الرئيسيةعريقبحث

علم الأعصاب والتربية


علم الأعصاب والتربية، يُعنى علم الأعصاب بدراسة الجهاز العصبي للإنسان (Nerves System)، والدماغ (Brain)، والأسس البيولوجية للوعي والإدراك (Perception) والذاكرة (Memory) والتعلم (Learning). ويشكل كل من الجهاز العصبي والدماغ الأسس الفيزيائية لعملية التعلم الإنساني. ويربط علم الأعصاب ملاحظاتنا عن السلوك المعرفي مع النشاط العضلي الحركي المساند لهذا السلوك. وهذه النظرية لم تزل فتية (Young)، ولكنها تنمو وتتطور بسرعة، وتطورها خلاق.

ومن أهم الاكتشافات الرئيسة لعلم الأعصاب التي قد يكون لها تأثيراً مباشراً على التربية والتعليم ما يأتي:

  • الدماغ ثلاثي البنية (Structure)، فأدمغتنا واقعاً تتكون من ثلاثة أدمغة وهي

الدماغ السفلي أو (دماغ التكرار) (Reptilian Brain) والذي يتحكم في الوظائف الحسية الحركية الأساسية، والدماغ الطرفي (اللمبي) (Limbic Brain) والذي يتحكم بالعواطف والذاكرة والإيقاع البيولوجي (الوظائف الحيوية للإنسان) (Biorhythms)، وأخيرا القشرة الدماغية (Neocortex) أو دماغ التفكير (Thinking Brain) الذي يتحكم بالمعرفة والاستدلال (Reasoning) واللغة والذكاء العالي.

  • الدماغ ليس حاسوباً (Computer): تتصف بنية الارتباطات العصبية المخية بقابليتها النسبية في الحركة وبالمرونة والتشعب وتعدد الطبقات ووفرتها. ومن المستحيل لنظام مثل هذا أن تكون وظائفه خطية (Linear) أو موازية للعمليات الحاسوبية. وقد يكون أفضل وصف للدماغ بأنه نظام معلوماتي ذاتي التنظيم. وغالباً ما تتغير الارتباطات (Connection) وتتطور فيزيائياً.
  • يتغير الدماغ بالاستخدام خلال فترة حياتنا، فيغير التركيز الذهني والجهد من التركيب الفيزيائي للدماغ. وترتبط خلايانا العصبية(Neurons) بفروع تشبه الشبكة تسمى الدنترايس (Dendrites). وهنالك حوالي (10) عشرة مليارات خلية عصبية في الدماغ و(1000) ألف تريليون ارتباط (Connections). واحتمال قوة التوافيق (Combination) بين الاتصال تصل إلى حوالي عشرة إلى مليون.

وعندما نستخدم أدمغتنا فأننا نقوي أنماطاً من الارتباطات، وذلك يجعل عمل الارتباطات أسهل في المرات القادمة.

تطور الدماغ

بإمكاننا فرض سيطرة قليلة على تطور أدمغتنا. والعوامل التي تؤثر على وظائف الدماغ هي الوراثة؛ والبيئة؛ والحالة الاجتماعية. ونحن محكمون بالطبيعة الوراثية لأدمغتنا والتي لها أهميتها الكبرى. وتحدد الوراثة إلى حد كبير الكفاءة الإجرائية Operating efficiency ومكامن التطور Developmental of potential. وربما يكون التركيز الأعظم على طرائق التربية في كيفية الارتقاء بأثر البيئة في التطور الذهني بسرعة. وتحدد عدد النبضات الكهربائية وقوتها وسرعتها خلال البنية Structure مكامن تخزين المعلومات واسترجاعها، وكذلك الكفاية التي يتم فيها تطبيق المعلومات. وإذا ما قارنا الأدمغة في الوقت الحاضر مع الأدمغة البشرية قبل مليون عام، فمن البديهي إننا نجد أنها أكثر تطوراً حالياً، لذلك فيمكننا القول بأن هنالك تطوراً، مما يدعو إلى مقاييس جينية تؤشر التطور من جيل لآخر. إن كمية المعلومات المطلوب التعامل معها حالياً هي بالتأكيد أكثر من قبل ألف عام. و عندما يحدث الإدراك الحسي Perception فإن نبضة كهربائية Electrical impulse ترسل من الحواس إلى الخلية العصبية الملائمة في الدماغ. وتصل النبضة الكهربائية إلى الدنترايس (Dendrites) عبر محور (axon) الخلية العصبية. ويوجد بين البلايين من (الدنترايس) فجوات (Gaps) صغيرة الحجم والاتصال يتم من خلال هذه الفجوات بواسطة المحفزات الكيماوية التي تفرز من نهايات الأعصاب. ويمكن تخمين بأن جسم الإنسان يحتوي على (100) مليار خلية عصبية، (10) مليار خلية عصبية منها توجد في القشرة الدماغية وقد وضعت نظرية تقول بأن الإنسان يفقد حوالي (1000) خلية عصبية يومياً بعد سن الأربعين. ووجدت البحوث بأن إثارة الدماغ بانتظام يمكن أن يعادل أو يوازن هذا النقص في الخلايا النشيطة. تختلف الخلية العصبية عن أية دائرة كهربائية بسيطة، وعمل هذه الخلية معقد ويعتمد على سلسلة من العوامل، وهذه العوامل يمكن أن يكون تأثيرها خامدا لنشاط الخلية العصبية Inhibitory أو محفزا لهذا النشاط Exhibitory. وإذا لم تحصل الخلية العصبية على مدخلات كافية من الخلايا العصبية المرتبطة بها، إنها لاتعمل شيئا. ووجدت بحوث أخرى إذا ما تم تفعيل خلية عصبية، فإن مادة غامضة تؤثر في الخلايا القريبة والمسؤولة عن تحفيز الخلية العصبية. وهذه الخلايا بدورها تنتج مادة كيميائية يظهر أنها تحفظ الخلية من التدمير والهلاك. وتموت الخلية العصبية إذا لم تحصل على هذه المادة الكيميائية. ولا تعمل الخلايا العصبية عشوائيا بل تعمل على شكل شبكة Network. وهي تنزع لتنظيم نفسها في مجموعات لتتخصص في معالجة أنواع مختلفة من المعلومات.

ويعد العالم إدوارد دي بونو Edward De Bono أول من استنتج نظرية تنص على أن الدماغ عبارة عن نظام ذاتي التنظيم في كتابه "ميكانيزم العقل Mechanism of mind " عام 1969. وتعد هذه النظرية الأساس لكثير من البحوث المتسارعة التي تجرى حاليا عن الدماغ. وعندما تأتي المثيرات اللمسية Touch stimulus من الاصبع فإنها تذهب مباشرة إلى شبكة الخلية العصبية Neural network. وتنشط هذه المعلومات بعض مجموعات الخلايا العصبية أكثر من المجاميع الأخرى. وهذا المستوى العالي من الفعالية يسبب تقوية الاتصال بين هذه المجاميع من الخلايا العصبية. وكلما كان هنالك أكثر وأكثر من الأنماط المتشابهة التي تأتي إلى الشبكة العصبية، فان الارتباطات بين مجموعة الخلايا العصبية التي تم تنشيطها تصبح أقوى وأقوى، وأخيرا تصبح المجموعة متخصصة في معالجة المعلومات بمجرد الإحساس الناتج من لمس اصبع واحد لشيء ما. وهكذا فان المهارات المتكررة Repetitive skills كالطباعة تتطور وتتعزز بمرور الوقت ليصبح العمل المتكرر "انعكاس طبيعي Natural reflex " أكثر من كونه جهد واعي.

ورجوعا إلى عام 1949 اقترح عالم الأعصاب الكندي "دونالد هب Donald Hib" في عمله "منظمات السلوك" نظريته التي يمكن تلخيص فحواها بالتالي: عندما يكون محور خلية عصبية A يجاور بما فيه الكفاية ويحفز خلية B، فبتكرار العملية وباستمرار تنشيطها، فان بعض العمليات النمائية أو التغييرات الأيضية تحدث في إحدى الخليتين أو كليهما. وبكلمات أخرى، إذا ما أرسلت خلية عصبية عددا من الإشارات لإثارة خلية عصبية أخرى، فان السايناباس بين الخليتين العصبيتين يقوى ويدعم. وينمو الارتباط بين الخليتين ويتطور ؛وهكذا مع كل خبرة جديدة، فإن دماغ الفرد يعيد بناء بنيته الفيزيائية.

إن الشواهد الكثيرة التي تنحو نحو صدق فكرة "استخدمه أو أفقده" بحاجة لتوضيح، فهنالك بعض الآليات (الميكانيزمات) القليلة التي يمكن ابتكارها والتي تتيح استخدام أدمغتنا بطرائق غير معتادة كل يوم. ويمكن اعتبار 95% من نشاطاتنا اليومية على أنها أنماط سلوكية متكررة Pattered behavior. وينتج مواجهة المواقف المشكلة معالجات فكرية مختلفة عند البحث عن حل لها. كما اقترحت بحوث أخرى بأننا نغير من أنماط بعض حركاتنا المتكررة بانتظام، مثلا: كاستعمال الشوكة والملعقة وبالعكس، أو استعمال اليد اليسرى عند شخص يستعمل اليد اليمنى. ويمكن اتخاذ مسارات مختلفة لعمل التغيير، مما يتطلب من الفرد تغيير بعض الأعمال الروتينية المتكررة أو المألوفة لديه، فإذا كان الفرد معتادا على عمل الأشياء الروتينية فإنه يستخدم القليل والقليل من خلايا دماغه. ويسبب هذا الإهمال الموت للكثير من الخلايا غير المحفزة أو المثارة. وتغير المهام المعتادة (الروتينية) يكون سببا في إثارة دماغ الفرد، وبذلك تتولد ارتباطات جديدة وتتجدد الاتصالات بين خلايا العصبية للدماغ.

هل نستخدم أقل من 10% من أدمغتنا؟ هذا المفهوم كان مثار تساؤل لبعض الوقت والإجابة عليه يتطلب طرح سؤال آخر هو: هل هناك دراسات تشريحية مفصلة للدماغ البشري تختبر كل المجالات الفيزيائية للدماغ مع الانتباه لخريطة استخدام الدماغ بشكل كلي ؟ والإجابة على هذا السؤال ببساطة أن هذا غير محتملا لفترة طويلة قادمة. كما خرج العلم باستنتاجات محددة عن بعض أجزاء الدماغ تستخدم لغرض ما، مثلا: فان الفصوص البصرية Optical lobes والفصوص السمعية Temporal lobes والفصوص الجانبية Frontal lobes....الخ ولحد الآن فإن مساحات واسعة من الدماغ باقية غامضة على العلم مثلا: الغدة الصنوبرية Pinal gland، والمكامن الكاملة للغدة النخامية Pituitary gland، وأجزاء من نظام الدماغ الوسطي الطرفي Limbic system والمعروف عنها القليل. وهكذا فلتقويم نسبة استخدامنا لإمكانيات أدمغتنا بحاجة لتدقيق وتأمل تامين في الوقت الذي ما زال غير واضح المساحات الدماغية التي بالإمكان استخدامها.

أحد الأمثلة لخارطة استخدام الدماغ مقارنة بالدماغ العادي يتمثل في دراسة دماغ (آينشتاين). والفرق الوحيد الذي وجد أن دماغ آينشتاين فيه عددا مرتفعا بشكل غير اعتيادي من الخلايا التي تسمى (Glial cells) في فصوص دماغه الجزئية مقارنة بالدماغ العادي. وتدعم هذه الخلايا هيكلية الخلايا العصبية. ويشير هذا العدد الكبير من خلايا (Glial) بأن آينشتاين كان يستخدم هذا الجزء معرفيا وبشدة. ويعتقد أن الفصوص الجزئية Partial lobes تسهل التعامل مع الأفكار المجردة. ومن المعروف أن كل شيء يمكن تعلمه فإن ارتباطات دانترية Dendrites connections تحدث بين الخلايا العصبية. واستخدام الأكبر للدماغ خلال التعلم والإثارة يكون ارتباطات كثيرة بين الزوائد المتشجرة (Dendrites). ويشير دماغ اينشتاين إلى كثرة ارتباطات الزوائد المتشجرة. وهنالك شواهد كثيرة على أن العباقرة في كل المجالات، مثل: الفنانون، والموسيقيون والرياضيون والعلماء واللغويون....الخ يستخدمون أجزاء من أدمغتهم بينما هنالك غالبية لا تفعل ذلك! وتظهر حقيقة إن بعض البشر الذين يتمتعون بقدرات أن الدماغ البشري بإمكانه على الأقل إنجاز هذه القدرات. وهنالك شيء آخر يجب أن يؤخذ بالاعتبار ذلك الاستعراض الذي يمكن وصفه بأنه لا يصدق المتمثل في إمكانية السيطرة البيولوجية التي يظهرها بعض الرهبان الشرقيين على نظامهم العصبي الأوتوماتيكي. فبإمكانهم، مثلا: الإبطاء من معدل ضربات قلوبهم إلى ما يقارب الصفر، أو الجلوس في طقس بارد وهم عراة، ويمكن أن تجف منشفة توضع على ظهورهم لأنهم بإمكانهم توليد حرارة كثيفة من أجسامهم نتيجة لتركيزهم الذهني. ولا يعرف العلماء بالضبط ما هي الأجزاء من أدمغتهم التي يستخدمونها لتحقيق مثل هذه الأعمال الخارقة! وقد اختبروا مرارا وباستخدام معدات وأجهزة تكنولوجية متطورة، ووجد أنهم يستطيعون إظهار ما لم يستطع البشر العاديون من إظهاره. ولا يستطيع العلم أن يحدد بالضبط أي جزء من أدمغتهم يمكنهم استخدامه لتحقيق ما يعتقدون به!

وهناك شواهد تدعم وتعزز الحقيقة العلمية التي تتضمن على أن التحفيز الذكي Intellectual stimulation يزيد من عدد الخلايا النشطة في الدماغ البشري. وتسبب بيئة ثرية خلايا عصبية نشطة أكثر مما تسببه بيئة فقيرة. إن عدد الخلايا النشطة ليس ثابتا ويتغير باستمرار والارتباطات الداخلية بين الخلايا العصبية (الارتباطات السايناباسية) ليست ثابتة، وإنما هي متغيرة باستمرار في كل وقت.

التضمينات في التربية : توفر نظرية العالم السويسري (بياجيه) فهما معاصرا لكيفية تعلم البشر. إذ افترض بياجيه أن هنالك بنية عقلية تحدد كيفية إدراك أو فهم البيانات والمعلومات. فإذا كانت البيانات الجديدة من المحسوسات للبنية الذهنية للفرد، فإن المعلومات الجديدة تدمج ضمن تلك البنية (المواءمة حسب تعبير بياجيه Accommodation). وإذا كانت المعلومات الجديدة غير متوافقة مع البنية الذهنية المعرفية للفرد، فإنها تعدل أو تدمج في تلك البنية. وإذا كانت المعلومات مختلفة تماما مع البنية المعرفية الذهنية للفرد، فإنها لا تعد محسوسة لتلك البنية لكي تدمج فيها. وبالتالي فان المعلومات الجديدة إما يتم رفضها أو يمكن تمثيلها أو تحويلها لكي تلائم تلك البنية. والفرد الذي يرغب في المحسوسات من المحتمل أن يرفض فكرة تستلزم تصورا مجردا. وإذا أجبر على عمل شيء مع البيانات المجردة فانه سيلجأ إلى الحفظ، وبالتالي فإن المعنى يصبح غير مفهوم بالنسبة له. وهذا مشابه لحفظ قطعة بلغة أجنبية من قبل شخص لا يتكلم تلك اللغة. وتحدث التطورات الذهنية لأن للكائن الحي رغبة طبيعية للعمل في حالة من التوازن. وعندما تكون المعلومات التي يستلمها الكائن الحي من العالم الخارجي بعيدة جدا عن البنية المعرفية الذهنية للفرد، فإنها تعدل لكي يتم مواءمتها مع إبداء إحساس برفضها إذا كانت تلك المعلومات صعبة على ذلك الفرد. ويصبح الفرد في حالة عدم اتزان Disequilibrium والرغبة في التوازن تعد دافعا قويا لتغيير البنية المعرفية أو رفض البيانات. وإذا ما استلزمت المعلومات الجديدة تفكيرا مجردا فان أول بنية عملياتية مجردة ستتشكل فيما إذا كان ذلك الفرد مستعدا لذلك.

الاستنتاجات

  • تعزز الذاكرة عندما يتم الربط بالمعرفة السابقة. والتكرار غير مفيد ما لم يتم الربط بالخبرة السابقة، وتبحث قطع المعرفة الجديدة عن توصيلات الدنترايتس القديمة وتضاف إليها. وهذا يدعم ويقوي الارتباطات الأصلية. ولاشيء يتم تعلمه بشكل منفصل.
  • الدماغ عضلة تحتاج للتدريب والمران. وخلال حياتنا علينا استخدامها في تمارين متعددة قدر الإمكان لكي يكون بإمكاننا صيانة هذه العضلة وحفظ توصيلات السايناباس قوية ولتطوير توصيلات جديدة. ويبدو أن الألعاب والمواقف المحيرة أو المربكة من المثيرات الملائمة والبسيطة لتحقيق ذلك.
  • تضمينات الإبداعية بسيطة وتتمثل في تكوين ارتباطات سايناباس جديدة وروائية Novel والتي لم تكن موجودة أصلا. ويوفر ذلك فهما أكثر لتطوير الإبداع في الصفوف الدراسية.
  • من الضروري تطوير مدخل بنائي للتفكير عوضا عن اتجاه مصادفة في تكوين ارتباطات بدون أهداف.
  • بإمكان بعض برامج تعليم التفكير أن تزيد قابلية الدماغ على عمل ارتباطات أساسية، مما يسهل على الدماغ البحث عن أنماط سابقة.

موسوعات ذات صلة :