طحالب هي المتتالية القصصية الأولى للكاتبة الجنوب أفريقية ماري واتسون ونالت عن إحدى قصصها (العذراء) جائزة بوكر الأفريقية وقيل عنها إنها تعرض اللاوعي الجمعي لعالم جنوب أفريقيا التي عانت كثيراً من الأبارتيد (وإن كانت المجموعة مكتوبة بعد سقوط النظام العنصري [الأبارتيد]) وتموج بأحاسيس تتراوح بين الإحساس باللذة والخطيئة، والولع والكبت، والجنس والعنف، وغيرها من المشاعر المتناقضة وليدة مجتمع مضطرب كحال مجتمع جنوب أفريقيا بعد سقوط العنصرية.
من المجموعة
الجزء التالي من قصة "ابنة الحطاب" ضمن المتتالية:
ابنة الحطاب
هناك في غابة الحديد.. لعبا هذه اللعبة
كانت "جوليا" طفلة لطيفة، وهي الابنة السابعة لحطاب وكان الحطاب يعيش في الغابة.. في بيت مصنوع من شجرة بلوط متمددة الجذور لكنه لم يكن يقطع الحطب فحسب، بل هو حرفي ماهر قادر على سحر أية قطعة خشب جافة وتحويلها إلى شيء جميل.. كان معتزاً بعمله ومعتزاً أكثر ببناته وكانت فتياته سعيدات، ويعملن بكد ولا يطمعن في شيء وكانت لديهن بحيرة في حديقتهن الأمامية.. وفي الحديقة الخلفية نهر.
كانت "جوليا" – على كل لطفها وعذوبتها – طفلة غامضة.. عيناها أوسع وأسود من عيون الأخرى ات، وتجول وحدها إلى أبعد من بيت الشجرة.
ذات يوم وهي تهيم على وجهها بعدما انتهت من عملها المنزلي، عثرت على بوابة مخبوءة تحت عباءة من أوراق الأشجار وكانت البوابة منحوتة من الخشب، وتبدو عليها مهارة حرفية متقنة الصنع. لكن "جوليا" كانت ابنة نجار حقيقية، وتعجبت من جمال التصميم.
تأوهت متعجبة وهي تتبع التصميم المعقد المنقوش على الخشب بأصابعها.. دفعت وجذبت البوابة لكن لم تتمكن من فتحها.. قطبت جبينها وهرعت مبتعدة وهي تنوي إخبار شقيقاتها، لكن ذلك المساء وهن يتناولن العشاء في بيت الشجرة، أحست بحب التملك يطغى على مشاعرها، ولم تتمكن من الكلام.
وهي راقدة في سريرها الأبيض الخشبي، وبعدما تلت صلاتها، تخيلت احتمالات كثيرة.
همست لنفسها: تخيلي أن من يعبر البوابة لن يموت أبداً.
تخيلي أن هناك مملكة مسحورة على الجانب الآخر.
تخيلي أن هناك أميرة تعاني من تعويذة سحرية وتحتمل ألمها إلى أن أنقذها.
تخيلي أن هناك امرأة عجوز، أمي الحقيقية/الملكة، تنتظر في المنفى خلف مائة باب ذهبي.
فكرت جوليا كثيراً حتى إنها نامت قليلاً وفي اليوم التالي تملكها الغضب والتعب وأحست أنها تسيء إلى شقيقاتها، اللاتي كن على مزاج أكثر اعتدالاً من حالتها العقلية الملتهبة، أخذت ترد عليهن بحدة، حتى إنها قرصت "أمبر" المسكينة فبكت.. ركضت لمّا أغضبتهن ورفضن تحمل صحبتها.. ركضت عائدة إلى بوابتها.
مجدداً داعبت جمالها بأصابعها، مجدداً تدفع وتجذب لكن بلا جدوى. حاولت تسلقها، وحاولت المرور بين الأشجار والتسلق – لأنها كانت طفلة ماهرة ولا تجلس وتبكي في سكون – بل حاولت حفر نفق يمر تحتها، لكن سدت عليها الطريق أحجار كثيرة.
حين أُنهكت أقرت بالهزيمة وركلت البوابة في ثورة من الغضب، لكن البوابة كانت مصنوعة من خشب غريب ولم تلن.
رفضت تناول العشاء تلك الليلة، وكان وجهها أحمر محموماً، ولم تكلم أحداً وما أن نام الجميع حتى انسلت من سريرها الأبيض الخشبي وهرعت إلى البوابة.
ألقى القمر بلون أبيض على البوابة.. كانت "جوليا" تعرف بأخطار الغابة وأحست بالخوف.. جلست على الأحجار القريبة من البوابة؛ لأنها لم تعرف ماذا تفعل غير هذا. لم تتمكن من المغادرة؛ لأنها ستكون تعيسة إن فعلت، ارتجفت استجابة للرياح الباردة ثم تكومت تحت البوابة.. شعرت "جوليا" بالوحدة إلى جوار البوابة وتاقت إلى صوت ضحكات شقيقاتها، وتنهدات أنفاسهن في أسرتهن إلى جوار سريرها.. سقطت نائمة لبرهة، لكنها كانت تنام نوماً قلقاً وأخذت تتقلب على الأحجار والصخور التي انغرست في جسدها.
صاحت منزعجة والأحجار تنخر في ظهرها.. نهضت وأبعدتها، ورمت بواحدة على البوابة، ثم أخرى، ثم انهال وابل غاضب من الأحجار على البوابة.
فقط بعدما ألقتها تذكرت المعدن الناعم الساري تحت أصابعها.. ورقات الشبندر الكبيرة الثلاث في الطرف، والشوكة الطويلة السميكة، والنتوءات الدقيقة الحاملة للشفرة الوحيدة التي يقدر القفل المنتظر على قراءتها، أخيراً.. المفتاح.. الجزء المفقود المضاهي للتجاويف المخبوءة.
اعتراها إحساس بالظفر، مضت على أثره إلى البوابة، وجسدها يرتعش من الإثارة، أولجت المفتاح في القفل ودار ببطء وبصعوبة بالغة.. حين دفعت البوابة لتفتحها أخيراً، أحست بحرارة غريبة تدفئ معدتها، صوت قلبها الخافق يرسل صداه داخل رأسها.. مضت عبر المدخل وإلى الجانب الآخر.