الصاروخ النووي هو سلاح يستمد قدرته التدميرية من تحويل المادة إلى طاقة. وكل الأسلحة النووية أدوات تفجير. وتشمل الصواريخ، والقنابل، وقذائف المدفعية، والألغام والطوربيدات. والأسلحة النووية أكثر تدميرًا من أي سلاح تقليدي (غير نووي) بمراحل. تتكون الأسلحة النووية من أسلحة انشطار، تدعى أيضًا الاسلحة ذرية، وأسلحة حرارية نووية، وتعرف أيضًا بالأسلحة الهيدروجينية أو أسلحة الالتحام. وفي أسلحة الانشطار يتم تحويل المادة إلى طاقة عندما تنفلق نويات (لب) أنواع معينة من ذرات اليورانيوم والبلوتونيوم. وفي الأسلحة الحرارية النووية، يتم تحويل المادة إلى طاقة عندما تتحد أزواج من أنواع معينة من نويات الهيدروجين لتشكل نواة واحدة. وبصورة عامة، فإن الأسلحة الحرارية النووية أكثر قوة من أسلحة الانشطار بكثير. والغالبية العظمى من الأسلحة النووية اليوم أجهزة حرارية نووية.
اول استعمال نووي
كانت بداية الأسلحة النووية قنبلتين انشطاريتين استخدمتهما الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945م)، حيث تم إلقاؤهما على المدينتين اليابانيتين هيروشيما وناجازاكي. وأصبح الدمار الفظيع الذي سببته هاتان القنبلتان عاملاً رئيسيًا في قرار اليابان بالاستسلام للولايات المتحدة وحلفائها، وأنهى استسلام اليابان الحرب. وسببت قنبلة هيروشيما دمارًا كبيرًا، حيث قتلت عددًا يتراوح بين 70,000 و100,000 شخص، ودمرت حوالي 13كم² من المدينة. ولقد كان يلزم حوالي12,000 طن متري من ثلاثي نيترو التولوين (تي.إن. تي.) لإحداث القدر نفسه من الدمار. وأغلب الأسلحة النووية الحالية أقوى بحوالي 8 إلى 40 مرة من قنبلة هيروشيما. القنبلتان اللتان تم تفجيرهما على هيروشيما وناجازاكي هما القنبلتان النوويتان الوحيدتان اللتان جرى استخدامهما حتى الآن.ولكن القنابل النووية سيطرت منذ الحرب العالمية الثانية على التخطيط العسكري لدول العالم الأكثر قوة. وقد استحوذت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (سابقًا) على معظم أسلحة العالم النووية حتى عام 1991م. غير أن بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل (بمساعدة مباشرة من الولايات المتحدة) والصين تمتلك أيضًا أسلحة نووية. وفي عام 1998م انضمت الهند وباكستان إلى قائمة الدول الممتلكة للسلاح النووي. وهناك دول أخرى تسعى لامتلاك ذلك السلاح. قادت القدرة التفجيرية الهائلة للأسلحة النووية إلى الاختلاف حول ما إذا كان بإمكان أي دولة حيازتها. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يعتقد معظم الخبراء أن خطر الحرب قد ساعد على حفظ السلام بين دول العالم الكبرى. لكن كل الخبراء يتفقون على أن الاستخدام المكثف للأسلحة النووية الضخمة في أي حرب، سوف يسبب دماراً واسعًا للعديد من الدول. وقد سعت الدول طويلاً وراء سبل السيطرة على الأسلحة النووية، وتقليل خطر نشوب حرب نووية. وأعطت الإصلاحات التي بدأت في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي (سابقًا) في أواخر ثمانينيات القرن العشرين الأمل في جعل هذه الأهداف ممكنة التحقيق.
البدايات
اكتسب العلماء فهم التركيب الأساسي للذرة منذ أوائل القرن العشرين. وفي عام 1938م، اكتشف الباحثون أن فَلْقَ نواة اليورانيوم يسبب إطلاق طاقة كبيرة. بالنسبة للتاريخ المبكر لأبحاث الذرّة .
الحرب العالمية الثانية
بحلول أوائل عام 1939م أصبح الفيزيائيون الأمريكيون على دراية بالتطبيقات العسكرية الكامنة للطاقة النووية. وأصبحوا متوجسين خيفة بصفة خاصة من إمكان قيام ألمانيا النازية بتطوير سلاح نووي. وفي أغسطس 1939م، ساعد العالم الألماني المولد ألبرت أينشتاين في تنبيه رئيس الولايات المتحدة فرانكلين روزفلت إلى التطبيقات العسكرية الكامنة في الانشطار الذري. وبدأت الحرب العالمية الثانية في 3 سبتمبر 1939م، ثم دخلت الولايات المتحدة الحرب في ديسمبر 1941م. وفي عام 1942م أنشأت حكومة الولايات المتحدة مشروع مانهاتن لتصميم قنبلة انشطارية وصنعها. وفي 16 يوليو 1945م قام علماء مشروع مانهاتن، بقيادة الفيزيائي الأمريكي ج. روبرت أوبنهايمر، بتفجير أول أداة نووية تجريبية. وكانت الأداة، التي تم تفجيرها بموقع تجارب ترينتي بالقرب من آلاموجوردو، في نيومكسيكو، أداة انشطارية من نمط الانفجار الداخلي تزن 22 كيلو طنًا. وأقنعت التجربة الناجحة قادة الولايات المتحدة بأنه يمكن صنع الأسلحة الانشطارية. وكان أول سلاح نووي استخدمته الولايات المتحدة ضد اليابان قنبلة انشطارية من نمط المدفع، لها ناتج يبلغ حوالي 13 كيلو طنًا. وتم إلقاء القنبلة من طائرة بي ـ 29 على مدينة هيروشيما في 6 أغسطس 1945م. وبعدها بثلاثة أيام ألقت طائرة بي ـ 29 أخرى قنبلة انشطارية-22 كيلو طنًا من نمط الانفجار الداخلي على ناجازاكي. ودمرت هاتان القنبلتان إلى حد كبير كلتا المدينتين، لكن أعداد القتلى اختلفت كثيرًا. فقد قتلت القنبلة الصغيرة ما يتراوح بين 70,000 و 100,000 شخص في هيروشيما التي تتميز بتضاريس مسطحة. أما القنبلة الأكبر فقد قتلت حوالي 40,000 في ناجازاكي، والتي تتميز بتضاريس جبلية. ومات أشخاص آخرون، في كلتا المدينتين من الإصابات والإشعاع. وفي 14 أغسطس 1945م، وافقت اليابان على الاستسلام، منهية الحرب العالمية الثانية.
الحرب الباردة
بحلول أواخر أربعينيات القرن العشرين، قاد التوتر بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة إلى صراع مرير يعرف بالحرب الباردة. وتم خلالها تطوير العديد من الأسلحة النووية. وفي عام 1949م قام الاتحاد السوفييتي بتجربة نبيطة انشطارية في وسط التوتر المتنامي. وفي عام 1952م، خلال الحرب الكورية، فجرت الولايات المتحدة أداة حرارية نووية تجريبية. ثم قام الاتحاد السوفييتي بتفجير أول أداة من فئة الأسلحة الحرارية النووية عام 1955م. وخلال منتصف خمسينيات القرن العشرين بنى الاتحاد السوفييتي أول غواصات مزودة بالصواريخ النووية. وفي عام 1957م قام بتجربة أول قذيفة بالستية عابرة للقارات من قواعد أرضية. أما أول قذائف أمريكية عابرة للقارات من قواعد أرضية، فقد أصبحت جاهزة للعمل عام 1959م. كذلك قامت الولايات المتحدة بتدشين أول قذائفها البالستية المنطلقة من الغواصات عام 1959م. كما حصلت الولايات المتحدة، ثم الاتحاد السوفييتي على المركبات المتعددة القابلة للتوجيه المستقل في سبعينيات القرن العشرين. وخلال الحرب الباردة تعاظمت احتجاجات مواطني بعض الدول الغربية ضد سباق الأسلحة النووية. وطالب العديد من المحتجين بالتجميد النووي ـ أي الحد من ترسانات الأسلحة عند مستوياتها القائمة حينذاك ـ ووقف أي مزيد من التجارب والتطوير والنشر للأسلحة النووية. وفي منتصف ثمانينيات القرن العشرين أضعف التقدم في محادثات ستارت تلك الاحتجاجات. التطورات الأخيرة. في أعقاب التحسن في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، تحول القلق في أوروبا من التوجس خيفة من هجوم تقليدي شامل إلى ضمان الاستقرار السياسي ـ وبالتالي العسكري. ويتوقع المحللون العسكريون تقليل حجم الترسانات العسكرية النووية. لكن يتوقع معظم المتخصصين أن تظل الأسلحة النووية تساعد في منع التوترات السياسية ـ في أوروبا وسواها ـ من التطور إلى حرب رئيسية.
الانتشار النووي
أدى انتشار الأسلحة النووية إلى تسعير حمى سباق التسلح، وشكّل مضامين خطيرة على جوهر السلام، خصوصًا مع إمكان وقوع قنبلة نووية بأيدي مجموعة عدوانية أو إرهابية. وبدعوى الحد من تزايد السعي للحصول على الأسلحة النووية، فقد تـمّ التوقيـع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ومنعه (NPT= NON - Proliferation Treaty)، وذلك في الأول من تموز/يوليو 1968، والتي دخلت حيّز التنفيذ في 5 آذار/مارس 1970. وقد أوجدت هذه المعاهدة منظومة من التدابير للمراقبة والحماية. فالوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA - International Atomic Energy Agency) تضطلع بمسؤولية التحقُّق من أن المواقع النووية التي تراقبها لا تستعمل لأغراض عسكرية، وذلك من خلال تقرير الحكومات المعنية والموقعة على المعاهدة، كذلك من خلال التفتيش العملي في المواقع النووية المحدَّدة. وقد التزمت دول المعاهدة تسهيل عمل الوكالة للوصول إلى أي مركز أو منشأة نووية، أو ذات صلة، للكشف عليه، والتأكد من حسن تطبيق التدابير الضرورية للحماية. جاءت معاهدة عدم الانتشار نتيجة عشر سنوات من المفاوضات في نطاق الأمم المتحدة، وقد تضمَّنت تعهدًا من الدول النووية الأطراف فيها، بالامتناع عن نقل الأسلحة النووية، أو غيرها من المواد النووية إلى أي طرف آخر، أو مساعدته لإنتاجها، أو الحصول عليها، كذلك تمتنع الدول غير النووية عن الحصول على مساعدات تمكِّنها من ذلك. ولكنها لم تعارض استخدام الذرّة لأغراض التنمية السلمية وإنتاج الطاقة. لم يتجاوز عدد الدول الأعضاء التي تمتلك السلاح النووي رسميًا الخمس طوال فترة ما بين 1968 و1991، مع الإشارة إلى تجربة الهند العام 1974، وجنوب أفريقيا وإسرائيل. كما أن بعض الدول تخلَّى عن برامجه النووية كالأرجنتين والبرازيل، وجنوب أفريقيا في ما بعد قبيل تسليم السلطة للمواطنين الأفارقة الأصليين فيها العام 1993، وذلك نتيجة الأكلاف الباهظة لهذه البرامج التي أرهقـت ميزانيـات هذه الدول، أو تأثير الضغط الذي مارسته الدول الكبرى النووية عليها، لاعتبارات أمنية، أو سياسية، خصوصـًا الولايات المتحـدة الأميركيـة.
أميركا اللاتينية والمحيط الهادئ
العام 1967 وقَّعت أربع عشرة دولة أميركية لاتينية، في مكسيكو عاصمة المكسيك، معاهدة تلاتلولكو التي تحرِّم الأسلحة النووية في أميركا اللاتينية، وقد دخلت حيِّز التنفيذ في 25 كانون الثاني/يناير العام 1969. وبحلول العام 1980 إنضم إليها ثماني دول أخرى، وقد فرضت على الدول المتعاقدة أن تمنع وتتجنَّب استقبال أو تخزين أو إنشاء، أو نشر أو امتلاك أي سلاح نووي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا ما منع تجارة هذه الأسلحة أو مرورها من خلال المنطقة، ما اضطر الولايات المتحدة وزميلاتها الأربع النووية إلى توقيع بروتوكول إضافي للمعاهدة المذكورة تعهَّدت فيه هذه الدول باحترام الدول غير النووية. والعام 1985 وقّع 11 عضوًا من مجموعة دول جنوب المحيط الهادئ معاهدة "راروتونغا Rarotonga" (وهي إحدى جزر كوك في المحيط الهادئ) التي أوجدت منطقة خالية من الأسلحة النووية، ودخلت حيِّز التنفيذ في 11 كانون الأول/ديسمبر العام 1986.
الشرق الأوسط
تُعتبر إسرائيل رسميًا الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط حاليًا، وقد قطع برنامجها النووي مراحل متقدِّمة وأنتج عشرات الرؤوس النووية وربما المئات. وهي تعتمد سياسة «الغموض الإيجابي» حول ملكيتها السلاح النووي، وعدده، ولم تنضم إلى معاهدة عدم الانتشار حتى اليوم، على الرغم من ضغوطات المجموعة العربية، والأمم المتحدة، حتى أن مشاريع جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل باءت بالفشل، وذلك لرفضها إخضاع مفاعلاتها النووية لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أن الولايات المتحدة لا تبذل جهدًا للضغط على الكيان الصهيوني لقبول ذلك، في حين أقدم هذا على ضرب مفاعل «أوزيراك» في العراق العام 1981. ثم قامت الولايات المتحدة بضرب العراق واحتلاله وإسقاط نظامه تحت شعار إخفائه أسلحة دمار شامل، أو عدم السماح بالتفتيش عليها، العام 2003. وإذا اعتبرنا أن إيران تنتمي إلى دول الشرق الأوسط فإنها تقوم اليوم بتطوير برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم، ما استدعى ردة فعل دولية وإقليمية كبرى أوصلت الملف النووي إلى مجلس الأمن الدولي، وفرض عقوبات اقتصادية عليها. كما أن الولايات المتحدة تهدِّد بضرب مفاعلاتها النووية ومراكز البحوث التابعة لها. وعلى الرغم من أن إيران سمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش مراكزها النووية، وأعلنت أنها تقوم بتطوير برنامجها لأهداف سلمية، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي لم تقتنع بذلك واعتبرت أنها تقوم بتطوير برنامجها النووي لأهداف عسكرية وإنتاج الأسلحة النووية. ولم تفلح المفاوضات حتى الآن في حل هذه المشكلة التي تعكس ازدواجية المعايير في النظر إلى بعض الدول، من منظور الدول الكبرى وخصوصًا الولايات المتحدة، والتي قد تؤدي إلى صراع دموي خطير يطال المنطقة والعالم ويهدد السلام العالمي.
الشرق الأقصى
أعلنت اليابان في آب/أغسطس 1993 أنها تدرس إمكان إنتاج أسلحة نووية بسبب خوفها من نشوء قوة نووية كورية موحَّدة مستقبلاً تهدد مصالحها في آسيا، بالإضافة إلى خوفها من قدرات الصين الملفتة والصاعدة. أصبحت الهند وباكستان دولتين نوويتين بعد إجراء تجاربهما النووية رسميًا في أيار/مايو 1998، ورفضتا التوقيع على معاهدة عدم الانتشار في غياب نص يفرض نزعًا شاملاً للسلاح النووي. تعتبر كوريا الشمالية دولة نووية، وهي دولة «مارقة» بعرف الولايات المتحدة كونها لا تلتزم معاهدة عدم الانتشار وتنتهك مضمونها، وينظر إليها الغرب كإحدى دول «محور الشر»، في دعمها لدول وجماعات تعارض سياسات الولايات المتحدة في العالم اليوم. وقد جرت محاولات متعدِّدة معها لاستبدال برنامجها النووي بمساعدات مالية وتزويدها الطاقة التي تحتاج اليها.
المناطق الخالية من الأسلحة النووية
يرتبط عدم نشر نوع من الأسلحة النووية في مكان معيَّن بمفهوم «نزع السلاح» أو "التجريد العسكري Demilitarization"، والتجريد الكامل ينتج عن التحريم التام لنشر أي سلاح نووي في إقليم ما، وهكذا وجدت مناطق خالية من السلاح في جزر آلاند في بحر البلطيق، والانتاركتيكا، وأرخبيل سبيتزبرجن قرب النروج. وحتى اليوم فقد أعلن الفضاء الخارجي منطقة خالية من السلاح النووي كما نصت معاهدة 1967 حول المبادئ التي تحكم نشاطات الدول في اكتشاف الفضاء الخارجي واستخدامه ومن ضمنها القمر، وغيره من الأجرام السماوية، والتي دخلت حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/أكتوبر 1967 وقد تضمَّنت فقرة تمنع نشر أي سلاح دمار شامل هناك. كما أن معاهدة 1971 حول منع تركيز أسلحة الدمار الشامل في قاع البحار وقعر المحيط، وفي باطن الأرض، دخلت حيِّز التنفيذ في 18 أيار/مايو 1972. كذلك نوقش موضوع اعتبار أفريقيا منطقة لا نووية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وأعلن بالقرار 1652 في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1961. كما وضعت مسودات مشاريع عديدة لخلق مناطق خالية من الأسلحة النووية في أماكن مختلفة من العالم كشمال أوروبا ووسطها، البلقان، البلطيق، البحر المتوسط، المحيط الهادئ والشرق الأوسط.
سياسة الانتشار أو الاحتكار
أثبتت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي السابق خلال النصف الثاني من القرن العشرين أن السلاح النووي يشكل رادعًا معقولاً لكلا الطرفين عن الانخراط في حرب نووية، وسقفًا لا يمكن تجاوزه في صراعاتهما حول العالم دفاعًا عن مصالحهما، ذلك أنه وكما قال الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن «إن حربًا نووية لا يمكن ربحها، ويجب عدم خوضها». كذلك فقد خيضت كل الحروب بعد الحرب العالمية الثانية، بأسلحة تقليدية، وتحوَّل السلاح النووي إلى اصطلاح سياسي يؤثِّر في نسج العلاقات الدولية وإضفاء قوة معنوية رادعة للدول التي تمتلكه، ويعزِّز مكانتها الإقليمية والدولية، ويحمي مصالحها وأهدافها الجيوستراتيجية. من هنا سعت الدول الكبرى التي ربحت الحرب العالمية الثانية (دول النادي النووي الخمس)، إلى منع انتشار هذا السلاح من خلال معاهدة عدم الانتشار (NPT)، والوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) وذلك عبر تدابير الوقاية والحماية ومراقبة البرامج النووية للدول التي تسعى إلى استخدام الطاقة النووية لأهداف سلمية، وبشكل صارم.
إلا أن بعض الدول خرق معاهدة عدم الانتشار، وتمكَّن من حيازة أسلحة نووية، كالهند والباكستان وكوريا الشمالية، وإسرائيل، وخضعت ردة الفعل الدولية على ذلك لاعتبارات سياسية تتعلَّق بمصالح الدول الكبرى، فغضّت الطرف عن بعضها، ووقفت بوجه بعضها الآخر، ما أكَّد وجهة النظر المزدوجة للدول الكبرى ومجلس الأمن حيال هذه القضايا، وبالتالي أظهر عدم موضوعية تطبيق المعاهدة بمنع الانتشار، وهذا ما حفّز إيران على تطوير برنامجها النووي لأهداف سلمية كما تقول. إلا أن سياسة الولايات المتحدة واستراتيجيتها حيال الانتشار النووي في العالم بشكل عام، والشرق الأوسط بشكل خاص، تقوم على ردة الفعل تجاه النوايا عند بعض الدول، خصوصًا تلك التي تعارض سياستها العالمية واستراتيجيتها للحفاظ على أمنها القومي. وإيران اليوم تعتبر «عدوة» لمصالح الولايات المتحدة، ونوويةً ستهدِّد مصالح الأمن الإستراتيجي المتمثِّل في الشرق الأوسط بما يعنيه هذا الاصطلاح ويحتويه من موارد الطاقة، ووجود إسرائيل كحليف إستراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه، كذلك وجود دول صديقة وحليفة على طول الخليج العربي وعرضه، وصولاً إلى بحر قزوين ودول آسيا الوسطى وأفغانستان، والعراق حيث الوجود الأميركي العملي المتمثِّل بقواتها البرية، وقواعدها في تركيا والمحيط الهندي وباكستان والجزيرة العربية وغيرها. إن سعي الولايات المتحدة اليوم لإجبار إيران على وقف برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم ومنعها من حيازة سلاح نووي، من خلال دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، أو مجلس الأمن، والتهديد باستخدام القوة أو العقوبات ضدها في حال عدم إذعانها «للإرادة الدولية»، أدى إلى ردة فعل إيرانية تهدِّد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة كلها، ومن ثم ضرب مصالحها عبر العالم، ما يؤشر إلى أن استخدام القوة العسكرية ضد إيران سيؤدي حتمًا إلى تهديد السلام في منطقة الشرق الأوسط بكاملها، وربما في مختلف أنحاء العالم، حيث تنتشر مصالح للولايات المتحدة بأشكالها المختلفة.
سباق التسلح النووي Nuclear Arms Race
كانت الولايات المتحدة الأميركية الدولة الأولى في العالم التي افتتحت العصر النووي مع نهاية الحرب العالمية الثانية حين قامت بأول تفجير نووي في صحراء «نيومكسيكو» في 16 تموز/يوليو 1945، وأتبعته بإلقاء قنبلتين ذريتين على اليابان، في 6 و9 آب/أغسطس من العام نفسه، نتج عن فظاعة تدميرهما استسلام اليابان، وعن ترجيع صداها دوي هزّ دول العالم في سياساتها واستراتيجياتها، وهذا ما دفع الدول الكبرى إلى خوض سباق هائل للحصول على السلاح النووي. على خلفية الصراع الإيديولوجي بين الشرق والغرب وتصاعده، تسارعت وتيرة هذا السباق في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وحلفائها، والاتحاد السوفياتي السابق وحلفائه. لقد حوَّلت الأسلحة النووية صراع الشرق والغرب إلى صراع يمسّ كل فرد في العالم المعاصر، وعاشت البشرية مأزقًا وجوديًا لأنها ستكون أولى ضحايا أي حرب تندلع. كما أدى سباق التسلح النووي إلى أزمة مستمرة في حياة دول الشرق والغرب، فالدول النووية وقعت أسيرة منطق هذا السباق الذي طوّر قوانينه الخاصة بمعزل عن إرادة الدول نفسها، والتي أضحت تدور في حلقة مفرغة، فكلما تم تطوير أسلحة جديدة وتضاعف عددها وحجمها إزداد شعور الدول النووية بعدم الأمان. وهذا الشعور المتزايد بالإحساس بالخطر كان بدوره ينمِّي سباق التسلح ويزيد من حاجة الدول إلى طلب المزيد من الأسلحة النووية الجديدة. وهكذا تحوَّل سباق التسلح إلى عنوان للعلاقات الدولية، ومؤشر لنمط سلوك الدول وتعاملها في ما بينها. وأصبح التسلح قرارًا لتأكيد حاجة، وتلبية لوظيفة، أو استجابة لتحدٍ، ولم يعد اصطلاحًا عسكريًا يعني تكديسًا لطائرات ومدافع ودبابات وأسلحة دمار شامل فحسب، بل تحوَّل إلى سياسة واستراتيجيا، وصار يحمل مضامين أمنية، ونمطًا للعلاقات، تسعى الدول وخصوصًا الكبرى منها لفرض سلطتها وهيبتها من خلال تحقيق سبق فيه مهما كلف الثمن.
في هذا الجو الواقع على حافة التفجر، واندلاع الحرب، قدَّمت الدول الكثير من إمكاناتها، وبدَّدت الكثير من ثرواتها القومية في سبيل التسلح، وانخرطت في سباق محموم للتسلح سعيًا وراء «هدف سام» هو تحقيق أمنها. وبذلك تحوَّل السباق إلى وحش يلتهم ما يجده أمامه من وفورات وإنجازات اقتصادية، وتقدم صناعي، وعلى حساب تنمية مجتمعات هذه الدول ورخاء شعوبها. كما أدَّت حمى هذا السباق والتنافس على تطوير الأسلحة إلى انعكاس في البنية الفكرية والعسكرية للدول نتج منها: أ - تطور الاستراتجيات العسكرية للدول.
ب - تأثر السياسات العامة للدول بالسياسات العسكرية.
ج - تأثر السياسات الخارجية والعلاقات الدولية بهذا التطور وانعكاس ذلك على التزام الأعراف والقوانين الدولية.
د - تطوُّر العقائد العسكرية للدول والكتل الدولية لتتماشى مع كل تطور تقني.
لقد دفع التنافس النووي ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، ورغبة كل منهما في إحراز قصب السباق، والتفوق في امتلاك النوع والكم الأفضل في مجال التسلح، دولاً أخرى إلى امتلاك أسلحة نووية خوفًا من تهديد كل من هاتين الدولتين غيرهما من الدول. ويرى روبرت مكنمارا (وزير دفاع أسبق للولايات المتحدة خلال ستينيات القرن الماضي) «أن تاريخ البرامج النووية في دول مثل الصين، والهند، وباكستان، وحتى فرنسا، جاء نتيجة التهديد النووي للدول غير النووية، بحيث أصبح دافعًا لها لامتلاك أسلحة نووية»
نزع السلاح Disarmament
على الرغم من أن التسلح حق سيادي يكفله القانون الدولي والعلاقات الدولية، إلاَّ أن هناك ضوابط تعارفت عليها الدول في تعاملها مع هذا الموضوع، وظهرت إلى الوجود اصطلاحات لكل منها معناها المحدَّد، فهناك اصطلاح نزع السلاح (Disarmament)، ومراقبة التسلُّح (Arms Control)، وعدم الانتشار (Non proliferation)، والحد من التسلُّح (Arms Limitation)، وغيرها. وقد شكَّل موضوع نزع السلاح مجالاً واسعًا للجهود الدولية المتفق عليها للتخفيض والإلغاء النهائي لكل أشكال الحرب، وقد صار اليوم مبدأً أساسيًا من مبادئ القانون الدولي حيث تحدِّد شرعة الأمم المتحدة الطرق الواجب إتباعها لنزع السلاح، وذلك من خلال جهازين رئيسين من أجهزة المنظمة الدولية: الجمعية العامة ومجلس الأمن، كما تضم الأمم المتحدة لجنة تعرف باسم لجنة نزع السلاح (Disarmament Commission) تتألف من أعضاء الأمم المتحدة كافة.
نزع السلاح التام
أول وسيلة قانونية دولية لإقرار نص يعتبر أن نزع السلاح الشامل والعام هو الغاية النهائية لعملية مراقبة التسلح. كان قرار الجمعية العامة الرقم 1378 تاريخ 1959/11/20 والذي أصبح في ما بعد جزءًا لا يتجزأ (Embeded) من عدد من الاتفاقات العديدة الأطراف، كإتفاقية موسكو العام 1963 التي تحرِّم التجارب النووية بوسائطها الثلاث، واتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية العام 1968. وفكرة نزع السلاح الكامل كانت واضحة منذ العام 1961 ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السـوفـياتي وذلك من خلال مفاوضات حول المبادئ المقبولة لنزع سلاح تام، وقد نصت الفقرة الثالثة على:
أ - تسريح القوات المسلحة، وتفكيك الانشاءات العسكرية وخصوصًا القواعد.
ب - القضاء على مخزون الأسلحة النووية والكيماوية والجرثومية.
ج - تدمير وسائط إيصال أسلحة الدمار الشامل.
د - إلغاء المنظمات والوكالات والمعاهد المخصَّصة لتنظيم الجهود العسكرية، والتدريب العسكري. يرى صموئيل هانتغتون: «أن نزع السلاح بشكل كامل يتطلب شكلاً من أشكال الحكومة العالمية التي تردع أمة من الاعتداء على أخرى. ففي عالم منزوع السلاح، وبدون حكومة مسلحة تسليحًا كافيًا لمنع الاعتداء بين الأمم، فإن الاختلافات العقائدية والمصالح قد تؤدي بسهولة إلى تجدُّد النزاع العالمي وخطر الحرب، ولكن أي حكومة عالمية قادرة على منع النزاع العالمي قد تتحوَّل إلى ديكتاتورية مطلقة». ربما يجانب هذا القول الحقيقة في عالم القطب الواحد الذي نعيشه اليوم( 5 ).
مراقبة التسلح (Arms Control)
حلَّت مراقبة السلاح محل نزع السلاح في مفردات الخبراء منذ ستينيات القرن العشرين، وكانت تعني هامشًا أوسع للعمل أكبر من نزع السلاح لأنها تتضمَّن خطوات تفرض التوازن، وتساعد في تجنب الحوادث. ولكن كان من الصعب فصل موضوع مراقبة السلاح عن المشاكل السياسية ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، كما أن الدولتين استعملتا الموضوع للدعاية في أغلب الأحيان وحتى نهاية الحرب الباردة. وتمَّ الحفاظ على السلم والأمن الدوليين خلال هذه الفترة عبر إقامة توازن للقوى، والردع النووي المتبادل بين القطبين، وقد تمَّ توقيع عدد من المعاهدات منها "سالت 1 و2"، ثم "ستارت 1 و2"، وغيرها من المعاهدات والاتفاقات التي كانت تهدف إلى الحد من إنتاج الأسلحة النووية ووسائطها ومراقبة نشر أي سلاح جديد من صواريخ وغواصات نووية. لقد أدت عملية مراقبة السلاح والتسلح دورًا إيجابيًا يمكن تقديره عبر أبعاد ثلاثة:
أ - الردع الثابت: وذلك بتأمين قوى كافية ومعقولة لردع الخصم عن القيام بمغامرة سياسية غير محسوبة جيدًا قد تؤدي إلى الحرب.
ب - مراقبة سلاح ثابتة: من خلال إقامة علاقات عسكرية متبادلة بين الدولتين تسمح بمراقبة البناء العسكري والموارد العسكرية لكل منهما.
ج - تثبيت الأزمات: بإيجاد شكل من أشكال القوى عند الطرفين تمنع أياً منهما وقت الأزمات من القيام بالضربة الأولى. وفي الواقع، استطاعت تدابير مراقبة الأسلحة أن تفتح الباب بين الطرفين لمحاولة بناء الثقة من خلال الاتصالات أكثر من تغيير واقع القوى العسكرية على الأرض، الذي حافظت الدولتان على توازنه، هذا الذي قال روبرت مكنمارا عنه: «إن التوازن لا يعني التساوي المطلق في الوسائل المتاحة، وإنما يعني قدرة كل جانب على الرد بتدمير الآخر بيقين مناسب»( 6 ).
البعد الحقيقي لسباق التسلح
يرى البعض أنه لو كانت العلاقات بين الدول مبنية في أساسها على الثقة الكاملة في نوايا بعضها تجاه البعض الآخر، لما كان ثمة داعٍ للتسلح، ولما وجدت مشكلة نزع السلاح بالصورة التي نعرفها. إن الشك المتبادل يشكل عائقًا كبيرًا على طريق نزع السلاح النووي وغيره، وهذا يؤدي إلى المبالغة في طلب المراقبة والتفتيش( 7 ) وتعقيداتهما، ويتحوَّل إلى حلقة مفرغة، ومأزق سياسي وفني، لم تتمكَّن الدول من تجاوزه حتى الآن. كذلك فإن العوامل الفنية والسياسية ليست هي الوحيدة في إعاقة عملية نزع السلاح، ذلك أن للمؤسسات العسكرية البيروقراطية، والتوجهات السياسية والعقائدية لقادة الدول في العالم، دورًا أساسيًا في ذلك. إلا أن السبب الأهم هو تلك الشبكة المعقَّدة من المؤسسات والصناعات العسكرية المعنيَّة مباشرة بإنتاج الأسلحة المختلفة وتطويرها، والتي تتدخَّل باستمرار لإحباط أي مشروع لنزع السلاح في العالم، وهي «كارتل» ضخم من المجمعات الصناعية العسكرية تتألَّف من الدوائر العسكرية الرسمية ووزارات الدفاع، والصناعات الحربية الخاصة، والوكلاء الذين يروِّجون هذه الأسلحة، ويعقدون الصفقات المربحة بين الدول والمصانع. إن هذه المجمَّعات العسكرية الصناعية تقف ضد أي تخفيض في الأسلحة، وتحارب الأفكار التي تروِّج لنزع السلاح النووي وغيره، وهي تمتلك قدرات وإمكانات مالية ودعائية هائلة توظِّفها في تغذية التوترات الدولية، والتأثير في صناعة القرارات، ورسم السياسات الدفاعية للدول من خلال فرق تضعها في وزارات دفاع الدول الكبرى وخصوصًا الولايات المتحدة الأميركية. وإذا عرفنا أن حجم مبيعات هذه المؤسسات والمصانع السنوية يبلغ آلاف مليارات الدولارات، وأن اقتصادات عدد من الدول الكبرى يعتمد على هذه الصناعة، لأدركنا البعد الحقيقي لسباق التسلح، وطوباوية حلم نزع السلاح، وجدوى مراقبته!
وجهة نظر الولايات المتحدة حيال خطر استعمال أسلحة الدمار الشامل
تعتبر الولايات المتحدة أن أسلحة الدمار الشامل (WMD) النووية والبيولوجية والكيماوية في حوزة الدول المعادية والارهابيين تمثِّل أحد أهم تحدِّيات الأمن القومي الأميركي، وعليها أن تتابع استراتيجية شاملة لمقاومة هذا التهديد في جميع أبعاده، ذلك أن استراتيجيا فعَّآلة لمحاربة هذه الأسلحة (سواء في استعمالها أو انتشارها) هي ركن أساسي في منظومة الأمن القومي الأميركي. وكما هي الحرب على الإرهاب، فإن الاستراتيجيا الأميركية لحماية الأرض الأميركية ومفهومها الجديد للردع يختلف عن الماضي في محاربة أسلحة الدمار الشامل. ولضمان نجاح هذا المفهوم، ترى الولايات المتحدة الأميركية أن عليها:
1- أن تستفيد من تطور الإمكانات المتاحة اليوم بما فيها التكنولوجيا الحديثة.
2- تطوير وسائل الاستعلام والتحليل.
3- تقوية وتعزيز علاقات التحالف مع الدول وإقامة شراكة جديدة مع أخصامها السابقين. إن أسلحة الدمار الشامل، كما ترى الولايات المتحدة يمكن أن تسمح لأخصامها بإحداث أذى شامل على صعيد الولايات المتحدة، وعلى قواتها على أرض الوطن وفي الخارج، وعلى أصدقائها وحلفائها. إن بعض الدول، بما فيها تلك التي دعمت وما تزال تدعم «الإرهاب» (بالمفهوم الأميركي)، تمتلك أسلحة دمار شامل أو تسعى لامتلاك إمكانات أكبر كوسائل ضغط وتهديد لا تعتبرها أسلحة الملاذ أو الخيار الأخير، ولكنها ترى فيها أسلحة يمكن استعمالها لاخضاع تفوق الدول الأميركية في مجال الأسلحة التقليدية ولردع الولايات المتحدة عن الرد على الاعتداء على أصدقائها وحلفائها في مناطق ذات أهمية حيوية لمصالح أميركا. كما يمكن الإشارة إلى أن المجموعات الارهابية تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل بهدف قتل أكبر عدد ممكن من الناس في الولايات المتحدة والدول الصديقة والحليفة، بدون إنذار، وبدون تأنيب ضمير. كذلك ترى الولايات المتحدة في نظرتها لمحاربة مخاطر أسلحة الدمار الشامل أنها لن تسمح للأنظمة الأكثر خطرًا في العالم، وللإرهابيين بتهديد أمنها بالأسلحة «الأشمل تدميرًا»، لذا ترى أن عليها أن تأخذ المبادرة لحماية أرض الولايات المتحدة وشعبها، وحماية قواتها وأصدقائها وحلفائها من وجود التهديد المتمثل بأسلحة الدمار الاشمل وتطوره. كيف ذلك؟
أعمدة الاستراتيجية القومية الأميركية
يمكن إدراج الاستراتيجيا القومية للولايات المتحدة لمحاربة أسلحة الدمار الشامل في ثلاثة محاور رئيسة:
أ - محاربة انتشار أسلحة الدمار الشامل (Counterproliferation).
ب - تعزيز عدم الانتشار وتقويته (Strengthened Nonproliferation).
ج - إدارة وتدبير النتائج والعواقب الناتجة عن استخدام أسلحة الدمار الشامل: (Consequence Management to respond to WMD use).
محاربة انتشار أسلحة الدمار الشامل أو استخدامها
أدركت الولايات المتحدة الأميركية من التجارب أنها لن تنجح في تجنُّب واحتواء انتشار أسلحة الدمار الشامل إلى دول معادية أو منظمات إرهابية، لذلك على القوات المسلحة الأميركية والوكالات المدنية المتخصصة أن تمتلك الإمكانات العملانية اللازمة لمواجهة تهديد استخدام هذه الأسلحة سواء جاءت من دول أو منظمات عدوانية ضد الولايات المتحدة وقواتها العسكرية، أو أصدقائها وحلفائها، وذلك من خلال الوسائل الآتية:
المنع (Interdiction)
يشكِّل المنع أو «الاعتراض الفعّال» قسمًا مهمًا في استراتيجيا الولايات المتحدة لمحاربة أسلحة الدمار الشامل وتوزعها. لذلك ترى أن عليها تعزيز إمكانات قواتها المسلحة، وأجهزة مخابراتها، وتقنيات مؤسساتها الوطنية وقوانينها لاعتراض ومنع حركة ومواد وتكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل وخبرائها من الوصول إلى أيدي الدول «المعادية» لها وللمنظمات الإرهابية.
الردع (Deterrence)
تعتبر الولايات المتحدة الأميركية أن التهديدات التي تتعرَّض لها اليوم أكثر اختلافاً عن الماضي ولكنها مما يصعب التنبؤ به، فالدول المعادية (لها ولأصدقائها وحلفائها) أظهرت تصميمها الحثيث على الوصول إلى أهدافها بالحصول على أسلحة دمار شامل، وهي تتابع ذلك بشكل عدائي (كما ورد في النص). وكنتيجة لذلك فهي تحتاج إلى طرق جديدة للردع، وتشكيل سياسة معلنة وقوات مسلحة فعالة، وعناصر أساسية قوية في موقفها الردعي المعاصر، بالموازاة مع الاستخدام الأقصى للوسائل السياسية لإقناع الأخصام بعدم امتلاك أو استخدام أسلحة الدمار الشامل.كذلك ستظهر الولايات المتحدة، بما لا يدع مجالاً للشك، أنها تحتفظ بحقها في الرد، وبـ «قوة ساحقة» واستخدام خياراتها كافة في حال الاعتداء عليها أو على أصدقائها وحلفائها.
الدفاع وتخفيف النتائج (Defence and Mitigation)
تفترض الاستراتيجيا الأميركية أنه في حال فشل الردع، وبسبب النتائج المدمِّرة التي تكمن في استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد قواتها وشعبها، على هذه القوات والوكالات المتخصِّصة أن تمتلك الإمكانات الضرورية للدفاع ضد استخدام مثل هذه الأسلحة. وهذا يتطلَّب تدابير وقائية، وإمكانات تعطيل وتدمير مصادر وأصول ووسائل استخدام أسلحة الدمار الشامل العدوة وذلك قبل استخدامها أو انطلاقها. كذلك فإن انجاز تدابير الدفع الفعّال، والسلبي، والتخفيف من وقع النتائج وتنفيذ تدابير معالجة وتهدئة وقع النتائج المترتبة على استخدام هذه الأسلحة، يجب أن تحظى بأولوية تسمح للقوات المسلحة الأميركية والهيئات المتخصصة المدنية بإتمام مهماتها ومساعدة الحلفاء والأصدقاء عند الحاجة. إن الدفاع الفعّال أو «الدفاع النشط» يمكن أن يعطّل، يعيق أو يدمر أسلحة الدمار الشامل وهي في طريقها إلى أهدافها، وهذا يشمل سلاح جو قويًا وصواريخ ذات فعالية عالية للاعتراض. أما «الدفاع السلبي» فيجب أن يتركَّز على مختلف أنواع أسلحة الدمار الشامل كلّ على حدة، والولايات المتحدة قامت منذ القديم بالاهتمام بوسائل الرد على التهديد البيولوجي والكيميائي على الرغم من الفوارق بينها، وهي تسعى دائماً لتأمين وتطوير وسائل دفاعها ضد الأسلحة البيولوجية. يمكن ايجاز هذه الفقرة وخلاصتها بأن الولايات المتحدة تسعى للرد على أي عدوان يقع عليها فورًا وبالوسائل المتاحة من خلال ردعه أولاً أو تعطيله قبل انطلاقه أو خلال ذلك. كما أنها ترى وضع مخطط لما بعد النزاع وذلك بالقيام بعمليات لتدمير وتفكيك الامكانات المتبقية من هذه الأسلحة لدى الخصم، دولة كان أو شبكة ارهابية. وهي ترى أن ردها يجب ألاّ يمحو مصدر خطر هذه الأسلحة فحسب، بل يجب أن يتمتع بالقوة التي تردع الأعداء الآخرين الذين يملكون، أو هم في طريق الحصول على مثل هذه الأسلحة، عن التفكير بالقيام بعمل مماثل في المستقبل...
أهمية الدفاع الصاروخي العسكري الأميركي
المقدمات التاريخية للمشروع
يعيش عالم اليوم مشكلة تتفاعل ما بين دوله، وتتفاقم تداعياتها في أكثر من مكان، من أوروبا إلى آسيا إلى الولايات المتحدة الأميركية، وتتمثَّل برغبة الولايات المتحدة بإنشاء نظام دفاع صاروخي على أراضي القارة الأوروبية، وربما على مساحة الكرة الأرضية في ما بعد. وعندما باشرت الولايات المتحدة تنفيذ مشروعها في أوروبا اندلعت معارضة كبيرة له، بخاصة من روسيا الاتحادية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب خطورته المباشرة على روسيا، وخطورة انعكاساته وتداعيات إنشائه على دول أوروبا وآسيا وربما على بقية دول العالم . فما هو هذا المشروع العسكري؟ وما هي انعكاسات انشائه في أوروبا؟ وكيف انطلقت فكرة إقامته ومتى؟
بدايات المشروع
يعتبر البعض أن فكرة أقامة نظام دفاع صاروخي ضد الصواريخ ولدت العام 1944 خلال تساقط الصورايخ النازية "ف 1 وف 2" على مدينة لندن( 9 ). فقد أدرك البريطانيون أن الطريقة الفعالة لتدمير الصواريخ المهاجمة هي إطلاق صواريخ اعتراضية لتدميرها. وبالفعل، فقد مضى حوالى 17 عامًا ما بين ولادة هذه الفكرة والتجارب الأولى لاطلاق مثل هذه الصواريخ الاعتراضية، من قبل كل من الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد السوفياتي السابق، في العامين 1961 و1962. وقد بدا واضحًا منذ البداية سعي كل من الدولتين العظميين إلى تدمير صواريخ الدولة الأخرى. وعلى الرغم من بلوغ كل من بريطانيا وفرنسا والصين مرحلة الدولة النووية فإنها لم تؤثر على طبيعة الدفاع الصاروخي ذلك أنه، ولفترة طويلة، فإن الدولتين العظميين فقط كانتا تملكان القدرات الكافية والإمكانات المناسبة لشن هجوم نووي صاروخي، في أي مكان، إذا رغبتا في ذلك وبشكل مفاجئ. وعلى الرغم من انطلاق سباق التسلح النووي الصاروخي، والمحاولات المتعدِّدة لتطوير أنظمة الدفاع الصاروخية، خلال فترة الستينيات من القرن الماضي، ما بين هذه الدول وبخاصة الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والاتحاد السوفياتي وحلفائه من جهة أخرى، فإن بعض القادة السياسين في الولايات المتحدة رأى أن يضع حدًا لهذا السباق في تطوير هذه الأنظمة، وذلك خلال التحضير لمحادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية( 10 ) "سالت 1"، ومعاهدة الأسلحة المضادة للصواريخ البالستية "أ بي إمABM "، وذلك في نهاية فترة الستينيات من القرن العشرين. لقد كان هؤلاء يخشون أن تعطي أنظمة الدفاع الصاروخية وهمًا مزدوجًا لكلا الطرفين قد يعمي بصيرتيهما بالتفوق فيقومان باستخدام الأسلحة النووية بعضهما ضد البعض الآخر، على خلفية أنهما يملكان أنظمة دفاعية صاروخية مضادة للصواريخ فيقع الطرفان في المحظور.
مفاوضات الحد من سباق التسلح الصاروخي
لم تفلح الحجج الأميركية في وضع حد لسباق التسلُّح، بشكل مباشر أو فوري، لأن الجهود السوفياتية، في ذلك الوقت، كانت تتركَّز على سد الثغرة القائمة بينهما في مجال الأسلحة النووية الاستراتيجية. ولهذا ما يبرِّره بالنسبة إلى السوفيات إذ أن الولايات المتحدة، وبعد أن أجرى الاتحاد السوفياتي تجربته النووية الأولى العام 1949، وضعت في الأول من كانون الثاني/يناير 1950 مخطَّطًا لضربه بالأسلحة النووية حمل اسم "تروجان Trojan"، ويتضمَّن قيام حوالى 840 قاذفة استراتيجية بإلقاء ما يقارب 300 قنبلة ذرية فوق الأراضي السوفياتية، ولكن الفكرة أهملت لأن التدريب على الخطة أثبت عدم جدوى الضربة الاستباقية، ولعدم إنجاز الأهداف المحدَّدة لها بشكل فعَّال . العام 1953 تبنَّت إدارة الرئيس الأميركي إيزنهاور مبدأ "الانتقام الساحق"(massive retaliation) ، المرتكز على التفوُّق الساحق للولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي في مجالات الرؤوس النووية ووسائط إيصالها العام 1960 وضع أول مخطط متكامل لشن حرب نووية دعي "سيوب" single integrated operating plan: SIOP))، ويقوم على شن حرب شاملة على الاتحاد السوفياتي باستخدام أسلحة نووية غير محدودة. في العام التالي طوَّرت الولايات المتحدة مخططها "سيوب 2" وفيه ارتأت القيادة السياسية والعسكرية أنه من الضروري أن تمتلك الولايات المتحدة "قوى استراتيجية نووية" كافية لإنجاز مفهوم "التدمير اليقيني" (assured destruction) للاتحاد السوفياتي. ويؤمن المخطط فكرة الضربة الوقائية للمراكز الحكومية، ومقرَّات القيادة والسيطرة (قطع الرأس)، وضرب الوسائط الناقله للأسلحة النووية، الأمر الذي يمكن أن يقلِّص قوة الرد والانتقام السوفياتية إلى حدِّها الأدنى. كما أن الدمج ما بين هذه الضربة الوقائية وأنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية، يمكن أن يحمل الأمل بإنجاز نصر تام على الاتحاد السوفياتي، فتكون الأضرار من أي رد انتقامي على الأرض الأميركية في مستوياتها الدنيا.
لذلك، وفي مثل هذه الظروف والمخطَّطات الأميركية، كان الاتحاد السوفياتي ينظر إلى المفاوضات للحد من نشر الصواريخ الاستراتيجية ومبادرات الحد من أنظمة الدفاع الصاروخية بعين الحذر والشك، في الوقت الذي كان يطوِّر فيه أنظمة دفاعه الصاروخية بنجاح أكبر من الولايات المتحدة. كما أن الموقف السياسي الدولي كان مضطربًا؛ فمن تورط الولايات المتحدة في فيتنام، إلى أزمة تشيكوسلوفاكيا مع السوفيات (1968)، وهزيمة العرب حلفاء السوفيات على يد إسرائيل (1967) الخ....، كل هذا دفع الطرفين إلى إيجاد وسائل لتخفيض حدَّة التوتر في علاقاتهما. وبالفعل، فقد بدأت المفاوضات بين الدولتين العظميين في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1969 من أجل هدف واحد رئيس هو "الحد من نشر أنظمة الدفاع الصاروخية"، وانتهت العام 1972 باعلان معاهدة (ABM) التي شكَّلت حجر الزاوية في إقامة علاقات ثابتة بين الدولتين خلال ما عرف بفترة الحرب الباردة(cold war) . وفي هذه المعاهدة ولد ما عرف بنظرية "التدمير المتبادل اليقيني"MAD. وهكذا أتاح حظر نشر الأنظمة الصاروخية المتبادلة إقامة توازن استراتيجي بين الطرفين، لأنه ألغى الدوافع بينهما لزيادة إمكاناتهما الهجومية، أو للحصول على أفضلية أحادية من خلال تطوير الأنظمة الدفاعية. لقد ثبَّتت هذه المعاهدة مبدأ الاستقرار في العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، وأوجدت الظروف والشروط التي تمنع أي طرف من التفوُّق على الطرف الآخر في الحاضر كما في المستقبل . في آذار/مارس 1983 أطلق الرئيس الأميركي رونالد ريغن برنامجًا جديدًا للدفاع الصاروخي عُرِف باسم "مبادرة الدفاع الاستراتيجي “Strategic Defense Initiative (SDI)أو باسم "حرب النجوم"starswar ، يهدف إلى إعطاء دفعٍ لبرنامج الدفاع الصاروخي وتطويره بالتكنولوجيا المتقدِّمة التي تم التوصل إليها. وقد جهد الاتحاد السوفياتي، والذي كان يعاني مشاكل سياسية واقتصادية، لمواكبة التحدي الجديد بإمكانات فاقمت من أزمته الاقتصادية ما أسهم في ما بعد في انهياره . تعامل الرؤساء الأميركيون في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفياتي، من الرئيس جورج بوش الأب إلى الرئيس بل كلينتون، مع روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي بأكبر ترسانة نووية (قنابل ووسائل إطلاق)، بخفة وعدم جدية بالنسبة إلى الأنظمة الدفاعية الصاروخية والمعاهدات التي كانت تنظم العلاقة بينهما، ورفضوا تطوير هذه المعاهدات وإعطاء دور مميَّز لروسيا بما يتناسب مع إمكاناتها العسكرية النووية والصاروخية. وعلى العكس، فقد سعت الولايات المتحدة إلى الانسحاب رسميًا من معاهدة الحد من الصواريخ البالستية ما سمح لها ببدء عمليات تطوير منظومات دفاع صاروخي مضادة وانتاجها ونشرها.
المعنى العسكري لمفهوم الصاروخ والدرع وأهميته الاستراتيجية
المعنى التقني للصاروخ البالستي
عموميات
يرتكز بناء الصاروخ البالستي الحديث على تصميم الصاروخ الألماني v2 و v1الذي أُطلقت منه عدة آلاف على بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وهو يحمل رأسًا حربيًا تقليديًا تصل زنته إلى 1000 كلغ من مادة ت.ن.ت(TNT) ، وهو بهذا المعنى يعتبر مدفعية بعيدة المدى تكمن أهميتها في تأثيرها المعنوي الكبير، وبإمكانها اليوم أن تحمل رؤوسًا حربية من أنواع مختلفة كيماوية جرثومية ونووية ( أسلحة دمار شامل). يدعى الصاروخ بالستيًا (ballistic) لأنه يخضع في طيرانه وهبوطه لمبدأي الدفع والجاذبية كرمي الكرة أو الرمح في الجو، فهو يحتاج إلى قوة دافعة هي المحرك الذي يرفعه إلى الفضاء حتى يبلغ النقطة القصوى وبعدها يسقط بقوة الجاذبية الأرضية على الهدف المحدَّد له. وهو بذلك يختلف عن الصاروخ الجوّال (كروز (cruise الذي يعتبر طائرة من دون طيَّار يتم توجيهه عن بعد، أو يكون مبرمجًا مسبقًا باتجاه هدفه، ويحرق محركه الأوكسيجين الموجود في الهواء كما في الطائرات( 11 )، بينما يعمل الصاروخ البالستي بمحرك يستخدم الوقود السائل، أو الصلب، أو الاثنين معًا، وتتم عملية الاحتراق داخل جسم الصاروخ ولا يستخدم الأوكسيجين الموجود في الخارج. وتبلغ سرعة الصاروخ البالستي حوالى 25 ألف كلم/ ساعة بينما لا تتجاوز سرعة الصاروخ الجوّال 2000كلم/ ساعة( 12 )
مواصفات الصاروخ البالستي
يتخذ الصاروخ البالستي شكل أنبوب أسطواني (cylinder) ويراوح طوله ما بين 10 أمتار و30 مترًا ويتضمَّن الأقسام الآتية:
1. المحرك: يقع في أسفل الصاروخ وهو الذي يتولَّى عملية إحراق الوقود اللازم لدفع الصاروخ إلى الأعلى .
2. الوقود: ويكون إما سائلاً كالهيدوجين والأوكسيجين والكربون، أو صلبًا كالزنك والمانيزيوم، وأخلاط معدنية أخرى، يضاف إليها الأوكسيجين الصلب وبعض معدّلات الاحتراق.
3. دماغ الصاروخ: ويتضمَّن أجهزة التوجيه والقيادة.
4. الحمولة: وهي تراوح ما بين قمر صناعي مبرمج لوضعه في مدار حول الأرض، أو رأس حربي (war head ) قد يحمل متفجرات عادية، أو سلاحًا كيماويًا، أو جرثوميًا، أو نوويًا(13).
أنواع الصواريخ البالستية
يمكن تصنيف الصواريخ البالستية وفق حمولتها أو مداها كما يأتي :
1. صواريخ قصيرة المدى (SRBM) missile short range ballistic وهي التي لا يزيد مداها عن 1000 كلم .
2. الصواريخ ذات المدى المتوسط (MRBM) Medium range ballistic missile ومداها ما بين 1000 و2500 كلم.
3. صواريخ متوسطة المدى (IRBM) Intermediate range ballistic missile ومداها ما بين 2500 و5500 كلم
4. صواريخ عابرة للقارات (ICBM) Intercontinental ballistic missile . ومداها يفوق 5500 كلم.
5. صواريخ الغواصات (SLBM) Submarine launch ballistic missile وهي صواريخ عابرة للقارات أو متوسطة المدى.
كيف تعمل الصواريخ البالستية ومراحلها
إن إدراك طريقة عمل الصاروخ منذ اشتغال محركه وانطلاقه في الفضاء، والفترات الزمنية لكل مرحلة من مراحل طيرانه، يُعطي إيضاحًا وتفسيرًا ويساعد في فهم معنى أهمية منظومة الصواريخ المضادة له ودورها، كما يبيِّن أهمية الجغرافيا في إقامة المنظومات الصاروخيه الدفاعية،.ذلك أن لكل مرحلة من مراحل طيران الصاروخ ومدتها أهمية خاصة كما يأتي :
مرحلة الدفع(boost phase)
تستمر من 3 إلى 5 دقائق، ويبلغ الصاروخ في نهايتها ارتفاعًا يصل إلى أكثر من 400 كلم خلال 50 ثانية يبدأ بعدها بالتسارع حتى يبلغ سرعته القصوى (15000 ميل)، وهو يطير نحو الهدف المحدَّد. وفي هذه المرحلة يتم حرق طبقات الوقود المجهَّز بها ليتخلَّص منها كلها عند نهايتها. وقد تستمر هذه المرحلة من دقيقة واحدة حتى خمس دقائق تنتهي بعدها مرحلة الدفع ليبدأ الصاروخ المتعدِّد الروؤس بإطلاق حمولته كل رأس باتجاه الهدف المحدد له. كما يمكنه إطلاق وسائل خداع وتضليل، من بالونات ورؤوس كاذبة، ما يضلِّل أجهزة الرادار الأرضية ويرغم وسائط الدفاع الأرضية على التعامل معها وكأنها أهداف حقيقية.
مرحلة المسار الحر(mid-course phase, or free - fall)
وتدوم من عشرين إلى خمس وعشرين دقيقة وفق المسافة ونوعية الصاروخ الذي ينتقل خلالها إلى خارج جو الأرض ويطير في مدار حولها على أقصى ارتفاع له قد يصل إلى 1200 كلم فوق سطح البحر وهي نقطة الذروة (Apogee) التي بعدها يعاود الهبوط الحر(14).
مرحلة العودة (reentry phase)
وهي المرحلة التي تبدأ عندما تلامس أولى ذرات الهواء جسم الرأس الحربي للصاروخ ويبدأ احتراق بعض وسائط التضليل والأفخاخ وبقايا جسم الصاروخ، وعندها يبدأ الهواء بمقاومة رأس الصاروخ ومحاولة إحراقه دون جدوى كونه مجهَّزًا لمقاومة هذه الحرارة وهذا الضغط. وقد تبدأ هذه المرحلة على ارتفاع حوالى 100 كلم فوق سطح الأرض، حيث أن مدى الصاروخ هو الذي يحدِّد الزاوية التي على أساسها يضرب رأسه الحربي الهدف المحدَّد له. وكلما طالت مسافة طيران الصاروخ كانت زاوية هبوطه أقل من 20 درجة، بينما الصواريخ القصيرة المدى قد تسقط بزاوية 45 درجة(15).
مفهوم الدفاع الصاروخي وأهميته العسكرية و الاستراتيجية
نظرية الدفاع الصاروخي
تقوم نظرية الدفاع الصاروخي الأميركية على مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن العام 1983، واستمر العمل في تطويرها طوال عهده، وهي ترتكز على بناء قواعد ومنصات صاروخية في البحر والفضاء الخارجي وتجهيزها، وتزويدها أجهزة تكنولوجية متطوِّرة جدًا في طبقات متعددة. وتكون جاهزة لاعتراض وتدمير أي صاروخ يطلق من الأرض أو الفضاء ضد الولايات المتحدة أو حلفائها في مختلف أنحاء العالم . بعد أحداث 11أيلول/سبتمبر 2001، عادت فكرة إحياء هذه النظرية وإنشاء درع صاروخي لحماية الأراضي الأميركية ضد الأعداء المحتملين الذين يشكِّلون تهديدًا للولايات المتحدة نفسها، أو لحلفائها على أرض القارة الأوروبية وآسيا خصوصًا بعد الحرب التي شنَّتها على أفغانستان العام 2001، وعلى العراق العام 2003 واحتلالها له . لذلك، تخشى الولايات المتحدة أن يلجأ بعض الدول المعارضة لسياساتها العالمية وتدخلها في أكثر من مكان على سطح الكوكب، والتي تطلق عليها اسم "الدول المارقة"، أو بعض المنظمات المتطرِّفة أو الأصولية والتي تسميها بالإرهابين، إلى امتلاك صواريخ عابرة للقارات أو صواريخ متوسطة قد تطالها مباشرة، أو حلفاءها وقواعدها المنتشرة عبر العالم. كما تخشى أن تمتلك هذه الدول والمنظمات أسلحة دمار شامل يمكن إيصالها إلى حيث تشكِّل خطرًا مدمرًا عليها وعلى حلفائها. وقد صنَّفت الولايات المتحدة عدة دول كخطر عليها منها إيران وكوريا الشمالية، ومنظمات مثل طالبان والقاعدة وحزب الله كمجموعات إرهابية، ولذلك هي تسعى إلى إقامة منظومة دفاع صاروخي عبر العالم في محاولة لإسقاط الصواريخ التي يمكن أن تطلق باتجاهها حين انطلاقها وقبل وصولها إلى أهدافها، وذلك استنادًا إلى طريقة عمل الصاروخ ومراحل مساره كما تبيَّن علميًا، ومن خلال التجربة العملية لعمليات الاعتراض الصاروخي.
عمل منظومة الصواريخ المضادة للصواريخ
يعتبر الخبراء أن الاعتراض الأفضل والأنسب للصواريخ المهاجمة هو ذلك الذي يتم في المرحلة الأولى لانطلاقه، أي مرحلة الدفع والصعود(boost phase) ، بحيث يمنع الرأس الحربي من الوصول إلى الهدف المحدَّد ويسقط بفعل الجاذبية إلى الأرض ولا ينفجر حتى لو سقط على مكان إطلاقه، ذلك لأن تشغيل الرؤوس الحربية في الصواريخ البالستية لا يتم إلا في نهاية المرحلة الثانية أو بداية المرحلة الثالثة من مسارها. وبما أن تدمير الصاروخ في مرحلتيه الثانية أو الثالثة مهمة صعبة جدًا فإن اعتراضه في مرحلته الأولى يحمل أهمية قصوى من خلال اكتشافه فور انطلاقه وذلك بواسطة الرادرات المتطورة أو الأقمار الصناعية المنتشرة في المدار حول الأرض سواء كانت تلك المخصَّصة للرصد والاكتشاف أو تلك المزوَّدة مولدات ليزرية.(lazer) بناءً عليه تبرز عمليًا وعسكريًا واستراتيجيًا أهمية نشر شبكة كونية من الأنظمة الدفاعية ضد الصواريخ تسعى الولايات المتحدة إلى إقامتها بحيث تمتد من القارة الأميركية وعبر أوروبا وبعض دول آسيا، وعبر المحيطات بواسطة أساطيلها البحرية، فتنشئ شبكة رادارات على البر الأوروبي، ومنصات إطلاق للصواريخ المضادة القريبة من مواقع الخطر.
العودة إلى سباق التسلح
م تتوصَّل المفاوضات الروسية - الأميركية حول مشروع الدرع الصاروخي طوال الأعوام الماضية، إلى حل يرضي الطرفين إذ حافظ كل على موقفه ومقترحاته ورؤيته لإنجاز هذا المشروع. كذلك لم تفلح الجولات المتعدِّدة واللقاءات ما بين الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، في إقناع الطرف الروسي بالموافقة على المشروع الأميركي، ولا أفلحت مقترحات الطرف الروسي في تغيير الموقف الأميركي، فتأجل البحث في المشروع. غير أن الأحداث التي وقعت في القوقاز في آب/أغسطس 2008، والحرب الروسية الجورجية والطريقة التي انتهت بها، سرّعت في قبول تشيكيا وبولندا للمشروع، بعد ترددهما سابقًا، إلا أن ذلك استدعى ردًا روسيًا قاسيًا ومهدِّداَ الدولتين بأنهما ستتعرَّضان لتلقي ردات فعل أي هجوم عليها من قبل هذه الصواريخ ما سيعرِّضهما للخطر، وتحوِّلهما إلى هدف للصواريخ الروسية. كما هدَّد بعض القادة العسكريين الروس بقصف مراكز هذه الصواريخ في البلدين(24). كذلك صرَّح الرئيس الروسي ميدفديف بأن روسيا ستقوم ببناء دروع صاروخية دفاعية، وأنها وضعت قواتها في حالة جهوز دائم(25). كذلك أمر الرئيس الروسي باعادة تجديد الصناعات العسكرية النووية الردعية، وطلب من قادة جيشه وضع الخطط العصرية لإعادة تنظيم الجيش بحلول شهر كانون الأول/ديسمبر 2008. كما صرَّح بأن روسيا ستبدأ بمرحلة إنتاج كثيف للبوارج الحربية، وبخاصة النووية منها والتي تحمل صواريخ "كروز"، والغواصات ذات المهمات المتعددة، وحدَّد أن منظومة الردع النووية لمختلف الظروف السياسية والعسكرية يجب أن تؤمن بحلول العام 2020. وهكذا يبدو أن هذا الموقف يعتبر كإعلان عن بدء سباق تسلُّح جديد مع الولايات المتحدة الأميركية بدأت تباشيره تظهر بإعلان رغبة روسيا بيع فنزويلا المعادية لسياسة الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية تقنيات نووية، كما صرَّح بذلك الرئيس الروسي في أثناء زيارته لتلك الدولة، بالإضافة إلى دعم سوريا وتقديم اليورانيوم المخصب إلى إيران ومساعدتها في بناء مفاعلاتها النووية. ولكن هل سينحصر هذا السباق في التسلح في روسيا وحدها أم أن منطق الأمور وطبيعة العلاقات الدولية يشيران إلى أن هذا السباق سيشمل معظم الدول الكبيرة في العالم وخاصة النووية منها، والتي تسعى إلى أن تكون كذلك، فمن الصين والهند والباكستان إلى إيران وحتى أميركا الجنوبية، يبدو أن ردات الفعل تؤيد التوجُّه الروسي(26).
المراجع
موسوعات ذات صلة :
- hazemsakeek.info - hazemsakeek Resources and Information
- الموقع الرسمي للجيش اللبناني | شرف، تضحية، وفاء - تصفح: نسخة محفوظة 18 مايو 2015 على موقع واي باك مشين.