السنة | اسم القرض | قيمة القرض (جنيه إنجليزي) | الفائدة |
---|---|---|---|
ديون داخلية | |||
1864 | قرض 1864 | 5,704,200 | |
1865 | قرض 1865 | 3,387,300 | |
1866 | قرض 1866 | 3,000,000 | |
1867 | قرض 1867 | 2,080,000 | |
1868 | قرض 1868 | 11,890,000 | |
1869 | قروض التحايل | 18% | |
1870 | دين الدائرة السنية | 7,142,860 | 13% |
1870 | الديون السائرة | 25,000,000 | 24% |
1873 | قرض اوبنهايم | 32,000,000 | 29% |
ديون داخلية | |||
1870 | دين الرزنامة | 3,337,000 | 9% |
1871 | دين قانون المقابلة | 13,000,000 | 8.5% |
1870 | تعهد شراء أسهم مصر في قناة السويس | 4,000,000 | |
1870 | دين للأوقاف الخيرية وبيت المال | 537,000 | |
1870 | التزامات حكومية | 6,276,000 | |
إجمالي الديون | 126,354,360 |
ديون مصر في عهد الخديوي إسماعيل هي الديون التي استدانها الخديوي إسماعيل خلال فترة حكمه. كانت الفائدة الاسمية للقروض تتراوح بين 6 و 7%، ولكن فائدتها الحقيقية تصل إلي 12 و18 و26 و27%، وكان الخديوي كلما أعوزه المال يستدين بفوائد باهظة جالبة للخراب، وزادت هذه الفوائد الربوية في أواخر سنة 1875 وأوائل سنة 1876، لاضطرار الحكومة إلي أداء أقساط الديون المتراكمة وفوائدها، فكانت تتحايل للحصول علي المال بأية وسيلة، ومنها الاستدانة بواسطة السندات على الخزانة بفوائد فاحشة، بالغة ما بلغت، فكانت سائرة في سبيل الخراب لا محالة.
ولم تكن قيمة القروض تصل كاملة إلي الخزانة، بل كان أصحاب البيوت المالية والمرابين يخصمون منها مبالغ طائلة لحساب المصاريف والسمسرة والفوائد، وما إلي ذلك، ولم يكن إسماعيل يدقق أو يعارض في الحسابات التي يقدمها له الماليون والسماسرة. فالقرض المشئوم الذي عقد سنة 1873 بلغ مقداره الاسمي 32 مليون جنيه لم يدخل منه الخزانة سوى 20,700,000 جنيه، منها أحد عشر مليوناً من الجنيهات نقدناً والتسعة ملايين سندات. ولم يتسلم من القرض الذي عقده سنة 1870 سوى خمسة ملايين فقط، وكان اصله سبعة ملايين، وقس علي ذلك باقي القروض.
أما الديون السائرة فلم يكن لها ضابط ولا حساب، وكانت تبلغ ثلاثة أمثال قيمتها الحقيقية وفي بعض الأحيان أربعة أمثالها. وقد أحصى بعض الماليين مقدار ما تسلمه الخديوي من القروض فبلغ 54 مليوناً من الجنيهات تقريباً في حين أن قيمتها الرسمية 96 مليوناً.
وقال جابرييل شارم Gabriel Charmes أحد كتاب فرنسا السياسيين ومن محرري جريدة (الديبا) وقد عاصر إسماعيل ودرس حالة مصر في عهده: "إن إسماعيل باشا قد اقترض في الثمانية عشر عاماً التي تولى الحكم فيها نحو ثلاثة مليارات من الفرنكات (120 مليون جنيه تقريباً)، ولكن الواقع أن نصف هذا المبلغ على الأقل بقي في يد الماليين وأصحاب البنوك والمضاربين من مختلف الأجناس ممن كانوا يحيطون به على الدوام" وهذا هو الخراب بعينه.
قرض سنة 1864
قرض سنة 1864 بقيمة 5,704,200 جنيه إنجليزي، كان على البلاد من الدين العام عند وفاة سعيد باشا نحو إحدى عشر مليون جنيه، وهو في الواقع مبلغ جسيم إذا قورن بميزانية مصر في تلك الفترة. وقد ندد إسماعيل حينما تبوأ عرش مصر بإسراف سلفه سعيد، واعتزم أن يسير طبقاً لقواعد الاقتصاد والتدبير، ونوه بذلك في خطبة ألقاها بحضور وكلاء الدول، وأوضح فيها برنامجه الذي اعتزم اتباعه في الحكم، فهي بمثابة (خطبة العرش) تفيض بالآمال الكبار والأماني الحسان. قال فيها : " أن أساس الإدارة هو النظام والاقتصاد في المالية، وسأبذل كل جهدي في اتباع قواعد النظام والاقتصاد، وقد عزمت أن أرتب لنفسي مخصصات محدودة، لا أتجاوزها أبداً، وسأعمل على إبطال السخرة التي اعتمدت عليها الحكومة في أعمالها، وآمل أن تؤدى حرية التجارة إلي نشر الرفاهية والرخاء بين جميع طبقات الشعب، وسأعنى كل العناية بتوطيد دعائم العدالة ". تلك عهود الخديوي في خطبة العرش وأولها اتباع النظام والاقتصاد.
ولكن لم تكد تمضى عدة أشهر على هذه الدعوة حتى أخذ ينقضها، ففتح باب القروض متلاحقة بعضها إثر بعض، واتخذها عادة تكاد تكون سنوية.
ولم تكن حالة البلاد المالية مما يستدعى الاقتراض، لأن مصر تعد من أغنى بلاد العالم، وتستطيع إذا هي وجدت إدارة حكيمة أن تسلك سبيل التقدم والعمران دون أن تحتاج إلي القروض، وعلاوة على ذلك فأن ما نشئ عن الحرب الأمريكية الأهلية من ارتفاع أسعار القطن في أوائل حكم إسماعيل، قد جعل البلاد في حالة يسر ورخاء.
واشتملت ميزانية سنة 1864 على زيادة في الدخل على الخرج، فلم يكن ثمة حاجة إلي قرض جديد كما يقول مؤلف (تاريخ مصر المالي) الذي عاش في ذلك العصر وألف فيه كتابه القيم. ولكن إسماعيل أقترض أول قروضه سنة 1864، وتذرع لتسويغه بحاجة الحكومة إلي المال لمقاومة الطاعون البقرى الذي انتاب البلاد في ذلك العهد، ولسداد أقساط ديون سعيد باشا ويقول مؤلف (تاريخ مصر المالي) "ص18" إن مقاومة الطاعون البقري كانت حجة واهية، لأن الفلاحين والملاك هم الذين احتملوا وحدهم الخسائر الناشئة عن هذا الطاعون، ولم يرد بميزانية سنة 1864 مما أنفقته الحكومة في هذا الصدد سوى 125,000 جنيه، ولذلك أبدى دهشته من أن الحكومة تلجأ إلي الاقتراض على ما في ميزانية سنة 1864 من زيادة الدخل على الخرج. وقال أن السبب الحقيقي لقرض سنة 1864 أن إسماعيل لم يحقق وعود الاقتصاد التي قطعها على نفسه، بل سار سيرة بذخ وهوى وإسراف، واستكثر من شراء الأطيان والأملاك لنفسه والإنفاق عليها ن فهذه الأسباب هي التي جعلته يعقد القرض الأول، وما كان سداد ديون سعيد ولا الإنفاق على مقاومة الطاعون البقرى، إلا ذريعة شكلية لذر الرماد في العيون. هذا ما يقولة مؤلف تاريخ مصر المالي، وهو كاتب مشهود له بتحري الحقائق والاعتدال في الرأي، وليس في كلامه مبالغة، لأن المعروف عن إسماعيل باشا أنه كان بطبعه ميالاً إلي الاستكثار من المال والعقار، وظهرت علية هذه الميول منذ ولايته الحكم، فقد كان نظار أملاكه ومفتشوها يفتنون في حمل الفلاحين على بيع أطيانهم أو التنازل عنها للخديوي، حتى صار مالكاً لخمس القطر المصري.
كتبت مدام (اولمب إدواز) في كتابها عن مصر تقول عن الخديوي إسماعيل : إنه لم يكن يهتم إلا بجمع الملايين، وكان يقتنى الأطيان في كل ناحية قدر ما يستطاع ن ويلجا إلي السخرة لزرعها واستصلاحها، ويعقد القرض تلو القرض لآجال طويلة، تاركاً لمن يخلفه في الحكم أن يسدد ديونه، حتى كأنه يقصد أن يعقد مهمة الحكم لمن يأتي من بعده. كتب هذا الكلام في ديسمبر سنة 1864، ولم يكن مضى عامان على اعتلاء إسماعيل العرش، فهذا الوصف يعطيك صورة عن ميوله الأولى، فهو قد بدأ يستدين في الوقت الذي لم تكن البلاد في حاجة ما إلي الاستدانة، واستدان ليقتنى الأطيان والعقار.
استدان القرض الأول في 24 سبتمبر سنة 1864 من بيت فرولينج وجوشن Fruhling and Goschen الإنجليزي، وقيمته 5.704.200 جنيه إنجليزي بفائدة 7% لمدة 15 سنة وبلغت الفائدة الحقيقية مع الاستهلاك 12%، وهي كما ترى فائدة فاحشة، ولذلك لقي القرض إقبالاً عظيماً من المكتتبين في سنداته، وقد رهنت ضرائب الأطيان بمديريات الدقهلية والشرقية والبحيرة لسداد أقساطه.
قرض سنة 1865
قرض سنة 1865 بقيمة 3,387,300 جنيه إنجليزي.
لم ينفق إسماعيل شيئا يذكر من قرض سنة 1864 على مرافق البلاد العامة، بل أنفق معظمه على توسيع دائرة أطيانه وأملاكه, واشترى في ذلك الحين "قصر إميرجان" على ضفاف البوسفور، ليتخذه مقر له عندما ينزل الآستانة، ولم يكن لولاة مصر قصور خاصة لهذه المدينة ينزلون بها من قبل, ولكن إسماعيل رأى من استكمال مظاهر البذخ أن يكون له قصر فخم لكن بهاء ورواء عن قصور السلاطين, ابتاع ذلك القصر وأنفق المبالغ الطائلة في توسيعه وزخرفته. وفي ذلك العهد بدأ ينشئ القصور الفخمة في مصر، فشرع في أقامه سراي الجيزة المشهورة، وكان التصميم على أن تكون داراً أنيقة، ثم اتسعت فصارت قصراً فخماً، وتعددت المباني حولها، ومدت الطرق الجميلة بين الجيزة والجزيرة، وأنفقت الأموال جزافاً في سبيل إنشائها. فهذه النفقات الباهظة جعلت إسماعيل يفكر في قرض آخر، ولن تمضى ثمانية أشهر على القرض الأول. وليس من ضير أن يبتنى ولي الأمر ما شاء من القصور والساريات، ولكن إذا كانت مالية البلاد لا تسمح بنفقات تلك المباني، ولا سبيل إلى أقامتها إلا من القروض، فلا تسوغ الاستدانة لهذا الغرض، لأنه لا يجوز أن تقترض حكومة رشيدة قرضاً ما لأنفاق قيمته على مثل هذه الكماليات.
وقد جد سبب آخر دعا إسماعيل إلي عقد القرض الثاني، وهو الأزمة المالية التي أعقبت هبوط أسعار القطن، ذلك أن انتهاء الحرب الأمريكية الأهلية في أوائل سنة 1865 فتح الأسواق أمام القطن الأمريكي، فتراجعت أسعار القطن المصري إلى مستواها القديم، وقد حل الضيق بالأهالي من الفلاحين والملاك، لأنهم اعتادوا أثناء ارتفاع أسعار القطن أن ينفقوا عن سعة ويستدينوا المال بفوائد فاحشه من المرابين، علي أمل سداده من ثمن القطن في الموسم المقبل (كما حدث سنة 1919, والتاريخ يعيد نفسه), فلما هبطت أسعار القطن وقعوا في أزمة شديدة غرفت بأزمة سنة 1865, ولم يدروا كيف يوفون ديونهم, فاعتزم إسماعيل أن تتدخل الحكومة في هذه الأزمة، فحصرت ديون الأهليين وسددتها عنهم للدائنين والمرابين، علي أن ترجع بها علي المدينين مقسطة علي سبع سنوات بفائدة 7% وخصص لهذه العملية 1,400,000 جنيه. والفكرة في ذاتها فكرة حكيمة تدل علي عطف إسماعيل علي الشعب، ولكن اقترانها باستدانة قرض جديد من الخارج يفقدها بهائها، ولاشك في أن إسماعيل لو أتبع التدبير والاقتصاد، لما كانت الحكومة في حاجه إلى هذا القرض الجديد، ولا الذي سبقه، فضلاً عن الديون السايرة التي لم يكن يعرف مقدارها، وهي الديون التي كان الخديوي يقترضها بسندات على الخزانة كما سيجيء بيانه.
اقترض إسماعيل قرض سنة 1865 من بنك الأنجلو، وقدره 3.387.300 جنيه، ولم يقبض منه سوي 3.000.000 جنيه ورهن في مقابله 365.000 فدان من أملاكه ويسمى هذا الدين (الدائرة السنية الأولي)
قرض سنة 1866
قرض سنة 1866 بقيمة 3,000,000 جنيه إنجليزي هو القرض الذي استدانه إسماعيل من بنك أوبنهايم في 5 يناير سنة 1866 ، وقدره 3.000.000 جنيه ، ورهن في مقابله إيرادات السكك الحديدية. وقد جرت المفاوضات بشأن هذا القرض أثناء مفاوضات القرض السابق، وهذا من أغرب ما سمع في معرض التبذير وقصر النظر، وكان قرض أوبنهايم هو الأسبق ، لكن المفاوضات بشأنه طالت ، فلم يطق إسماعيل صبراً ، واستدان من بنك الأنجلو القرض السابق ، ثم تمت المفاوضات الخاصة بقرض أوبنهايم ، فأتم صفقته أيضا.
واستدان إسماعيل في تلك السنة أيضا دينين آخرين من الديون السائرة ، ولم يكن في حاجه إلى هذه القروض ، ولكنه أنفقها علي بناء قصوره ، دفع منها ثمن أملاك الأميرين. مصطفي فاضل ومحمد عبد الحليم ، فقد كان ميالاً إلى الاستكثار من الأملاك بكل الوسائل كما أسلفنا ، وامتدت اطماعة إلي تجريد الأميرين المذكورين من أملاكهما بالقطر المصري ، وكان يحقد عليهما لمنافستهما إياه علي العرش ، وأشتد عداؤه لهما لمقاومتهما إياه في تغيير نظام التوارث، وقد أسلفنا أن إسماعيل حصل علي فرمان مايو سنة 1866 الذي جعل وراثة العرش في بكر أبنائه.
ومن قرض سنة 1866 والديون السائرة أدي الرشوة التي بذلها للسلطان ولحكام الآستانة للحصول علي هذا الفرمان ،وقد بلغت هذه الرشوة ثلاثة ملايين جنيه تقريباً، ودفع ثمن أملاك الأميرين مصطفي فاضل ومحمد عبد الحليم، فاشترى أملاك الأمير مصطفي فاضل في نوفمبر سنة 1866 بثمن بلغ 2,080,000 جنيه ، مقسطاً على خمس عشرة سنة وبلغت السمسرة في هذه الصفقة 80 ألف جنيه. واشترى أملاك الأمير محمد عبد الحليم بثمن مقداره 1.200.000 جنيه تسلم منه البائع 300.000 جنيه سندات على الدائرة السنية بضمان الحكومة، وتعهد بأداء القرض الذي استدانه الأمير من قبل.
فترى مما تقدم أن هذه القروض ضاعت فيما لا ينفع البلاد ، لأن تغيير نظام توارث العرش مسألة شخصية لإسماعيل ، وكذلك شراء أملاك أخيه وأبن عمه ، فكأن إسماعيل اقترض هذه الديون لكي تتسع أملاكه ، تحقيقاً لأطماع شخصية ، وإرضاء لحزازات عائلية لا شأن للبلاد فيها.
قرض سنة 1867
قرض سنة 1867 بقيمة 2,800,000 جنيه إنجليزي. اقترض إسماعيل سنة 1867 قرضاً جديداً قيمته 2,800,000 جنيه ، ولم يعرف سبب ظاهر لهذا القرض ، واختلفت الآراء في تعليله ، ولكن التعليل الصحيح أن الخديوي علاوة علي القروض السابقة لا يفتأ يستدين ديوناً سائرة من المرابين الأجانب المقيمين في مصر ، ولم يكن لهذه الديون حساب ظاهر ولا حد معلوم ، وكل ما عرف عنها أنها كانت ذات فوائد فاحشة جداً ، وكان العمل في ذلك الحين قائماً علي قدم وساق لتجديد حديقة الأزبكية ، وبناء دار التمثيل، ومضمار لسباق الخيل ، وبناء قصور عابدين والقبة والزعفران والجيزة والقصر العالي وسراي مصطفي باشا برمل الإسكندرية، فكل هذه المباني كان ينفق عليها من الديون ثابتة كانت أو سائرة ، لأن ميزانية الحكومة ما كانت تسمح بإقامتها.
وقد بلغت الديون السائرة إلي ذلك الحين نحو عشرة ملايين جنيه ، وهو مبلغ باهظ يثقل كاهل الخزانة ، وفوائده تبتلع جزءاً كبيراً من الإيراد ، فتذرع الخديوي إلي عقد قرض سنة 1867 برغبته في سداد فوائد هذه الديون التي لا يعرف لها أول ولا آخر ، وفي تحويل الديون السائرة جميعاً إلي دين ثابت، علي أن الديون وفوائدها بقيت كما كانت ، فلا سددت فوائدها ، ولا تم تحويلها.
قروض سنة 1868
قروض سنة 1868 بقيمة 11,890,000 جنيه إنجليزي.
اشترك الخديوي في المعرض العام الذي أقيم في باريس سنة 1876 وظهر فيه بمظهر فخم يأخذ بالألباب، فأنفق في هذا السبيل وفي رحلته بباريس ملايين الجنيهات، وغرضه من هذا الإسراف هو الظهور بمظهر العظمة واجتذاب ثقة البيوت المالية الأجنبية لتقرضه من جديد، وضاع من قبل جانب من هذه الملايين في الرشا والهدايا التي بذلها في الآستانة ليحصل علي لقب (خديوي)، وقد نال الفرمان الذي منحه هذا اللقب في 8 يونيه سنة 1867. فلهذه الأسباب خلت الخزانة الحكومية من المال، ولجأ الخديوي إلي الآستانة من جديد. واقترض فعلاً سنة 1868 قرضاً جديداً قدره 11.890.000 جنيه من بنك أوبنهايم. وحقيقة هذا القرض، أي صافي ما دخل خزانة الحكومة 7,195,384 جنيه، أي أن سعر القرض 61%، فحلت بالخزانة خسارة فادحه من شروط هذا القرض، وخصص لسداد أقساطه السنوية إيراد الجمارك وعوائد الكباري وإيراد الملح ومصايد الأسماك، وقدر دخل هذه الموارد بمليون جنيه في السنة، وكان من شروط هذا القرض أن يكف الخديوي عن الاستدانة مدة خمس سنوات. أنفق إسماعيل نحو مليونين من هذا القرض في الآستانة علي حفلات والولائم، ورشا للسلطان ولرجال الما بين. وأنفق جزءاً منه في إتمام بناء قصوره في عابدين والقبة والعباسية والجيزة وسراي مصطفى باشا بالإسكندرية وتأسيسها بفاخر الأثاث والرياش، ومن هذا القرض أيضا أنفق النفقات الباهظة علي حفلات افتتاح قناة السويس سنة 1869، وقد بلغت مليوناً ونصف مليون جنيه تقريباً.
فانظر كيف أن نفقات تلك الحفلات كانت من القرض، فكان الخديوي في هذا الموقف شبيهاً ببعض الذوات والأعيان في الاستدانة للإنفاق علي إقامة الحفلات والولائم، والظهور بمظهر الفخفخة والبذخ، أمام قوم ليس في قلوبهم ذرة من الإخلاص لمضيفهم، فإن ضيوف القناة ومعظمهم من ذوي الرءوس المتوجة، وأصحاب النفوذ والسلطان المالي والسياسي في أوروبا هم الذين استعبدوا مصر بعد تلك الحفلات، وهم الذين ضربوا عليها الوصاية المالية الشديدة الوطأة. أحدثت نفقات حفلات القناة فراغاً كبيراً في الخزانة، وبدأت مظاهر الضيق والارتباك تبدو على وزارة المالية، لقرب المواعيد المضروبة لأداء أقساط الديون، ولم يكن في خزائنها ما يفي بذلك، فاضطر الخديوي تفريجاً للضائقة، وكتماناً لأسرارها، أن يستدين من أحد معارفه 300,000 جنيه، وقبلت وزارة المالية أن تخصم البنوك سنداتها بفائدة 14% لمدة ثلاث أشهر، وبديهي أن قبول هذه الشروط القاسية دليل علي ما وصلت إلية الحالة من الضيق والإعسار. وكان الدين السائر يزداد يوماً بعد يوم، بسبب حاجة الحكومة إلي المال، حتى بلغ 12 مليوناً في أواخر عام 1869، أي بعد انتهاء حفلات القناة، وهو مبلغ فادح تنوء به ميزانية البلاد. فتأمل فيما جرت حفلات القناة علي البلاد من فادح الأضرار، ومع أن الخديوي كان قد وعد أن ينفق علي هذه الحفلات من ماله الخاص، إكباراً لشأنها، فإن البلاد وحدها هي التي احتملت نفقاتها. قال مؤلف(تاريخ مصر المالي) في كتابه ص 95 : "إن بهر هذه الحفلات قد أنسى الناس إلي وقت ما أخطار الحالة المالية، ولكن لم تكد تنطفئ شعلة الحماسة التي أثارتها، حتى بدأ الناس يشعرون بأن هذه الأخطار آخذة في ازدياد، وأن هذه الحفلات ذاتها لم تكن إلا سلسلة متصلة الحلقات من أعمال جنونية لا فائدة منها، فإن البلاد لم تنل أي فائدة مقابل النفقات الفادحة التي بذلت فيها". أما الخديوي فأنه لم يفطن إلي الأخطار التي استهدفت لها البلاد، ومن المؤلم أن حفلات القناة قد زادته غروراً وإمعاناً في عدم التبصر، فاستمر ينحدر في طريق الإسراف والاستدانة.
قروض التحايل
لم تكد تنتهي حفلات القناة حتى أخذ معين المال ينضب في الخزانة ، وكان إسماعيل مقيداً بما أشترطه في قرضه السابق ، وهو عدم الاقتراض لمدة خمس سنوات ، فضلاً عن أنه خرج من حفلات القناة وقد ألقي في روع ضيوفه الأوربيين أن خزائن مصر تفيض بالمال ، وفي الواقع أن مظاهر هذه الحفلات وما أنفق عليها من الملايين ، لا تدع مجالاً للشك في ذلك فلم يجد من الائق ولا من السائغ أن يمد يده إلي البيوت المالية ويطلب قرضاً جديداً. ولكنه كان في حاجة إلي المال ، فابتكر له وزيره المفتش طريقة خطرة اتبعها في صيف سنة 1869، وهي أنه باع التجار الإفرنج مقادير كبيرة من بذر القطن، تربو على خمسمائة ألف أردب، قبض ثمنها نقداً، ووعد بتسليمها بعد خمسة أشهر، أي بعد جني محصول القطن الجديد. ولما انقضى الميعاد اتضح أن الحكومة باعت ما لديها من محصول القطن مرة ثانية وقبضت ثمنه ، وقد سويت هذه الفضيحة بأن طلبت الحكومة من التجار أن يبيعوها بسعر 78 قرشاً ما اشتروه منها بسعر 71 ، واتفقوا علي أن تدفع لهم القيمة إفادات مالية تسري عليها فوائد 12% سنوياً، أي أن ربحهم بلغ 18% سنوياً. وتكررت هذه العملية غير مرة في سنوات عدة، فقد تبين للجنة التحقيق الأوربية سنة 1878 أن الحكومة كانت تبيع للتجار الأجانب غلالاً ليست في حوزتها ولا ينتظر أن تحوزها ، وتتسلم الثمن فوراً ، فإذا جاء موعد تسليم الغلال اشترتها من ذات التاجر الذي باعته إياها ودفعت ثمنها أوراقاً وسندات على الخزانة ، مع فوائد لا تقل عن 18% أو 20%. ولا تحتسب الفوائد علي المبلغ الأصلي الذي أخذته من التاجر ، بل علي المبلغ التالي المقدر ثمناً لغلاله، وناهيك بما يصيب الحكومة من جراء هذه العمليات من الخسائر الفادحة.
دين الدائرة السنية
قرض سنة 1870 (دين الدائرة السنية) بقيمة 7,142,860 جنيه إنجليزي.
كان إسماعيل مقيداً بعدم الاقتراض طبقاً لشروط سلفة سنة 1868 ، ومن جهة أخرى فقد لفتت القروض وضخامتها أنظار الباب العالي ، فحاول وضع حد لها، فحظر علي الخديوي بمقتضى فرمان سنة 1869 أن يقترض إلا بإذنه ، ولكن إسماعيل كان يريد الاقتراض بأية وسيلة ، فلم ير بداً من أن يعقد قرضاً لحسابه الخاص. فاستدان في أبريل سنة 1870 من البنك الفرنساوي المصري 7.142.860 جنيه بفائدة 7% بضمان أطيانه الخاصة، عدا الأطيان التي رهنها سابقاً، ولذلك سمى هذا قرض الدائرة السنية الثاني، وصدر بواقع 6,7% ، بعد استبعاد السمسرة والعمولة والمتعة ، فكانت النتيجة أنه لم يدخل منه خزائن الخديوي سوى 5,000,000 جنيه ، ولكنه يسدد على القيمة الاسمية وهي 7,142,860 جنيه في عشرين سنة ، وبلغ العبء الذي احتملته الدائرة السنية سنوياً لأداء هذا الدين 668,960 جنيه أي 13% تقريباً من رأس المال المدفوع. وكانت حجة إسماعيل التي تذرع بها لعقد هذا القرض أنه احتاج إليه لإنشاء مصانع السكر ، ومد سكك الحديد الزراعية لأطيانه التي خصصها لزراعة القصب ، وقد أنشئت المصانع فعلاً ، ولكنها استلزمت من النفقات أضعاف ما تستحقه، فضلاً عن أن أرباحها تقل عن فوائد الدين، ومن جهة أخرى فليس من الحكمة اقتراض دين جسيم بهذا المقدار لإنشاء مصانع في الوقت الذي تنوء فيه الخزانة بالقروض السابقة.
قرض أوبنهايم
انتظر إسماعيل بفارغ الصبر السنوات الخمس التي حظر فيها علي نفسه عقد قروض جديدة تنفيذاً لشروط سلفة سنة 1868، وسعى جهده في الآستانة وبذل فيها الأموال الطائله من الرشا والهدايا ليلغي فرمان سنة 1869 ويحصل على الفرمان الذي يبيح له الاقتراض من غير حاجة إلي أذن الحكومة التركية ، فناله في سنة 1872.
فلم تكد تنتهي هذه المدة ويشعر إسماعيل بفك اعتقاله من هذا القيد ، حتى عقد قرضاً جديداً من بيت أوبنهايم المالي قدره 32,000,000 جنيه ، وهو أكبر القروض من جهة القيمة وأسوؤها من جهة الشروط ، وقد دعاه الماليون" القرض الكبير" وهو حقيق بأن يسمى " القرض المشئوم". وكانت حجته في هذا القرض أنه اعتزم سداد الديون السائرة، ولكنه في الواقع لم يخصص شيئاً منه لهذه الغاية، وبقيت الديون السائرة كما كانت.
عقد هذا القرض بفائدة 7% وقيمة سنداته 84.5 % ، وبلغ ما دخل الخزانة منه بعد استبعاد النفقات والخصم والسمسرة 20,740,077 جنيه، أي بنقض 37% من قيمة الدين الاسمية، فخسرت الحكومة من اصل القرض نيفا وأحد عشر مليون جنية، في حين التزمت بقسط سنوي لسداده يبلغ 2و265,671 جنيه، ثم إنها لم تقبض المبلغ نقدا، بل تسلمت منه فقط أحد عشر مليون جنية، والباقي وقدره تسعة ملاين جعلت سندات للخزانة المصرية.
ومن هذا يتبين أن قرضا القي علي عاتق البلاد عبئا جسيما مقداره عشر مليون جنية فقط, وليس في تاريخ القروض، في العلم قاطبة، يعقد بمثل هذه الشوط الجائزة، بل هذه السرقة العلنية، كما أنه لا يمكن أن توجد حكومة عندها قليل من الشعور بالمسؤولية تقبل التعاقد على مثل هذه الشروط.
وقد رهن إسماعيل لسداد هذا الدين ما بقي من موارد الإيراد التي لم تخصص كلها أو بعضها للقروض السابقة وهي:
- أولا : إيرادات السكك الحديدية وقد قدرت بـ 750 ألف جنية في السنة
- ثانيا : الضرائب الشخصية والضرائب غير المقررة وقدرها مليون جنية
- ثالثا : عوايد الملح وقدرها 200.00جنية
- رابعا : مليون جنية من ضريبة المقابلة
- خامسا: كل الموارد التي خصصت للقروض السابقة متي أصبحت حرة.
ومن المفارقات المثيرة للعجب أن السنة التي عقد فيها إسماعيل هذا القرض المنحوس هي ذات السنة التي نال فيها فرمان سنة 1873 الجامع الذي خوله أقصى ما حصل عليه من المزايا, أو بعبارة أخرى إن إسماعيل قد بلغ اوجه نفوذه الرسمي في علاقته مع تركيا في الوقت الذي أشرفت فيه البلاد علي حاله من الإفلاس أفقدتها استقلالها المالي ثم السياسي .
دين الرزنامة
احتاج إسماعيل إلي قرض آخر سنة 1874 ، فأبتدع له المفتش وسيله جديدة يقترضها من الأهالي ديناً سمي (دين الرزنامة ). كانت "مصلحة الرزنامة" نموذج مبكر لهيئة معاشات، حيث تودع فيها رءوس أموال للمستحقين مقابل دفع معاشات لهم ، فابتكر إسماعيل باشا المفتش فكرة جديدة، وهي أن يستثمر الأهالي أموالهم في مصلحة الرزنامة ، بأن يودعوا فيها المدخر من هذه الأموال على أن تستثمرها المصلحة في مشروعات صناعية وتجارية، وتصدر الرزنامة سندات إيراد دائم بما لا يزيد عن خمسة ملايين من الجنيهات ، على أن تكون المائة فيها مائه ويكون ثمن هذه السندات متراوحاً بين جنيهين ونصف وخمسة جنيهات ، وتدفع المصلحة فوائد عنها بحساب 9%.
وقد أوجس الأهلين شراً من هذه الطريقة في ابتزاز أموالهم ، لأنهم عالمون بمصيرها ، ولكن الحكومة لجأت إلي الطريقة التي اتبعتها في تحصيل المقابلة ، فبلغ ما ساهم فيه الأهالي من سندات هذا القرض الإجباري 3,337,000 جنيه، لم يدخل الخزانة منها سوي 1.878.000 جنيه ، ولم تدفع من فوائدها سوى جزء من فوائد السنة الأولى
قانون المقابلة
قانون المقابلة (30 أغسطس 1871 ) وعن طريقه تمت جباية 13 مليون جنيه.
في سنة 1870 نشبت الحرب بين فرنسا وألمانيا، وهي الحرب المشهورة بالحرب السبعينية، فاضطربت الأسواق في أوروبا، وقبضت البيوت المالية يدها علي الإقراض، وكان الخديوي في حاجة إلي المال، فعمل وزير ماليته إلي زيادة الضرائب، ولكن هذا المعين لم يف بطلباته ، فأبتدع المفتش طريقة تعد بمنزلة قرض إجباري يجئ من الأهالي، أو ضريبة جديدة تفرض علي أطيانهم وصدر بها القانون المشهور بلائحة المقابلة في 30 أغسطس 1871.
يقضى هذا القانون بأنه إذا دفع ملاك الأطيان الضرائب المربوطة على أطيانهم لمدة ست سنوات مقدما تعفى الحكومة أطيانهم على الدوام من نصف المربوط عليها (مادة 3), ولكي يحصلوا على هذه الميزة يدفعون ضرائب السنوات الست دفعه واحدة أو على أقساط متتابعة لا تزيد مدتها عن ست سنوات, علاوة على الضريبة السنوية ،وتحسب لهم فوائد عما يدفعونه مقدما بواقع 8.5 % (المادة4).
وأساس هذا المشروع على حسبان إسماعيل صديق أن الدين العام يبلغ ضعف الضرائب العقارية عن ست سنوات, فإذا دفع الأهالي الضرائب مضاعفه على هذه السنوات الست, سدد الدين كله, وفي مقابل ذلك تعفيهم الحكومة إلى الأبد من نصف الضريبة المربوط على أطيانهم وتعهدت الحكومة في هذا القانون (المادة 3 والمادة 20) بان من يدفعون المقابلة لا يزاد سعر الضر يبه على أطيانهم في الاستقبال ،ولا يجوز مطالبتهم بسلفه ولو مؤقتة, وقضت المادة 29 بأنه لا يجوز لناظر المالية بعد الحصول على المبالغ المطلوبة إصدار سندات على الخزانة أو استدانت ديون جديده ،ولا تجوز المطالبة بسلف مؤقتة ولو تحت تأثير قوه قاهره كإشراق أو إغراق الأبعد التصديق على ذلك من مجلس النواب (مادة 38), وحتمت المادة 43 أن تخصص المبالغ المدفوعة من المقابلة لسداد ديون الحكومة. جعل هذا القانون دفع المقابلة اختياريا, ولكن الحكومة لجأت في تنفيذه إلى التوريط بالنسبة للباشوات وكبار الأعيان, وإلى الضغط والإكراه والضرب بالكرباج بالنسبة لسائر الأهليين, ولولا الإكراه لما ارتضى الناس المخاطرة بأموالهم, لأنهم يعلمون مبلغ عهود الحكومة, وخاصة في المسائل المالية ، فهم لم يدفعوا المقابلة إلا مكرهين, فكانت ضريبة جديده أو سلفة إجبارية زادتهم إرهاقا وضنكا.
وقد استطاعت الحكومة أن تجنى من هذه الضريبة خمسة ملاين من الجنيهات لغاية آخر سنة 1871, وبلغ مجموع ما جبته منها نيفا وثلاثة عشر مليون جنيه ونصفا لغاية سنة 1879 . وغنى عن البيان انه لم يدفع شيء من هذه الملاين في الدين العام, ثابتا كان أو سائرا ،بل ابتلعتها هوية الإسراف التي ابتلعت القروض الأخرى ، وعلاوة على ذلك فإن وزير المالية نقض عهده الذي أعلنه في الوقائع المصرية ووعد فيه بامتناع الحكومة عن إخراج بونات (سندات)علي الخزانة ،فانه رغم هذا العهد اصدر إفادات مالية استدان بها عدت ملاين أخرى بلغت اثني عشر مليون جنيه, كما يقدرها مؤلف (تاريخ مصر المالي ), ونقضت الحكومة عهدها أيضا فزادت الضرائب على ذات الأطيان التي دفعت المقابلة . وقد وقف العمل بقانون المقابلة مؤقتا بالمرسوم الصدر بتوحيد الديون (7 مايو 1876) ووعدت الحكومة برد المبالغ التي حصلت من أصحاب الأطيان أو تخفيض الضريبة عنه تخفيضا يناسب قيمة هذه المبالغ ،علي أن مرسوم 18 نوفمبر 1876 أعاد العمل بالمقابلة, واحتسبها ضمن إيرادات الحكومة ، وخصصها لاستهلاك الدين العام.
كانت " المقابلة" طريقة معوجة في الاستدانة ، لأنه معلوم أن معظم إيرادات الحكومة السنوية في بلاد زراعية كمصر تجني من الضرائب على الأطيان ، فإنقاص نصف المربوط من الضرائب إلي الأبد في مقابل سداد ضعف الضريبة مقدماً عن ست سنوات يؤدي إلي نضوب معين المال بعد انتهاء السنوات الست ، وهذا يوقع الحكومة في الضيق المالي الشديد ، وليس من القواعد الاقتصادية الصحيحة تقيد الحكومة بعدم زيادة سعر الضريبة ، لأن الضرائب تتبع الحالة المالية العامة، فتزيد وتنقص بحسب تطور الأحوال، هذا فضلاً عن أن الحكمة التي تذرعت بها الحكومة إلي وضع قانون المقابلة وهي وفاء الدين العام لم تتحقق البتة ولم يسدد شيء من هذا الدين ، بل زاد عما كان علية ، فكأن المقابلة كانت وسيلة لاقتناص الأموال من الأهليين وتبديدها.
وقد ألغيت هذه الضريبة بمقتضى المرسوم الذي أصدره الخديوي توفيق باشا في 6 يناير 1880 وقضى قانون التصفية الصادر في 17 يولية 1880 بأن ما دفع منها يخصم منه ما عساه يكون مطلوباً للحكومة من متأخرات الأموال أو الديون أو غيرها ، والباقي يرد إلي أصحابه مقسطاً على خمسين سنة، وخصص لهذه الأقساط كل سنة 150.000 جنيه
توقف مصر عن الدفع
توقف مصر عن الدفع (أبريل سنة 1876 )
سارت الضائقة المالية في طريقها، وأعوز الخزانة المصرية المال اللازم لأداء أقساط الديون ، وأخيراً عجزت عن الوفاء، فأصدر الخديوي مرسوماً في 6 أبريل 1876 بتأجيل دفع السندات والأقساط المستحقة علي الحكومة في أبريل ومايو ثلاثة أشهر ولم يكن تحديد هذه الثلاثة أشهر إلا للمحافظة على الظواهر، وكان الغرض هو التأجيل إلي ما شاء الله.
وأعلن هذا المرسوم في بورصة الإسكندرية يوم 8 أبريل ، فكان هذا إيذاناً بالتوقف عن الدفع ،أو بعبارة أخرى بالإفلاس ، ولما ذاع هذا المرسوم سرى السخط والذعر في الأسواق المالية الأوروبية ، وصار إسماعيل هدفاً لطعون الماليين والمرابين الأجانب ، وانقلبوا يتهددون ويتوعدون، بعد أن كانوا حتى الأمس يداهنون ويتملقون، وأخذوا يتحدثون بوجوب خلع الخديوي.
الخلاصة
يتضح مما تقدم بيانه أن القروض شغلت معظم سني حكم إسماعيل، وأن الاقتراض كان له عادة سنوية لم يكن يقوى على التخلص منها، ويتبين أيضا انه يقترض المال بشرط خاسرة، وأن القروض التي عقدها لم تكن البلاد في حاجة إليها، ومعظمها كان الغرض منه سداد الديون السائرة، وهذه الديون لم تعرف لها حكمة، ولم ينفق منها على الضروري من مصالح البلاد سوى النزر اليسير، وأن ميزانية الحكومة لو حسن تدبيرها كانت تفي بنفقاتها المعتدلة، وتفي بأعمال العمران دون حاجة للاستدانة.
وفي ذلك يقول المستر (كيف) الذي عهد إليه إسماعيل فحص مالية مصر سنة 1875: "إن المبالغ الحاصلة من ميزانية مصر عن المدة الواقعة بين سنة [1864] وسنة 1875 بلغت 94,21,400 جنيه، خصص منها لحملة الأسهم نحو ستة ملايين من الجنيهات، أى أن مخصصات الديون ابتلعت معظم الميزانية، وظهر في ميزانية تلك السنة عجز مقداره 1,382,200 جنيه، نشأ عن فداحة مخصصات الديون.
<!من وجهة نظرى ان الخديوى إسماعيل كان يريد تطوير البلاد ولكن انتهاء الحرب الاهلية الاميريكية أدى إلى تراكم الديون على البلادنظرا لانخفاض اسعار القطن المصري في مواجهة نظيره الامريكى---->==اسراف إسماعيل== إذا لم تكن البلاد هي التي دعت إلي اقتراض تلك الملايين ففيم كانت تنفق إذن ؟ إن الجواب لا يحتاج إلي عناء كبير، فإن إسراف إسماعيل هو الباعث الأكبر على مأساة القروض.
إن الجانب السيئ من شخصية إسماعيل هو إسرافه وأنفاقه الأموال من غير حساب أو نظر في العواقب، وهو بلا مراء مضرب الأمثال في هذا الصدد، فقد كان متلافاً للمال، وظهر هذا العيب في حياته العامة، وحياته الخاصة، ظهر في بناء قصوره، وتأثيثها، وتجميلها، كما ظهر في حياته الخاصة، في حفلاته وأفراحه، ومراقصه، ورحلاته وسياحاته، وأهوائه وملذاته.
أمثلة من إسراف إسماعيل
بنى الخديوي إسماعيل نحو ثلاثين قصراً من القصور الفخمة، وكان دائم الرغبة في التغيير والتبديل، وكان بعض القصور التي يبنيها لا يكاد يتم بناؤها وتأثيثها حتى يعرض عنها ويهبها لأحد أنجاله أو حاشيته.
وذكر العلامة علي باشا مبارك عن قصري الجزيرة والجيزة: "أنهما من أعظم المباني الفخمة التي لم يُبن مثلها، وتحتاج لوصف ما اشتملت عليه من المحلات والزينة والزخرفة والمفروشات، وما في بساتينها من الأشجار والأزهار والرياحين والأنهار والبرك والقناطر والجبلايات إلي مجلد كبير"، وذكر عن أرض سراي الجزيرة أن مساحتها ستون فداناً، وأن ما صرف عليها على كثرته قليل بالنسبة لما صرف على سراي الجيزة، وكانت هذه السراي في منشئها قصراً صغيراً وحماماً بناهما سعيد باشا، ثم اشتراها إسماعيل من ابنه طوسون مع ما يتبعها من الأرض ومساحتها ثلاثون فداناً، ثم هدم هذا القصر وبناه من جديد وأضاف أليه أراضي أخرى، وأحضر المهندسين والعمال من الإفرنج لبناء القصر وملحقاته وانشأ بستانه العظيم وبستان الأورمان، وبلغت مساحة الأرض التي شغلها سراي الجيزة وسراي الجزيرة وحدائقها 465 فدان (خمسة وستين وأربعمائة فدان).
وذكر أن ما أنفق على إنشاء سراي الجيزة بلغ 1.393.374 جنيه
- وسراي عابدين565.570 جنيه
- وسراي الجزيرة898.691"
- وسراي الإسماعيلية (الصغيرة)201.286"
- وباقي القصور2.331.679"
- من ذلك سراي الرمل472.399"
وبالرغم مما وصلت أليه حالة الحكومة المالية من الارتباك وتوقفها عن الدفع في سنة 1876، فإن الخديوي استمر في تلك السنة يكمل سراي الجيزة الفخمة التي لم تتم إلا قبيل خلعه.
وتكلف تجميل هذه القصور وتأثيثها ما لا يحصى من الملايين، فقد بلغت النقوش والرسوم في قصور الجيزة والجزيرة وعابدين مليوني جنيه ونيفاً، وبلغت تكاليف الستارة الواحدة ألف جنيه، أما الطنافس والأرائك والأبسطة والتحف والطرف والأواني الفاخرة، فلا يتصور العقل مبلغ ما تكلفته من ملايين الجنيهات.
ومن أسباب إسراف إسماعيل ميله إلي الملذات، وهذه مسألة تعد مبدئياً من المسائل الشخصية، التي لا يصح التعرض لها، ولكن إذا تعدى أثرها إلي حياة الدولة العامة كانت من المسائل التي لا حرج من الخوض فيها، وقد تعرض لهذه الناحية الكتاب والمؤرخون حتى الذين كانوا من أصدقاء إسماعيل، ويلوح لنا أنها كانت من العيوب التي أخذت عليه وهو بعد أمير، قبل أن يتولى العرش، فقد ذكر المسيو فردينان دليسبس انه رآه في عهد سعيد قبل أن تؤول ولاية العهد، وكان عمره وقتئذ خمساً وعشرين سنة، وقال عنه أنه على جانب عظيم من الذكاء والحصافة والجاذبية، وأنه إذا لم ينهمك في ملذاته بمقدار ما هو عليه الآن (سنة 1854) فإنه سيعرف قدر نفسه يأتي منه النفع الكبير.
ومما يدعو إلي الأسف أن أمواله التي كانت تتدفق ذات اليمين وذات الشمال لم يكن ينال الوطنيين منها إلا النزر اليسير، بالنسبة لما ينال الأجانب الذين كانوا يحيطون به ويشملهم بثقته ورعايته، قال المسيو جابرييل شارم في هذا الصدد:
"كان إسماعيل يغترف المال من الخزانة العامة بكلتا يديه ليرضى أهواءه الشخصية فحسب، بل ليسد نهم الطامعين الملتفين حوله، فكم من الفرنسيين والإيطاليين والإنجليز كانوا تعساء في بلادهم، ثم نالوا بعد أن هبطوا مصر الرخاء والنعيم، لقد كان الخديوي مستعداً على الدوام أن يهبهم المراكز والقصور والمنح (البقاشيش)، أو يعهد إليهم بالتوصيات على التوريدات، وما كان أشد دهشة السياح إذ يرون في القاهرة أو الإسكندرية جماعة من الأوربيين ليس لهم من المزايا إلا مظهر الرجل الأنيق، يقومون بمهمة الموردين لنائب الملك (الخديوي)، ويربحون من هذه التجارة أرباحاً باهظة، لا يتصورها العقل، فليس ثمة وسيلة لجمع الثروة الطائلة أسهل من الحصول على عطاء تأثيث إحدى السرايا الخديوية، أو توريد بعض الصور أو التحف والطرف، وكم من أناس جاءوا من أوروبا مثقلين بالديون، فما كادوا يستقرون في القاهرة ويأوون إلي إحدى قاعات الانتظار في سراي عابدين، حتى صاروا طفرة من أصحاب الملايين ".
وقد فحصت لجنة التحقيق الأوربية سنة 1878 أسباب تراكم الديون والعجز في ميزانية الحكومة، فكشفت عن تصرفات مدهشة تدل على أقصى أنواع الإسراف والتبذير، فمن ذلك أن إحدى الأميرات من بيت إسماعيل بلغ المطلوب منها لخياط فرنسي 150 ألف جنيه، وأن مبالغ طائلة ضاعت في الآستانة دون أن تعرف أبواب إنفاقها، وأن الخديوي كان يشترك مع إسماعيل باشا صديق في مضاربات البورصة، وأن الحكومة أرادت يوماً أن تؤدي بعض ما عليها من الدين لأحد البنوك المحلية، فأعطته سندات من الدين الموحد قيمتها 230 ألف جنيه بحساب السند 31.5 جنيه، أو بعبارة أخرى لكي تسدد ديناً قدره 72 ألف جنيه حملت البلاد ديناً مقداره 230.000 جنيه.
وقد فحصت لجنة التحقيق قاعدة إسماعيل المتبعة، حتى في أعمال العمران، فقد اتفق مع شركة جرنفلد الإنجليزية على إصلاح ميناء الإسكندرية في مقابل 2.500.000 جنيه في حين أن أعمال الإصلاح لم تتكلف سوى 1.440.000 جنيه كما اعترف بذلك اللورد كرومر.
مراجع
- عبد الرحمن الرافعي (عصر إسماعيل)
- أحمد الحتة (تاريخ مصر الاقتصادي)
- جمال حمدان (عبقرية مصر)