هو الشاعر عمرو بن عبود بن عمرو بن علي بن عمرو بن علي بن عويض بن سعيد بن عويض بن عمرو بن مزغوف الغتنيني الثعيني من مواليد منطقة سرار إحدى قرى مديرية الريدة وقصيعر (حضرموت ). ولد في منتصف العشرينات من القرن العشرين أي حوالي عام 1925 م. نشأ في بيئة علم وأدب في رعاية والده شاعر المشقاص عبود بن عمرو الغتنيني ودرس عليه القراءة والكتابة وقرأ عليه القرآن الكريم ومبادئ الفقه حيث كان والده يقوم بالتدريس وتعليم القرآن الكريم في زمن عمّت فيه الأميّة وقد استفاد منه كثير من الطلاب من سرار وغيرها من القرى المجاورة.
تفتـقت قريحته الشعرية في سن مبكرة فكان يشارك غيره من الشعراء في مناسبات الأفراح التي كانت تزخر بقول الشعر في مراسيمها المختلفة والتي تستمر إلى ما يقارب الأسبوع وكانت منطقة المشقاص عامة في ذلك الوقت تشتهر بجلسات الشعر والسمر وقد قصدها الشعراء من مناطق عدة وعلى رأسهم الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار وكان يأتي إلى سرار ليجري مع شعرائها مساجلات شعرية وله مع الشاعر عمرو عبود عدة جلسات.
يقول المحظار في إحداها:
ندوّر على مشخــص من العـــام قالوا في ســــرار الذهـــب شركة تصفي في المعادن كما شغل مريكا هي ويا بن سعود
جواب عمرو عبود:
يا الهاشمـــي مرحبا قول جانا خاطـــري به طـــرب أما الذهب لي يوصفونه في الخزنة لكنه عليه الجنود
المحظار:
لا طالت المـــدة وجارت على قلب الركيـــك انقلـب لكننا قلبي زكي ميتحرك ضاري الا عا مروّة وجود
عمرو عبود:
من كـــان مثلي ومثـــلك عـــاده الا مكـــانه شبــــب وعادنا في زيانات ومروّات لا قمنا الكفف والعمود
وفي جلسة أخرى وقد شارك فيها إلى جانب المحظار الشاعر بومسلّم الحبّاني. يقول المحظار:
ترّكــت في الحافــة وصبّحت لسرار متأنــّس نا وسعفي ما لي طلب غير نابا شرف على ناس
عمرو عبود:
ينشرح الخاطر لا سمعت مصبوب ومخمّس بيت رحب بكم من كل قلعة يا صلاب الراس
بو مسلّم الحبّاني:
رخصــوا لي با جيب مركوب بالشد ومروّس في ميادين الحرب يدخل على الطبل والمرواس
عمرو عبود:
كيف لك ترّكت الحراثة وهوّنت في المغرس ولي علي سوم الساقيــة عمّدوا جذرها بالفــاس
المحظار:
لي على سوم الساقيـــة ذه السنــــة جذرها ملّس من قبض بجذر الملس باه يصبر على المرطاس
وفي قصيدة أخرى يقول المحظار:
جيت من ضيق بي با تولّه * عنــدكم يلّــي تبعـــدون الكــــدر
بالسلا عامريــن المحلة * من شخاوي لما حمم وطراف حلفون
قال عمرو عبود:
لي برح فـــك ريشه وعلّه * وين تلحقــه لا قد تعلّــى وفــــر
بات في الحيط ولعاد ظلّه * ما لقى في الشجار المظلّه زهر وغصون
وفي مساجلة أخرى مع بو مسلم الحباني
يقول بو مسلم :
يا القرمزي نا بغيتك تقع لي ذخيرة * لا سرحت قانص با سرح عالوكل
والوعال الكبيرة * با سرح وراهن نتبع السيرة والاثار
جواب عمرو عبود:
مول القنيصة يصبّح عيونه سهيرة * كل من تمنى حيث با ما وصل والتماني الكثيرة * يا كم واحد عا يتمنى ليل ونهار
بو مسلّم:
حبّيت مخلوق ولعاد با حب غيره * شيّد مصانع وسط قلبي وحل سير من غير ديره * ولعاد با تخبّر على عبري وسنجار
عمرو عبود:
يا مرحبا ميل جاء من بحور الغزيرة * نشّر بناديره في راس الدقل
قلت حيا مسيرة * يوم هو يمشي على التيمات والطار
وكذلك دارت بينه وبين والده بعض المساجلات وقد حصل ذات مرة أن تأخر الوالد عبود بن عمرو في الحضور إلى الصف وكان شاعرنا لا يتقدم بين يديه في الزوامل فقال له المقدم كرامة بن سعيد بن فريفران الغتنيني هات قصيدة نتوجه بها فقال قصيدة ثم جاء الوالد فرد عليها وحصلت بينهما مساجلة شعرية يقول الوالد في آخرها موصيا له أن يشق طريقه في مضمار الشعر بقوة:
كلّف على الساقين والمبعد يجي * ولعا تهوب في المزاحم والعقاب
فكان جوابه أن طلب الدعاء من والده فدعاء الوالد مستجاب وبسببه تحصل الإعانة والتوفيق فقال:
بغينا دعاء صالح من الوالد يجي * شا دعوة الوالد نحسبها حســاب
ما شي مغبّي عنــد ربك يختفــي * كل من عمل حجه لقاها في كتاب
وحصل أن صلّى الصبح ذات يوم قبيل طلوع الشمس ونسي القنوت فيها ولم يسجد للسهو كما هو المعتمد في المذهب فذهب إلى الوالد يستفتيه في هذه المسألة قائلا:
صلّيــت صــلاة الصبـح ونسيــت القنـوت * ولعــاد سجدت السهو من قبل الســلام
صلّيتها والوقـــت حـــالا با يفــــوت * قـــل لي صلاتي باطلـــة والّا تمــام
فقال له الوالد: تمام .
وكان رحمه الله يحضر مجالس السمر وحفلات الزواج التي تقام هنا وهناك في منطقة المشقاص وكان الشعر حاضرا فيها وكان للوالد حضور ومشاركة فاشتهر شعره وذاع صيته خاصة وهو ابن شاعر المشقاص عبود بن عمرو الغتنيني وكان قوله في جزالته وحسن صياغته قريبا من قول والده كما اشار إلى ذلك الشاعر المخضرم الشيخ كرامة بن عمرو بن حمادة الثعيني في مقدمته على ما جمع من أشعارهما في ديوان سمي ( الذهب من معدنه ).
وبهذه المناسبة فإن ما تم جمعه من أشعارهما ما هو إلا النزر اليسير مما قالوه في حياتهما المديدة العامرة وهذا الذي بين أيدينا من شعر رصين وكلام متين وحكم بليغة ينبئنا أننا فقدنا جواهر غالية ودرر ثمينة وهذا حال أكثر أو كل شعراء المشقاص في ذلك الوقت حيث كانوا لا يهتمون بكتابة الشعر وتدوينه وإنما يعتمدون على الحفظ ولم يصل إلينا إلا القليل مما حفظه الرواة وإنها لخسارة كبيرة للتراث والشعر المشقاصي خاصة والحضرمي عامة وهذا يدعو إلى الحزن والأسى لدى المهتمين بالشعر والتراث.
وكان الشاعر عمرو عبود يرتاد كثيرا من المناطق التي تقام فيها جلسات الشعر ولكن لوادي عسد الجبل منزلة خاصة في نفس الشاعر فقد كان يقضي فيه وقتا طويلا في موسم الخريف شأنه في ذلك شأن قبيلته بيت غتنين التي لها ارتباط وثيق بعسد الجبل ولهم فيها أموال ونخيل ولهم ناحية خاصة في ذلك الوادي تسمى زحر بيت غتنين ولهم فيه حصن مشهور فمنظر الوادي وطبيعته الخلابة تملكت مشاعره وجعلته يتغنى بها فمن ذلك قوله :
وادي عســـد زيــن من شافه ســلا خاطره
فيـه المعاييــن وسقاطــر بها زاهيــة
خلعة على السوم تســوي خمســت عشر مية
وللشاعر اهتمام ملحوظ بما يجري للأمة من أحداث فيتفاعل معها ويذكرها في شعره مثل قصيدته في حرب فلسطين وقصيدته في الحرب على العراق وغيرها.يقول حرب فلسطين:
يا الروس زودنا بقـــوّة كافيـة .. خلّـي مريكــا صابية بيــن العقـود
نار العــرب تشعل ولا هي طافيـة .. تشهد بها حيــفا وسكـــان اليهود
ويل اليهـــودي من جيوش الحافية .. معنـا ثنعــشر الف لي هم عالـحدود
شرقت طلـوع الشمــس ما هي خافية .. ما حد يضــل الشعــب ويخون العهود
ويقول في الحرب على العراق عام 1990م
صدام قد هز العروش .. والموت ربي نزله .. يقضي على بيكر وبوش
ومما امتاز به الشاعر عمرو عبود علاقاته الواسعة مع الناس وارتباطه بصلات حميمة بكثير من الأسر والشخصيات لا سيما أن بيتهم لا يكاد يخلو من الزوّار والضيوف ممن يأتي لزيارة والده الشاعر عبود بن عمرو الغتنيني فتوثـقت معرفته بكثير منهم وظل محافظا على هذا الود والإخاء إلى أن توفاه الله.
وكان رحمه الله على معرفة كبيرة بالأنساب فلا تسأله عن شخص إلا ويخبرك عن آبائه وأقربائه وذلك لكثرة مخالطته للناس بأخلاق حسنة وسمعة طيبة وكان يقابل بالتقدير والاحترام أينما حل وفي ذلك يقول:
ومسهّله لي طــرق من حيـــث ما با عزم
من حيث ما ســرت عند النــاس حصّل حرم
وقد قضى فترة من حياته بعيدا عن بلدته فقد سافر إلى عدن للعمل هناك ثم إلى الكويت وأخذ يشده الشوق والحنين إلى أهله ووطنه فعبر عن ذلك بكلمات جميلة تفيض بالمشاعر الصادقة على وجازتها فقال:
قلبــي موالف لكــم ما هو محب في الكويت
شغل المكـــدة نكـــد ودّيـــت عبّــر وقيت
ودّيـــت عبر سنـــة فيهـا لا قــد بطيـــت
ولم يلبث في الكويت إلا قليلا حتى عاد إلى الوطن ليلازم والده الذي صار قعيد الفراش لعدة سنوات إلى أن وافاه الأجل سنة 1985م .
وقد تولّى إمامة المسجد الجامع بسرار خلفا لوالده رحمه الله وفي سنواته الأخيرة أخذ يتخفف من أعباء المشاركات الشعرية في حفلات الزواج خاصة بعد أن تفتـقت شاعرية ابن أخيه الشاعر الموهوب عبد الرحمن سعيد عبود بن عمرو فجعل يفسح له المجال ويقدمه حتى استوثـق من مقدراته الشعرية كما ترك إمامة المسجد لابنه النجيب الشيخ سالم عمرو صاحب الخلق الرفيع والاطلاع الواسع.
وأخذ الشاعر رحمه الله يتفرغ للعبادة والذكر فكان يقضي معظم أوقاته مصليا تاليا للقران الكريم مواظبا على اوراده حريصا على اتباع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك وكان رحمه الله متميزا بالصبر والحلم وسعة الصدر وغنى النفس.
أما بالنسبة لشعره فقد عرف بجزالته وقوته لفظا ومعنى تناول فيه موضوعات متعددة بألفاظ جميلة وعبارات محكمة وأبيات متناسقة ويكفينا قول الشاعر الشيخ كرامة بن عمرو بن حمادة الثعيني وهي شهادة معتبرة لها قيمتها من مثل الشيخ كرامة حيث قال: " وأن قوله لا يبعد عن ما ورثه من الوالد عبود".
توفي رحمه الله يوم الثلاثاء الموافق 14/7/2009م رحمه الله رحمة واسعة ورفع درجته وأسكنه فسيح جناته وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. [1]
مراجع
- ديوان الذهب من معدنه .. مخطوط