الرئيسيةعريقبحث

عملية العصفور الأزرق


عملية العصفور الأزرق تفشل في القبائل، قررت المخابرات الفرنسية تشكيل جيش عميل من الجزائريين لمحاربة جيش التحرير الوطني، وذلك بعد فشل المدعو الجنرال “بلونيس” كانت المحاولة هي تجند عملاء جزائريين من سكان منطقة القبائل لصد المجاهدين حيث تم إسناد المهمة إلى عناصر المنطقة العسكرية العاشرة للجيش الفرنسي بالتعاون مع بعض أفراد قبائليين عاملين في جهاز المخابرات الفرنسية وفي مقدمتهم المدعو “الطاهر حشيش” عنصر ذكي صديق حميم لقائد جهاز مراقبة التراب الفرنسي بباريس DST.[1]

عملية العصفور الأزرق
جزء من ثورة التحرير الجزائرية 
التاريخ أبريل 1956 
الموقع منطقة القبائل 

التحق الطاهر حشيش بمدينة عزازقة حيث قصد مطعم اصدقاؤه المدعو زياديد الذي كان مناضلا ومسؤولا في صفوف الحركة ممن أجل انتصار الحريات الديمقراطية، ونظرا لظروف الاجتماعية والخاصة كان قد ابتعد عن الحركة الوطنية من غير ما ينفصل عنها تماما، ولعل ابتعاده هذا عن النضال منذ عام 1950 هو الذي جلب إليه انتباه الطاهر حشيش الذي قرر زيارة في مطعمه.[2]

التقى الرجلان وجرى الحديث بينهما حول أحداث الثورة المسلحة والمجاهدين وتواجد كريم بلقاسم وما يشكله المجاهدون من قوة ضاربة في المنطقة، وقد تواصل الحديث من غير ما يكشف زايديد نوايا الطاهر حشيش. إلى أن وصف هذا الأخير ما يقوم به جيش التحرير بالقتلة للأطفال وبالمجرمين في حق النساء تبين لزايدد موقف صديقه الحميم من الثورة فلم يشأ أن يخالف في موقفه وآرائه، بل أيده أكد له ما أنعت به المجاهدين وأضاف له أوصاف ما يعانيه الشعب منهم، فوثق حشيش بصاحبه وباح له بما عزم على الإقدام عليه.


لم يبد زياديد أية معارضة ولم تظهر عليه علامات القلق والخوف بل أبدى ما يشجعه صديقه بعدما اهتدى في قرار نفسه إلى ما قد يفيد به الثورة ويكفي أن يلعب فيها الدور الأساسي تعويضا لما فاته من نضال.


عرض عليه حشيش أن يقوم بعمل ما، خدمة لفرنسا حتى تكرمهما بما يليق بعملهما.. لم يعلق زايديد على عرض صديقه وإنما استفسره عن نوع العمل وأسلوبه، وقد اندهش زياديد لما رد عليه صديقه بقوله : “أن نقاوم الفلاقة بالأسلوب الاستخباري الذي يطوق شملهم وأن يتم ذلك بالدخول في وسطهم واختراق صفوفهم”.


اظهر زايديد حيرته وعلى أنها حيرة المستصغر قبوله العرض حتى وإن كان ما يريده من صديقه غير واضح وغير مفهوم، وعقد الاثنان اتفاق لقاء ثاني بينهما.[3]

أن زايديد كان مناضلا في صفوف الحركة من أجل انتصار الحريات والديمقراطية، وترقى في إطارها إلى مستوى المسؤولية، وهذا ما يؤكد ما كان عليه من روح وطنية عالية، إلا إن ظروف الحياة وما حدث في صفوف الحركة فيما بعد جعله يبقى حياديا مهتما بشؤون عائلته، ومع اندلاع الثورة عاد إلى نشاطه الوطني انبعثت فيه روح الوطنية، فاتصل برجالات الثورة وعلى رأسهم كريم بلقاسم.


فلم يترك زايديد الوقت يضيع منه، فما أن افترق بصديقه حشيش حتى اتصل لكريم بلقاسم واستعرض عليه تفاصيل قصة لقاءه مع حشيش وما ينوي هذا الأخير القيام به ضد الثورة وضد المجاهدين.


لم يندهش كريم بلقاسم ولم يعقب في بداية الأمر، بل فكر طويلا، ثم قال لزايديد ما عزم عليه ورتب له.


وطلب منه أن يبقى على اتصال دائم مع حشيش وأن يظهر له المودة والإخلاص وان يحثه على أن يحقق ما يريده، وقبل أن يودع كريم بلقاسم زايديد قدمه إلى المدعو حمد بازوران قائد ناحية عزازقة، ثم ودعهما في الأخير على أمل اللقاء.


التقى زايديد بحشيش الذي كان عائدا من العاصمة يحمل معه إلى زايديد خبر حصوله على أسلحة وذخيرة ومال، ويبقى الحصول على العناصر من مهمة زايديد الذي أكد لصديقه أنه في صدد البحث عنهم وقادرا على استمالتهم وتجنيده، ولكن يجهل عدد العناصر المطلوبة، إلا أن حشيش رد عليه بأنه بحاجة إلى العشرات والمهم في الأمر أن لا يلتفوا الانتباه إليهم ويلتزمون بأشغالهم العادية نهارا، أما المهمة المطلوبة منهم فيتم تنفيذها ليل فقط وعليهم بالإخلاص لفرنسا.


تواصلت اللقاءات بيتن زايديد وحشيش من أجل التحضير والإعداد، وفي نفس الوقت كانت تجري لقاءات بين زايديد وكريم بلقاسم الذي أشعر العقيد محمدي سعيد بما نوى القيام به لاستغلال مخطط العميل حشيش عن طريق زايديد، لكن العقيد محمدي سعيد لم يبد ارتياحه لهذه العملية لما تشكله من خطورة على حياة المناضل زايديد وباقي الوطنيين من أبناء المنطقة الذين تم الاتصال بهم للتجنيد كعملاء تحت قيادة حشيش وضمن جهاز مخابراتي ليس من السهل الإفلات منه، كما أن تجربة العقيد محمدي سعيد مع “الجستابو” الألماني تركه يفكر طويلا، لكن إصرار كريم بلقاسم على تنفيذ خطته أصبح في نفسه عزيمة وإرادة، لأنه كان يعلم أن الوطني زايديد يمتاز بذكائه الحاد وشدة رزانته وهدوءه وهو الذي سيقود “فيلق العملاء” وريثما يقوم حشيش بتسليحهم.


سارعت مخابرات الثورة، بالتحضيرات والاستعدادات اللازمة وكذلك أهمية الاعتناء بهذا الملف السري، تم كل شيء دون أن يعلم ذكاء عناصر الأجهزة الفرنسية، ورغم أنها كانت الناشطة بدون منافس في الساحة الجزائرية.


وهكذا سقط جهاز المخابرات الفرنسية في الفخ بسقوط “عصفور الأزرق” بناه له وطني قروي بسيط اسمه زايديد دون سابق إنذار إلى الجهاز المخابرات لجزائر الثورة، وهي العملية التي أطلق عليها وعلى منفذها قوة كا Force K. نسبة للحرف الأول من كلمة القبائل جند فيها زايديد رجالا من خيرة المناضلين والوطنيين الذين كانوا يشكلون جهاز اتصال، والذي تحول فيما بعد إلى ما يسمى بجهاز الثورة للمخابرات.


وتلك العملية كانت الأولى من نوعها التي نجح فيها هذا الجهاز، مما رفعه إلى مستوى أجهزة الاستخبارات العالمية لتطوير مع مرور السنين وقد روى لنا المرحوم قاصدي مرباح كيف كان جهاز المخابرات مسيطرا على الأوضاع داخل الوطن وداخل فرنسا…


لقد شارك في اختيار وتجنيد الرجال القائد كريم بلقاسم، حتى يضمن التفوق والنجاح على جهاز المكتب الثاني، حيث تمكن زايديد أن يوهم حشيش العميل إلى أن وفر له المال والسلاح بمختلف أنواعه وتم تسليح في الدفعة الأولى ثلاثين رجلا، وحصول على مبلغ من المال، والذي وزع على الجندين.


دخلت “قوة كا” في تنفيذ العمليات العسكرية ليلا، وهي عمليات كان كريم بلقاسم يعدها ويحضرها بنفسه حتى يسيطر على الوضع، حيث كانت الاشتباكات تجري بطرق وهمية يعود بعدها المجندون إلى حياتهم العادية وحتى الخسائر المادية والبشرية التي كان يتم الإعلان عنها.في الواقع كانت في صفوف الخونة والحركة والعملاء الذين كانت قيادة الثورة تأتي بهم من مناطق أخرى ليعدموا في ساحة المعركة حتى يتأكد بفرنسا وفاء المجندين” العملاء “و زاد “حماس” المخبرات الفرنسية فسادت في التجنيد التسليح، وما زال زايديد هو قائدهم، وصاحب القرار في الاختيار، حتى وصل عدد المجندين في “قوة كا” إلى 1500 رجل، وهو ما دفع كريم بلقاسم أن يعين المدعو محمد مخلوف من آيت وانيش مساعدا لزايديد الذي أصبح يتمتع بثقة الفرنسيين صاحبه حشيش.


ولما تولي محمد مخلوف هذا المنصب أصبح التمويل بالأسلحة الذخيرة، مباشرة من طرف أحد الضباط من جهاز الاستخبارات على مستوى المنطقة العسكرية بتيزي وزو، وكان هذا الضابط هو الذي ينقلها إلى قرية آيت وانيش ليستلهمها منه محمد مخلوف في سرية تامة.


وذات يوم وصلت تعليمات إلى زايديد تحثه على جمع كل المعلومات عن صديقه حشيش، وكل ما يمكن معرفته عن شخص بلونيس فأخبره بأنه عميل خطير يعمل مع ضابط المخبرات الموجودة بمدينة “غتراليس”.


في الوقت الذي كان حشيش يخطط إلى بلوغ ما كان يطمح الوصول إلى تحقيقه، تمت الإجراءات لانعقاد مؤتمر الصومام، فأمر كريم بالقاسم بسحب المجاهدين من عملية العصفور الأزرق لتحويلها إلى قوة جهاد ظاهرة تتكلف بحماية المنطقة والدفاع عنها في حالة شن أي هجوم فرنسي على المنطقة، وصادف هذا القرار لجوء الجنرال الفرنسي” اوكي” إلى التفكير جيدا في “قوة كا” مباشرة بعد تعينه لتسيير هذه القوة فبدا يراوده الشك. إلا أن “جاك سوستال” عارض هذا التعيين، وعين بدله النقيب” هنتيك “-الذي أول خطوة قام بها تمثلت في فتح تحقيق لمعرفة كل فرد من أفراد قوة كا-


طالب النقيب “هنتيك” تدعيمه بعاصر فرنسية من الفلق الخاص للمظليين، والمعروف باسم”الصدمة 11″(11e CHOC) حيث لبى طلبه الكولونال -ديكروس- ومده بثلاثين عسكريا، من بينهم سبعة عشر مظليا، واثني عشر ضابط صف من ذوي الكفاءة العسكرية عالية، تحت قيادة الملازم-داكسل- ثم “جون سرفيي” في مهمة سرية، لأنه يحسن التحدث بالقبائلية والعربية والشاوية، ويعرف حسن المعرفة منطقة القبائل الكبرى والصغرى. وأكد النقيب بأن رجال “قوة كا” ليسوا كلهم من القبائل والا ينتمون لناحية تيزي وزو وعزازقة.


وبذلك تأكدت شكوك “هنتيك”.


سارع أسد الجبال كريم بلقاسم بإعطاء الأوامر عاجلة أفراد “قوة كا” للإتحاف بصفوف جيش التحرير الوطني، وبالتالي وضع حدا للمهمة والانسحاب من غابة “تمغوت” جنوب بورفيدون- في حين التقى زايديد بصديقه الطاهر حشيش لإخباره بما حصل متجاهل أمامه بانتماء بعض من عناصر “قوة كا” إلى المخابرات الجزائرية.


وبعد فترة ظهر حشيش بوحشية يريد الانتقام لفشله من صديقه زايديد لكن هذا الأخير كان أسرع منه فأخرج مسدسه 9 مم وصوبه في صدر حشيش حيث أطلق ثلاث عيارات سقط على إثرها حشيش ميتا من أجل فرنسا.


في نفس الوقت أعلنت القوات الفرنسية حالة طوارئ من منطقة القبائل، بعدما أصيبت مخابراتها بالجنون وانقلب كل شيء في باريس، فأمرت قيادة المخابرات الفرنسية وكذلك “جاك سوستال” بإبادة كل المجندين في “قوة كا” الشيء الذي حول المنطقة إلى جحيم من النار والدمار.


ومن جانب الطرف الجزائري فقد أعلن كريم بلقاسم عن التحاق 600 عنصرا من “قوة كا” بصفوف جيش التحرير. بينما العناصر الأخرى، منها من تسللت داخل المدن، ومنها من دخلت في اشتباكات مع المظللين الفرنسيين. وانتقاما للفشل الذريع الذي تكبده الجيش الفرنسي شن هجوما عنيفا على المنطقة الأكثر ضراوة في هذة العملية وهي منطقة أقني أوزيضوض بأزفون ودامت عملية القصف يوما كاملا وقد خلف هذا القصف عددا هائلا من الشهداء والجرحى


لم يتناول الإعلام الفرنسي هذه الواقعة المتمثلة في انهزام مخابراتها، إلا بعد مرور عشرة أشهر، ولم يكن وقع الفضيحة على المخابرات الفرنسية فحسب، وإنما على فرنسا بقوتها العسكرية والصناعية، وما يليها من علم وثقافة وتلك هذه قصة العصفور الأزرق الذي تربى في عش فرنسا ثم طار ليرفرف ويحط في قمم جبال الجزائر الشامخة وذلك هو الانتصار الذي حققه جهاز المخابرات الجزائرية وهو عز تأسيسه..لازال في مهده وتغلب على أقوى جهاز في أوروبا. ولأن الانتصار لا يعود في أصله إلى قوة عسكرية، وإنما يعود أصلا إلى الإيمان بقضية ما..لما كانت قضية إيمان الجزائريين هي تحرير الجزائر من بطش الاستعمار.[4]

مراجع

  1. Si cette opération est connue sous le nom d'« Oiseau bleu » répandu par les historiens qui utilisent une compilation répétée de sources don't l'imaginaire n'est pas toujours absent, aucun des initiateurs ou des participants ne le confirme. Pour eux, il s'agit de « Opération K », comme Kabylie. Trésor du Patrimoine, no 4, sept-oct 2002, Éditions Historiques, p 6
  2. Yves Courrière (1970). Guerre d'Algérie: Les fils de la Toussaint. I. Fayard.
  3. Le montage de l'affaire K, dite Oiseau Bleu [archive], Maurice Faivre, etudescoloniales, 27 décembre 2010
  4. Trésor du Patrimoine, no 4, sept-oct 2002, Éditions Historiques, pp : 7

موسوعات ذات صلة :