يتضمن فقه الزينة الأحكام الفقهية الإسلامية المتعلقة بزينة الإنسان على الخصوص، وزينة ما سوى ذلك على نحوٍ أقل. رغم أن عموم الزينة في الفقه الإسلامي مباح، لقوله تعالى: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده» [الأعراف: 32]. إلا أن حملها لإشارات مختلفة، تختلف باختلاف الشخص المتزين، مكانته وجنسه ونوع الزينة، وكذلك الشخص الذي يرى الزينة جعل لها أحكامًا في الفقه الإسلامي تختلف باختلاف ما سبق.
ترغيب الإسلام بالزينة والتزين
ورد الترغيب بالزينة والمظهر الحسن في الإسلام كثيرًا. ومن جملة ما ورد:
1- قوله تعالى: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده» [الأعراف: 32].
2- رأَى رسولُ الله ﷺ رجلًا عليه ثوبانِ قد خلِقَا فقالَ أما له ثوبانِ غيرَ هذينِ قلتُ بَلَى قالَ فمُرْهُ فلْيلْبَسْهُمَا فلبَسِهُمَا ثم وَلَّى فقالَ رسولُ الله ﷺ مالَهُ ضَرَبَ اللهُ عُنُقَهُ أليسَ هذا خيرًا له فسمِعَهُ الرجلُ فقالَ يا رسولَ اللهِ في سبيلِ اللهِ فقالَ رسولُ الله ﷺ في سبيلِ اللهِ فقُتِلَ الرجلُ في سبيلِ اللهِ[1].
وقوله ﷺ: «ماله، ضرب الله عنقه» هي كلمة إنكار، ولا يُقصد بها الدعاء.
3- قال رسول الله ﷺ: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده»[2].
4- قوله ﷺ لابن عمر: «البس جديدًا وعش حميدًا، ومُت شهيدًا»[3].
5- قول عمر بن الخطاب: «إذا أوسع الله عليكم، فأوسعوا على أنفسكم»[4].
6- قول عمر بن الخطاب: "إنّي لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب"[5].
7- قول أبي العالية: "كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا"[6].
محظورات الزينة في الفقه الإسلامي
ضوابط الزينة في الفقه الإسلامي تتجلى بمحظوراتها، ومنها:
1- اللباس الذي يكشف العورة: وتختلف العورة باختلاف الشخصين، فليس ثمة عورة بين الزوجين، وعورة المرأة للرجل المحرم، تختلف عن عورتها أمام الرجل الغريب، وتختلف عن عورتها أمام المرأة المسلمة، وتختلف عن عورتها للمرأة غير المسلمة.
2- تزين الرجال بالحرير[7]: والدليل على ذلك قوله ﷺ: ((من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة))[8].
3- تزين الرجال بالذهب: وذلك لقوله ﷺ: ((حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم))[9].
4- لبس المرأة الثياب الرقيقة التي تشف ما تحتها: فستر العورة لا يكون فقط بوضع ملابس فوقها، فإن كانت تلك الملابس تشف ما تحتها فهي غير ساترة. ومن الأدلة على ذلك قوله ﷺ: ((صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قومٌ معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))[10].
5- لبس المرأة الثياب الضيقة أمام الغرباء: فلا يكفي أن تستر العورة، بل يجب ألا يظهر شكل جسمها [11] 6- تزين المرأة لغير ذي محرم: فستر العورة ليس فقط ما هو مطلوب من المرأة، بل يعد التزين للرجال غير المحرمين مدعاةً للفتنة، سواءً باللباس أو غيره. ودليل تحريم ذلك قوله تعالى: ﴿ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.
7- وضع المرأة العطر عند خروجها من المنزل: وفي ذلك قال النبي ﷺ: ((إِذَا اسْتَعْطَرَتْ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ كَذَا وَكَذَا قَالَ قَوْلًا شَدِيدًا- يَعْنِي : زَانِيَةً -))[12].
8- عندما يُقصد بالزينة المختارة التكبر على الناس: ودليل ذلك قوله تعالى: ((إن الله لا يحب كل مختالٍ فخور)) [لقمان: 18]. وقوله تعالى: ((سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق)) [الأعراف: 146]. وقوله ﷺ: ((لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرًا))[13].
9- تزين الرجل بزينة المرأة، وتزين المرأة بزينة الرجل: ودليل ذلك قوله ﷺ: ((لَعَنَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بالنِّسَاءِ، والمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرِّجَالِ))[14].
10- أن يكون في الزينة ضرر: وذلك لقوله ﷺ: ((لا ضرر ولا ضرار))[15].
11- وصلة الشعر الطبيعية: وقد نهى عنها النبي ﷺ في حديث: ((لعن الله الواصلة والمستوصلة))[16].
12- الوشم: فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة))[17].
13- النمص: وهو إزالة شعرٍ من الحاجبين لتجميلهما، من ترقيقٍ أو تسوية[18].
وهو حرام، لحديث رسول الله ﷺ:
14- عمليات التجميل الجراحية: إن كانت عملية التجميل الغرض منها إزالة عيبٍ أو تشوهٍ (كالعيوب الناتجة عن الحوادث، أو العيوب الخلقية) فهي جائزة، وذلك لحديثٍ عن عرفجة بن أسعد أنه أصيب أنفه يوم الكُلاب في الجاهلية (يوم وقعت فيه حرب في الجاهلية) فاتخذ أنفا من وَرِق (أي فضة) فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفًا من ذهب[19].
ولكن لا تحل عملية التجميل لتحسين المظهر لغير ما سبق، كتغيير شكل الأنف، أو تكبير عضوٍ ما في الجسم، فهو من تغيير خلق الله. ودليل ذلك ما جاء في سورة النساء قوله تعالى: ﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا ﴾.
زينة ما سوى النفس
لا تقتصر الزينة على الشخص نفسه، بل تمتد لما هو محيطٌ به، من أدوات مختلفة وأبنية. ومما ورد في ذلك:
1- التزيين بالذهب: فالتزين بالذهب حرام على الرجال، لكن لا يحرم تزيينهم لأدواتهم بها، فمن الأمثلة على ذلك:
تزيين السيف بالذهب: وهو حلال[20].
تزيين المصحف بالذهب: فقد أبيح ذلك، فذلك من توقيره، فالذهب يستخدم لتزيين النفيس[21]. ولكن لا يحل تزيين المصحف بما فيه امتهانٌ له، وقد كره كثيرون من الفقهاء تلوين المصحف لغير ذي حاجة (لغير حاجة التصنيف والتفسير)، وقال في ذلك أبو الدرداء: " إذا حَلّيتم مصاحفكم، وزخرفتم مساجدكم ؛ فعليكم الدمار"[22].
ولكن يحرم استعمال أواني الذهب والفضة، وذلك لحديث رسول الله ﷺ: ((لا تبلسوا الحرير ولا الديباج، ولا تأكلوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنَّها لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة))[23].
2- شروط تزيين المنزل: يُراعى في تزيين المنزل شروط[24]:
- ألا يوجد في هذه الزينة صورٌ لذوات الأرواح.
- أن تخلوا تلك الزينة من محرمات، كالمعازف والصلبان والمناظر المخلفة للأدب.
- لا يحل وضع الحيوانات المحنطة، ولا التماثيل.
وقد صح عن رسول الله ﷺ أنه قال لعليٍ بن أبي طالب: ((ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته))[25]. وقال النبي ﷺ: ((أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون))[26].
3- شروط تزيين المساجد: لا يصح تزيين المساجد بما يشغل المصلين من أعلامٍ ونحوه، إنما تكون زينتها مما لا يشغلهم[27].
مقالات ذات صلة
مراجع
- عارضة الأحوذي، 4/194.
- سنن الترمذي، 2819.
- سنن ابن ماجة، الجزء 4، ص. 130.
- شرح الزرقاني على الموطأ، ج. 4، ص. 312.
- الاستذكار، ابن عبد البر، ج. 8، ص. 297.
- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ج. 7، ص. 196.
- المنتقى، الباجي، ج. 9، ص. 307.
- سنن ابن ماجة، ج. 4، ص. 496.
- سنن الترمذي، ج. 4، ص. 5.
- صحيح مسلم بشرح النووي، ج. 14، ص. 92-93.
- إسلام واي، حكم لبس الملابس الضيقة. نسخة محفوظة 1 أبريل 2017 على موقع واي باك مشين.
- رواه أبو داوود، 4173.
- صحيح مسلم بشرح النووي، ج. 14، ص. 52.
- البخاري، 5885.
- جامع العلوم والحكم، ص. 207.
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج. 10، ص. 385.
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج. 10، ص. 391.
- فتح البخاري بشرح صحيح البخاري، ج. 10، ص. 390.
- رواه الترمذي، 1770.
- حاشية الصعيدي على كفاية الطالب الرباني، ج. 2، ص. 359.
- الإسلام سؤال وجواب، حكم تحلية المصحف بالذهب والفضة. نسخة محفوظة 10 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- شبكة مشكاة الإسلامية، حكم المصاحف الملونة. نسخة محفوظة 17 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- صحيح مسلم بشرح النووي، ج. 14، ص. 32.
- حكم التماثيل في المنزل. نسخة محفوظة 17 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- أخرجه مسلم.
- حكم التماثيل والصور. نسخة محفوظة 17 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- الإسلام سؤال وجواب، تزيين المنازل والمساجد. نسخة محفوظة 10 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.