العمارة القوطية هي طراز ازدهر في أوروبا خلال القرون الوسطى العليا والمتأخرة. تطور هذا الطراز من العمارة الرومانسيكية وتبعتها عمارة عصر النهضة. نشأ في فرنسا في القرن الثاني عشر، واستُخدم على نطاق واسع خاصة في الكاتدرائيات والكنائس حتى القرن السادس عشر.
عمارة قوطية | |
---|---|
بالأعلى: كاتدرائية نوتردام دو باري، المنتصف: دعائم كاتدرائية كولونيا، تماثيل واجهة كاتدرائية شارتر، بالأسفل: نوافذ سانت تشابيل، باريس. | |
فترة النشاط | من القرن 12 إلى القرن 16 |
أثرت على | عمارة قوطية حديثة |
تضمنت أبرز معالم العمارة القوطية استخدام العقد وكتف التدعيم، الذي سمح بتوازن ثقل السقف من خلال دعائم خارج المبنى، وهذا ما أعطى ارتفاعًا أكبر ومساحة أكبر للنوافذ.[1] تميزت أيضًا بالاستخدام المكثف للزجاج المعشق، والنافذة الدائرية لإضفاء الضوء واللون على الداخل. هناك أيضًا ميزة أخرى تتمثل باستخدام التماثيل الواقعية في الخارج خصوصًا فوق البوابات لتوضيح القصص الإنجيلية لرعايا الأبرشية الأمّيين بمعظمهم.
وُجدت بعض المعالم المعمارية الرئيسية مثل القوس المدبب ونوع زخرفي من العقد في وقت سابق خارج أوروبا، ولعلها استُمدت من العمارة الإسلامية.[2][3] توافرت هذه الميزات أيضًا في العمارة الرومانية لكنها استُخدمت على نطاق واسع وبطرق أكثر ابتكارًا لجعل الكاتدرائيات القوطية أعلى وأقوى وممتلئة بالضوء.[4]
تُعتبر كنيسة سان دوني المثال الأول الأكثر أهمية على العمارة القوطية. تقع الكاتدرائية بالقرب من باريس، إذ أُعيد بناء الجزء المخصص للجوقة فيها باستخدام العقد والنوافذ الزجاجية المعشقة كبيرة الحجم بين عامي 1140 و1144.[5]
الاسم
عُرفت العمارة القوطية خلال الفترة باسم أوبس فرانسيجينم ("العمل الفرنسي الفرنجي").[6] نشأ مصطلح "العمارة القوطية" في القرن السادس عشر وحمل في بداية الأمر معنى سلبيًا للغاية، إذ كان يشير إلى شيء همجي.[7] استخدم جورجيو فازاري مصطلح "النمط الألماني الهمجي" في كتابه حياة الفنانين عام 1550، لوصف ما يُعرف الآن بالطراز القوطي، وعزى العديد من المعالم المعمارية في مقدمة الكتاب إلى "القوط" وحملهم مسؤولية تدمير المباني القديمة بعد غزو روما، وإقامة مبان جديدة على هذا الطراز.[8]
لمحة تاريخية
الأصول - أوائل القوطية (1130- 1200)
نشأ الطراز القوطي في منطقة إيل دو فرانس في شمال فرنسا خلال النصف الأول من القرن الثاني عشر. أخضعت سلالة جديدة من الملوك الفرنسيين والكابيتيين الأمراء الإقطاعيين وأصبحوا أقوى الحكام في فرنسا واتخذوا من باريس عاصمة لهم. تحالفوا مع أساقفة المدن الكبرى في شمال فرنسا وقللوا من السلطة العدائية لرؤساء الأديرة وأديرتهم الإقطاعية. تزامن صعود هذه السلالة مع النمو الهائل في عدد السكان وازدهار مدن شمال فرنسا. تمنى ملوك الكابيتيين وأساقفتهم بناء كاتدرائيات جديدة تكون آثارًا على قوتهم وثروتهم وإيمانهم الديني.[9]
تعد كنيسة سان دوني النموذج الرئيسي للطراز القوطي، التي أعاد أبوت سوجر إعمار الجزء الخاص بالجوقة فيها لأول مرة وتلاها الواجهة (1140- 1144). كان سوجر حليفًا للملك الفرنسي لويس السابع وكاتبًا لسيرته الذاتية، ويُعد كاثوليكيًا شرسًا ومعماريًا مؤسسًا لجامعة باريس. أعاد سوجر تشكيل الرواق المحيط بالدير وأزال الملحقات التي فصلت المصليات واستبدل الهيكل الحالي بالأعمدة العالية والعقود. خلق هذا مدى أعلى وأوسع امتلأ بنوافذ أكبر سمحت لكمية أكبر من النور بالوصول إلى نهاية الكنيسة. أعاد سوجر بناء الواجهة بعد فترة قصيرة مضيفًا ثلاث بوابات عميقة تحمل كل منها طبلة وقوسًا ونقوشًا توضح قصصًا من الإنجيل. أُحيطت الواجهة الجديدة ببرجين. أنشأ سوجر أيضًا نافذة دائرية صغيرة فوق البوابة المركزية. شكل هذا التصميم النموذج الأصلي لسلسلة من الكاتدرائيات الفرنسية الجديدة.[10]
كانت كاتدرائية سينس (التي بدأت بين عامي 1135 و1140) أول كاتدرائية تُبنى على الطراز الجديد (سان دوني هي كنيسة وليست كاتدرائية). ظهرت بعدها نماذج أخرى من النمط الجديد في كاتدرائية نويون (بدأت عام 1150) وكاتدرائية لاون (بدأت عام 1165) وكاتدرائية نوتردام دو باري الأشهر على الإطلاق التي بدأ بناؤها عام 1160.[11]
تبنت بعض النظم الرهبانية الفرنسية الطراز القوطي، خاصة النظام السيستيرسي تحت حكم برنارد من كليرفو. استُخدم الطراز بشكل متقشف دون زخرفة في دير السيستيرسيان الجديد في فونتيناي (1139- 1147) وكنيسة كليرفو التي يشغلها اليوم سجن فرنسي.[12]
نُسخ النمط الجديد خارج مملكة فرنسا أيضًا في دوقية نورماندي. من الأمثلة المبكرة عن نورمان القوطية كاتدرائية كوتانس (1210- 1274) وكاتدرائية بايو (أُعيد بناؤها على الطراز الروماني في القرن الثاني عشر) وكاتدرائية لو مان (أُعيد بناؤها من القرن الثاني عشر الروماني) وكاتدرائية روان. انتقل النمط الجديد إلى إنجلترا من خلال حكم أسرة أنجفين وانتشر من هناك إلى البلدان المنخفضة وألمانيا وإسبانيا وشمال إيطاليا وصقلية.[13] لم يحل الطراز القوطي محل الرومانسيكي في كل أنحاء أوروبا على الفور. واصل العصر الروماني المتأخر ازدهاره في الإمبراطورية الرومانية المقدسة تحت حكم هوهنشتاوفن وراينلاند.
القوطية العليا (1200-1270)
انتشر الطراز القوطي من إيل دو فرانس إلى مدن أخرى في شمال فرنسا منذ نهاية القرن الثاني عشر وحتى منتصف القرن الثالث عشر. شملت المباني الجديدة في الطراز كلًا من كاتدرائية شارتر (بدأت عام 1200) وكاتدرائية بورج (1195- 1230) وكاتدرائية ريمس (1211- 1275) وكاتدرائية أميان (بدأت عام 1250).[14] سمح استخدام أكتاف التدعيم في شارتر بالتخلص من مستوي منبر الخطابة وهذا ما أتاح مجالًا لأروقة وصحون أعلى ولنوافذ أكبر حجمًا. عُدل النوع الأول من العقود المستخدمة في سان دوني ونوتردام وتحولت الأجزاء الستة إلى أربعة ما جعلها أكثر قوة وبساطة. كانت أميان وشارتر من أوائل الكاتدرائيات التي استخدمت أكتاف التدعيم التي قُوّيَت بقوس إضافي ورواق داعم سمح بجدران أعلى ونوافذ أكثر. أُعطيت الدعامات في ريمس وزنًا وقوة أكبر من خلال إضافة صهوات حجرية ثقيلة في الأعلى. زُينت الصهوات عادة بتماثيل للملائكة التي أصبحت عنصرًا زخرفيًا مهمًا في الطرز القوطية العليا. ظهر عنصر عملي وزخرفي آخر عُرف باسم الغرغول وهو عبارة عن صنبور المطر الزخرفي الذي كانت وظيفته نقل المياه من السقف بعيدًا عن المبنى. كانت نوافذ الصحن في أميان أكبر حجمًا وسمح الصف الإضافي من النوافذ الزجاجية الشفافة للضوء بالوصول إلى المناطق الداخلية. سمحت التقنيات الهيكلية الجديدة بتوسيع الأجنحة المستعرضة والمساحة المخصصة للجوقة في الطرف الشرقي من الكاتدرائيات ما أتاح مساحة إضافية لحلقة من المصليات المنارة جيدًا. أُعيد بناء الجناح المستعرض في نوتردام باستخدام التقنية الجديدة وأُضيفت نافذتان دائريتان مذهلتان.[14]
القوطية المشعة (1250- 1370)
سميت الفترة التالية باسم "القوطية المشعة" إذ يُعبر مصطلح "المشعة" عن الميل لاستخدام المزيد من الزجاج المعشق والتقليل من استخدام حجارة البناء في تصميم المبنى فبدت الجدران مصنوعة بالكامل من الزجاج. يُعد مصلى سانت تشابيل الكنسي المثال الأكثر شهرة على ذلك، إذ كان المصلى ملحقًا للمقر الملكي في قصر المدينة. جرى التخلص من أكتاف التدعيم والغرف الجانبية ولم يتبق سوى دعامات بسيطة قريبة جدًا من الجدران لدعم الجهة الجانبية من العقد الذي يجب أن تشكله عناصر معدنية مبتكرة تحت الشد. ساعد وزن كل من الجملونات الحجرية فوق أقواس النوافذ الجدران على مقاومة الدفع وتوزيع الثقل.
تعد النوافذ الدائرية الواقعة في الشمال والجنوب من الجناح المعترض في نوتردام من المعالم الأخرى التي تميز القوطية المشعة. أُحيطت هاتان النافذتان بإطار ناعم يشبه الدانتيل، وشغلت كامل المساحة بين الأعمدة. في حين كانت النوافذ الدائرية السابقة مثل نوافذ كاتدرائية أميان مؤطرة بالحجارة وشغلت جزءًا من الجدار فقط.[15]
القوطية الملتهبة (1350- 1550)
ظهر طراز القوطية الملتهبة في النصف الثاني من القرن الرابع عشر. تميز هذا الطراز بالزخرفة الكثيرة، إذ تنافس المواطنون النبلاء والأثرياء في معظم المدن الفرنسية الشمالية لبناء كنائس وكاتدرائيات تحوي عددًا أكبر من التفاصيل الدقيقة. جاء الاسم من التصميمات المتموجة التي تشبه اللهب وتزين النوافذ. تضمنت الميزات الجديدة الأخرى القوسين المتداخلين والنافذة المزينة بقوس والصهوات الحجرية والنقش الذي يأخذ شكل الأزهار. تضمن الطراز أيضًا زيادة في عدد الأعصاب أو الأضلاع التي زينت كل عقد في السقف ما ساهم في الحصول على دعم وتأثير زخرفي أكبر. تعد الواجهة الغربية لكاتدرائية روان وسانت تشابيل دي فينسين في باريس، وكلاهما بُني في سبعينيات القرن الماضي، والجزء المخصص للجوقة في دير مونت سانت ميشيل (1448 م) من هذا الطراز.[16] انتشر الطراز بعد ذلك في شمال أوروبا، ومن الأمثلة البارزة على القوطية الملتهبة في منطقة البلطيق كنيسة سانت آن في فيلينوس من الطوب في تسعينيات القرن الخامس عشر.
معرض صور
مقالات ذات صلة
المراجع
- Ducher 1988، صفحة 46.
- Hughes, Punter & Smith 2015، صفحة 38.
- Giese, Pawlak & Thome 2018، صفحة 149.
- Bechmann 2017، صفحات 178–188.
- Mignon 2015، صفحات 8–9.
- Jones 1999، صفحة 90: "The style was widely referred to as opus francigenum - "فرنجة' work"."
- Vasari 1991، صفحات 117, 527.
- Vasari, Brown & Maclehose 1907، صفحة 83.
- Raeburn 1980، صفحة 102.
- Martindale 1993، صفحات 17–18.
- Martindale 1993، صفحات 20–22.
- Martindale 1993، صفحات 24–26.
- Grodecki 1977، صفحة 36.
- Ducher 1988، صفحة 48.
- Ducher 1988، صفحة 58.
- Renault & Lazé 2006، صفحة 37.