الرئيسيةعريقبحث

سليمان العطفاوي


هو سليمان بن الحاج داود بن باسعيد، ابن يوسف العطفاوي، ولد سنة 1324 هـ، الموافق لـسنة 1906م بمدينة العطف (تاجنينت) (ولاية غرداية) ، ينتمي إلى عشيرة آل حريز العريقة، وأسرته معروفة بخصالها الحميدة، وسيرتها الرشيدة، حجتها كتاب ربها، ودليلها سنة نبيها، ومنهجها آثار سلفها.

في ظل هذه العائلة المحبة للعلم وأهله، ذاتِ المجد الرفيع، والشأن المنيع، نشأ وترعرع. والده كان من تلامذة قطب الأئمة النجباء، وكان مهتما بابنه أشد الاهتمام، ومؤدبا له أحسن التأديب، يغدق عليه من الحنان الشيء الكثير، ومن المحبة القدر الكبير؛ فقد كان يعوضه ما فقده من حنان

المصلح الاسلامي
سليمان العطفاوي
معلومات شخصية
الاسم الكامل سليمان بن الحاج داود بن باسعيد، ابن يوسف العطفاوي
الميلاد سنة 1324 هـ، الموافق لـسنة 1906م
مدينة العطف .تاجنينت . ولاية غرداية
الوفاة يوم 26 ذو القعدة 1412هـ الموافق لـ 28 مايو 1992م،
مدينة العطف .تاجنينت . ولاية غرداية
مواطنة الجزائر
الجنسية جزائرية
العرق جزائري
الديانة الاسلام
منصب
سكرتير الشيخ عبد الحميد ابن باديس . وعضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
الحياة العملية
الحقبة 1926 .1992
ينتمي إلى جمعية علماء المسلمين الجزائريين
تعلم لدى الشيخ عبد الحميد ابن باديس
المهنة مصلح .عالم دين . مؤرخ . فيلسوف . كاتب
الاهتمامات الاصلاح . والتربية
تأثر بـ الشيخ عبد الحميد ابن باديس

أمه، ويخفف عنه وطأة يتمه. وعندما بلغ ولده سليمان حولا كاملا أخذه إلى محمد بن يوسف أطفيش قطب الأئمة، فوضعه بين يديه، فدعا له القطب بالعلم وحفظ كتاب الله، وأجيبت دعوة القطب -لله الحمد والمنة-.

استرعى الأنظار منذ حداثة سنه بما حباه المولى -جل في علاه- من مواهب جمة؛ منها الذكاء الوقاد، والحافظة القوية، والفصاحة والبيان، فتوجَّه إلى القرارة -قبلة العلم والعلماء- ضمن بعثة علمية عطفاوية.

تفتقت مواهبه فيالقرارة ، فاستظهر كتاب الله في سن الثالثة عشر، ونال حظا وافرا في اصول شريعة إسلامية واللغة العربية على يد مشايخ وأساتذة أكفاء مخلصين، وجد منهم الرعاية والتقدير والاحترام، وكان من أبرز هؤلاء شيخه الحاج إبراهيم

1 نشاطه الاقتصادي والاجتماعي والاصلاحي خارج مزاب

لم يبقى الشيخ كثيرا في القرارة؛ فقد اضطرته ظروفه المادية الصعبة إلى أن يضرب في الأرض، ويبتغي من رزق الله، في سنّ مبكّرة، من قبل يرتوي من ينابيع القرارة الصافية، وكانت وجهته إلى قسنطينة، عاصمة الشرق الجزائري؛ ليخوض غمار التجارة، إذ لابد لرجل العلم من كفاية في المال؛ ليحفظ به ماء وجهه، وليصدع بالحق بين الناس دون خوف من عبد، وابتزاز من شخص.

دخل معترك التجارة، فنال منها ما ينال كل من جدّ في عمله، وحصل على ما كان يطمح إليه؛ ففتح الله عليه من خزائن كونه، وواسع فضله، ولكن لم تغره المادة، ولم تنسه واجبه تجاه أمته، وقد ميزه الله بميزات حرمها غيره، فواصل تعلمه في عصامية نادرة، وساعده في ذلك جو قسنطينة المكافحة المجاهدة المليء بالحيوية والنشاط والحماسة والأدب والثقافة والعلم النافع.

ازدادت مواهبه تفتقا لاسيما عندما انضمّ إلى ثلة من خيرة الأنام، وقادة الناس، وأعلم الخلق، وأعيان الفضل، شاركهم في تضحياتهم وتفانيهم من أجل الإسلام، ولغة القرآن، أذكر منهم: الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الحركة الإصلاحية في الجزائر، ومؤسس جمعية علماء المسلمين الجزائريين، ومدرس الصغار والكبار، الذي أصدر جريدتي {المنتقد} و{الشهاب}، وبث فيهما آراءه الإصلاحية. وكان شعار جريدة الشهاب: {لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها}. دعا إلى مؤتمر إسلامي من أجل دراسة قضية الجزائر، وكانت فرنسا له بالمرصاد فعرقلت مسعاه، ووأدت أحلامه في مهدها. ويحتفل الجزائريون كل عام بيوم العلم يوم 16 أفريل تخليدا لذكرى وفاته، واعترافا بجميل فعله.

نال الشيخ سليمان مكانة معتبرة، وحظوة خاصة عند الشيخ عبد الحميد بن باديس؛ فقد لازم جواره وهو لم يتعدّ العشرين من عمره، فظهرت سجاياه، فأكرم ابن باديس مثواه، وجعله كاتبه الخاص، وسعد بقربه ونجواه.

أسهم الشيخ سليمان في الحركة الإصلاحية التي قادها ابن باديس إسهاما كبيرا، إلى جانب إخوانه من العلماء الجزائريين. والكل يصبو إلى إعلاء كلمة الله، ونصرة الإسلام وأهله، والنهوض باللغة العربية إلى مكانتها اللائقة بها، في زمن ساد فيه ظلم الاستعمار واستبداده، وتنكره لكل ما يمت إلى الإسلام بصلة.

وخلف الشيخ سليمان وراءه زخما كبيرا من الوثائق، والصور النفيسة، لو تتبعها باحث، وفك رموزها لأتانا بكتاب قيم. من تلك الوثائق بطاقة عضوية الشيخ سليمان في جمعية علماء المسلمين، وبطاقة من ابن باديس تدعوه إلى حضور اجتماع لجمعية العلماء من أجل تعريف الناس بها، وتحفيزهم على تأييدها ونصرتها، بعد أن حصلت على الضوء الأخضر من المستعمر الفرنسي، وذلك في يوم 8 شوال 1450هـ بقسنطينة.

بعد البسملة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله الكرام جاء فيها ما يأتي: (إلى حضرة الأخ الكريم الشيخ سليمان المحترم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد: فقد عزمنا على عقد اجتماع غدا على الساعة الثامنة مساء بالجامع الأخضر؛ لتعريف المسلمين بالجمعية ومقاصدها، ودعوتهم لتأييدها، وإعلامهم بمصادقة الحكومة الفرنسية الفخيمة عليها.

فبلسان الجمعية نرجو من حضرتكم أن تشرفوا هذا الاجتماع بحضوركم في المكان والزمان المذكورين ومثلكم من لبى الدعوة إلى الخير، وأعان عليه...والسلام من أخيكم: عبد الحميد بن باديس) انتهى.

ومن تلك الوثائق التاريخية المهمة رسالة تحوي استدعاء له لحضور الاجتماع العام لجمعية علماء المسلمين الجزائريين يوم 30 سبتمبر 1951م، ووقع عليها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، ممثلا للمكتب الإداري للجمعية.

حضر هذا اللقاء أصحاب الرأي والسابقة والأثر في خدمة الجمعية والحمل الصحيح لفكرتها الممثلين لشعب الجمعية عبر التراب الجزائري، ودام يومين، فتلي فيها تقريرا الأدبي والمالي، ونقحت مواد من القانون الأساسي للجمعية، واستمع الحضور إلى نصائح وإرشادات رئيس الجمعية ونائبه، ونوقشت مواضيع اجتماعية متنوعة، وشكلت لجنة لترشيح المجلس الجديد، ومكتب للإشراف على الانتخابات، وتعاهد الجميع على ما فيه خير العروبة والإسلام.

ونجد ضمن وثائقه أيضا دعوةً إليه من لجنة الاحتفال بجمعية شمال إفريقيا المسلمين لحضور مائدة عشاء بنادي الاتحاد يوم الأربعاء 31 أوت سنة 1932م للتعارف وربط أواصر المحبة والوداد، بعد انتهاء مؤتمرهم الثاني بالجزائر، ووقع على الدعوة الدكتور بن جلول.

ومن الذين انخرطوا مع الشيخ سليمان في صفوف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من إخواننا المزابيين: الشيخ بيوض إبراهيم، والشيخ أبي اليقظان، والشيخ عبد الرحمن بكلِّي.

فالشيخ إبراهيم بن عمر بيوض، رائد الحركة العلمية والنهضة الإصلاحية في مزاب، ومن رجالات الإصلاح في الجزائر، أسهم في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأسهم في صياغة قانونها الأساسي، وانتخب عضوا في إدارتها الأولى، إذ أسندت إليه نيابة أمين المال. انتخب بالأغلبية الساحقة ممثلا لوادي ميزاب في المجلس الجزائري، فكان الصوت المدوي المدافع عن مقومات الشخصية الجزائرية دينا ولغة، وأصبح محور النشاط الثوري في ميزاب بعامة، والقرارة بخاصة، يعاونه في ذلك زملاؤه في الحركة الإصلاحية مثل الشيخ سليمان، وأبناؤه الطلبة.

أما الشيخ إبراهيم بن الحاج عيسى أبو اليقظان، فهو رائد الصحافة الجزائرية، ومن رجالات الإصلاح في الجزائر، وعضو في التشكيلة الفدائية السرية التي كانت تتطلع إلى تحرير المغرب الإسلامي من ربقة الاستعمار الفرنسي، وعضو نشيط في اللجنة التنفيذية للحزب الحر الدستوري، وكان في الوقت ذاته يشارك بقلمه في الصحافة بمقالاته ذات طابع سياسي وطني، وكان يتطلع إلى إعلام إسلامي وطني حر. وكان الشيخ سليمان صوتا مدويا لهذا الرائد الكبير، ومعينا له في جهاده الصِّحفي، ومشاركا له في جميع نشاطاته بجمعية العلماء، ومتابعا مستجدات الحياة الفكرية و الثقافية والسياسية بالعاصمة الجزائرية.

أما الشيخ عبد الرحمن بن عمر بكلي، فهو من رجالات الإصلاح في الجزائر، شارك مشاركة فعالة في العمل السياسي و التنظيمي لثورة التحرير. ألقى عليه القبض سنة 1957م، وسجن لشهور عدة، لكن لم يثنه ذلك عن عزمه في الجهاد؛ فاستمر في تضحياته متحديا كل الصعاب إلى يوم وفاته.

انتقل من العطف الحبيبة إلى بريان الطيبة سنة 1939 بعد تركه ميدانَ التجارة، فتفرغ للتعليم بها، و أدار مدرستها إدارة حازمة، ثم عين واعظا و مرشدا ثم مفتيا في مسجدها العامر، فعضوا في حلقة العزابة ثم رئيسا في سنة 1946م. أسس بمشاركة إخوانه في بريان جمعية الفتح للإشراف على الحركة العلمية بها.

وللشيخ سليمان علاقة وطيدة بالشيخ عبد الرحمن فهما من مدينة واحدة، وبينهما تقارب في السن، وانسجام في الأفكار، ووحدة في المنهج، وينتميان إلى نفس الحركة الإصلاحية في الجزائر، وكلاهما اضطرته الظروف الصعبة إلى دخول معترك التجارة، وكلاهما كافح ضد المستعمر، وعوقب بعد ذلك، وكلاهما أسس المعاهد والمدارس التي ترفع شعارهم الإصلاحي الديني القويم.

وهناك العديد من رجالات الإصلاح الذين لهم علاقة وطيدة بالشيخ سليمان لا يسع المجال لذكرهم،

إن مشايخنا أيها الإخوة الكرام مهما احتكوا بعلماء الإسلام فهم يعتزون بأصالتهم وتراثهم وأمجادهم، فلا يذوبون في غيرهم، وهذا عكس ما نجد عليه بعض شبابنا ضعفي الشخصية، فاراغي الوطاب، يلهثون وراء كل فكرة، ويهرولون وراء كل صيحة، والمثل يقول: "إعوم العوام وما ينساش كساتوا"، والحركة الإصلاحية عند علمائنا ومشايخنا لا تعني أبدا الانسلاخ عن صفاء عقيدتنا، ونصاعة مبادئنا، وسمو قيمنا.

ولعل مما يدلل على ذلك ما تجده من وثائق خلفها شيخنا من ورائه، فهناك قصاصة ورق لجريدة الشعب الجزائرية اليومية حوت بلاغا من وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية يتضمن دعوة جمهور القراء إلى حضور محاضرة لشيخنا سليمان، في إطار النشاط الثقافي الذي تقوم به هذه الوزارة الأصيلة.

أقيمت المحاضرة في قاعة المحاضرات بقصر حسن بالعاصمة الجزائرية يوم 11 جوان 1975م، وكان عنوانها :(الخوارج والإمام علي كرم الله وجهه)، وفي نفس الإطار والمكان ألقى شيخنا محاضرة عن عكرمة مولى ابن عباس يوم 17 محرم 1396هـ الموافق لـ 9 يناير 1976م، وكان بلاغها في جريدة الشعب أيضا.

إن التطرق إلى موضوعي الخوارج وعكرمة مولى ابن عباس يدل على أصالة الرجل، ورسوخ قدمه، وثقته بنفسه وبأمجاده رغم وجوده في محيط من المخالفين.

إن رجالات الإصلاح في عموم التراب الوطني تفتحت أعيونهم على واقع جزائري مر؛ فالمستعمر البغيض كان جاثما على صدر كل الجزائريين؛ فرض عقيدته وتاريخه ولغته وقيمه وترك الشعب يرزح في الفقر والجهل والبدع والخرافات والتبعية سنين طوال.

فانتفض هؤلاء الشرفاء الأحرار من أبناء الجزائر، أصحاب البواعث النقية، والهمم العالية، فسعوا من أجل تغيير هذا الوضع البائس، وإعادة الأمة الإسلامية إلى سابق عهدها، من العزة والكرامة والسؤدد؛ ونصروا الدين، ونشروا لغة القرآن، وغرسوا الفضيلة، واعتزوا بأمجاد الإسلام، ودعوا إلى نبذ العصبيات والخرافات والبدع، وكان نتيجة ذلك انتفاضة الشعب، واندلاع الثورة الجزائرية، وطرد المستعمر الفرنسي ، ونيل الاستقلال، ونحن جيل الاستقلال نحصد ما زرعه الأولون، ولنزرع لأبنائنا ونواصل المسيرة فالحذر الحذر من أن تتكسر البيضة بين أيدينا.

وفي هذا السياق ذاته شارك الشيخ سليمان مع إخوانه في تأسيس جمعية الهدى لنشر الثقافة الإسلامية، وتكوين جيل متشبِّع بالأصالة والوطنية والثقافة الإسلامية النقية.

ومما يصب في هذا النهج الإصلاحي المتميز هو إنشاء مدارس ومعاهد إسلامية لتوعية النشء، وتبصيره بواجبه ودوره في الحياة.

ومما خلفه الشيخ سليمان وثيقة مكتوب عليها بخط شيخنا:( استدعاء من الدكتور بن جلول لتأسيس مدرسة عربية بقسنطية 1934هي مدرسة السلام)، وهناك دعوة إليه من مدرسة السلام لحضور حفل تقيمه بمناسبة المولد النبوي الشريف في 12 ربيع الأنور 1358هـ.

ولم ينسهم وضع الجزائر المزري إخوانهم الفلسطنيين الذي يعانون الأمرين منالاحتلال الإسرائيلي ، فشكلوا هيئة عليا لإغاثة فلسطين تقوم بجمع المساعدات والإعانات للاجئين الفلسطنيين والتخفيف من وطاة التهجير القسري عليهم، يقول المثل الجزائري: "ما يحس بالجمرة غير إلي كواتو، أوما يدري بحالوا غير كريم وحدوا".

وكان الشيخ سليمان ورفيقا دربه الشيخ إبراهيم بيوض والشيخ أبو اليقظان من أعضاء هذه الهيئة الرحيمة المباركة..وهذا يدلل على تجاوب رجالاتنا ومشايخنا مع قضايا الأمة الإسلامية، فلا تعصب عندهم، ولا تقوقع، ولا أنانية، ولا ذوبان.

وبعد الاستقلال واصل شيخنا نشاطه ضمن جمعية القيم، التي أسِّست سنة 1963م، وكانت امتدادا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

2 نشاطه العلمي والاجتماعي والاصلاحي داخل مزاب

بعد رجوع الشيخ سليمان إلى مزاب تصدى مع إخوانه أصحاب الغيرة في الدين إلى إصلاح الأوضاع الاجتماعية في مزاب عامة، وفي مسقط رأسه العطف خاصه، وكان العضد الأيمن للشيخ إبراهيم بيوض رائد الحركة الإصلاحية بالجنوب الجزائري.

ومن مظاهر هذا الإصلاح السعي من أجل تأسيس مدارس وجمعيات تذود عن الدين، وتحمي لغة القرآن، وتنشر الفضيلة، وتنير درب النشء، وتنهض بالمجتمع نحو الرقي مع الثبات على الأصالة.

فشارك مع الشيخ عبد الرحمن بكلي وغيره في تأسيس جمعية ومدرسة النهضة بتاجنينت (العطف) سنة 1945م، وتعتبر هذه المدرسة أول مدرسة نظامية إصلاحية في وادي ميزاب، وكان رئيسا لجمعية النهضة إلى ما بعد الاستقلال.

أصبح عضوا في حلقة عزابة مسجدي العتيق ومسجد أبي سالم، وهي الهيئة الدينية العليا في العطف إلى انتحب رئيسا لهذه الحلقة أظن أن ذلك كان منذ 1982م وكان خلفا للشيخ يوسف حمو علي أحد تلامذة القطب -رحمه الله عليهم-.

مع اندلاع الثورة الجزائرية المجيدة قام شيخنا بواجبه الديني والوطني فجاهد في الله حق جهاده، شارك إبان الثورة التحريرية بخطب نارية، وكان الخطيب المفوه الذي يلهب الحماسة في النفوس، ويوقد المشاعر الوطنية، ويذكي لهيب الثورة في الجوانح.

الشيخ سليمان مع العقيد شعباني في منطة الشارف ولاية الجلفة في 19 مارس عيد النصر

شارك شيخنا في خلية ثورية مزابية تعنى بإيواء الجنود، وجمع الأسلحة والمؤن والأموال لفائدة الثورة، قبض عليه، وأودع السجن سنتي 1956م و1957م، وبعد خروجه منه واصل عمله الثوري في الولاية الرابعة تحت قيادة الشهيد أمحمد بوقرة، وتحت إمرة أحمد فخار، إلى أن ألقي عليه القبض مرَّة أخرى يوم 16 ديسمبر 1958م.

بعد خروجه من السجن تابع كفاحه، وتفانى في حب وطنه والجهاد في سبيل الله إلي جانب إخوانه في الولاية السادسة، وكانت له اتصالات مكثفة بالمجاهدين في مختلف مناطق الوطن، إلى أن اعتقل سنة 1960م. وقبل الاستقلال، وفي سنة 1961م، عينه العقيد محمد شعباني -قائد الولاية السادسة- مستشارا سياسيا له، وكلفه بمهام الولاية.

كانت فرنسا تتتبع تنقل كل من يعارض سياستها لاسيما أثناء سنواتها الحالكة في الجزائر، وفي غمرة الحرب العالمية الثانية، ويكون الأمر أخطر إذا كان هذا التنقل لغرض اجتماع رجلين يحملان أفكارا ومشاريع إصلاحية، ويحظيان بنفوذ شعبي واسع مثل الشيخ إبراهيم بيوض والشيخ سليمان.

ذات يوم سافر الشيخ سليمان إلى القرارة المجاهدة للقاء الشيخ بيوض، أرسلت السلطات الفرنسية قوة تترصده وتقتفي أثره، ولما اطمأنت أنه إلى جانب الأسد الثاني ألقت القبض عليهما جميعا، وأحضرتهما أمام حاكم الملحقة بغرداية، فأصدر هذا الأخير أمرا بوضع الشيخ إبراهيم بيوض تحت الإقامة الجبرية ثلاث سنوات في القرارة ، ونفي الشيخ بن يوسف سليمان إلى قسنطينة للمدة نفسها. (وفرنسا ممن يفرق بين المرء وزوجه!!).

كان المزابيون في الشمال الجزائري من أخلص الناس مساندة لثورة التحرير، وكانت محلاتهم مستودعات للمؤن والذخيرة والوثائق والمنشورات السرية لجبهة التحرير. وكان من مناصري الشيخ سليمان في الميدان الجهادي إسماعيل بن محمد اسماوي، الذي كان محله في عاصمة الجزائر مركزا للتنسيق والتنفيذ، ومعالجة الجنود، وقد قدم خدمة جليلة للعديد من قواد الثورة منهم العربي بن مهيدي، وسي الحواس، ومحمود البولنجي، ألقي عليه القبض، وأودع سجن بني مسوس بالعاصمة وعذب عذابا شديدا، وفجر محله بالقنابل، وتعرض للنهب والتحريق.

يتمتع الشيخ سليمان بحس وطني فريد في بابه؛ فقد كان من المناضلين في قضية توحيد التراب الوطني، والمساهمين في إجهاض مشروع فرنسا لفصل الصحراء عن الشمال الجزائري، وكانت له مراسلات مع السيد بن يوسف بن خدة رئيس الدولة الجزائرية المؤقتة حول هذا المخطط الاستعماري الرهيب.

لقد حاولت فرنسا حين علمت أن الجزائر مستقلة لا محالة أن تمكر بالجزائريين بفصل الصحراء عن الشمال لما فيها من خيرات أهمها البترول والغاز الطبيعي، وقد حاولت أن تستميل قلب الشيخ إبراهيم بيوض إلى هذا المكر الرهيب لعلمها بمنزلته العظيمة، ولتيقنها بالدور البارز الذي يقوم به مع من معه من المناضلين ولكن الشيخ إبراهيم بيوض ومن معه رفضوا هذه المحاولات، وأفشلوا هذه المخططات. وما كان لهم أن يتلجلجوا، أو يترددوا في قول كلمة لا قوية صارخة في وجه الاستعمار الفرنسي إيمانا منهم بأن الصحراء أرض جزائرية، لا أرض فرنسية.

وللشيخ سليمان في مدينة العطف المحروسة جمّ غفير من الناس الذين آووه ونصروه، وتحملوا معه أعباء الدعوة إلى الله على المنابر وفي المجامع والمحافل، وشاركوه آماله وآلامه، وواكبوا معه جهده الإصلاحي، وجهاده ضد الاستعمار الفرنسي منهم الشيخ الحاج أيوب إبراهيم بن يحي القارادي، والشيخ سعيد محمد بن إبراهيم كعباش، وقد التحق الشيخ قارادي معه بجمعية القيم الإسلامية بنادي الترقِّي، في الجزائر العاصمة.

3 نشاطه الفكري والادبي

لقد أسهم الشيخ إسهاما كبيرا في المجال الفكري والأدبي وإليكم جانبا مما قام في إيجاز:

1- اهتم اهتماما بينا بإبراز آثار الحضارة الإسلامية العربية في الجزائر.

2- كلَّفه الرئيس الجزائري هواري بومدين بمهمَّة التنقيب عن المخطوطات الجزائرية خارج الوطن، فقام بما كلف به أحسن قيام، فخلص في بحثه إلى ثروة هائلة من المخطوطات الجزائرية، عين محتواها ومؤلفيها، والمكتبات الأوروبية التي توجد فيها، وقُدّم بحثه للرئاسة الجزائرية في ذلك الوقت.

3- كان ينشط باستمرار ووفاء في ملتقيات الفكر الإسلاميِّ، بمحاضرات وتدخلات؛ حيث كان يلقَّب: بــ(شيخ الشباب، وشاب الشيوخ).

4- له اتصالات وثيقة بعلماء المشرق، من أمثال: الشيخ أحمد بن حمد بن سليمان الخليلي و الشيخ مبارك الميلي ،والشيخ الرفاعي ،والدكتورعبد الله بن عمر نصيف ،والشيخ محمد سعيد رمضان البوطي ،والشاعرعمر بهاء الدين الأميري، والمؤرخ عثمان الكعاك، و المؤرخ إحسان عباس.

وله اتصالات وثيقة بعلماء المغرب العربي من أمثال: الدكتور عمرو خليفة ،والشيخ علي يحيى معمر، والشيخ الكتاني ،والشيخ محمد البشير الإبراهيمي ،والشيخ أحمد توفيق المدني ،والشيخ الشباني، والشيخ صالح بابكر والشيخ مبارك الميلي وغيرهم.

5- كان يحضر ندوات الرابطة الإسلامية في مكة.

6- أسهم بفعالية ونشاط في مؤتمرات وملتقيات وندوات دولية، وحاضر في مؤتمر جمعية المسلمين في صقلية، و مدريد، ولندن وفي مؤتمر تاريخ جربة بتونس

7- حصل عام 2003م من الرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة على جائزة فخرية لإسهامه الفعال في نشر العلم، والتشجيع على حفظ القرآن، بمناسبة يوم القرآن.

8- كرمته العطفاء أيما تكريم، ولعل أقلها أن سمت إحدى إكمالياتها التعلمية باسمه.

4 ملامح من مناقبه وصفاته

إن ما يميزالشيخ عدة امور ندكر منها:

- كان يتصف بالحلم والتواضع والوفاء والإخلاص والصبر والجلد والجدية والشجاعة في خوضه معترك الحياة ونوائب، وكان ممن يألف ويؤلف، وما ذكر سابقا يدل على جانب من ذلك.

- كان عطوفاً على الشباب؛ يستمع إليهم، ويناقشهم، ويمنحهم الوعظ والتوجيه بالرفق واللين والإقناع، مع خفة روح، وتفتح في الفكر، وحق له أن يلقب: بــشيخ الشباب، وشاب الشيوخ.

- كان غيورا على دينه ولغته العربية، حريصا على حضور كل ملتقى يعنى بشؤون الإسلام وتاريخه.

- كان محبا ومشجعا لحفظة كتاب الله وعمار بيوت الله، حيث كان يكرمهم بجوائز مادية، وقد حظيت بتكريمه عندما ختمت كتاب الله.

5 مؤلفاته

ترك الشيخ آثارا عديدة بين مؤلف وبحث ومحاضرة منها:

- 1- كتاب (ثورة أبي يزيد، جهاد لإعلاء كلمة الله) مطبوع 1980م.

- 2- كتاب (الخوارج هم أنصار الإمام علي رضي الله عنه) الجزء الأول مطبوع 1983م.

- 3- كتاب (مساهمة علماء الإباضية في علم التفسير والحديث والفقه والبيان) وهو الجزء الثاني من كتاب (الخوارج هم أنصار الإمام علي رضي الله عنه) مطبوع 1992م.

- 4- كتاب (حلقات من تاريخ المغرب الإسلامي) مطبوع 1992م.

- 5- محاضرات ومداخلات في العديد من ملتقيات الفكر الإسلامي، نشرت ضمن مطبوعات وزارة الشؤون الدينية.

-6- ورث عن أجداده خزانات كتب ومخطوطات، ومكتبة زاخرة حبسها لطلبة العلم بدار عشيرة آل حريز بتاجنينت، لكنها تعرضت لحريق مهول، أتى على كثير من الوثائق المهمة فيها،

6 وفاته

بعد عمر مبارك دام قرابة تسعين عاماً في خدمة أمته انتقل إلى جوار ربه في مسقط رأسه العطف يوم 26 ذو القعدة 1412هـ الموافق لـ 28 مايو 1992م،


موسوعات ذات صلة :