عدم الضرورة، والإباحة في حالة تقتضي ذلك، وهي الضرورة، كخوف من زنا، أو مرض، أو فتنة، وهو قول بعض الحنابلة والحنفية. وكل هذه الآراء تنطبق على المرأة كذلك.[3]
في الشرع
لم يرد نص صريح في القرآن ولا في السنة النبوية يستدل به على الاستمناء، وما يروى في ذلك لم يصح إسناده،[4][5] إلا الأية: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، من هنا الاختلاف بين أراء العلماء بين تحريمها وكراهيتها واباحتها، فالبعض يستدل بها علي تحريمها، وابن القيم وغيره نص على أنه يجوز ذلك عند الخوف من الوقوع في الزنا فأباحها لخوف الوقوع في كبيرة من الكبائر (الزنا) أو (اللواط)[6] ويذكر عن ابن عباس: الخضخضة خير من الزنا، وقد قال الإمَامُ أحمد: هي كالحجامة، ومن عمل بها لغير خوف الزنا عزر.
وجاء عند البخاري معلقاً أن جابر بن زيد التابعي «سُئِل عن رجل نظر فأنزل فقال: لا شيء عليه.»، وقد اعتمد هذا الشافعية وغيرهم في قولهم بأن الإنزال لا عن مباشرة لا يفسد الصوم، والنظر لا يعد مباشرة.
ويبيح الإسلام لكل من الزوجين الاستمتاع بالآخر على أي صفة كانت سواء كان ذلك باستمناء أو غيره.[7]
التحريم
الذين ذهبوا إلى تحريمه فهم المذهب الشيعي المالكية والشافعية، والزيدية. وحجتهم في التحريم أن الله أمر بحفظ الفروج في كل الحالات، إلا بالنسبة للزوجة. واستدل بعض أهل العلم بالآية: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ النور 33 ، بأن الأمر بالعفاف يقتضي الصبر عما سواه. وكذلك بالآية {والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}.
أما ابن تيمية فقد قال إن الأصل في العادة السرية هو التحريم ويجب التوبة عنها، ولكنه عاد وروى عن بعض الصحابة والتابعين أنهم اعتقدوا في إباحيتها للضرورة (خشية الزنا أو المرض) أما لو كانت ممارسة العادة السرية بدون ضرورة فإنها محرمة.[8]
ويستعمل الفقهاء حجة أن رسول الإسلام لم يرشد الشباب إلى الاستمناء وأنه لو كان في الاستمناء خيراً لأرشد إليه، وإنما أرشد إلى الزواج أو الصوم بقوله: «" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أي وقاية من الزنا. أخرجه البخاري ومسلم.»[9]
الإباحة
قال عمرو بن دينار: ما أرى بالاستمناء بأسا.[10] وأبي الشعثاء قال: هُوَ مَاؤُكَ فَأَهْرِقْهُ.[11] ويروى عن ابْنِ عَبَّاسٍ ، أنه قال : " وَمَا هُوَ إِلا أَنْ يَعْرُكَ أَحَدُكُمْ َّزُبَّهُ حَتَّى يُنْزِلَ مَاءً "، وجاء عنه قوله كذلك: إن نكاح الأمة خير من هذا، وهذا خير من الزنا.[12]
وقال أحمد بن حنبل : المني إخراج فضله من البدن فجاز إخراجه.[13] وفي مصنّف عبد الرزّاق: كان من مضى يأمرون شبّانهم بالاستمناء، والمرأة كذلك تدخل شيئاً. قلنا لعبد الرزّاق: ما تدخل شيئاً؟ قال: يريد السق. يقول تستغني به عن الزنا.[14] أما بن حزم فقد بنى إباحة نكاح الرجل ليده على مقدمتين:
- أولاهما أن ذلك يتم بلمس الرجل لذكره.
- أن يتعمد بذلك إنزال المني.
فالمقدمة الأولى مباحة بإجماع. والمقدمة الثانية مباحة أيضاً، لأنه لم يزد على المباح في الأمر الأولى إلا تعمد إنزال المني، فليس ذلك حراماً أصلاً، لقول الله (وقد فصل لكم ما حرم عليكم)، وليس هذا مما فصل فهو حلال لقول الله (خلق لكم ما في الأرض جميعا) وليس هذا مما فصل تحريمه، كما يقول ان حزم، فهو حلال، إلا أنه يعتبره مكروهه لأنه ليس من مكارم الأخلاق ولا من الفضائل.[15]
ورغم اقرار الشوكاني في رسالته بجواز الاستمناء بشكل مطلق حتى في غياب الزوجة، إلا أنه عاب هذا الفعل بقوله: لا شك أن هذا العمل هجنةً وخسةً وسقوط نفس وضياع حشمة وضعف همة.[16]
ومن فقهاء هذا العصر، ذهب الشيخ عبد الباري الزمزمي، الذي يرى أن لجوء المرأة والرجل إلى ممارسة الاستمناء مباح ولا حرج فيه.[17] واستند في إباحته للعادة السرية للفتيات على أنها وسيلة تبعدهن عن الزنا، الذي يعد "حراما صريحا"، عكس الاستمناء الذي يغيب عنه نص قرآني أو حديث شريف حاسم وصريح. وكان العلماء يفتون للمرأة التي تأخرت عن الزواج أو غاب زوجها عنها لمدة طويلة، بممارسة العادة السرية لإشباع حاجاتها «مخافة الوقوع في المحظور». وحسب الزمزمي «تلجأ الفتاة إلى هذه الوسائل لتصون عرضها وكرامتها حتى لا تقع في الحرام، لكون حكم الرغبة الجنسية مثل حكم الجوع». ويقول الزمزي أن "من يكفيه الصيام فليصم"، لكنه يرى أن الصوم في عهد الرسول تغير عن الصوم في العصر الحديث، فحينها كانت الناس يقضيان نهارهما في الصوم، ومع آذان المغرب يدخلان إلى البيت، لأنه لا حياة تستمر بحلول الظلام، عكس ما يجري اليوم، حيث تنطلق الحياة بعد آذان المغرب.[18]
العادة السرية والعبادات
تعد العادة السرية من مبطلات بعض العبادات كالصلاة وقراءة القرآن فلا يجوز الصلاة أو قراءة القرآن في حالة الجنابة (الحدث الأكبر) إلا بعد الاغتسال والتطهر.
رمضان
اختلف الفقهاء في هذه المسألة قديما وحديثا والذين أوجبوا عليه القضاء احتجوا بالقياس على الجماع لكنهم تناقضوا فلم يوجبوا عليه الكفارة وهذا تحكم لا يرتضيه الشارع الإسلامي. ومنهم من احتج بأن الإنزال شهوة والصائم قد منع من مقارفة الشهوة لحديث: "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي "، وهؤلاء تناقضوا أيضا لأنهم يجوزون للصائم بعض الأمور التي تدخل في هذا الباب كالقبلة والمباشرة والتطيب والترفه وغير ذلك مما هو جائز ولو لم ينص عليه الشارع. فالمقصود بالشهوة في الحديث الجماع وهذا الذي كان يفتي به بعض الصحابة.
قال الصنعاني:
وإليه مال الشوكاني وهو مذهب ابن حزم.[19]
هناك من يستدل على التحريم بالآية:
لكن لا دلالة في الآية على التحريم لحكم الاستمناء فالآية تتحدث عن النكاح، كما جاء في الآية: وقد فصل لكم ما حرم عليكم، كما استدل ابن حزم بذلك. وهو رأي الألباني الذي يقول أن الاستمناء لا يجوز في نهار رمضان ولكنه لا يفطر صاحبه وأن الكفارة والقضاء لا تكون إلا بالجماع.[20]
وذكر بعض الآثار عن الصحابة أنهم كانوا يفعلون ذلك بالمغازي واستدل به على تحريم المتعة، وأما من قال باللإفطار وأن ذلك يفسد الصوم فلا دليل عليه أصلا وكذلك الكفارة لا يصح فيها دليل.
بينما يقول ابن باز :
والألباني رجح أن الاستمناء لا يجوز في نهار رمضان ولكنه لا يفطر صاحبه.[22] وأن الكفارة والقضاء لا تكون إلا بالجماع. واحتج الشيخ بقول عائشة لمن سالها: ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ قالت: "كل شئ إلا الجماع".[23]، كما واحتج ابن حزم بنفس الحديث.
يجب التبيه أنه بين الاستمناء والإنزل عموم وخصوص فكل استمناء إنزال وليس كل إنزال استمناء. فإن الاستمناء هو ما اختلف فيه الفقهاء أما الإنزال بمجرد النظر أو بسبب التفكير بل لو تعمّد التفكير في الجماع فأنزل فهذا لا شيء عليه إطلاقا لا قضاء ولا كفارة ولا غيره وهو قول جمهور أهل العلم إن لم يكن إجماعا، لقوله رسول الله:
الحج
ذهب الفقهاء إلى أن الاستمناء لا يفسد الحج وعليه بدنة، ويرى المالكية أن الاستمناء يفسد الحج إذا كان ذلك قبل الوقوف بعرفه مطلقًا، سواء فعل شيءًا بعد إحرامه كالقدوم والسعى أم لا، أو وقع بعده بشرطين:
- إن وقع قبل طواف الإفاضة، ورمى جمرة العقبة يوم النحر، وقبله ليلة بالمزدلفة، وإلا بأن وقع قبلهما بعد يوم النحر، أو بعد أحدهما في يوم النحر، فعليه هدي[25] واجب، ولا يفسد حجه.
الاعتكاف
يري الفقهاء أن الاستمناء يفسد الاعتكاف، خلافًا للظاهرية الذين يرون أنه لا يفسد الاعتكاف في شيء إلا الخروج من المسجد.
مقالات ذات صلة
مراجع
- مصنف عبد الرزاق » كِتَابُ الطَّلَاقِ » بَابُ : الاسْتِمْنَاءِ، رقم الحديث: 13213 - 13154 (حديث مقطوع) عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ : " هُوَ مَاؤُكَ فَأَهْرِقْهُ " ويعني الاستمناء.
- تمام المنة في التعليق على فقه السنة، المؤلف : محمد ناصر الدين الألباني، الناشر : المكتبة الإسلامية، دار الراية للنشر، الطبعة : الثالثة - 1409، عدد الأجزاء : 1، (1/418)
- استمناء المرأة المطلقة أون إسلام، الدكتور محمد سعدي نسخة محفوظة 24 سبتمبر 2015 على موقع واي باك مشين.
- لم يصح حديث في ذكر العادة السرية رقم الفتوى: 176531، إسلام ويب، تاريخ الولوج 12 أبريل 2012 نسخة محفوظة 02 أغسطس 2012 على موقع واي باك مشين.
- لم يرد ذكر العادة السرية في السنة النبوية رقم الفتوى: 35428، إسلام ويب، تاريخ الولوج 12 أبريل 2012 نسخة محفوظة 18 مارس 2013 على موقع واي باك مشين.
- الاستمناء،العادة السرية صحة الرجل نسخة محفوظة 07 يونيو 2017 على موقع واي باك مشين.
- حكم الاستمناء بيد الزوج - إسلام ويب - تصفح: نسخة محفوظة 18 مارس 2013 على موقع واي باك مشين.
- مجموع الفتاوى، ابن تيمية، 11/574
- حكم العادة السرية إسلام ويب، رقم الفتوى: 7170. نسخة محفوظة 09 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
- 13594 عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال قال عمرو بن دينار: ما أرى بالاستمناء بأسا. (المصنف لعبد الرزاق /ج7/ ص 392 / ط المجلس العلمي بتحقيق الأعظمي).
- 13591 عبد الرزاق عن الثوري عن عباد عن منصور عن جابر ابن زيد أبي الشعثاء قال هو ماؤك فأهرقه. (المصنف لعبد الرزاق /ج7/ ص 391 / ط المجلس العلمي بتحقيق الأعظمي).
- توضيح حول ماجاء عن ابن عباس في الاستمناء إسلام ويب، رقم الفتوى: 131921 نسخة محفوظة 13 فبراير 2017 على موقع واي باك مشين.
- الاستمناء باليد. الإمام أحمد: المني إخراج فضله من البدن فجاز إخراجه
- باب الاِسْتِمْنَاءِ وباب الرُّخْصَةِ فِيهِ مصنف عبد الرزاق - تصفح: نسخة محفوظة 15 يناير 2018 على موقع واي باك مشين.
- أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري في كتابه "ابن حزم خلال ألف عام" (4|120)
- الإرواء م 8 ص 58
- الزمزمي يجيب التاويل: الاستمناء بين القول بإباحته والقول بتحريمه هسبريس، تاريخ الولوج 14 فبراير 2016 نسخة محفوظة 27 يونيو 2017 على موقع واي باك مشين.
- الزمزمي: العادة السرية مباحة للنساء الصباح، تاريخ الولوج 14 فبراير 2016 نسخة محفوظة 2 مايو 2020 على موقع واي باك مشين.
- المحلى، (6 / 175 - 177 و205)
- تمام المنة (ص418)
- مجموع فتاوى ابن باز" (15/267)
- تمام المنة، ص 418
- أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" ( 4 / 190 / 8439 ) بسند صحيح
- رواه البخاري (4968) ومسلم (127).
- في الشرع الإسلامي، الهدي هو كل ما يهدى إلى الحرم من نعم وغيرها، كالطعام واللباس، تقرباً إلى الله.
مصادر
- بلوغ المنى في حكم الاستمنا، محمد بن علي بن محمد الشوكاني.
- تحفة الشاب الرباني في الرد على الإمام محمد بن علي الشوكاني، مقبل الوادعي.
- الحقيقة الجلية في حرمة العادة السرية، محمد بن عمران.
- الاستقصا بأدلة تحريم الاستمنا، عبد الله بن الصديق الغماري.