يستخدم علماء تاريخ الفكر تسمية «فلسفة عصر النهضة» للدلالة على فكر الفترة الممتدة بين عامي 1355 و1650 في أوروبا (يمتد ذلك العصر أكثر في أوروبا الوسطى والشمالية وفي المناطق الواقعة تحت النفوذ الأوروبي مثل أمريكا اللاتينية، والهند، واليابان، والصين). وتتداخل بذلك مع كل من فلسفة العصور الوسطى المتأخرة التي تأثرت في القرنين الرابع عشر والخمس عشر بشخصيات بارزة مثل ألبيرت العظيم، وتوما الأكويني، وليم الأوكامي، ومارسيليوس من بادوا، والفلسفة المعاصرة التي ترافق نشوؤها مع رينيه ديكارت ونشره لكتاب «مقال عن المنهج» في عام 1637.
يقسم الفلاسفة عادةً الفترة بشكل أقل دقة منتقلين بشكل مباشر من فلسفة العصور الوسطى إلى الفلسفة المعاصرة المبكرة، على أساس الاعتقاد بأنه لم تحدث تغيرات جذرية في وجهات النظر في القرون التي سبقت لديكارت. ولكن يأخذ مؤرخو الفكر بعين الاعتبار عوامل إضافية أخرى مثل المصادر والمقاربات والجمهور واللّغة والأنماط الأدبية إلى جانب الأفكار. يستعرض هذا المقال كلًا من تغيرات السياق والمحتوى في فلسفة عصر النهضة وصلاتها مع الماضي.
الاستمرارية
تتشابه فلسفة عصر النهضة مع فلسفات القرون السابقة في البنية والمصادر والأسلوب والمواضيع.
بنية الفلسفة
بعد استرجاع جزء كبير من الكتابات الأرسطوطالية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، اتضح وجود العديد من الكتابات الأخرى التي تتمحور بشكل عام حول الفلسفة الطبيعية والفلسفة الأخلاقية والماورائيات إلى جانب كتابات أرسطو عن المنطق التي كانت معروفة مسبقًا. شكلت هذه المواضيع الأساس لمنهاج الفلسفة في الجامعات الناشئة. كان الاعتقاد السائد هو أن فروع الفلسفة الأكثر «علمية» هي تلك التي تتسم بكونها نظرية وبالتالي فهي قابلة للتطبيق على نحو أوسع. اعتبر العديد من المفكرين في عصر النهضة أيضًا تلك المواضيع المجالات الفلسفية الرئيسية، إضافة إلى المنطق الذي يدرب العقل على الوصول إلى المواضيع الثلاثة الأخرى.
مصادر الفلسفة
تُلاحَظ استمرارية مشابهة في ما يتعلق بالمصادر. على الرغم من أن أرسطو لم يكن حينها مرجعًا مُجمعًا عليه[1] (كان في كثير من الأحيان نقطة انطلاق للجدالات وغالبًا ما نوقشت آراؤه إلى جانب آراء الآخرين أو تعاليم الكتاب المقدس)، فقد انطوت محاضرات الفيزياء في العصور الوسطى على قراءة فيزياء أرسطو، ودروس في الفلسفة الأخلاقية تضمنت دراسة كتاب الأخلاق النيقوماخية (بالإضافة إلى كتاب السياسة لأرسطو في بعض الأحيان)، ودراسة الماورائيات من خلال كتابه الميتافيزيقيا. لم يضعف الاعتقاد خلال عصر النهضة بأن أعمال أرسطو هي أساس لفهم الفلسفة، وشهدت تلك الحقبة ازدهارًا للترجمات الجديدة والتعليقات والشروح الأخرى لأعماله، في كلتا اللغتين اللاتينية والعامية.[2]
من حيث الأسلوب، كانت الفلسفة خلال العصور الوسطى المتأخرة تعتبر موضوعًا يتطلب استقصاءً شاقًا من قبل الأشخاص المدربين على المفردات التقنية الخاصة بالموضوع. جرى تناول النصوص والمشكلات الفلسفية عادةً من خلال المحاضرات الجامعة و«الأسئلة». وقد شابهت تلك الأسئلة إلى حدٍ ما المناظرات المعاصرة، فاستعرضت إيجابيات وسلبيات مواقف فلسفية معينة أو تفسيرات لها. كانت الأسئلة أحد الأركان الرئيسية «للمنهج المدرسي»، وأكسبت الطلاب الذين طرحوها أو أجابوا عنها سرعة البديهة، وتطلبت معرفة عميقة بجميع التقاليد الفلسفية المعروفة، والتي غالبًا ما استشهد بها لدعم أو نقض جدالات معينة. استمر اتباع هذا الأسلوب في الفلسفة في عصر النهضة. فعلى سبيل المثال، اعتمد كتاب مناقشات لبيكو ديلا ميراندولا بشكل مباشر على هذا التقليد الذي لم يكن أبدًا محصورًا في أروقة محاضرات الجامعة.
المواضيع في الفلسفة
نظرًا لاتساع مجال الفلسفة الأرسطوطاليسية، فقد كان من الممكن مناقشة جميع أنواع قضايا فلسفة عصر النهضة والعصور الوسطى. عالج أرسطو بشكل مباشر مشكلات عديدة مثل مسار القذائف، وعادات الحيوانات، وكيفية اكتساب المعرفة، وحرية الإرادة، وارتباط السعادة بالفضيلة، والعلاقة بين العوالم القمرية وتحت القمرية.[3]
مراجع
- Luca Bianchi, '“Aristotele fu un uomo e poté errare”: sulle origini medievali della critica al “principio di autorità”', in idem, Studi sull'aristotelismo del Rinascimento (Padua: Il Poligrafo, 2003), pp. 101–24.
- Charles B. Schmitt, Aristotle and the Renaissance (Cambridge, MA: Harvard University Press, 1988).
- Helpful if weighty guides to philosophical topics in the period are The Cambridge History of Later Medieval Philosophy, ed. by Norman Kretzman et al., and The Cambridge History of Renaissance Philosophy, ed. by Charles B. Schmitt et al.