هنالك اختلاف في اصل الاسم (طوز خورماتو) هذا اللإسم معنى، قيل ان اصل التسمية (خورما _تي) أو (خورماتو) مشتقة من كلمتي (خورما _ كلمة كوردية تعني التمر) و(تو) وهي كلمة كوردية أيضا تعني (التوت) فتكون المعنى الإجمالي، التوت بحجم التمر لكبر حجمه، حيث من يلاحظ اشجار التوت من بساتين المدينة التي لم يبق منها الشئ الكثير تثمر توتا من النوع هذا، وفريق آخر من الناس يعتقدون أن الاسم انما يتكون من ثلاثة كلمات الأولى (طوز _ كلمة تركمانية تعني الملح) وكلمتي (خورماتو) اي التمر والتوت كما اسلفنا ويعزون ذلك إلى اشتهار المدينة سابقا بهذه المنتوجات الثلاثة
كانت المدينة لغاية (1946) ناحية صغيرة تابعة إلى قضاء (كفري)، وفي عام (1947) الحقت بقضاء (داقوق _ دقوقاء) كناحية من نواحيها، اما فيما بعد وبعد أن ازدهرت المدينة ونمت رويدا رويدا إلى تبادلت مع داقوق صفتيهما الإدارية فأصبحت قضاء وداقوق ناحية من نواحيها لتنفصلا في زمن النظام البعثي المقبور كي تلحقق كقضاء إلى محافظة (صلاح الدين _ تكريت) التي استحدثت عام (1975) ضمن سياسة التعريب وبقت ناحية داقوق ضمن اعمال محافظة كركوك التي طالتها يد التشويه فأصبحت (محافظة التأميم) ضمن نفس الخطة الشوفينية كمحاولة لمسح اسم كركوك من الذاكرة الجمعية لاهالي المنطقة.
كان عدد سكان (طوز خورماتو) أثناء العهد العثماني (1749) نسمة وفيها (756) دارا و(3) خانات (كانت الخانات آنذاك بمثابة الفنادق) و(96) حانوتا و(3) مقاه و(35) بستانا ومدرسة ابتدائية واحدة، تبعد مسافة (16) ساعة مشيا على الاقدام عن كركوك (حسب الجغرافية العثمانية المطبوعة في استانبول عام 1329 للهجرة)، اما صاحب كتاب (دليل الالوية العراقية) كتب عن المدينة (مركزها قرية طوز خورماتو التي تبعد عن جنوب قصبة داقوق بنحو 20 ميلا وجنوب مدينة كركوك بنحو 80 ميلا وتعد منطقتها من اغنى بقاع العراق بالنفط وهي داخلة ضمن الاراضي التي تشملها امتيازات شركة نفط العراق يمر منها الطريقان الذين يربطان العاصمة بغداد بمدينة كركوك _ المقصود هنا طريق السيارات وخط سكك الحديد الذي طاله هو الاخر يد الضام التخريبي فالغي ثم رفع الخط نهائيا).
هنالك في الجهة الشرقية من المدينة سلسلة جبال (هنجيرة) التي تعلو (300)مترا عن سطح البحر توجد فيها قمم (موسى علي) و(كه لي هنجيرة _ ثلمة هنجيرة) ودربندي سليمان و(خويلين _ بتفخيم اللام).
تحد المدينة قصبة داقوق شمالا وناحية سليمان بيك جنوبا ومدينة كفري شرقا وقرية (ينگيجة) غربا، فيها من المعادن النفط، الفحم الحجري، الجص، حجر البناء، الملح، المياه المعدنية وأخرى كثيرة ويجب هنا ان نذكر ان عشرات الينابيع التي تنبع منها نفطا خالصا بدون نصب مضخات خاصة في قرى عشيرة اللك والگل كقرية تازه شار مثلا كانت لحين سقوط الصنم منطقة محرمة بين قوات الجيش البعثي وقوات البيشمرگة وقد استفاد الاهالي من هذه الينابيع الطبيعية حينما فرض النظام حصاره الاقتصادي على كردستان منذ عام الانتفاضة عام 1991 ولحين قبر النظام وإلى الابد.
في عام 1970 أصبح تعداد المدينة (86742) منهم (25081) يسكنون داخل المدينة ومراكز النواحي، و(61661) يسكنون القرى والقصبات.
طوز خورماتو في بطون التاريخ
عثر على قطعة من الاجر في هذه المنطقة تستدل على ان الموضع كان فيه مستوطن قديم يعرف باسم (خرشيتو) و(خرشيتوم) وهي اللفظة الاكدية الواردة في (المدونات المسمارية) في عهد الاكديين وسلالة اور الثالثة، وجاء ذكر ملكها (مارهوني) الذي كان معاصرا للملك السومري (يورسين) والملك (اردكينا) التي استقلت مملكته (خارشا) أو (خروشيتوم)، وفي عهد ابنه (ابتاوير) أيضا والملك (بازامو) وكان معاصرا للملك السومري (شولكي) ثاني ملوك سلالة (اور) الثالثة الذي حكم بين (2049 _ 2041) قبل الميلاد، وفي العهد البابلي انشئت فيها قلعة حصينة للميديين سميت (دز خورشيد _ قلعة الشمس) باللغة الارية القديمة وتطور الاسم مع مرور الزمن فأصبح (دزخورمات) وطبعا هذا الرأي اقرب إلى التصديق من بقية الروايات حول اصل تسمية المدينة، ويذكر ان جارتها (كفري) استقلت هي الأخرى كدويلة في عهد الملك (شولكي) وقد كانت تسمى آنذاك (في حدود 3000 سنة قبل الميلاد) ب (كيرو كيماش).
للرحالة شهاداتهم أيضا
ايقول الرحالة ( المنشئ البغدادي ) عن مدينة طوز خورماتو (( المسافة بين طوز وكفري ( 7) فراسخ، يجد السائح بينهما نهر ( قوري چاي ) تقطنها عشبرة البيات العربية الهاشمية الحسينية التي تتكلم باللغات الكردية والعربية والتركية، قسم منهم سني المذهب والقسم الاخر شيعي، يوجد في ارضها الجبس والكبريت والفحم الحجري وعلى الجبل المطل على المدينة ثمة قلعة شيدت بالجص والحجر لها اربع بوابات، اكثرية اهاليها يحتسون الخمر ولهم اصوات عذبة جميلة ويعزفون على الالات الموسيقية المختلفة، يتكلمون الكردية والتركمانية ويحترمون الغريب، فيها الف دار ودائرة للبريد.
اما جيمس ريج فيقول عند مروره بالمدينة سنة ( 1820 ) للميلاد، هنالك بئر للنفط عمقها ( 15 ) قدما على الطريق المؤدي إلى الجبل، ومقلع للملح بالقرب من المدينة، وكذلك بئر آ خر للنفط في جنوب المدينة، ومجموع ارباح النفط المستخرج من تلك الابار سنويا يبلغ ( 20 ) الف قرش يوزع بين عائلة الدفتردار ( والد عمر بگ ) صاحب الخزينة، ويضيف مستر ريچ ويقول _ ان اهل المدينة يقيمون احتفالات رائعة سنويا ينحرون فيها القرابين كلما قاموا بتنظيف آبار النفط تلك، ومن الارجح ان يكون هذا تقليدا قديما اورثوه من السلف البعيد اعتقادا منهم بان تلك الطقوس ستزيد من انتاج النفط في الابار.
طوز والحضور الدائم في النضال الوطني
لم يتخلف أبناء منطقة طوز خورماتو يوما من المشاركة في الثورات والانتفاضات والوثبات التي اندلعت في كردستان، فالمتصفح لتأريخ تلك الاحداث يجد لطوز وابناءه حضورا فعالا، فعند اندلاع الحرب العالمية الاولى عام 1914 م ترأس فائق آغا الداودة ثلة من الفرسان الاشداء الشجعان من أبناء عشيرته وتوجه بهم إلى الشعيبة في البصرة ضمن تشكيلة من تشكيلات الشيخ محمود الحفيد وهناك شارك مع عشائر الفرات الأوسط والجنوب العراقي لتصدي القوات البريطانية التي عسكرت طلائعها هناك وقد ابلى فائق اغا بطولة فردية رائعة عندما تقدم في صولة مجموعته وقاتل بخنجره الكردي إلى ان سقط شهيدا في الميدان ودفن في نفس المكان ولازال قبره يتبرك به الاهالي، اما رفعت آغا الداودة وهو أيضا من رؤوساء الداودة من كبريات العشائر الكردية القاطنة في منطقة گرميان فقد قاد الإخاذ عشيرة الداودة بعد التنسيق مع الثائر المعروف إبراهيم خان الدلوي إلى تحرير مدينة طوز فاكمل مهمته في غضون عدة ايام ليشكل في المدينة حكومة محلية ومجلس بلدي منتخب وعندما كر الإنكليز لاعادة السيطرة على المدينة بمساعدة معاهد الإنكليز في المنطقة الشيخ حميد طالباني دافع رفعت آغا الداودة دفاعا مشرفا عن المدينة ما حمل الإنكليز ان يغيروا على معقل رؤوساء الداودة التقليدي قرية ( البو صباح ) بواسطة طائرات القوة الجوية الملكية في المنطقة لحمل الاغا عن الكف من قتال الإنكليز، هذا وكان للشيخ محمود الحفيد علاقات قوية مع رؤوساء ووجهاء المنطقة وفي أحد المرات عقد ممثل الشيخ اجتماعا تبعه اجتماعات اخرى مع المرحوم ( حسن بگ داودة ) في ( قرية شاه سيوان ) القريبة من خورماتو وكانت تلك الاجتماعات تمهيد لبدء معركة ( آوباريك ) بين الشيخ الكردي من جهة وبين قوات الإنكليز من جهة اخرى وكان لثوار عشائر منطقة طوز دور في هذه المعركة وقدموا مجموعة اخرى من الشهداء في هذه الواقعة.
اما عند اندلاع شرارة ثورة ايلول التحررية عام 1961 تواجهت طلائع شباب المدينة للالتحاق بصفوف الثورة وتشكلت مفارز خاصة منهم والاعداد كانت تتزايد مع الايام فكلما سقط شهيدا التحق كوكبة منهم بالثورة إلى ان اصبحت مفارزهم ( په ل _ فصيل ) و( لق _ سرية ) واخيرا رقيت تشكيلاتهم إلى ( بتاليون _ فوج ) باسم بتالون طوز الأول ضمن ( هيز _ لواء ) كركوك ومنطقة نشاطه تبدأ من جنوب كركوك وتنتهي في جبل حمرين وكان البتاليون الوحيد الذي حظي بشكر قائد الثورة الملا مصطفى بارزاني رحمه الله وقد تلي كتاب الشكر عبر اذاعة صوت كردستان العراق قبل مدة وجيزة من مؤامرة ( الجزائر ) . وقد برز اثناء هذه الثورة أسماء كثيرة نذكر منهم ( علي حبة، عباس خياط، محمد علي فارس، حاجي هدايت عزيز نوجولي، حاجي كريم احمد، الكادر حسين طيار، درويش نوري، محمد علي نجم، مام خدر لك، رشيد توتونچي وآخرين ) وقدمو كوكبة من الشهداء نذكر منهم ( عزالدين علي حسين، نوري لكي، نجم الدين علي، مام حسن چته، سليمان إبراهيم قادر، عزيز علي حبه، فائق جوامير، ملا حيدر ( اعدم من قبل البعث وقد خص السيد مسعود بارزاني أكثر من صفحة من كتابه حول ثورة ايلول وهو يتحدث عن هذا الشهيد ) , أنور جعفر، والشهيد غرباو ( تركماني ) الذي اعدم عام 1976 .
ومع انطلاقة الثورة ما بعد مؤامرة الجزائر سارع الشباب في طوز بالالتحاق بمفارز الاتحاد الوطني الكردستاني والمساهمة الجادة في نشاطات الثورة وقدم قرابينه في الثورة الجديدة أيضا نذكر منهم الشهداء ( محمد زنگنة، حسين محمد احمد، سيد مالك سيد محمد بابا الملقب ب ( سرهنگ) , غائب علي حميد وكان آمر (كرت_ قاطع ) , نامق صديق سعيد، الكادر السياسي مصطفى علي امين، مجيد دوزي، بايز حميد، احمد نصرالدين، ازاد عبد الله برغش، آسو كركوكي، جلال جبار آزاد رشيد، نادر مجيد، عادل قادر، شكر قلايي , ِغائب رحمن، علي مردان، سيد إبراهيم احمد خليل، غالب امين، نامق صديق وآخرين ) .
الانتفاضة وملحمة تحرير طوز خورماتو
لعل الانتفاضة الجماهيرية العارمة للكرد في آذار 1991 هي الحدث التاريخي الأهم من حيث النتائج والدروس والعبر، وحكومة اقليم كردستان ثمرة من ثمار تلك الانتفاضة، ومشاركة طوز خورماتو في هذه الانتفاضة تحتاج إلى ملف يشاركفي اعداده مجموعة ممن ساهموا فيها، فقد اختلط الپيشمرگة والمفارز المسلحة المختفية التابعة للتنظيم السري وأبناء الشعب لضرب رموز البعث في المدينة، فبعد تحرير مدينة كفري 10/3/1991 باشراف الشهيد الخالد ( حمه ره ش ) توجهت المفارز المنتصرة لتلتحق بمفارز الاخ عثمان حاجي محمود المشرف على جبهة طوز خورماتو وفي تمام الساعة الثالة عصرا في نفس اليوم اتحدت نسور الجبل بالخلايا المسلحة واختلطوا بجماهير الشعب المهيئين وبدؤا بضرب رموز الدكتاتورية ( الامن، مقر حزب البعث، الاستخبارات ) ضربة رجل واحد ولم تصمد رموز الشر الجبانة كثيرا فاستسلمت خانعة تلك القوى التي دفعت خيرة أبناء طوز إلى اعواد المشانق وتم تحرير المدينة منهم ولم يبقى للجماهير المنتفضة الا مرمى حجر ليتعانقوا مع قلادة جبل حمرين حدود كردستان الطبيعية لولا طارئ طرأ على مجريات الاحداث فعرقل المسار نحو حمرين ومن ثم إلى بغداد، وجاءت العرقلة من مرتزقة ما تسمى ( منظمة مجاهدي خلق )الإيرانية التي كان لها معسكر في ناحية (نوجول )شمال شرق المدينة وبعد تحرير المدينة تركو المعسكر متوجهين جنوبا نحو بغداد عبر الشارع الرئيسي الذي يخترق مدينة طوز، ولما كانت المدينة محررة ارسلوا مبعوثا منهم إلى البيشمركة وقالو نحن لا شأن لنا بما يحدث وكل ما نريد منكم ان تفسحوا المجال لنا بالعبور كي نلتحق بمعسكرنا الرئيسي في منطقة العظيم القريبة من قضاء الخالص، وبعد أخذ ورد كان لهم مارادوا فعبروا المدينة دون ان يمسهم أحد بسوء بيد انهم وبعد عبورهم جسر ( آوه سپي ) باغتوا الجماهير المنتفظة بقصف مدفعي بواسطة دباباتهم وعسكروا في ناحية ( سليمان بيگ ) بدلا من مواصلة السير إلى ( العظيم ) كما ادعوا، مما منح النظام فرصة اعادة تنظيم فلوله والهجوم على طوز لاهمية هذه المدينة من الناحية العسكرية حيث انها مفتاح مواصلة السير نحو تكريت من جهة وبغداد من جهة اخرى، فسارع النظام بتهيئة قوة كبيرة واناط قيادتها إلى المقبور المجرم ( بارق الحاج حنطة ) الذي طالما قلده الدكتاتور بالاوسمة والأنواط والنياشين ولكن عندما خسر حنطة معركته الاخيرة مع جماهير طوز قتله بمسدسه الشخصي وبنفس اليد التي علقت النياشين على صدر المقتول ) وقد ارسل ابن عم الدكتاتور علي حسن المجيد ( علي كيمياوي ) للاشراف على هذه المعركة وقد افلت هذا الاخير من جماهير كركوك في اللحظة الاخيرة بواسطة طائرة ( هليكوبتر ) خاص بعد ان تحررت مدينة كركوك في يوم نوروز ( 21/3/1991) , وقد بدأت معركة شرسة غير متكافئة بين قوات الدكتاتور ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية من جهة والبيشمركة والجماهير المنتفضة من جهة اخرى دامت ( 9 ) ايام أبدى المنتفضون فيها شجاعة نادرة ومقاومة باسلة دخلت السجل النظالي الكردستاني من اوسع ابوابه، فقد سقط مئات القتلى من القوات المهاجمة ووقع عشرات القتلى بيد الثوار فافلتوا من الموت وتحطمت العديد من دروعه وآلياته اثناء هذه المعركة التي دارت رحاها في جبهات خمسة حول المدينة وكان نصيب الثوار منها كوكبة اخرى من الشهداء الابرار على راسهم ( حمه ره ش ) عضو القيادة العامة لقوات البيشمركة و سلطان حميد و صالح محمد حسين ( كاكه ) ونادر مجيد جوامير واحمد زرداوي و شكر قلايي وآزاد رشيد و رمزي حسين و كريم صابر و كريم خليل وآخرين، ومن بين الجماهير استشهد أكثر من ( 200 ) شخصا بينهم اطفال ونساء طالهم القصف العشوائي لمدفعية العدو الذي استخدم كل ما في مخازنه من اسلحة وقد كانت المدفعية تقصف المدينة من مطار ( حليوة ) القريبة ( 15 كلم جنوب غرب المدينة ) , وقد تم تقسيم المدينة إلى خمسة جبهات دفاعية وبالشكل التالي:
1 - عثمان حاجي محمود، تولى القيادة العامة بعد استشهاد ( حمه ره ش )
2 - طريق تكريت غرب المدينة، باشراف الشهيد طيب شفيق ( سواره ) .
3 _ طريق بغداد جنوب المدينة _ اشرف على هذا القاطع كل من الشهيد مجيد طوزي وجبار ملا علي.
4 _ جبهة ( مشروع صدام ) القريبة من السايلو باشراف الشهيد ( حمه آخه )
5 _ طريق كركوك شمال المدينة انيطت قيادة هذا القاطع إلى السيد ملا سعيد احمد محمد الوكيل السابق لمحافظ كركوك.
6 _ جبهة جبال ( هنجيرة ) شرق المدينة، اشرف عليها الملازم عباس والشهيد محمد طوزي.
7_ جبهة مقالع الملح بقيادة الشهيد سلطان محمد.
وكانت القطعات الحكومية المتجحفلة لضرب المدينة تتكون من الوية ( 65 , 68 , 62 , قوات خاصة، لواء المغاوير الثاني التابع للفيلق الثاني، قوات بارق، تشكيل سيف القائد، وحدات من قيادة قوات حرس الحدود الثالثة، شكيلات الجيش الشعبي والمرتزقة ( للمزيد حول سير المعارك راجع كتاب _ شعلة الانتفاضة في محرقة مدينة طوز _ عثمان حاجي محمود، من منشورات قسم الاعلام التابع للمركز الثالث للاتحاد الوطني الكردستاني ) .
ثالوث التعريب والتبعيث والتهجير
دأبت السلطة الحاكمة في العراق على تغير الواقع القومي للمناطق والمدن والقرى المتاخمة لحدودكردستان الطبيعية مع المناطق العربية وذلك وفق سياسة التعريب والتهجير والتبعيث وقد مولت خططها الشوفينية هذه الملاين من ارباح النفط المستخرج اصلا من هذه المناطق ومدينة طوز خورماتو احدى هذه المدن التي نالت نصيبها من هذه السياسة فقام النظام البعثي بسلخها من محافظة كركوك وتم الحاقها ب ( محافظة صلاح الدين ) وكان يهدف القرار هذا تقليل نسبة الكرد في محافظة كركوك وجعل الاكثرية الكردية في قضاء طوز اقلية في محافظة صلاح الدين وثم قام النظام باقامة عدة مجمعات سكنية للوافدين العرب واطلق أسماء ( يافا ) و( حيفا ) وغيرها من الأسماء التي تساهم في ضرب جدار عزلة بين الكرد والشعب الفلسطيني الذي لهما سمات مشتركة في النضال والكفاح وقد استلهم النظام اسلوبه هذا من الحركة الصهيونية التي ساهمت في استلام البعث إلى سدة الحكم في العراق طبقا لتصريحات علي صالح السعدي أحد ابرز قياديي البعث عام 1963 عندما قال قولته الشهيرة ( اتينا إلى الحكم بقطار أمريكي ) وعندما ننظر إلى حالة التشرذم العربي التي سببها النظام البعثي نتيجة لحروبها الاستنزافية نفهم فحوى التصرح بشكل ادق، كما قام البعث بتهجير الاسر والعوائل الكردية إلى جنوب العراق أو إلى ( منطقة الحكم الذاتي ) التي ارادها البعث ان تقتصر على ثلاثة محافظات فقط وبالمقابل قاموا باستملاك عشرات الالاف من الاراضي الزراعية إلى افراد من الاسرة الحاكمة حيث كان ل( برزان التكريتي الاخ الغير شقيق للدكتاتور ) مزرعة كبيرة تضم أكبر حقول الدواجن في المنطقة وكما قام النظام بشق الترع والجداول و تدشين ( مشروع صدام الكبير الاروائي ) لغرض جذب العشائر العربية إلى المنطقة والمشروع هذا يروي مليون ونصف دونم من الاراضي الزراعية، كما وقام بتأسيس مطار ( حليوة ) العسكري لضرب الثورة الكردية والقرى الكردية التي تأوي البيشمركة قبل الاقدام على تدميرها نهائيا في عمليات الأنفال السيئة الصيت.
منطقة طوز خورماتو وكارثة الأنفال
لم تفجع منطقة في كردستان مثلما فجعت طوز خورماتو بكارثة الأنفال حيث ابيدت كافة القرى التابعة لعشائر الداودة واللك والكل والزنگنة عن بكرة ابيها والقي القبض على سكانها جميعا بعد ان سلموا انفسهم طواعية ظنا منهم ان الحكومة تفي بوعودها و( عفوها ! ) ولمتعاقب الأطفال والكهول و النساء على الاقل على ذنب لم يقترفوها، ولكن السلطة جمعهم وساقهم بواسطة عربات عسكرية إلى مناطق مجهولة وابادت كل هذه المجاميع بطرق مختلفة، قسم منهم قدموا كهدايا إلى ( دول صديقة وشقيقة ) وقسم منهم تم بيعهم كما كانت الجواري تباع في أسواق النخاسة ايام زمان ! وقسم منهم قدموا احياء إلى مختبرات لاجراء الاختبارات الجرثومية والكيمياوية عليهم وهم احياء وهنالك المئات من الوثائق والادلة وقعت تحت يد الناس والمؤسسات تثبت هذه الحقيقة، والاكثرية الساحقة منهم تم دفنهم احياء في مقابر جماعية في اماكن متفرقة في العراق لم ينج منهم سوى عدد قليل جدا لايتراوح عددهم عدد اصابع اليد بينهم طفل اسمه تيمور تمكن من الخروج من أحد الحفر بعد رميهم وقد تركوهم ظنا منهم انهم جميعا قد ماتوا واستلمه رجل في بادية السماوة وقام بتضميد جراحه والاعتناء به والاحتفاظ به مدة طويلة إلى ان تمكن هذا الرجل الشهم بالذهاب إلى كردستان والتعرف على ذوي تيمور في مجمع الصمود القسري وسلمهم الامانة وقد تمكن عدد من الصحفيين الاجانب من الذهاب إلى مجمع الصمود واجراء مقابلات مطولة معه بينهم الكاتب والصحفي الأمريكي جوناثان راندل فادرك خطورة وضع الصبي وهو يعيش في مكان قريب من معسكرات النظام واجهزة استخباراته فسارع إلى اخبار جلال طالباني بخطورة الامر مما دفع زوجته السيدة هيرو إبراهيم بتبني الصبي تيمور ولدا لها وجعلها ملازما لها في منزلها حفاظا على حياتهاوهو شاهد حي على عملية الأنفال التي راح ضحيتها (182 ) الف إنسان، وفي الاونة الاخيرة ظهر عدد آخر منهم احدهم من اهالي منطقة طوز خورماتو عاد مؤخرا لزيارة من نجوا من الموت فقام الصحفي الكردي عارف قورباني واجرى معه مقابلة مطولة بصدد الأنفال طبع على شكل كراسة في كردستان. حتى بعد تحرير جزء من كردستان لم يتم اعادة بناء قرى منطقة الداودة في طوز خورماتو كون أكثر تلك القرى واقعة في الاراضي المحرمة بين قوى البيشمرگة وقوات النظام وكل ما تم بناؤه من قرى طوز خورماتو هي واراني العليا، واراني السفلى، لفتي آغا، چه وري، ساله يي، عرب آغا، گرمك، زينانه العليا، زينانه السفلى و محمود بگ قرية حسن، باشتپه، عمر صوفي، اما بقية اهالي المنطقة اقاموا كثيرا في مجمعات قسرية كمجمات الصمود وبني صلاوة وكه ور كوسك وغيرها لم تمد لهم احدا من كل المنظمات الإنسانية يد المساعدة والعون.
الإبداع الثقافي في طوز خورماتو
رغم كل المآسي والويلات التي عانتها المدينة ورغم سياسة التعريب التي منعت اهل المدينة تحصيل العلوم والمعارف بلغة الام، الا ان المدينة لم تتخلف عن ركب الثقافة والإبداع في مختلف مجالات الحياة الثقافية، فبرز بينهم شعراء نذكر منهم الشاعر الكلاسيكي ( محاكي ) و ( محمد خورشيد رشيد آغا الدراجي _ الدراجي قرية من قرى الداودة تقع بين كفري وطوز خورماتو ) و ( سقمي ) و ( حه مه كه ) و ( زمان اوغلو _ شاعر تركماني ) ومن المحدثين نذكر الشاعر والمطرب التركماني الأشهر اكرم طوزلو والشاعر اكرام علي امين والاخوين عبد الله طاهر برزنجي وهاشم طاهر برزنجي، وفي مجال القص نذكر القاص المعروف ( زهدي الداودي ) صاحب رواية ( الزنابق التي لا تموت ) وهو يقيم منذ سنوات في ألمانيا، والقاص المعروف احمد محمد إسماعيل مؤلف قصص ( داره كه ى به رمالمان _ تلك الشجرة النابتة قبالة منزلنا ) و ( ئه سپ _ الفرس ) و ( له سيبه رى ئه سپه شيدا _ تحت مظلة الفرس ) و القاص المبدع محمد امين محمد مؤلف كتاب ( ئه بي و نابى _ يجوز ولا يجوز ) و ( رايه كى زمانه وانى _ وجهة نظر لغوية ) والقاص نجيب گرميانى الذي كتب رائعته حول الأنفال والمرحوم جمال صابر القاضي وكما برز في مجال الثقافة والوطنية ووجوه المجتمع رجال امثال غزائي ومام عبد الله امين نايف ( عبد الله بچوك ) ومام زيدان وحمه امين الداودي الذي كان يراسل الاديب الكردي الكبير گيوي موكرياني وملا عارف والأستاذ الدكتور غالب الداودي مؤلف كتاب ( الداودية في ماضيها وحاضرها ) ومن الخطاطين هنالك الخطاط المبدع المرحوم صفوت محمود نديم الذي تلمذ على يد الخطاط العراقي الأشهر هاشم الخطاط وشقيقه الكاتب والفنان التشكيلي والناقد عبد الحكيم محمود نديم ويجب ان لا ننسى كتاب ومبدعون آخرون ولدوا في اماكن متفرقة غير ان جذورهم طوزية مثل الكاتب القدير عوني الداودي والصحفي اللامع سوران الداودي وعذرا لمنلم تسعفني الذاكرة في ذكرهم فهم كثيرون، اما في مجال الغناء والطرب فحدث ولا حرج فكما قال عنهم الرحالة المنشئ البغدادي قبل ما يقارب القرنين من الزمان ان اهل طوز يمتازون باصوات عذبة، فقد برز منهم الكثير من المطربين الذين قدموا الكثير للغناء الكردي والتركماني ومنطقة گرميان طوز تعتبر الارضية الاصيلة لابتكار اعذب المقامات الشرقية ذات الطابع الكردي الاصيل فمنبع مقام ( قه تار الله ويسي ) كائن هناك، وقد اقتبسه قارئ المقامات العراقية الأول محمد القبانجي من ملا إسماعيل في كفري وغناه في بغداد باسم مقام ( قطر ) وعده من مبتكراته في عالم المقام العراقي ( سوف نكتب عن هذا الموضوع مفصلا ) , فمن مطربي هذا القضاء الأستاذ حسين علي ( گورجي ) خبير المقامات في دار الإذاعة الكردية والاستاذصلاح داودة والمطربين فائق داودة و نوزاد داودة ومام عزيز وابنه احمد نانه وا ( الخباز ) وحمه ي حسن وكذلك المطربين التركمان المبدع اكرم طوزلو وحميد طوزلو وناظم عبد وعباس جلال وحسن طوزلو وآخرين. وتشكلت في هذه المدينة عدة فرق موسيقية منها فرقة الجمهوري الذي شكله الشهيد مصطفى علي امين عام 1983 وفرقة كاروان الموسيقية وفرق خاصة للغناء التركماني واطوار القوريات ( نوع من الشعر الرباعي الذي يعتمد الجناس والطباق في تنظيمه يتغنى باطوار مختلفة من المقامات ) .
ما تقدم كان غيض من فيض ما يجب ان يكتب عن هذه المدينة التي اعطت ولم يعطى لها وقدمت ولم يقدم لها وسوف يكون لنا عودة اخرى للكتابة عن هذه المدينة، وندعوا المسؤولين في العراق الجديد ان يجددوا المدينة بعد كل الخراب الذي عانتها في الفترات السابقة.