الرئيسيةعريقبحث

عطا الأيوبي

رئيس سوري مؤقت أثناء الإحتلال الفرنسي لسوريا

☰ جدول المحتويات


محمّد عطا الأيوبي (1874-1950)، زعيم وطني سوري وأحد وجهاء مدينة دمشق، تولى رئاسة الحكومة السورية مرتين، كانت الأولى عام 1936 والثانية سنة 1943، عندما عمل رئيساً لدولة بالوكالة بموجب أحكام الدستور، بعد وفاة الرئيس تاج الدين الحسني. وقد كانت كلا حكومتيه حكومات مؤقتة شكلها من حياديين واجبها الأساسي الإشراف على الانتخابات النيابية، وأفضت في كلا المرتين إلى فوز الكتلة الوطنية بأغلبية مقاعد البرلمان، وأوصلت هاشم الأتاسي في المرة الأولى وشكري القوتلي في المرة الثانية لرئاسة الجمهورية. نشط الأيوبي أيضًا في مناصب وزارية عديدة خلال أواخر الدولة العثمانية ثم الانتداب الفرنسي على سورية، وعرفت عنه الوسطية والحياد، بحيث كان له علاقات جيدة مع الوطنيين والمعتدلين والفرنسيين في وقت واحد.

البداية

ولد عطا الأيوبي في دمشق وهو سليل أسرة عريقة ومُنعمة، وكان والده محمّد علي الأيوبي من الأعيان. دَرس في مدارس دمشق وفي المعهد الملكي في اسطنبلول، حيث تخرّج حاملاً الشهادة العليا في العلوم السياسية، والتحق بعدها بالعمل الحكومي في الدولة العثمانية. عين قائم مقام ثم متصرفاً على مدينة اللاذقية، ونقل بعدها إلى الكرك. [1] لم ينتمي عطا الأيوبي إلى الثورة العربية الكبرى التي انطلقت من الحجاز عام 1916 ولكنه بايع قائدها العام، الشريف حسين بن علي، عشية سقوط الحكم العثماني بدمشق في 26 أيلول 1918. ونظراً لمكانته المجتمعية الرفيعة وخبرته في الإدارة، عيّن الأيوبي عضواً في مجلس الحكم الإنتقالي الذي شُكّل في دمشق يومها، بقيادة الأمير محمّد سعيد الجزائري، شقيق زوجة الأيوبي. وكانت كريمة الأيوبي حفظة متزوجة من الأمير كاظم الجزائري، ابن أخ الأمير محمّد سعيد الجزائري وحفيد المجاهد الأمير عبد القادر الجزائري.  


الحياة السياسية

العمل الحكومي

في عام 1908 عين الأيوبي حاكمًا على اللاذقية، الميناء الهام على الساحل السوري. وبعدها عاد إلى دمشق كأحد وجهائها ولم يشارك في الثورة العربية الكبرى بين يونيو 1916 وسبتمبر 1918، وخلال الفترة الانتقالية التي تلت خروج الجيش العثماني من دمشق وقبل دخول الجيش العربي للمدينة، كان أحد أعضاء حكومة مدنية من وجهاء دمشق شكلت لتسيير الأمور ودامت أربع أيام فقط، وكان الحكومة برئاسة الأمير سعيد الجزائري. في يونيو 1919 انتخب المؤتمر السوري العام وفي 8 مارس 1920 أعلن استقلال سوريا وقيام المملكة السورية العربية برئاسة فيصل الأول من جانب واحد، أي لم يتم الاعتراف به من المجتمع الدولي خصوصًا فرنسا وبريطانيا.

في آخر حكومات المملكة السورية العربية تم تعيينه وزيرًا للداخلية، وقد شكلت تلك الحكومة بعد معركة ميسلون في 26 يوليو 1920، واستمرّ في منصبه خلال حكومة الألشي حتى 1922.[2] وخلال تلك المدة الطويلة من قيادة وزارة الداخلية تمكن الأيوبي من إنفاذ عدد من القرارات الهامة جمع السلاح من المدنيين وإدخال نظام "تعويضات غلاء المعيشة" وتشغيل السجناء مقابل أجرة، وإدخال أدوات مقاومة للحريق في هيئات الدولة وغيرها من المشاريع الهامة.[3]

وبعد قيام الاتحاد السوري في 28 يونيو 1922 كان للأيوبي دورًا بارزًا أيضًا، فمن ناحية عين وزيرًا للعدل خلال حكومة صبحي بركات الأولى ومن ناحية ثانية عينه هنري غورو عضوًا في المجلس الاتحادي، وهو برلمان الاتحاد المسؤول عن إدارة شؤونه العليا وانتخاب الرئيس، وذلك بصفته ممثلاً عن دولة دمشق، وقد مثل دمشق إلى جانبه كلاً من محمد علي العابد وفارس الخوري.[4] وفي 1 يناير 1925 تم حلّ الاتحاد السوري وأعلنت الوحدة بين دولتي دمشق وحلب، وعين الفرنسيون صبحي بركات رئيسًا للدولة، فشغل الأيوبي في حكومة بركات الثانية منصب وزير العدل، مستمرًا في أداء مهامه السابقة.[5] وقد اندلعت خلال عمل هذه الحكومة الثورة السورية الكبرى التي قمعها الفرنسيون بضراوة وشكلت على إثرها محاكم إستثانئي، وأعلنت حال الأحكام العرفية في البلاد، كذلك فقد أصدر وزير العدل قرارًا آخر ينصّ بمصادرة أموال المحكوم عليهم في المحاكم الاستثنائية لمصلحة الدولة، عمومًا فإن هذه الإجراءات لم توقف الثورة، فلجأ الفرنسيون لقصف دمشق بالمدفعية والطائرات، ولم تتوقف الثورة لا فيها ولا في سائر المدن السورية، واستدعي المفوض الفرنسي سراي إلى بلاده ثم أنهيت رئاسة صبحي بركات للاتحاد وعهد إلى أحمد نامي تشكيل الحكومة فألفها في 2 مايو 1926، ولم تشمل على اسم الأيوبي، وبالتالي كانت تلك أول حكومة لا تشمل الأيوبي منذ 1920.[6] ولم يستلم الأيوبي أي حقيبة وزارية خلال عهد أحمد نامي (1926 - 1928) وكذلك في عهد تاج الدين الحسني (1928 - 1931) مبتعدًا بذلك عن المساجلات القائمة بين المعتدلين والوطنيين.

في عام 1932 جرت أول انتخابات نيابية في سوريا وأدت إلى فوز محمد علي العابد برئاسة الجمهورية وتكليف حقي بيك العظم رئاسة الوزارة، مكث العظم في الوزارة حتى 17 مايو 1934 شكل خلالها حكومتين، ثم شكل الشيخ تاج الدين الحسني حكومة عهد العابد الثالثة، وأسند لأيوبي مهمة وزارة العدلية مجددًا، غير أن عمر هذه الحكومة كان قصيرًا ولم يتجاوز ثمانية أشهر، وقد تخللت عهدها مظاهرات عدة مناوئة للانتداب ومطالبة بالوحدة والاستقلال قادتها الكتلة الوطنية وتفاقمت بعد وفاة إبراهيم هنانو وإعلان "الميثاق الوطني" في ذكرى أربيعنه، وما لحق هذه المناسبة من مظاهرات واضطرابات عرفت باسم "الإضراب الستيني" وأفضت إلى ميلاد تفاهم بين سلطة الانتداب والكتلة الوطنية، تم بموجبه تشكيل حكومة محايدة تشرف على الانتخابات النيابية، فاستقالت حكومة التاج في 23 فبراير 1936، وعهد الرئيس العابد للأيوبي تشكيل الحكومة، كما اتفق سلفًا الأقطاب السياسيون.

حكومته الأولى

الحكومة الأولى التي شكلها الأيوبي في فبراير 1936 ويقول يوسف الحكيم الذي عاصر تلك الفترة أنّ الأيوبي كان حائزًا على الثقة العامة وحياديًا رصينًا وثقت به الكتلة الوطنية وسائر الأحزاب وانشرط بشتكيل هذه الحكومة الانتقالية جميع السوريين؛[7] وخلال عهد هذه الحكومة حصلت ثلاث أمور هامة أولها سفر الوفد الوطني في مارس 1936 إلى باريس وبعد ستة أشهر توصل مع قادتها لمشروع اتفاقية الاستقلال والسلم والصداقة بين سوريا وفرنسا،[8] والثاني عودة جبل الدروز ودولة جبل العلويين إلى الوحدة السورية في 5 ديسمبر 1936، والثالث الانتخابات النيابية التي أدت إلى فوز الكتلة الوطنية الساحق بأغلبية مقاعد مجلس النواب، وكانت ثالث انتخابات تجرى في البلاد.[9] رغم ذلك فإن بعض المضائق الاقتصادية عاقت هذه الحكومة ممثلة بسقوط قيمة الفرنك الفرنسي بشكل كبير ما أدى إلى خسارة البلاد عشرات الملايين من الليرات المرتبطة بالفرنك.[10]

أخيرًا في 21 ديسمبر 1936 افتتح المجلس النيابي المنتخب أعماله، وغدا فارس الخوري رئيسًا له، وفي الجلسة نفسها قدم الرئيس العابد استقالته قبل ستة أشهر من نهاية ولايته الدستورية، فانتخب رئيس الكتلة الوطنية هاشم الأتاسي رئيسًا للجمهورية، ما يعني وفق الأعراف الدستورية، استقالة حكومة الأيوبي، فكلف الرئيس الجديد جميل مردم تشكيل حكومة جديدة من أنصار الكتلة، الحزب الفائز بالانتخابات.

حكومته الثانية

أواخر عام 1939 استقال الرئيس هاشم الأتاسي وعطل العمل بالدستور وتشكلت حكومة مديرين برئاسة بهيج الخطيب بعد أزمة سياسية حادة واندلاع الحرب العالمية الثانية، واستمرت حكومة الخطيب حتى 1941 حين شكلت حكومة مؤقتة برئاسة خالد العظم ثم عهد إلى تاج الدين الحسني رئاسة الجمهورية بالتعيين مع عودة الدستور وتم الاعتراف "باستقلال سوريا" ريثما تهدأ الحرب لتنظيم انتخابات نيابية، وكانت هذه الخطوات محاولة لإرضاء السوريين من قبل فرنسا الحرة في وجه فرنسا الفيشية الموالية للمحور. وفي يناير 1943 توفي رئيس الجمهورية وهو على رأس عمله، وغدا رئيس الوزارة جميل الألشي رئيسًا مؤقتًا للجمهورية وفق أحكام الدستور، غير عهده لم يطل ففي 25 مارس 1943 قرر المفوض الفرنسي الجنرال كارتو القفز فوق الدستور وأنهى حكومة الألشي وكلف الأيوبي تشكيل حكومة مؤقتة.[11]

يعود ذلك لعدة أسباب، منها تدخل بريطانيا في السياسة السورية ودعمها مطالب الشعب بالاستقلال وتحالفها مع الكتلة الوطنية، ومنعًا لتحول الصداقة بين الكتلة وبريطانيا إلى تحالف وثيق يطيح بمصالح فرنسا، عقد كاترو اتفاقًا مع زعماء الكتلة الوطنية يقضي بتأليف حكومة مؤقتة تمهد لانتخابات نيابية تهدف لعودة الحياة السياسية الطبيعية إلى البلاد،[12] ولا يخفى أن الحكومة التي كانت قائمة حينها تعتبر حكومة انتدابية بامتياز، فكان لا بدّ من حكومة حيادية تنال رضا الشعب والكتلة الوطنية من ناحية الانتداب والمعتدلين من ناحية ثانية، فأصدر كاترو مرسومًا يوم 25 مارس بتكليف عطا الأيوبي رئاسة الدولة والحكومة، فألف الأيوبي وزارته في اليوم نفسه، من ثلاث أسماء، إلى جانب شخصه، وقد جمع الأيوبي لنفسه إلى جانب رئاسة الوزارة وزارة الداخلية والدفاع الوطني. ويقول يوسف الحكيم الذي عاصر تلك الفترة، أن هذه الحكومة قد عملت "بصدق وعزيمة وإخلاص" ومهدت لإجراء الانتخابات النيابية، وفي يونيو 1943 أجريت الانتخابات وأعلنت نتائجها في 7 أغسطس وأفضت لفوز الكتلة الوطنية، وفي 17 أغسطس انتخب شكري القوتلي رئيسًا للجمهريوة، فاستقالت الحكومة وفق الدستور، وشكلت وزارة برئاسة سعد الله الجابري في 19 أغسطس 1943، وباستقالة الحكومة الثانية، انتهت الحياة السياسية للأيوبي، والسنوات التي قضاها في السلطة، وقد كرمته الدولة السورية خلال رئاسة شكري القوتلي بعد الجلاء في أبريل 1946 نظرًا "لخدماته التي قدمها في خدمة الدولة السورية"، وظل في دمشق حتى وافته المنية عام 1951.

مقالات ذات صلة

المراجع

  1. عبد الغني العطري (2000). حديث العبقريات، ص 86. دمشق: دار البشائر.
  2. سورية والانتداب الفرنسي، يوسف الحكيم، دار النهار، بيروت 1983، ص.12
  3. سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.56
  4. سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.88
  5. سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.102
  6. سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.146
  7. سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.248
  8. سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.249
  9. سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.262
  10. سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.263
  11. سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.327
  12. سورية والانتداب الفرنسي، مرجع سابق، ص.328

موسوعات ذات صلة :