بعد قيام ثورة يوليو، شُـكلت لجنة سنة 1953 مكونة من خمسين من أبرز الشخصيات السياسية والثقافية والقضائية والعسكرية تحت قيادة رئيس الوزراء علي ماهر لوضع دستور جديد للبلاد. ولكن عندما قُدِمَت المسودة في سنة 1954 إلى مجلس قيادة الثورة تم تجاهلها وأُهمِلَت إلى أن عثر عليها المؤرخ صلاح عيسى بمعاونة كلاً من المستشار طارق البشرى والدكتور أحمد يوسف أحمد عميد المعهد العالى للدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية في صندوق كان قد وضع في أحد مخازن مكتبة المعهد. يستند نص مشروع دستور 1954 إلى النسخة التي عثر عليها الكاتب والمؤرخ صلاح عيسى عام 1999، في صندوق المهملات، كان موضوعاً في بدروم مكتبة المعهد العالى للدراسات العربية، التابع للجامعة العربية، بمعونة من د. "أحمد يوسف أحمد" عميد المعهد، وقام صلاح عيسى بنشر المسودة في كتابه "دستور قي صندوق القمامة" في عام 2001. وهى نسخة يرجح المؤرخ طارق البشري أن تكون النسخة الشخصية الخاصة بالفقيه الدستورى عبد الرزاق السنهوري الذي كان عضواً بلجنة الخمسين التي وضعت الدستور، إذ كان هو الذي أشرف على تأسيس مكتبة المعهد العالى للدراسات العربية.
وهى نسخة مصفوفة بالآلة الكاتبة، على ورق أرز، ومجلدة بورق مقوى، ومعنونة بـ«نص المشروع قبل التعديلات التي أدخلتها لجنة الصياغة في يوليو وأغسطس 54».. وتتضمن شطباً وإضافة لعبارات وجمل، رجح ناشر الوثيقة أن تكون بخط عبد الرزاق السنهوري.. كما رجح أن يكون النص الذي نشره هو الصياغة الأخيرة للدستور، ووضع الكلمات والعبارات المشطوبة بين قوسين هلاليين هكذا (......) ونضع الكلمات والعبارات المضافة داخل قوسين رأسيين هكذا [......].
مميزات هذا الدستور تمثلت في التالي: ■ يلفت الباب الثاني عن «الحقوق والواجبات العامة» النظر، بنصوصه التحررية التي تكفل للمصريين طيفل واسعا من الحقوق، تجمع بين الحقوق السياسية والحقوق الاجتماعية، وبين الديمقراطية والعدل الاجتماعى، فالنص الخاص بالمساواة بين المصريين في الحقوق والواجبات العامة، لا يحظر فقط التمييز بينهم بسبب الأصل أو اللغة أو العقيدة، بل ويضيف إليها- كذلك- عدم التمييز بينهم بسبب الآراء السياسية والاجتماعية (مادة 3).
■ تحظر المادة 7 إبعاد أى مصري من بلاده، أو منعه من العودة إليها أو من مغادرتها إلاّ طبقاً للقانون، كما تحظر المادة 8 إلزام المصري بالإقامة في مكان معين إلا بحكم من القاضي كما تحظر تحديد إقامته لأسباب سياسية.
■ وفضلاً عن أن مشروع دستور 1954 يكفل للمصريين في المادتين 12 و13 منه، حق التقاضى وحق الدفاع أصالة أو بالوكالة، في جميع مراحل التحقيق، فإنه يحظر في المادتين 14 و15 مراقبة المواطن المصري أو تعقبه أو القبض عليه أو حبسه- في غير حالة التلبس- إلا بأمر مسبب من السلطة القضائية، وتلزم مأمور الضبط القضائى بإخطار المقبوض عليه كتابة بأسباب القبض عليه خلال 12 ساعة وأن يقدموه للقاضى خلال 24 ساعة.. على أن يضع القانون حداً أقصى للحبس الاحتياطى.
■ وينفرد مشروع دستور 1954 بين الدساتير المصرية، بالنص في المادة 18 منه، على إلزام الدولة بالتعويض عن أخطاء العدالة، إذا تم تنفيذ العقوبة بناء على حكم جنائى نهائى ثبت خطؤه، والنص في المادة 20 منه على حظر المحاكمة أمام محاكم خاصة أو استثنائية، وحظر محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، والنص في المادة 22 على حظر دخول الشرطة المنازل ليلاً إلا بإذن من القاضي.
■ كما ينفرد مشروع دستور 1954 بالنص في المادة 26 منه، على عدم تقييد إصدار الصحف والمطبوعات بترخيص، ويضيف مادة برقم 26 مكرر تنص على تعادل الجماعات السياسية «أى الأحزاب» في الانتقاع بالإذاعة وغيرها من وسائل النشر التي تتولاها الدولة وترعاها.
■ ويطلق الدستور- في المادة 30 منه- حق المصريين في تأليف الجمعيات والأحزاب من دون إخطار أو استئذان مادامت الغايات والوسائل سلمية على أن تقوم على الأسس الديمقراطية الدستورية، على أن تختص المحكمة الدستورية بالفصل في الطعون الخاصة بالأحزاب والجماعات السياسية.
■ وتشمل الحقوق الاجتماعية التي يضمنها الباب الثاني من الدستور، حق المواطنين في التعليم المجانى ويحظر على غير المصريين تملك الأراضى الزراعية إلا في الأحوال التي يبينها القانون ويلزم الدولة بأن تيسر للمواطنين مستوى لائقاً من المعيشة، كما تيسر ذلك في حالة البطالة والمرض والعجز والشيخوخة.
■ وينفرد- بين الدساتير المصرية- بإقرار حق العمال في الإضراب في حدود القانون.. كما ينفرد بنص صريح، يحظر على المشرع إصدار قوانين لتنظيم ممارسة الحقوق، يترتب عليه المساس بأصل الحق.. أو تعطيل نفاذه