الرئيسيةعريقبحث

حكم المهالبة لبلاد المغرب في عصر الولاة


☰ جدول المحتويات


يعتبر عصر الولاة عصرا حافلا بالأحداث التاريخية، شهدت فيه بلاد المغرب ورود الكثير من المذاهب والأفكار التي نشأت في بلاد المشرق، وعاشت فيه تقلبات سياسية كبيرة، نظرا لأن حكم بلاد المغرب خلال هذا العصر تعاقبت عليه أعظم دولتين إسلاميتين، وهما الدولة الأُموية، والدولة العباسية، وتميزت كل دولة بسياسة معينة في تسيير شؤون البلاد، من تنصيب الولاة، وجباية الضرائب، والتعامل مع المناوئين، وغيرها.

كما تعاقبت أيضا بعض الأسر على حكم بلاد المغرب، ومن أشهر هذه الأسر أسرة آل المهلب، وهي الأسرة التي يتناولها هذا الموضوع.

ولا بد قبل المباشرة في هذا الموضوع، أن نطرح الإشكاليات التالية:

بماذا تميز حكم آل المهلب؟

وفيما تمثلت أهم اسهاماتهم السياسية في بلاد المغرب؟

أولا - أصل أسرة المهالبة وإسلامهم

تُنسب أُسرة المهالبة إلى المهلب بن أبي صفرة، واسم أبيه صفرة الذي يرجع نسبه إلى قبائل الأزد اليمنية التي هاجرت إلى عُمان، ويروي بعض النسابون - وإن كان في صحة هذه الرواية اختلاف- أن أبا صفرة كان صحابيا والتقى بالرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وبايعه على الإسلام وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أطلق عليه تسمية أبي صفرة، بعد أن كان اسمه قاطع بن سارق بن ظالم.[1]

و المهالبة من الأسر التي نالت مكانة مرموقة في التاريخ الإسلامي في عصر الأمويين والعباسيين، وقد أرسى دعائم شهرتهم زعيمهم المهلب بن أبي صفرة الذي عرف بالحكمة والمهارة الفائقة في كبح جماح الخوارج في المشرق.[2]

ثانيا - أوضاع بلاد المغرب قبل حكم أسرة آل المهلب

- استيلاء عبد الرحمن بن حبيب الفهري على إفريقية سنة 127 ه، إذ يعتبر أول ثائر يتغلب على إفريقية،[3]وتمكنه من إخماد حركات الخوارج والمناوئين، واعتراف الخليفة مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين بولايته اضطرارا.[4]

- انتقال الحكم في المشرق من الأمويين إلى العباسيين، وذلك سنة 132 هـ بعد الوقعة التي هُزم فيها الأمويون مع ابن هبيرة، وفتح العباسيين للكوفة.[5]

- ظهور الخوارج في بلاد المغرب وذلك في بداية القرن الثاني الهجري علي يد الداعيتين: عكرمة مولى ابن عباس[6]، وسلمة بن سعيد[7]، وبروز الثورات التي قاوم فيها الخوارج التواجد الأموي والعباسي في بلاد المغرب، ونذكر منها على سبيل المثال: ثورة ميسرة المطغري سنة 122ه، وموقعة القرن، وموقعة الأصنام، وثورات عبد الرحمن بن رستم.[8]

ولاه أبو جعفر المنصور سنة 151 هـ، وقد كان السبب وراء توليته أن الأغلب بن سالم التميمي والي العباسيين في المغرب قد قتل، مما يجعل من خلو البلاد من وال خطرا يهدد نفوذ العباسيين.

أقام عمر بن حفص بن قبيصة بالقيروان ثلاث سنين وأشهرا من ولايته، والأمور له مستقيمة ، ثم سار إلى الزاب وبنى سور مدينة طُبنة، وكان هدفه من وراء ذلك تحصينها وجعلها مركزا ينطلق منها إلى قتال الخوارج.  وولى عند مسيره إلى طُبنة على القيروان حبيب بن حبيب بن يزيد.

انتهز الإباضية مسير عمر بن حفص إلى الزاب فحاصروا القيروان وقتلوا حبيب بن حبيب، وشهد المغرب انتفاضة عارمة، انتهت بمقتل عمر بن حفص سنة 154 هـ بعد أن عاد إلى القيروان لقتال الإباضية، وبايع بعده أخاه جميل بن حفص بالقيروان ، ولكن سرعان ما بعث أبو جعفر المنصور يزيد بن حاتم حاكما على إفريقية بعد ما بلغه مقتل عمر بن حفص.[9]  

ولاية يزيد بن حاتم بن قبيصة المهلبي (154-170هـ)

عينه أبو جعفر المنصور، وقدم إلى المغرب بقوة تتألف من ستين ألف مقاتل، وتمكن من الثأر لابن عمه عمر بن حفص،  وكان كريما شجاعا نافذ الرأي.

ومن أهم أعماله:

- أعاد تنظيم الأسواق في القيروان وجعل لكل صناعة مكان خاص بها.

- أمر بتجديد المسجد الجامع سنة 157هـ.[10]

ولاية روح بن حاتم المهلبي (171-174 هـ)

وصل إلى القيروان سنة 171 هـ وكان أكبر من أخيه يزيد ولا يقل عنه كفاءة، وعند وصوله ولى العلاء بن سعيد على طرابلس، وعزل المهلب بن سعيد عن طُبنة وجعل عليها ابنه الفضل، واستعمل على تونس الجنيد بن يسار ثم عزله واستخلف اسحاق بن يزيد بن حاتم، ولى ابنه قبيصة برقة.

توفي سنة 174 هـ فكانت ولايته ثلاث سنوات وثلاث أشهر وكانت خالية من الاحداث.[11]

ولاية نصر بن حبيب المهلبي (174- 176 هـ)

قبل وفاة روح بن حاتم كتب نصر صاحب بريد القيروان إلى الرشيد يخبره بضعف روح بن حاتم وكبره في السن، وأن إفريقية ثغر كبير ولا تستقيم بغير سلطان قاهر، فكتب الرشيد عهده بولايتها إلى نصر بن حبيب المهلبي وبعد وفاة روح بن حاتم قدم إلى القيروان وبويع على الطاعة وكانت ولايته قصيرة وخالية من الأحداث[12]، دامت سنتين وثلاث أشهر.[13]

رابعا - ولاية الفضل بن روح ونهاية حكم آل المهلب (177- 179ه)

عزل الرشيد سنة 176 هـ نصر بن حبيب، وعين الفضل بن روح ووصل الفضل إلى القيروان سنة 177هـ، واستعمل ابن أخيه المغيرة بن بشير فاستخف بالجند وكان مغرورا [14].

فاجتمع من بتونس وكتب إلى الفضل يستعفونه من ابن أخيه، فلم يجبهم عن كتابهم فاجتمعوا على ترك طاعته، فقال لهم محمد بن الفارسي وهو أحد قادة الجند: كل جماعة لا رئيس لها فهي إلى الهلاك أقرب فانظروا رجلا يدير أمركم، قالوا صدقت فاتفقوا على تقديم قائد منهم يقال له: عبد الله بن الجارود وبايعوه على السمع والطاعة وأخرجوا المغيرة عنهم، وكتبوا إلى الفضل يقولون: أنا لم نخرج يدا على الطاعة، ولكنه أساء السيرة فأخرجناه فول علينا من نرضاه [15]. فرد الفضل بإرسال ابن عمه مكان أخيه، وهو في طريقه إلى تونس أرسل إليه الجارود جماعة من الجند فقتلوه وأسروا من كان معه، وكان سبب قتله هو خوفهم من انتقام الفضل. وأمر ابن الجارود ابن الفارسي أن يكتب إلى كل قائد ومتولي مدينة بإفريقية يستغويهم ويستهويهم بأحقيتهم بولاية أفريقية[16]، وبهذه المؤامرة أفسدوا جميع الجند وبعد أن علم الفضل بذلك أرسل جيشا أراد أن يضربهم ضربة قاضية، ولكن كان معظم جنده قد فسد فانهزموا وتبعهم ابن الجارود إلى القيروان فدخلها سنة 178هـ، وقتل الفضل بن روح بن حاتم وبمقتله انقرضت إمارة المهالبة في إفريقية، وكانت ولاية الفضل واحد وخمسين شهرا.[17]

خامسا - مميزات حكم آل المهلب لبلاد المغرب

مما سبق نوجز أهم المميزات التي ميزت حكم آل المهلب لبلاد المغرب في النقاط التالية:

- ولائهم الشديد للدولة العباسية، ونلمس ذلك جليا في طاعتهم للوالي الذي يعينه السلطان العباسي، وكذا عدم تفكيرهم في تأسيس دولة مستقلة عن الحكم العباسي.

- مقاومتهم للخوارج، والمناوئين للحكم العباسي، ومن المرجح أن سبب تولية العباسيين لهم في المغرب لم يكن إلا لسابق خبرتهم في قتال الخوارج في المشرق.

- اهتمامهم بالجانب الحضاري والعمراني، وذلك بتجديد مسجد القيروان، وتنظيم الأسواق وسك العملة.

- حسن معاملتهم لسكان بلاد المغرب خاصة البربر، خلافا لبعض من سبقهم من الولاة.

     وفي الأخير وبعد انتهاء حكم آل المهلب الذي دام سبعة وعشرين سنة، والذي كان مليئا بالاضطرابات بسب الخوارج الاباضية وبعد أن تم استعادة القيروان شهد حكمهم استقرار سياسي وإحلال للعدل، والدليل على ذلك هو وفاة كل من يزيد وروح بن حاتم وفاة طبيعية دون مقتلهم بفعل ثورة ما، وأما في آخر حكم ولاتهم فقد شهدت هذه الفترة ثورة الجارود، وهذا بسب ضعف الفضل في الجانب السياسي و الإداري وقلة خبرته بشؤون أفريقية مما أدى إلى مقتله في الأخير، وبهذا انتهى حكم ال المهلب و انتقال حكم إفريقية إلى هرثمة بن أعين الذي عينة الخليفة العباسي.

مراجع

  1. يونس محسن: المهالبة ودورهم في التاريخ العربي الإسلامي حتى قيام الدولة العباسية، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية، سوريا، العدد 3، 2011، ص33.
  2. عبد الحميد حسين حمودة: تاريخ المغرب في العصر الإسلامي منذ الفتح الإسلامي وحتى قيام الدولة الفاطمية، الدار الثقافية للنشر، القاهرة، مصر، ط1، 2006، ص 153.
  3. أبي العباس أحمد بن عذاري: البيان المغرب في اختصار ملوك الأندلس والمغرب، تحقيق: بشار عواد، دار الغرب الإسلامي، تونس، ط1، 2013، ج1، ص93.
  4. عبد الحميد حسين حمودة: مرجع سابق، ص 144.
  5. أبي العباس أحمد بن عذاري: مصدر سابق، ص 94.
  6. عبد الحميد حسين حمودة: مرجع سابق، ص 136.
  7. حسين مؤنس: معالم تاريخ المغرب والأندلس، دار الرشاد، القاهرة، مصر، ط5، 2000 ص .115
  8. عبد الحميد حسين حمودة: مرجع سابق، ص 136 وما بعهدها.
  9. أبي العباس أحمد بن عذاري: مصدر سابق ، ج1، ص 108.
  10. أبو إسحاق إبراهيم بن القاسم الرقيق: تاريخ إفريقية والمغرب، تحقيق: عبد الله علي زيدان، عز الدين عمر موسى، دار الغرب الإسلامي، تونس، ط1، 1990، ص 111.
  11. عبد العزيز الثعالبي: تاريخ شمال إفريقيا من الفتح الإسلامي إلى نهاية الدولة الأغلبية، تحقيق: أحمد بن ميلاد، محمد ادريس، دار الغرب الإسلامي، لبنان، ط1، 1987، ص 188.
  12. عبد العزيز الثعالبي: مرجع سابق، ص 189.
  13.  أبي العباس أحمد بن عذاري: مصدر سابق، ص 85.
  14.   عبد العزيز الثعالبي: مرجع سابق، ص 189.
  15. ابن الاثير: الكامل في التاريخ، تحقيق: محمد يوسف الدقاق، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1987، ج5، ص 298.
  16.   عبد العزيز الثعالبي: مرجع سابق، ص 190.
  17. أبي العباس أحمد بن عذاري: مصدر سابق، ص 87-88.

وصلات خارجية

موسوعات ذات صلة :