قره بت آرتين باشا داوديان (بالأرمنية Կարապետ Արթին փաշա Տավուտեան بالأحرف اللاتينية Garabed Artin Pasha Davoudian) ويُعرف بـ داود باشا، (1816-1873) عثماني من أصل أرمني، هو أول متصرف للبنان في عهد متصرفية جبل لبنان بين 1861 و1868. كما شغل داود باشا مناصب دبلوماسية عالية في برلين وفيينا وعيّن وزيرا في الحكومة العثمانية قبل وفاته عام 1873.
بدايته
ولد قره بت آرتين داوديان في عائلة نافذة عام 1816 كان عالي الثقافة حيث تعلم على يد أهم المدرّسين وأكمل علومه العالية في برلين.
بعد تخرجه عاد إلى الأستانة ليخدم في وزارة الشؤون الخارجية العثمانية لغاية أربعينات القرن التاسع عشر، وكان يجيد العديد من اللغات.
في منتصف الأربعينات عين في السفارة العثمانية في برلين، كسكرتير ومترجم. ومن ثم عمل قنصلا في سفارة السلطنة العثمانية في فيينا. وكان داود باشا يتمتع باحترام الجهات الدبلوماسية في مختلف الدول الأوروبية. ولدى عودته إلى الأستانية، شغل في مناصب هامة في وزارة الداخلية ووزارة المالية العثمانية، كما شغل منصب مدير البريد والتلغراف في الآستانة (اسطنبول) عندما صدر في سنة 1861 قرار من السلطنة بتعيينه متصرفًا على لبنان. ومع التعيين، بدأ يحمل لقبي المشير (المارشال) والياشا.
متصرف جبل لبنان (1861-1868)
مع إعلان نظام متصرفية جبل لبنان، عيّن داود باشا عام 1861 أول متصرف على جبل لبنان لمدة ثلاث سنوات لتنتهي مدة ولايته الأساسية عام 1864. كان داود باشا أرمنيا كاثوليكيا، ورحّب به كبار رجال الدين الروم الكاثوليك وكذلك رجال الدين الروم الأرثوذكس. إلا أن الطائفة المارونية لم ترحب به طوال فترة خدمته. فقد كان يوسف بك كرم، آخر قائممقام ماروني يطمح في تولي منصب المتصرف.[1]
لم يكد داود باشا يتسلم منصبه في دير القمر حتى قامت في وجهه معارضة بعض الإقطاعيين ورجال الدين، فاستطاع إرضائهم بتعيينهم في مناصب كبيرة في حكومة جبل لبنان. ولكن يوسف بك كرم، أحد شيوخ شباب بلدة إهدن والزعماء الوطنيين، الذي كان يُطالب بإعادة الحكم الوطني، وقف في وجهه بعناد وقاومه بشدّة.
وفي سنة 1864 عندما عُدّلت بعض مواد النظام الأساسي للمتصرفية، وجُددت ولاية داود باشا خمس سنوات لغاية 1869، خلافًا لما كان يتوقع يوسف بك كرم، أعلن هذا الأخير معارضته لحكومة المتصرفية وأجرى تحالفات في سبيل إسقاط حكومة المتصرفية، فتدخل قنصل فرنسا وأقنعه بوجوب الكف عن المقاومة، وإلا اضطرت الدول الموقعة على النظام الأساسي إلى مساعدة المتصرف عليه. عندئذ رأى يوسف بك كرم أن يُغادر لبنان، فسافر إلى فرنسا وبلجيكا، واستقر أخيرًا في إيطاليا حيث توفي عام 1889.[2]
أعمال داود باشا خلال حكمه
استلم داود باشا الحكم وعهد المتصرفية في مطلعه، فكان عليه، بالإضافة إلى تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، أن يُنظم أجهزة الحكم وفقًا لنص النظام الأساسي، وقد قام بهذه الأعمال بكفاءة وسرعة. فعيّن الموظفين في الدوائر المختلفة، وأجرى انتخابات مشايخ الصلح في القرى والمخاتير في المدن، وجمعهم لانتخاب أعضاء مجلس إدارة المتصرفية، وأحصى السكان ومسح الأراضي، وتولّى تحصيل إيراد البقاع لحساب الخزينة اللبنانية، كما تولّى الإشراف على إدارته.
كما ألّف داود باشا قوّة وطنية من ألف جندي لبناني، وتعاقد مع ضبّاط فرنسيين لتنظيمها وتدريب أفرادها، كما استحصل من الحكومة العثمانية على سفينة حربية دعاها "لبنان".[2]
عمل في تأسيس وتحديث البنى التحتية الأساسية وخصص المبالغ الكبيرة لفتح العديد من الطرقات لتسهيل الانتقال بين مختلف المناطق والمدن. وبعض التقديرات تقول أن مجموع الطرقات قد جاوز السبعماية كيلومتر. واهتم بتنظيم القضاء والإدارة العامة والإدارة المالية وأمور الجباية والضرائب وشجع على إنماء القطاع الزراعي.
وفي حقل الثقافة، أنشأ جريدة "لبنان" الرسمية، باللغتين العربية والفرنسية، وأسس المطبعة اللبنانية في دير القمر، وأقام عدّة مدارس مجانيّة كانت أشهرها مدرسة في بلدة عبيه عُرفت باسم "المدرسة الداوديّة".[2]
نهاية عهده في المتصرفية
أراد داود باشا أن يختم أعماله بتوسيع حدود المتصرفية، فيضم إليها بيروت وصيدا والبقاع ووادي التيم، ولكن الحكومة العثمانية عارضته في ذلك، فلمّا أصرّ على رأيه أوهمه فؤاد باشا أنه إذا أراد تحقيق مطلبه، فما عليه إلا أن يلوّح بتقديم استقالته من المتصرفية، وعندئذ تضطر الحكومة إلى تنفيذ ما يريد. فوقع داود باشا في الفخ الذي نصبه له فؤاد باشا وقدّم مطالبه مشفوعةً باستقالته، ولكن الحكومة العثمانية رفضت المطالب وقبلت الاستقالة فورًا، فانتهى بذلك حكم داود باشا في المتصرفية.[3]
مناصبه في السلطنة العثمانية وأوسمته
بعد عودته إلى الأستانة مع قبول استقالته وتعيين الباب العالي لـ فرانكو نصري باشا، الحلبي الأصل، خلفًا لداود باشا، لمدة عشر سنوات بالاتفاق مع الدول الست، قام السلطان بتعيين داود باشا وزيرا للسلطنة العثمانية للمنشآت العامة، ومشرفا عاما على إدارة البريد والتلغراف في الآستانة.
كان داود باشا شخصية فذة ورجلا عالي الثقافة وتقلّد العديد من الأوسمة. كان يحمل لقب مشير (أي مارشال) وهي رتبة عسكرية عالية، بالإضافة إلى لقب الباشا.
أثناء وجوده في برلين، أمر المستشار الألماني، على تقديم تقدير وجائزة داود باشا لضلوعه بدراسة القوانين القديمة للشعوب الجرمانية، ولإصداره دراسة واسعة عنها، كما انتخب عضوا لأكاديمية برلين للعلوم أثناء خدمته في برلين وفيينا.
عام 1867، وأثناء ممارسته لمهامه على متصرفية جبل لبنان، قلّده الملك الفرنسي نابوليون الثالث نيشان وسام جوقة الشرف المعروف بـ Ordre national de la Légion d'honneur.
الحكومة العثمانية قلّدته أوسمة عدة من أهمها الشريط الأكبر للسلطنة، كما قلّده قداسة البابا وسام غريغوار الكبير كفارس من الدرجة الأولى.[4]
المراجع
- Caesar E. Farah, (2000). The politics of interventionism in Ottoman Lebanon, 1830-1861. London: Centre for Lebanese Studies (Great Britain). نسخة محفوظة 09 أبريل 2015 على موقع واي باك مشين.
- المصور في التاريخ، الجزء السابع، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان، تأليف: شفيق جحا، بهيج عثمان، منير البعلبكي: المتصرفون وأعمالهم: داود باشا - فرانكو نصري باشا، صفحة: 212-214
- نجاريان، يگيا (2005). النهضة القومية-الثقافية العربية. دمشق، سوريا: الدار الوطنية الجديدة.
- أناهيد أسدويان - Հայերն օսմանյան վարչական համակարգում. Բ. Լիբանանի հայ կառավարիչներ الأرمن في الإدارة العثمانية - حكام لبنان الأرمن - تصفح: نسخة محفوظة 16 يناير 2014 على موقع واي باك مشين.