خلف التل هو زعيم أردني من حوران الأردنية، وصاحب بصمة واضحة في تاريخ الأردن، كان قائدا عسكريا في الجيش التركي، حيث قاد معارك ضارية مع الجيش التركي ضد الإنجليز في قناة السويس تميز فيها بذكائه وحنكته الحربية وعندما عاد بكتيبته إلى السلط انصَدَمَ بقصف الجيش التركي لأهله في مدينة السلط فانضم إلى الثوّار الأردنيين في جنوب الأردن. وهو مقاتل وثائر ضد الظلم والاستعمار أينما وجد، فلقد شارك بالثورات ضد الفرنسيين في سوريا حيث نظّم الهجمات مع فرسان العشائر الأردنية، وكان من أوائل المنَظّمين للثورات العراقية ضد البريطانيين. وهو شخصية سياسية لها تأثيرها في بناء الأردن الحديث، اذ كان المنسق العام لمؤتمر أم قيس، وقائد منطقة الكرك في العشرينات الذي التفت حوله العشائر وحل النزاعات بحنكته وصد هجوم الوهابيين على الأرض الأردنية، وشهدت له مدن الأردن، عجلون والبلقاء و الكرك ومعان بالإدارة الحكيمة والفذة.
عائلته ونسبه
ولد خلف التل في مدينة إربد سنه 1890 وتعلم فيها وتخرج من المدرسة الابتدائية سنة 1896، ويذكر أنها المدرسة الوحيدة التي كانت موجودة في مدينة إربد وقد أسسها الشيخ مصطفى صالح التل عام 1879 على نفقته الخاصة، وينتمي إلى عشيرة التل احدى اعرق العشائر الأردنية واقدمها، في الوقت الذي أهملت فيه الدولة العثمانية التعليم وأبسط أنواع الخدمات. حصل على منحة من مكتب ” عنبر ” عام 1900، وأكمل تعليمه الإعدادي وتميز بتفوقه الأكاديمي، بعدها التحق بالكلية الحربية عام 1915 وتخرج منها يرتبه ملازم واستحقاقه وسام التفوق، خاصة اثر استقطاب الاحتلال العثماني للمتفوقين العرب واغرائهم بالوظيفة العسكرية في ظل ضعف الوظائف التي توفرها الدولة بل انعدامها ومنعا لهم من الالتحاق بركب المتنورين والثوار العرب، بعدها أرسِلَ إلى بعلبك وكانت تسمى الخدمة المقصورة حيث كان يُرسل جميع الخريجين من الطلاب العرب لتدريبهم ثم إلحاقِهم بالقوات المقاتلة إبان الحرب العالمية الأولى، وخلال تدريبه هناك شاهد العشرات من المواقف الاستفزازية من قبل الضباط الأتراك الذين يكيلون اللعنات والسباب والشتائم بحق العرب، في الوقت الذي علقت فيه المشانق لزعماء القوى الوطنية من الجمعية العربية الفتاة في ساحات بعلبك، وتركت اثراً عميقاً في نفسه.
دوره في حكومة إربد ومؤتمر أم قيس
بعد هزيمة الجيش الفيصلي في معركة ميسلون وفرض الانتداب البريطاني على مناطق الأردن، واتباع الإنجليز سياسة التفرقة والنعرات بين المناطق الجغرافية الأردنية وسياسات الفتنة بين العشائر الأردنية، وتنفيذا لاتفاقاتها مع الدولة الفرنسية على تقسيم مناطق نفوذهما في كل من سوريا والعراق وفلسطين وفرض سيطرتها عليها، برزت الساحة الأردنية برجوع أبناءها من الفرسان والقيادات من ضباط الثورة العربية إلى مناطقهم، واستأذن علي خلقي الشرايري من الملك فيصل العودة إلى إربد لتشكيل حكومة وطنية للاحتفاظ بطابع الأردن الوطني وليكون بعيدا عن المطامع الاستعمارية بشكل مباشر ومخاطر الوكالة الصهيونية وبيع الأراضي لها ريثما ينتهي الملك فيصل من مفاوضاته مع البريطانيين، وهنا ظهرت شخصية البطل خلف التل سياسياً كمنسق عام لمؤتمر أم قيس بعد تكليفه من قبل علي خلقي الشرايري بدعوة وجهاء العشائر والقيادات الأردنية للاجتماع مع المندوب البريطاني ” سمرست ” لإطلاع الحكومة البريطانية على الرغبات الشعبية المطالبة بتأسيس حكومة وطنية بزعامة أمير عربي وتشكيل مجلس عام بسن القوانين والإدارة وأن تكون حكومة منفصلة عن حكومة فلسطين لمنع الهجرة اليهودية إلى الأراضي الأردنية، وبعد ذلك عمل الفارس خلف التل مع البطل علي خلقي الشرايري بهدف توحيد الجهود والمناطق الأردنية في حكومة واحدة والتجهيز لقدوم الأمير عبد الله بن الحسين بإرسال كتب ورسائل إلى الحكومات المحلية ووجهاء العشائر الأردنيين وكان القائد خلف التل في مقدمة من استقبلوا الأمير عبد الله في معان في سنة 1921 .
خلف التل الوزير المنفي
لم يكن خلف التل من المنتسبين للمعارضة الوطنية، ولم تكن الحكومة تحسبه من المعارضين لذلك تم تسميته في حكومة توفيق ابوالهدى مفتشا للإدارة ( وزير الداخلية ) عام 1938. وفي تلك السنة زادت الحركة الوطنية الأردنية من هجماتها ضد الانتداب البريطاني، من هجوم على مخافر للإنجليز ومحاولات اختطاف واغتيالات لضباط وشخصيات بريطانية وبخاصة محاولة اختطاف المعتمد البريطاني ومحاولات تخريب خط أنابيب البترول، وحينها بدأت أصابع الاتهام تتوجه إلى خلف التل من قبل المعتمد البريطاني ومن عملاء الإنجليز، فأخذ خلف التل ينتهج طريقه جديدة في اسلوب تعامله وتعاونه مع الأحرار الأردنيين في سعيهم إلى التحرر والخلاص من المستعمر، بإبلاغهم بأمر اعتقالهم، فلقد روى معالي المرحوم سليم البخيت ( وزير الأشغال الاسبق ) بأن خلف التل أرسل زوجته خديجة صالح التل -وهي شقيقة شاعر الأردن مصطفى وهبي التل (عرار)- إلى بيته وأبلغته بقرار الاعتقال بحقه، وبعد حادثة تفجير خط أنابيب النفط قرب قرية الحصن زادت شكوك المعتمد البريطاني بالقائد خلف التل اذ لم يلقِ القبض على أحد، فاستغل ذلك وعمد إلى إبعاده عن الوزارة في حكومة توفيق أبو الهدى الثانية، فعين مديرا للمطبوعات والنشر، وبعدها تم توجيه التهم له بمساعدة الوطنيين الأردنيين في تلك الحادثة وتم نفيه إلى الطفيلة عام 1941 إلى أن صدر الامر بالعفو عنه من قبل الأمير عبدالله لعدم قدرة الانتداب البريطاني على اثبات التهم الموجهة إليه. وعيّن بعدها قنصل ثاني في بغداد، فعرف بدبلوماسيته الناجحة وقدرته على بناء علاقات جيدة تخدم المصلحة الوطنية، وبقي على رأس عمله إلى أن وافته المنية عام 1943 .
شهادة في سيرة خلف التل
قال عنه القائد جميل المدفعي رئيس الوزراء العراقي : "عرفته عسكريًا شجاعًا في نضال العرب واستقلالهم، وعرفته قائدًا باسلًا مدة رفقتنا في الأردن أيام الثورة، وعرفته إداريًا ناجحًا وسياسيًا محنكًا محبوبًا في بغداد، وعرفته اخًا حميمًا وصديقًا وفيًا فقد كان جذاب الحديث، عذب البيان، قوي العزم والعزيمة وقد ملك محبة من عرفوه."