بدأ عبد الله رجب محمد، ولد في سنجه 1915م وقد كان السودان آنذاك ضمن مستعمرات التاج البريطاني، وفرص التعليم محصورة وأبواب المعرفة مغلقة.. ذلك الجيل قدره كبير.. ولكن عزيمته كانت أكبر.. فنهلوا من فيض المعرفة ما تفوقوا به علي أترابهم وأقرانهم الذين وجدوا فرصة التعليم النظامي.. ذلك جيل عظيم كان من رواده محمد الخليفة طه الريفي ويحيى محمد عبد القادر والفاتح النور وعبد الرحمن أحمد سعد (غشيم) و السلمابي والمبارك إبراهيم وعبد الله رجب..بدأ عبد رجب بعد المرحلة الأولية في التعليم غير النظامي تعلم أصول اللغة العربية وتردد علي حلقات العلم والفقه التي كان لا يخلو منها مسجد فدرس مختصر خليل وألفية ابن مالك وقراءة ابن عبد الوهاب فمن عنده عشق القراءة والشغف بالمعرفة
{{الصحفي السوداني المخضرم عبدالله رجب محمد رجب ... صاحب جريدة الصراحة و العاصمي الذي حصل على درجة الماجستير الفخرية من جامعة الخرطوم .... و ابوه من بني شيبة العبدري القرشي }}
(( كان كاتب هذه السطور منذ تلك الأعوام يتأبط علي الدوام لفافات الصحف والمجلات وكما قال الرسول صلي الله عليه وسلم " ان الأرواح جنود مجندة ما تآلف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " . فانجذبنا الي بعضنا وصرنا نتناول الصحف والكتب والمعلومات والمناقشات سمانا أحد الظرفاء بالقضارف أولاد الرسالة ومع ان الرسالة اسم للنساء مالوف فهو أيضا اسم مجلة المرحوم أحمد حسن الزيات القاهرية ذات التأثير الأكبر والملموس في بلادنا في الثلاثينيات ))
ولعل هذه العادة لازمته حتي ان شارف السبعين واستطاع أن يتعلم اللغة الإنجليزية حتي تفوق فيها وأصبح من القلائل الذين يترجمون في مستوي رفيع منها وأليها.. واهتم بدراسة علم النفس والاجتماع..
بدأ مسيرته العملية مع المرحوم محمد السلمابي كتبة ووكلاء في البيع والشراء لبعض التجار وعمل عقب الحرب العالمية الثانية كاتباً مع سلاح المهندسين ومن ثم تاجراً في المفازة ولكن عشقه للعلم كان أقوي..
(( كان بعد تصفية عملي في المفازة قد اقترحت علي الأخ السلمابي ان ننزح الي مصر لمجرد المغامرة ولكني ذهبت الي سنجة ومنها اتجهت الي الخرطوم فالقاهرة ومن هناك ظللت أكاتب السلمابي ليلحق بي في اللحظة المناسبة ولكني في ديسمبر 1940م قررت العودة ))
أنشأ في القضارف مكتبة ثقافية في الثلاثينيات وقد ظل يكتب لجريدة النيل والرأي العام والسودان الجديد في مختلف المواضيع السياسية والأدبية والاجتماعية كما كتب لبعض المجلات المصرية. آنذاك فئة قليلة تجد فرص النشر في الصحافة خارج السودان ثم بدأ مع الفاتح النور فكرة إنشاء جريدة كردفان الإقليمية عام 1945م ولكنه تخلي باختياره عن الفكرة وأصدر الفاتح النور كردفان كأول جريدة أقليمية ظلت راسخة لعهد طويل كشجرة التبلدي في سهول كردفان..
ورحل للخرطوم عام 1947م ليلتحق بجريدة السودان الجديد اليومية المستقلة واطلق علي الصحافة مهنة النكد لم يقف به جواد طموحه عند ذلك فقد أعد للعدة أكبر رصيده ثقته بنفسه وأصدر الصراحة نصف أسبوعية عام 1950م وجعل شعارها التزام جانب الشعب وأقبل الناس علي الصراحة شجاعة الرأي دسمة المادة صريحة القول فكان صوتها عاليا في مناهضة الاستعمار وأعوانه وامتاز أسلوبه بالإيجاز البليغ التعبير فتوالت الغرامات والمحاكمات علي الصراحة ومن ثم ضاق بها الاستعمار فأوقفها فترة ستة أشهر فكر خلالها بإصدار بديل لها باسم الصراع. حوكم عبد الله رجب عدة مرات كان آخرها ستة أشهر امضاها بسجن ود مدني. كانت جريدة الصراحة صوت الشعب المعبر فبادلها الشعب الوفي خير الوفاء. في مرحلة التحرر ورغم ان محرريها محمد سعيد معروف و محمد الحسن أحمد ومحجوب محمد عبد الرحمن كانوا أعضاء في ( حستو ) إلا أن الصراحة انجزت للكثير من من كتاب جماعة الحركة السودانية للتحرر الوطني إلا أن عبد الله رجب استطاع المحافظة علي استقلال الجريدة من التبعية أو الا نقياد لجماعة الحركة السودانية للتحرر الوطني حستو. وأسهمت الصراحة في الحركة الفكرية والأدبية إذ كانت تعد أعدادا أدبية لنشر نتائج مسابقات في الشعر والقصة والنثر وأفسحت المجال لناشئة الأدباء آنذاك. منهم الطلاب علي المك وصلاح أحمد إبراهيم وغيرهم كجعفر حامد البشير والزبير علي.
عبد الله رجب لمن يكن عضواً في حزب من الأحزاب ولم تكن له علاقة غير الصداقة مع جماعة ( حستو) فقد ظل طوال حياته مستقلاً في رأيه وتفكيره. وكان رحمه الله رغم صرامته فأنه إنسان بسيط طيب النفس يصل أحيانا الي حد الدروشة. كريماً متلافاً ورغم ذلك استطاع أن يؤسس مطبعة صغيرة للصراحة عاونه فيها شقيقه المرحوم علي رجب ولكن الدهر لا يبتسم الا ليعبس بعد حين. فقد اثقلت الديون كاهل الصراحة وعند انقلاب نوفمبر 1958م وئدت الصراحة ومطبعتها وهي في عنفوان الشباب.
وجئ بعبد الله رجب رئيساً لتحرير جريدة الثورة وقطعاً لم يأت طامعا ولا وجلاً ولكنه قد كان له رأي في ممارسة الأحزاب والوضع السياسي المتردي إلا أنه رغم ذلك لم يستطع الاستمرار في جريدة الثورة أكثر من شهور معدودة. فعين كبيراً لضباط الاستعلامات بكسلا وابتعد عن العاصمة وأجوائها وفي تلك الفترة اتسمت حياته بالتمزق الداخلي فصرف نفسه للترجمة أفاد بها كثيراً لكن المقام لمن يطول به وعاد الي العاصمة لا يملك الا ذكريات عذاب وشجن مرير ليجد مكانا في مؤسسات المرحوم السلمابي ولكنه ترك العمل بعد فترة وانصرف للتصوف وقراءة القرآن الكريم فجذوره مرتبطة بأهله العركيين المنتشرة قبابهم في أرض الجزيرة فتذوق حلاوة القرآن الكريم حتي أصبح لا يفارقه حتي أن مستقلاً المواصلات..
واختير في السبعينات في القسم الصحفي بالقصر الجمهوري وحصر جهده في الكتابة في الشئون الخارجية وبعض مذكرات أغبش بجريدة الصحافة واعترافاً بجهده في المجال الثقافي كرمته مشكورة جامعة الخرطوم بمنحه درجة الماجستير الفخرية في الأدب. المرحوم عبد الله رجب مجموعة من الملكات والصفات الحميدة. خرج من الدنيا من منزل إيجار بالحلفاية عاش فقيراً في حساب المال وكان في مقدوره لو أراد أن يكون من رجال السلطة والمال
فأحسن الله خاتمته وهذا خير من الدنيا وما فيها.. رحم الله عبد الله رجب محمد واسكنه منازل الصديقين والشهداء.
وقد ذكر عبد الله رجب في كتابه ان والده رجب محمد بن رجب الشيبي من قبيلة بني شيبة من بني عبد الدار القرشي... وليس كما يزعم البعض انه مغربي.
وان الوعد صادق في ان ولاية سنار مملكة قبيلة كنانة العظيمة حتى وان جاورها أبناء جهينة الاوفياء فهل ياترى سيستعيد مجد مملكة سنار... كناني أو قرشي حقيقي وليس من ضيع نسبه و انتسب لقوم ليس هو منهم.. أو من ادعاء العروبة وهو أفريقي زنجي الملامح وهو كثير جدا في بلادنا....