زلزلة حلب الكبرى أو الزلزال الكبير (زلزال 1822) حدث في حلب سوريا في يوم الثلاثاء الثالث عشر من آب/أغسطس عام 1822 ويعرف في حلب بالزلزال الكبير. يقدر عدد ضحاياه بحدود العشرين ألف شخص.
شهادات تصف الزلزال
المؤرخ الشيخ كامل الغزي
نقل المؤرخ الشيخ كامل الغزي شهادة المعمر (محمد آغا مكانسي) وهو معمر حلبي يصفه الغزي بأنه كان دقيق الفكر لايشذ عن ذهنه كلي أو جزئي من الحوادث التي مرت عليه، ونوردها كما جاءت في نهر الذهب:
الزلزال
" بينما كنت جالسا في مصيف داري القديمة في ذلك الوقت أسمر مع جماعة من خلاني وألتذ بمنادمتهم وحسن حديثهم والنسيم العليل يحيينا بأنفاسه وينعشنا بلطيف هبوبه إذا انقطع عنا بغتة واشتد الحر حتى شعرنا بضنك في صدورنا وضيق بأنفاسنا وما مر علينا سوى نحو عشرين دقيقة في هذه الحالة المضنكة إلا وسطع في جو الفضاء ضوء أشرقت به الدنيا إشراقها بالشمس تتجلى في ذروة الفلك الأعلى فرفعنا أبصارنا إلى العلاء فرأينا هذا النور الساطع صادراً من كوة مفتوحة في كبد السماء كأنها نافذة من نوافذ جهنم وما كدنا نرجع أبصارنا إلى الحضيض حتى أوقر أسماعنا دوي كهزيم الرعد وإذا بالأرض قد مادت بنا يمنة ويسرى والنجوم أخذت تتناثر وتتطاير في أفق السماء كشرر يتطاير من أتون ثم انتفضت الأرض أربع مرات متوالية أزاحتنا عن مقاعدنا فنهضنا على أقدامنا وما منا أحد إلا وقد أحس بدنو أجله كأن السماء وقعت عليه أو الأرض كادت تنخسف تحت قدميه فصرنا نكرر الشهادتين ونضرع إلى الله بقولنا يالطيف يالطيف والجدران تتداعى وتخر السقوف وتتدهده الحجارة على الأرض فيسمع لها جلبة ودوي تقشعر منهما النفوس كل هذا جرى في برهة من الزمن لا تزيد على نصف دقيقة وقد اشتد غواش الناس ضجيجهم يستغيثون بالله وعلا صراخ النساء وععويلهن وطفقت الخلائق تركض إلى الصحراء وهم يتدافعون ويتزاحمون في الشوارع والأزقة هائمين على وجوههم لا يلوي والد على ولد كل يهرع مهرولا إلى ساحل السلامة يطلب النجاة لنفسه حتى كأن القيامة قد قامت وآذن حبل الحياة بالانصرام وكان القتام شديدا حلك منه الظلام وحجب النجوم عن العيون. "
الخروج من المدينة
ويتابع " اما الجماعة الذين كانوا يسمرون عندي فقد أسرعوا الكرة إلى منازلهم ليتفقدوا أهلهم وأما أنا فقد كان أهلي حين وقوع هذا القضاء جالسين في صحن الدار وكانت الدار فسيحة وجدرانها قصيرة لم يؤثر بها الزلزال ولا انهدم منها شيء فجمعتهم في وسط الصحن وبتنا ليلتنا في قلق زائد لأن الأرض كانت في كل برهة ترتجف وتختلج ونحن نستغيث بالله ونتعوذ به من سخطه فلما طلع الفجر أحضرنا جماعة من العتالين فحملناهم من البيت مايقوم بسد حاجاتنا من الفرش والمؤنة وخرجنا بالأهل والعيال إلى أحد بساتين الفستق التي في جوار محلتنا وكان الناس قد خرجو إليها في الليل وبات أكثرهم على الأرض بلا غطاء ولا وطاء أما بقية جهات البلدة فمن ناسها من خرج إلى البرية في جوار محلته ومنهم من قصد الكروم والبساتين ثم تداركوا الخيم وبيوت الشعر والأغنياء منهم عملوا بيوتاً من الدف ومنهم الفقراء اللذين ظلوا تحت السماء بلا كن ولا ملجأ"
قتلى الزلزال
" واستمر الزلزال يتردد نحواً من أربعين يوماً تارة خفيفاً وأخرى شديداً وحين حدوث الزلزلة الأولى كان أكثر الناس على أسطحة منازلهم وفي فسحات دورهم جرياً لعادتهم في موسم الصيف فسلم بهذه الواسطة العدد الكبير من عطب الزلزلة ولولا ذلك لكان السالم منهم قليلاً ومع هذا فقد مات تحت الردم في حلب زهاء خمسة عشر ألف نسمة وكان معظم تأثير الزلزلة في محلة اليهود والعقبة وسوق العطارين وأبراج القلعة وما اشتملت عليه من البيوت والمنازل وما جاور القلعة من المباني التي كانت قائمة في ذلك الفضاء المعروف باسم (تحت القلعة).
ومما يدل على شدة نبضات الزلزلة في أول مرة أن هلال مئذنة جامع العثمانية اندفع من محله وسقط على قبة القبلية فخرقها ووقع على أرض القبلية فحفرها.
كان الناس يتكبدون مشقة رائدة وهم في الصحراء والبساتبن بالحصول على الأقوات التي لم يبق الباعة لها سعراً محدوداً فإن كل واحد من باعة الخبز واللحم وغيرهما يبيع بضاعته بالثمن الذي تسنح له به الفرصة وكان الدعار والمتشردون يقصدون الدور والمنارل وينهبون ما فيها من الأثاث والمؤونات فاضطر أهل كل محلة إلى أن يتعاونوا على إقامة حراس يحرسون أموالهم وكانت جماعة الحكومة كالوالي والقاضي قد تركو منازلهم وأقاموا في البرية تحت الخيام وبيوت الخشب وشغلهم الخوف والفزع عن قيام مباشرة وظائفهم فاختل نظام الحكومة وكثرت حوادث النهب والسلب أما جثث القتلى التي كانت تحت الردم فكان أهلها المتولون أخرجوهم على الفور ودفنوهم بثيابهم وقد استخرج البعض منهم وفيهم رمق من الحياة فعاشوا ومنهم من مات بعد ساعات واستخرج بعض من خرت عليهم السقوف أحياء لم يصابوا بشيء من الضرر لأن بعض السقوف انهدم جدارها الواحد فقط فبقيت رؤوس الأخشاب الأخرى معلقة بالجدار الباقي فتكون منها وقاء لمن كان مقيماً تحتها أما الفقراء الذين لامال عندهم فقد بقيت قتلاهم مدفونة تحت الردم في الخرابت الكبيرة فكانت هناك قبورهم إلى الأبد،كانت الأرض في هذه المدة وهي أربعون يوماً لا تنقطع حركتها غير قليل فكان الناس يحسون من وقت لآخر برجفات تحت أقدامهم وقد شاعَ أن قطعةً كبيرة من الأرض في ناحية الأرتاب قد خُسفت ولهذا كان كثير من الناس لاينفك عنهم الفزع و القلق لأنهم قد تسلط على واهمتهم بأن الأرض ربما خسفت بهم وإن كانوا آمنين من سقوط الجدران عليهم لإقامتهم في بيوت خشبية."
شهادات اخرى
وقع الدكتور المهندس حكمت زيربه في إحدى بحثيّاته في مكتبة جامعة بيركلي Berkeley في ولاية كاليفورنيا الأميركيَّة على صورة من وثيقة عن زلزال حلب في العام 1822 نسختها الأصليَّة موجودة في المكتبة الوطنيَّة في باريسBibliothèque Nationale, Paris .. كُتِبَتْ الوثيقة باللغة الفرنسيَّة مرفقةً بشهادة شاهد عِيان (لم يذكر اسمه، ويُستنتج من السياق أنّه أورُبّيّ مسيحيّ مؤمن) ونشرتها مهتمّةً جمعيَّة الدراسات الدِينيَّة - باريس Société Traités des Religieux, Paris وما كان من الدكتور حكمت إلاّ أن استحصل على نسخة واضحة وعمّمها على مجموعة عمله. مما ذكر فيها:
رغم الوهن الشديد الذي يعتريني أُمسك بالريشة لأصف أفجع حدث, أتذكّر نواح الآباء لفقد أبنائهم والأولاد لفقد آبائهم والأزواج لزوجاتهم والنساء لرجالهنّ. ويخيّل لي أنّني ما زلت أشاهدهنّ شبه عراة يجرينَ في الشوارع يضرعنَ إلى الله طالبين الرحمة ويسعينَ بأيديهنّ الضعيفة لرفع الأنقاض التي تعيقهنّ. في ليل 13 آب 1822 وحوالى التاسعة والنصف قُلِبَتْ حلب رأساً على عقب وخلال ثوانٍ معدودات. كنت آنذاك نائماً على سطح منـزل صديقي السيّد م. م. الذي أسعفه الحظّ فنجا هو وأفراد عائلته. قبل نصف ساعة من الهزّة كنت غافياً بعد أن أبعدت سريري عن جدار عالٍ كان بجواره وأيقظني صَوت سقوط هذا الجدار حيث كان سريري، فاندفعت من دون أن أرتدي ملابسي هارباً من المنـزل الذي ما لبث أن تهاوى من جميع أطرافه.
حرت بين خيارَين: أن أبقى في المنـزل، أو أن أهيم في الشوارع وسط الجدران المتهاوية! وكلا الأمرَين خطر فأسلمت روحي لله وقرّرت نزول الدرج والهرب خارج منـزل صديقي. وكان هذا وحياً من السماء إذ انهار الدرج الرئيسيّ في هذه اللحظة. منعتني عتمة الليل وغيوم الغبار التي تملأ الجوّ من رؤية الأحجار والأنقاض التي تغطّي الدرج فهويت ووقعت على جسد لا حراكَ فيه. لا أستطيع وصف مشاعري في تلك اللحظة فلقد كنت نصف ميت خوفاً! وعلمت لاحقاً أنّ هذا الجسد كان لخادم أمين نزل قبلي بثوانٍ فطحنته حجارة تساقطت من منـزل مجاور. تركت هذا المكان الكئيب وأسرعت وسط الجدران المتهاوية نحو باب المدينة. وفي هذه الأزقّة الضيّقة كنت شاهداً لمشاهد أكثر عنفاً. فالجدران قد كشفت بسقوطها عن دُور أنيرت بمصابيح باهتة. والرجال والنساء يمسكون بأطفالهم وهم يحاولون الاحتماء بجدار متصدّع. ووجدتني أقف على أجساد مشوّهة. وسمعت أصوات مَن طمرتهم الأنقاض من مسيحيّين ويهود وأتراك.. كلّ يضرع إلى الله بلغته طالباً رحمته، وقد كان فِكره وقلبه قبل هنيهات بعيداً جدّاً عن الله!
بعد جهد جاهد وصلت منهكاً إلى باب المدينة المدعوّ "باب الفرج" وكانت الهزّة لا تزال مستمرّة، وقد عرتني برودة مثلجة وغطّت جسمي الجروح. فجثوت وسط الجموع لأشكر الله القدير على نجاتي من الأخطار التي أحدقت بي. ولكنّ الباب كان موصداً ولم يجرؤ أحد على المجازفة بحياته تحت قبّة المدخل المتهاوية لفتح الباب, فأسلمت روحي لله خالقي واندفعت نحو الباب أتحسّس في العتمة مغاليقه فوجدت أنّه لم يكن موصداً ولكنّ القضبان المعدنيَّة التي لواها الزلزال لم تسمح بفتحه. ولم تكن لديّ القوّة لمعالجتها فعدت أستنجد بالحرّاس، ولكن ما من مجيب!
جثوت ثانية بين يدَي الله القدير الذي وحده يستطيع حِمايتي من هذا الخطر. ولم أنسَ في صلاتي الجَمع البائس المجتمِع حولي, فانضم إليّ أربعة أو خمسة من الأتراك يصلّون وفق طريقتهم وهم يهتفون: الله! الله! حرصاً منّي على سلامتي وسلامة الآلاف التي تتدافع حول الباب رجوت مَن يساعدني لفتح الباب. وألهمهم الله الشجاعة فاندفعوا مستعينين بأحجار كبيرة حيث استطاعوا رفع القضبان وفتح الباب في وقت قصير فاندفعت خارجاً وما كدت أتجاوزه حتّى اقتلعته هزّة عنيفة وحطّمته فمات لسقوطه عدّة أشخاص. رأيت أيضاً مشهداً مؤثّراً إذ اندفعت الألوف من الجموع جاثية, وكأنّها على اتّفاق تشكر العليّ القدير لخلاصها. وبزوال موجة الفرح هذه تذكّر هؤلاء أهلهم وأصدقاءهم الذين تركوهم تحت الأنقاض وبين الأكوام فعلت التنهّدات وبدأ العويل والنحيب ممّا يذيب أقسى القلوب. جررت نَفْسي على قدر استطاعتي خطوات لم تتجاوز العشرين ووقعت نصف ميت من البرد والألم بين مجموعة هربت من منازلها في ضاحية حلب. ولمّا استعدت رشدي شعرت بحزن غامر لا يوصف، إذ كفاني أن أتذكّر أخي وعائلته المقيمين في أنطاكية آنذاك. وكفاني أن أتذكّر مصير أصدقائي في المدينة والمشاهد المحزنة التي أمامي.. فبعضهم جريح والآخَر يبكي مَن فَقَدَ من أهله.. وآباء يعاينون أولادهم وهم في سكرات الموت بعد أن انتزعوهم من تحت الأنقاض. وتعجز الريشة البارعة عن وصف كلّ ما شعرت به، غير أنّي قضيت الليل كلّه في قلق وصلاة. صباحاً تمّ نقلي على حمار إلى أقرب بستان حيث أُسندت إلى شجرة أتفيّأ بظلّها. وجاءني السيّد "درشي" الترجمان الفرنسيّ يبشّرني بأنّ جميع الأورُبّيّين النصارى عدا طفلاً صغيراً قد نجوا، غير أنّ الكثيرين منهم جرحى.
ولقد قضى في هذا الزلزال تحت الأنقاض من اليهود الأوربّيّين السيّد "إيسدراس دو بيشياتو" قنصل النمسا وآخَرون, وكذلك قضى عدّة آلاف من مواليد سورية, من مسيحيّين ويهود وأتراك
بقيت أيّاماً أربعة لا أستطيع حراكاً نتيجة جراحي ولم يكن لديّ ما أتّقي به الطبيعة سوى شرشف. غير أنّ السيّد "لوسيبس" قنصل فرنسا استقبلني بترحاب حين اجتمعت بسائر الأورُبّيّين في بستان "إبراهيم آغا". وعبّر بلقائه لي عن طيب ورقّة تشهدان له ولا أستطيع إلاّ أن أعبّر لهذا الرجل الرائع عن تقديري، إذ لا يحنّ والد على أولاده كما فعل هو لمواطنيه ولكلّ مَن طلب عَونه ومشورته.
سبب الزلزال
يذهب البعض بأن سبب الزلزال لم يكن هزة ارضية ,انما نيزكا ضرب منطقة الهوتة وهي منطقة قريبة من حلب مما سبب تشكل حفرة معروفة في تلك المنطقة بحفرة الهوتة.
ويعود ذلك إلى شكل الحفرة الذي يشبه كثيراً الحفر التي تخلفها النيازك على الأرض أو على سطح القمر وزاد الغموض حول هذه الحفرة بعد أن تم ذكرها في كتاب تاريخ حلب في القرن الثامن عشر للرحالة الهولنديين الأخوين راسل.
كما ان الوصف الذي ورد في شهادة المكانسي لا ينطبق على الزلازل وانما هو اقرب إلى حادثة سقوط نيزك فان كا من الظواهر:
- 1. توقف النسيم واشتداد الحر فجأة إلى درجة ضيق الأنفاس لمدة عشرين دقيقة.
- 2. سطوع ضوء يماثل الشمس قوة وكأنه كوة مفتوحة في كبد السماء.
- 3. دوي كهزيم العد.
- 4. اهتزاز الأرض.
- 5. تناثر نجوم في السماء كشرر يتطاير من أتون.
- 6. ثم انتفاض الأرض أربع مرات.
- 7. قتام شديد حالك.
لاتسبق الزلازل عادة بل تصف سقوط نيزك على الأرجح, حيث يظهر النيزك متوهجاً لاحتكاكه بالهواء نتيجة سرعته الهائلة, وبالطبع فإن رؤيته تسبق سماع صوت اصطدامه بالأرض لأن سرعة الضوء أكبر من سرعة الصوت بكثير. كما أن تناثر النجوم كشرر يتطاير من أتون وصف مكتمل لشظايا النيزك المتطايرة بعد سقوطه ويترجح احتمال أن يكون سبب الهزة سقوط نيزك في الأتارب هو أن تلك الناحية قد خسفت كما ورد في رواية المكانسي.
أما ظاهرة انتفاض الأرض أربع مرات فهي تتفق مع نفس الاحتمال لأنها رد فعل معاكس لصدمة رأسية يمكن تشبيهها بما يحدث إذا ضربنا بقبضتنا سطح طاولة حيث تقفز الأشياء الخفيفة الموجودة عليها.
المصادر
- كتاب الادب الشعبي الحلبي للأب يوسف قوشاقجي
- http://www.shmmr.net/vb/threads/51467-نيزك-الاثارب-بالقرب-من-حلب-هل-سقط-فعلا-أم-خيال%D8%9F
- http://jamahir.alwehda.gov.sy/__archives.asp?FileName=2563950120110322211436