الرئيسيةعريقبحث

قطاع الاتصالات في الصومال


☰ جدول المحتويات


قطاع الاتصالات في الصومال

التاريخ

قبل الاستقلال

لم تعرف الصومال قبل الاستقلال الاتصالات بمعناها الحقيقي الآن، إذ كان هذا القطاع الخدمي شبه معدوم أو محدوداً في أيدي دول الاستعمار الأوروبية التي سيطرت على الصومال آنذاك. وكان الشعب الصومالي الذي يقطن منطقة القرن الإفريقي المقدر نسبة السكان فيه 10 مليون نسمة تقريباً يعتمد على الوسائل التقليدية للاتصال فيما بينهم مثل: إرسال الخطابات والمراسلات باستخدام الأدوات التقليدية كالورق والجلود وغيرها.

1960 حتى 1980

وفي عام 1960م نالت الصومال استقلالها من الدول المستعمرة، وفي ذلك الوقت تم تأسيس حكومة صومالية مستقلة وديمقراطية، فقامت بإنشاء قطاع للاتصالات في الصومال. وتمكنت الحكومة من وضع بنية تحتية بسيطة للقطاع، وتوفرت بذلك خدمات الاتصالات في أدنى مستوياتها. ولكن بعد تسع سنوات من الحكم المدني، استولى محمد سياد برى على حكم البلاد بانقلاب أبيض (سلمي)، وأخذ النظام الاشتراكي الماركسي، وطبق ما عرف بـ«الاشتراكية العلمية» في الصومال، وأقام مشاريع عامة واسعة النطاق في البلاد، وتم تأميم الشركات الخاصة العاملة في جميع قطاعات الأعمال المختلفة. وكان للنظام أثر كبير على الاقتصاد، والمثال الحي هو ما حدث في صناعة الاتصالات في الصومال، إذ تم تنظيم هذا القطاع تحت نظام احتكاري واحد مملوك من قبل الدولة والذي تديره وزارة البريد والاتصالات الصومالية التي ورثت نظام تلغرام وشبكات هاتفية متقادمة من الحكومة المدنية السابقة.

وفي الفترة ما بين 1960-1980م، كان في الصومال ما يقدر بحوالي 7 آلاف خطاً ثابتاً، وكانت كلها تقريباً في العاصمة الصومالية مقديشو التي كان يسكنها آنذاك أكثر من مليون شخص، ولم يشهد قطاع الاتصالات في الصومال تطوراً ملموساً في تلك الفترة بسبب عدة عوامل منها:

  • عدم إعطاء القطاع أولوية.
  • كون القطاع حكراً في أيدي الدولة، حيث كانت تدير وحدها شبكات الاتصالات وخدماتها، ولاسيما كانت وزارة البريد والاتصالات الصومالية الجهة الوحيدة التي توفر خدمة الاتصالات وتنظمها.
  • الرؤية الضيقة للنظام الاشتراكي نحو الاتصالات؛ إذ إن التجربة العملية للنظم الاشتراكية عبر التاريخ كانت أن الاتصالات الشخصية يُنظر على أنها تشكل تهديداً ومن ثم يجب أن توضع تحت رقابة حكومية صارمة.

1980-1991

وفي بداية عام 1980م تمكنت الحكومة العسكرية الصومالية السابقة من تفعيل أكثر من ضعف عدد الخطوط الهاتفية الأرضية، وتحسين خدمة الاتصالات، وتم تحقيق هذا التطور النسبي من خلال الخبرات والموارد السخية التي حصلت عليها الحكومة من الدول الأجنبية، وتبع ذلك «خطة إجمالية» أعدها خبراء من الأمم المتحدة لتحديث البنية التحتية للاتصالات في الصومال، وفي العام نفسه تم إنجاز مشاريع ضخمة أنفقت فيها أكثر من 60 مليون دولار أمريكي، وذلك بعد الحصول على مزيج من القروض والمنح والتقنية المقدمة من اليابان، وفرنسا، وإيطاليا، والصندوق العربي للتنمية، والبنك الإفريقي للتنمية؛ لتطوير قطاع الاتصالات في الصومال؛ وبهذا وصل عدد الخطوط الثابتة في الفترة ما بين 1980-1991م إلى 17 ألف خطاً ثابتاً (أُنظر الجدول رقم 1).

ولكن الحكومة كانت تنتهج سياسة إزالة حوافز الاستثمار في القطاع الخاص والحد من الحريات الشخصية للشعب، فضلا عن إزالة الأسواق الحرة، وهيمنة الاحتكارية على جميع مرافق الأعمال؛ وذلك من أجل الحفاظ على قوة الحكومة وتعزيز أهدافها. وفي ظل عدم وجود شركات صغيرة، أو تجارة خاصة كان معظم المواطنين يعيشون على رواتب وأجور زهيدة يستلمونها من الحكومة، وبهذا كانوا غير قادرين على دفع معدلات عالية للمكالمات الهاتفية. ونتيجة لذلك أصبحت شبكات الاتصالات التي تم تحديثها دون جدوى ولم يُستفد منها كما هو مطلوب.

1991-1993

وفي بداية عام 1991م انهارت الحكومة المركزية الصومالية عقب ثورة ومعارضة مسلحة تمكنت من إطاحة محمد سياد برى من الحكم، ولكن بعد إطاحته لم تتمكن القوات المعارضة من إقامة حكومة جديدة وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد، وبدلاً من ذلك بدءوا يتحاربون فيما بينهم على أساس القبلية، مما أدى إلى اضطرابات وحروب أهلية مدمرة جردت الأمة والبلاد من أي شيء يمكن أن يباع، وأصبحت البلاد مسرحاً للحروب الأهلية التي أهلكت الحرث والنسل، ولم تقم للصومال قائمة إلى يومنا هذا.

وفي تلك الفترة التي عمت فيها الفوضى في أرجاء البلاد فقد تم تدمير البنية التحتية لجميع المرافق العامة، ومن بينها قطاع الاتصالات العامة وما تحويه من ممتلكات وأصول بما فيها خطوط الهواتف وغيرها من معدات الاتصالات التي دُمّرت بالكامل جراء الحروب الأهلية التي تركت البلاد مجردة من أي نوع من الاتصالات، ولهذا وصل رقم الخطوط الثابتة – في الفترة ما بين (1991-1993م) - إلى نقطة الصفر (أُنظر الجدول رقم 1)؛ مما يعني انهيار قطاع الاتصالات بالكامل وخروجه من الساحة، الأمر الذي خلف آثاراً سلبية على الشعب، ومنها فقدان الارتباط والاتصال فيما بين الأسر وذويهم الذين انتشروا في أرجاء البلاد، وتركهم أيضاً دون وسيلة للاتصال مع الجالية الكبيرة من الأقارب والأصدقاء الذين يعيشون في الخارج, ولكن في تلك الفترة كان يوجد نوع من الاتصالات البسيطة في داخل البلاد بين المدن الكبيرة والقرى التي كانت تتم بواسطة الأجهزة اللاسلكية المعروفة بـ(Radiophones).

منذ 1993

وفي بداية عام 1993م بدأت وتيرة الحروب الأهلية تنخفض حدتها مما كانت سابقاً، وظهر هدوء نسبي، وأخذت الأوضاع تتحسن تدريجياً، وشرع معظم الفارين من بيوتهم في المدن الكبرى بسب نيران الحرب يعودون إليها. وكانت تلك العملية كلها تتم في ظل عدم وجود حكومة تقوم بتوفير الخدمات الأساسية للشعب المغلوب على أمره، وعند ذلك رجعت موجة جديدة من رجال الأعمال الصوماليين إلى البلاد لإنشاء تجارة خاصة تخدم الاحتياجات المحلية كل بقدر استطاعته للمشاركة في بناء الحياة الطبيعية من جديد. ومن ضمن هؤلاء العائدين أصحاب الأعمال المخاطرين (Risk takers) من المغتربين الصوماليين الذين تعلموا في الغرب، إذ رأوا الفرص المتاحة في القطاع الخاص الصومالي بشكل عام، ولاسيما في صناعة الاتصالات، وأدركوا أهميتها وإمكانية إحياءها من جديد، وقاموا باستثمار مبالغ كبيرة في صناعة الاتصالات، وبدءوا تأسيس شركات خاصة توفر خدمة الاتصالات، وتم بناء البنية التحتية لصناعة الاتصالات، وإقامة الخطوط الثابتة في جميع محافظات البلاد البالغ عددها (18) محافظة؛ لسد الفراغ الخدمي في هذه الصناعة، على الرغم من كون المحافظات منقسمة تحت سيطرة أمراء الحرب.

ولكون الصومال سوقاً حراً يعتمد على معادلة الطلب والعرض، ومفتوح الأبواب للجميع بسبب غياب الهيئات الحكومية التي تنظم الأعمال، وتقيد الرخصة التجارية، وتفرض الضرائب، وتوجه تدفق الاستثمار لأغراض سياسية، فقد تم تأسيس شركات خاصة توفر خدمة الاتصالات واحدة تلو الأخرى حتى وصل عددها إلى إحدى عشرة شركة (أُنظر جدول رقم2)؛ مما حول السوق إلى منافسة شديدة تدور بين الشركات التي تسعى كل واحدة منها إلى امتلاك أكبر حصة سوقية في قطاع الاتصالات، ودفعت هذه المنافسة الشديدة أن تكون أسعار المكالمات الهاتفية في الصومال في أدنى مستوياتها مقارنة بالدول المجاورة الواقعة في شرق إفريقيا، إذ صار سعر الدقيقة خارج البلاد أقل من نصف الدولار (0.5$)، وفي الداخل أقل من (0.2$)، كما بدأت الشركات توفر خدمات مريحة من خلال تقنية متطورة جداً، إذ إن العملاء بإمكانهم تعبئة هواتف المحمولة إما عن طريق الدفع الآجل حيث يسمح لهم الدفع بالفاتورة (Post-paid)، أو شراء كارت الشحن (بطاقة التعبئة) للمحمول بمبالغ متفاوتة حسب القدرة الشرائية للعملاء عن طريق الدفع المسبق (Pre-paid)؛ حيث تتضمن بعض الكروت دولاراً واحداً، وبعضها أثنين، وبعضها خمس دولار...وهكذا.

وفي هذا الصدد يقول (Sites): "إن الصومال تتمتع بأفضل الاتصالات في إفريقيا، وإن هناك مجموعة من الشركات المستعدة لتثبيت خطٍ في المنزل أو في المكتب، وتقديم خدمات عالية الجودة بما فيها المكالمات الدولية بأسعار تقدر بـ(10$) دولار شهرياً، وهذا الأمر يبدو غير متوقع في بلد يئن تحت وطأة الحروب الأهلية التي تدور بين فصائل مختلفة".

ويضيف (Vegter): "إن الأماكن غير الطبيعية لها حكايات عجيبة، وإن كانت الصومال بلا حكومة فعالة قرابة عقدين من الزمن – لسبب أو لآخر – إلا أن الاتصالات الدولية فيها في أدنى معدلات الأسعار في إفريقيا، ومعظم المدن في البلاد لها تغطية هاتفية، ويمكنك الحصول على حساب على الإنترنت في يوم واحد !!!".

وقد حققت الشركات الخاصة المتنافسة في تقديم خدمة الاتصالات فوائد كثيرة، منها:

1.زيادة نطاق التغطية الهاتفية في الصومال (أنظر الشكل رقم1). 2.توسيع خدمات الاتصالات ذات الكفاءة والجودة العالية. 3. خفض أسعار خدمة الاتصالات في البلاد. 4.تقديم ونشر تكنولوجيا جديدة متطورة مثل الموجات الدقيقة (Micro-waves)، والألياف المرئية (Fiber optic)، وشبكات رقمية جديدة (New digital networks). 5.توفير خدمات الجوال بما فيها الثريا، والإنترنت.


الشكل رقم(1) خارطة الصومال مبيناً عليها التغطية الهاتفية في الصومال

المصدر: (Jama, 2003:7)

والجدير بالذكر أن معظم الشركات التي توفر خدمة الاتصالات في البلاد هي شركات صومالية خالصة والتي يملكها رجال أعمال صوماليين؛ إذ لم يشترك مستثمرون أجانب في قطاع الاتصالات في الصومال في بداية الأمر نظراً لعدم استقرار الأوضاع في البلد، والاشتباكات الروتينية التي كانت تحدث بين حين وآخر بين القبائل أو بين زعماء الحرب المتنافسين على السلطة، مما يلحق أضراراً جسيمة بالشركات مثل انهيار مبانيها بسبب الحروب أو تدمير معداتها أو قتل موظفيها عمداً أو بغير عمد، ولكن بعد النمو والازدهار الذي حصل في قطاع الاتصالات في البلاد، فقد دخلت نسبة مئوية ضئيلة من الشركات الأجنبية في القطاع؛ لتقديم خدمة الاتصالات في البلاد إلا أنها لم تحظ بحصة سوقية كبيرة.

وقد اتصف قطاع الاتصالات في البلاد بعدم وجود معايير موحدة لأرقام الهواتف والتكرارات المستخدمة، وكانت الشركات الخاصة العاملة في الصومال تشتغل كل على حدة، وتقدم خدمة محلية أو دولية من خلال شبكتها دون ارتباط فيما بينها، وكان المشتركون المختلفون لخدمة الهواتف الثابتة أو المحمولة لا يقدرون على المكالمة مع بعضهم البعض عبر الخطوط الهاتفية المختلفة التي يستخدمونها، مما أجبر معظم المشتركين على تثبيت خطوط هاتفية ثابتة مختلفة في منازلهم أو في محلاتهم التجارية، أو أخذ شريحتين أو ثلاثة من شركات مختلفة لاستخدامها عند ما يحتاجون الاتصال بأشخاص آخرين الذين يستخدمون خطوط الشركات الأخرى.

وفعلاً أصبحت هذه مشكلة وعبئاً كبيراً على العملاء، ولكن لحل تلك المشكلة فقد بدأت مفاوضات لبناء رابطة وطنية تجمع أنظمة الشبكات أو المشغلين (Operators) في البلاد تحت مظلة واحدة، وبذلك تم تأسيس جمعية الاتصالات الصومالية (Somali telecom association) في تاريخ 9 نوفمبر 1998م على أساس مذكرة التفاهم التي وقعتها معظم شركات الاتصالات الخاصة العاملة في الصومال، وبدعم من برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) والاتحاد الدولي للاتصالات (ITU).

وبهذا تعد جمعية الاتصالات الصومالية (STA) أول جمعية من نوعها ظهرت أثناء الحروب الأهلية في الصومال، ويقع مقرها الرئيس في دبي في الإمارات العربية المتحدة، وتتميز الجمعية بما يلي: 1.إنها نقطة الالتقاء والترابط بين الشركات المختلفة العاملة في صناعة الاتصالات في الصومال. 2.إنها تمثل السلطة التنفيذية المستقلة لقطاع الاتصالات في الصومال. 3.إنها تمثل الجهة الرسمية الممثلة لشركات الاتصالات الخاصة في الصومال لدى الاتحادات الدولية والإقليمية للاتصالات. 4.تمثل مركزاً لموارد الاتصالات الصومالية. 5.تقدم التوجيهات اللازمة في مجالات التنمية المختلفة لتطوير الموارد البشرية وتعزيز المصالح المشتركة بين الشركات. 6.توفر تدريبات وبرامج تطويرية؛ لتحسين مهارات المديرين والمهندسين الصوماليين من خلال الجمعية أو بالتعاون مع الاتحاد الدولي للاتصالات. 7.تجمع البيانات والمعلومات المتعلقة بنظام الاتصالات في البلاد. 8.تعمل بفعالية لتعزيز نمو الاتصالات في البلاد. 9.تسهل الاتصال والعلاقات التجارية بين الشركات؛ مما أتاح للعملاء المختلفين الاتصال بعضهم ببعض رغم اختلاف الخطوط الهاتفية التي يستخدمونها.

وفي هذه الفترة، وبالتحديد عام 2001م، واجه القطاع الخاص في الصومال أزمة كبيرة، وذلك عقب أحداث إحدى عشر سبتمبر التي هزت أمريكا؛ إذ أعلنت السلطات الأمريكية في السابع من شهر أكتوبر عام 2001م عن قائمة تضم (62) شخصاً ومنظمة تتهمهم بإقامة روابط مالية مع أسامة بن لاذن، ووضعت السلطات الأمريكية شركتي "البركات الصومالية المحدودة" و"الصومال للإنترنت" على قائمة المنظمات التي تتهمها بتوفير الأموال لتنظيم "القاعدة" الذي يتزعمه أسامة ابن لاذن.

وكانت شركة "البركات" أكبر شركة صومالية في قطاع الاتصالات والبريد والصرافة، وكانت مكاتبها للصرافة والتحويلات والبريد تشتغل في (40) دولة في العالم، فضلاً عن وجود فروع لها - سواء أكانت في الاتصالات أو في الجانب المصرفي – في جميع محافظات البلاد، وكانت شركة رائدة تسيطر على حصة سوقية تقدر بـ(37%) من قطاع الاتصالات والصرافة في الصومال.

ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد أُجبرَت شركة البركات على توقيف أعمالها بسبب قيام الإدارة الأمريكية بتجميد أصولها وأرصدتها، وإغلاق مكاتبها في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا وبعض الدول العربية. وتوقفت أيضا خدمة الاتصالات الدولية للشركة بعد ما أغلق منفذها على الشبكة الدولية للاتصالات التي تقدمها شركتا (AT&T) الأمريكية و(British telecom) البريطانية. وبالمثل تم إغلاق خطوط الإنترنت التي كانت تقدمها شركة "الصومال للإنترنت"؛ مما أدى إلى توقف خدمة الإنترنت عن المشتركين فيها والمستخدمين بشكل عام.

وقد ترك إغلاق هاتين الشركتين آثاراً مدمرة على الصومال التي كانت تحتاج بشدة للخدمات التي تقدمها الشركتان، كما أن شركات الاتصالات الأخرى عجزت عن تحمل الضغوط الإضافية؛ لأن مئات الآلاف من الصوماليين الذين يعيشون في الخارج كانوا يستخدمون "بنك البركات" لإرسال الأموال إلى ذويهم في داخل البلاد، إذ لم يوجد نظام مصرفي في البلاد منذ سقوط نظام محمد سياد برى في 1991م، وكان الصوماليون يعتمدون أيضاً على خدمة الاتصالات التي تقدمها الشركتان سواء أكانت الخطوط الهاتفية أو خطوط الإنترنت للاتصال وتبادل المعلومات فيما بينهم. ويقول اقتصادي في هذا الصدد "إن شبكات الاتصالات في الصومال هي قلب الحياة ومصدر التعافي للشعب الصومالي، وتسمح لهم بالاتصال بأصحابهم في الخارج، وتسهل لهم المعاملات التجارية".

وفي عام 2002م فقد عاد نشاط الاتصالات لشركة "البركات" إلى العمل، ولكن بعد تغيير اسمها، حيث تشتغل باسم هرمود (Hormuud) في المحافظات الجنوبية، واسم جولس (Golis) في ولاية بونت لاند الصومالية، واسم تليصوم (telesom) في المحافظات الشمالية للبلاد (أُنظر جدول رقم2).

وعلى الرغم من كل ما ذكر يمكن لنا القول إن الفترة ما بين (1993-2002م) تعد فترة ولادة قطاع الاتصالات في الصومال من جديد وتطورها وازدهارها، إذ بلغ عدد الخطوط الهاتفية الثابتة (105000) خطاً، فضلاً عن ظهور خدمات أخرى لم تكن معروفة في الصومال من قبل مثل خدمة الهواتف المحمولة التي تعمل بالشبكات المحلية، وبعضها متصل بالقمر الصناعي (محمول الثريا) وبلغ عدد مشتركيها (48000) خطاً، فضلا عن خدمة الإنترنت التي تم توفيرها بكل سهولة، وبطرق مختلفة ومتعددة، حيث بلغ عدد مشتركيها (4500) مشتركاً، وتم فتح (59) مقهىً للإنترنت التي يقدر مستخدميها قرابة (98000) مستخدم (أنظر جدول رقم1).

وبهذا وصلت درجة توافر الخدمة في الصومال إلى (47) مدينة من المدن الكبرى الصومالية البالغ عددها (74) مدينة؛ مما يعني أن نسبة التغطية الهاتفية في الصومال تساوي (64%)، حيث بلغت الكثافة الهاتفية الثابتة في تلك الفترة إلى (1.05%)، والكثافة الهاتفية للمحمول إلى (0.48%)، مما يدل على أن (1.05%) من الشعب الصومال حصلوا على خدمة الخطوط الثابتة، وأن (0.48%) من الشعب حصلوا على خدمة الهواتف المحمولة. وعلى الرغم من أن هذه النسبة ضئيلة جداً مقارنة بنمو صناعة الاتصالات في دول العالم، إلا أنها تعد تطوراً وازدهاراً بالنظر إلى المراحل السابقة التي مر بها قطاع الاتصالات في الصومال، فضلاً عن الوضع الراهن المتدهور المعكر الذي تمر به الصومال. جول رقم (1)

الأرقام الإحصائية لقطاع الاتصالات في الصومال من 1960-2009م

مالفترة التاريخيةعدد خطوط الهواتفخدمة الإنترنت الثابتةالمحمولةالمشتركينالمستخدمين 11960-1980م7000000 21980-1991م17000000 31991-1993م0000 41993-2002م10500048000450098000 52002-2009م1000006000005300115000

المصدر: إعداد الكاتب معتمدا على (Jama, 2003:11-13)، (ITU, 2004:4)، (CIA world fact book, 2009)، (Vasquez, 2009)، (Leeson, 2003:16).

أما الفترة ما بين (2002-2009م) فقد ارتفع عدد مشتركي خدمة الهواتف المحمولة إلى (600000) خطٍ، بينما تراجع عدد الخطوط الثابتة إلى (100000) خطٍ (أنظر جدول رقم1)، وترجع أسباب هذا التغير الذي حصل في قطاع الاتصالات في الصومال إلى تجدد الحروب والفوضى في المحافظات الجنوبية للبلاد وعلى رأسها مقديشو العاصمة، ولاسيما تلك الحروب التي اندلعت في عام 2006م وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، والتي تدور رحاها بين الحكومة الانتقالية والحركات الإسلامية المعارضة؛ مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من الصوماليين من منازلهم وإغلاق المحلات التجارية، وفصل الخطوط الهاتفية الأرضية، وتحول معظم العملاء إلى الهواتف السيارة، فضلا عن ازدهار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومن بينها الهواتف الخلوية في العالم، ودخولها في الأسواق بأسعار منخفضة تتلاءم مع القوة الشرائية للشعب الصومالي.

وكذلك ارتفع عدد المشتركين في خطوط الإنترنت إلى (5300) مشتركاً، بينما وصل عدد مستخدمي خدمة الإنترنت إلى (115000) مستخدم (أنظر جدول رقم1)، وذلك بسبب انخفاض سعر الخدمة، وازدياد عدد المتمكنين الذين يمتلكون معرفة وإلمام باستخدام الحواسيب وتصفح مواقع الإنترنت، فضلاً عن اعتبار خدمة الإنترنت أرخص وسيلة للاتصال بين الأهالي والأقارب في الداخل والخارج عن طريق البريد الإلكتروني (E-mail) لإرسال واستلام الرسائل، إضافة إلى ذلك فقد تعتمد كثير من الهيئات والشركات المختلفة سواء أكانت عامة أو خاصة ربحية أو غير ربحية على خدمة الإنترنت لانجاز مهامها.

والشكل رقم (2) يوضح نمو وتطور قطاع الاتصالات في الصومال في الفترة ما بين (1993-2009م) كما يلي:

الشكل رقم (2) نمو وتطور قطاع الاتصالات في الصومال في الفترة ما بين 1993- 2009م.

المصدر: إعداد الكاتب معتمداً على البيانات الواردة في جدول رقم (1).

ويتضح مما سبق أن قطاع الاتصالات في الصومال تخطى بتطور وازدهار لم يسبق له مثيل في تاريخه؛ حيث انعكست آثار هذا التطور في مختلف مجالات الحياة، ولاسيما إن هذا النمو والتطور قد حدث في الفترة ما بين (1993-2009م)؛ إذ وصلت خدمة الاتصالات – سواء أكانت خدمات هاتفية بأنواعها المختلفة، أو خدمة الإنترنت – إلى المدن الكبرى في البلاد، فضلاً عن تدفق تكنولوجيا الاتصالات في البلاد بأسعار منخفضة.

وقد أكد كثير من الكتاب والخبراء إن هذا البلد الذي لم يعرف أمناً واستقراراً أو حكومة فعالة خلال عقدين من الزمن قد شهد تطوراً باهراً في القطاع الخاص بشكل عام، ولاسيما في صناعة الاتصالات بسبب العوامل الآتية:

1.ليس هناك حاجة للحصول على ترخيص عمل أو امتياز لتقديم الخدمة. 2.العرض حر لتلبية الطلبات الكبيرة المتزايدة. 3.ليس هناك قواعد وقوانين تحدد الأعمال التجارية، أو حكومة تفرض الاحتكار في نشاط معين، أو تحظر بعض علامات تجارية أو تكنولوجيا معينة عن السوق مما يجعل الاستثمارات مربحة. 4.عدم وجود ضرائب أو واجبات الجمارك التي تؤخذ من الأعمال التجارية؛ مما ساعد رجال الأعمال إلى استيراد المعدات اللازمة بأسعار منخفضة.

وعلى الرغم من وجود تلك العوامل التي اجتذبت كثيراً من رجال الأعمال المغامرين وازدهار قطاع الاتصالات، إلا أن تلك البيئة المفعمة بالفوضى لم تخل من صعوبات تواجه الشركات الأهلية العاملة فيها، ومن تلك الصعوبات:

1.القلق الأمني وعدم استقرار الأوضاع هي إحدى المشاكل التي تواجه شركات الاتصالات في الصومال، إذ إن أي شخص يحمل بندقية في الشوارع يمكن أن ينهب ممتلكاتها، أو يقتل أو يختطف موظفيها. 2.افتقارها إلى عدد كاف من الموارد البشرية المؤهلة مثل المهندسين وخبراء الاتصالات؛ لأنهم فروا من البلاد بسبب الصراعات الأهلية الدائرة فيها. 3.والأشد من ذلك، أنه ليس هناك أي تأمين أو برامج حكومية لإنقاذ الشركات من الفشل إذا زادت الاضطرابات السياسية سوء.

جدول رقم (2)

الهيئات أو الشركات التي كانت توفر خدمة الاتصالات في الصومال في الفترة ما بين 1960-2009م.

مالمرحلة التاريخيةاسم الهيئة/الشركةتاريخ التأسيس 11960-1991ممصلحة البريد والاتصالات1960م 21991-1993م------------------------------------ 31993-2002م اس تي جيSomali telecom group (STG) 1993م جالكوم Galkom 1993م نتكو (Netco) North east telecommunication company 1993م أولمبك Olympic1994م اس تي سي (STC) Somali telecom company 1994م البركات Albarakaat 1996م سولتلكو Soltelco1996م أيرولايت Aerolite1996م نيشنلينك Nationlink1997م صمومتل Somtel1998م الصومال للإنترنت Somali inernet2000م

42002-2009ماسم الهيئة/الشركةتاريخ التأسيس اس تي جيSTG1993م جلكومGalcom1993م اس تي سيSTC1993م تليكوم صوماليا Telecom Somalia (Olympic+Aerolite سابقا)1994م نيشنلينكNationlink1997م سولتلكوSoltelco1998م هرمودHormuud (Albarakaat سابقاً)2002م تليصوم (Albarakaat سابقاً)2002م جولسGolis (Albarakaat سابقاً)2002م جلوبل للإنترنت Global internet (Somali internet سابقاً)2002م صوم فونSomafone2003م

المصدر: إعداد الكاتب معتمداً على (Mbend, 2009)، (SIFC, 2009:1-2)، (ITU, 2004:1)، (Vasquez, 2007)، (ومواقع شركات الاتصالات المختلفة على الإنترنت).

وكما يشير الجدول (2) أعلاه أن عدد شركات الاتصالات الأهلية العاملة في الصومال في المرحلة الأخيرة (2002ـ2009م) يصل إلى (11) شركة, إلا أنه يمكن تقسيمها وفقاً للأماكن الجغرافية التي توفر لها الخدمات إلى:

1.شركات تشتغل في المحافظات الجنوبية للبلاد, وهي: شركة هرمود, نيشنلينك, تليكوم صوماليا, صوم فون, جلوبل للإنترنت. وتقع المقار الرئيسة لهذه الشركات في مقديشو, ولها فروع في المدن الكبرى في المحافظات الجنوبية والوسطى للبلاد. 2.شركات تشتغل في المحافظات الشمالية للبلاد, وهي: تليصوم, سلولتكو, اس تي سي, وتقع المقار الرئيسة لهذه الشركات في هرجيشا عاصمة "أرض الصومال". 3.شركات تشتغل في ولاية بونت لاند الصومالية, وهي: جولس, جلكوم, اس تي جي, وتقع مقارها الرئيسة في بوصاصو, وجاكعيو.

وتوفر معظم هذه الشركات خدمات مختلفة, ومن أهمها: خدمة خطوط الهواتف الثابتة (Land line), وخدمة المحمول (G.S.M), وخدمة الإنترنت (I.S.P), إلا أن بعضها محدودة بخدمات معينة, مثل: شركة جلوبل للإنترنت المحدودة بخدمة الإنترنت (I.S.P) فقط.

وخلاصة القول إن الصومال أصبحت بلد الحكايات العجيبة والمفارقات, ورغم أنها في حروب وفوضي في فترة زمنية طويلة وغياب حكومة وحدة وطنية فعالة؛ مما أدى إلى تدهورها في العديد من مجالات التنمية, إلا أن بعض القطاعات الخدمية تم إحيائها من جديد مثل قطاع الاتصالات, بل شهد هذا القطاع تطوراً وازدهارا حاداً لم يصل إليه من قبل في زمن الحكومات السابقة, وقد حقق فوائد عديدة, ومنها توفير خدمة الاتصالات والترابط للشعب والجاليات الكبيرة في المهجر, فضلاً عن تسهيل الأعمال التجارية. وفي ضوء ذلك ينبغي لرجال الأعمال الصوماليين- الذين بذلوا جهداً محموداً لاستثمار هذا القطاع- السعي إلى تحقيق وحدة وطنية وترابط أكثر بين الشركات الاتصالات الخاصة العاملة في الصومال, وكما ينبغي أيضاً السعي إلى استثمار وإحياء القطات الأخرى التي ما زالت في انهيار مثل قطاعات الثروة الحيوانية, والزراعية, والسمكية التي تعد العمود الفقريّ لاقتصاد البلاد.

    المصادر والمراجع:

    1.الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU), الاجتماع السنوي السادس لتنمية الاتصالات في المنطقة العربية, الدوحة, قطر, 30 مايو – 1 يونيو 2004م. 2.جريدة الشرق الأوسط، "الولايات المتحدة تقطع الإنترنت عن الصومال وتغلق شركتي اتصالات بتهمة تمويل "القاعدة", السبت 9,رمضان 1422هـ/24 نوفمبر 2001م, العدد 8397. 3.جريدة الشرق الأوسط، "اغتيال رئيس "بنك بركات" الصومالي الذي تتهمه أمريكا بدعم الإرهاب", الجمعة, رمضان 1425هـ/15 أكتوبر 2004م, العدد:9453. 4.شبكة الصومال اليوم, "الهواتف المحمولة في خدمة الرعاة المواشي", هذا المقال متاح على هذا الرابط: http://somaliatodaynet.com/news/index.php?option=com_content&task= view&id=3321&Itemid=28

    5.شبكة الصومال اليوم, "شركة تيلصوم رائدة خدمات الاتصالات في "أرض الصومال", هذا المقال متاح على هذا الرابط: http://somaliatodaynet.com/news/index.php?option=com_content&task=view&id=4330&Itemid=26

    1.vegter, ivo. "Absent rules and luxuriant growth, Somali telecom sector: a case study in anarchocapitalism", CIO Africa, BDFM publisher,2004. 2.skonby, kund erik & tadayoni, veza, "a case study on Somaliland", in the frame of The World Dialogue on Regulation for Network Economies (WDR) project, DK 2800 Lyngby, Denmark, 2003. 3.ITU, workshop: "training in telecommunication management"، African advanced level telecommunication institute (AFRALTI), Nairobi, Kenya,22nd – 26th march, 2004. 4.Sites, Kevin. "In hot zones", Harper perennial, Newyork, 2007. 5.jama, abdulgani, "Somali telecommunications: road and recovery", Arab telecommunication and internet forum, Beirut, Lebanon,2003. 6.vasques, vince."Companies and organization linked to computers and telecommunication in Somalia", libertyfoound, 2007. 7.PSEC, "Somalia: join needs assessment", Nairobi, Kenya, 2006. 8.leeson, pater t., "Better of stateless: Somalia before and after state collapse", Department of economics, West Virginia University, http://www.peterleeson.com/Better Off_Stateless.pd. 9.Vasquez, vince. "Somalia the rubble and the blossom", liberfoundation, http://www.libertyunbound.com/archive/2007¬_09/vasquez-somalia.html 10.jama, abdulgani. "Surprise success story: Somali telecommunication sector", http://www.somaliawatch.org/archivedec01/020111101.htm 11.barrise, hassan. "US shuts down Somali internet", focus on Africa, 23 Nov.2001. http://news.bbc.co.uk/2/hi/africa/1672220.stm 12.Nenova, Tatiana & others, "anarchy and invention", http://rru.worldbank.org/Documents/publicpolicyjournal/280-nenova-harford.pdf. 13.CIA, world fact book, https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/so.html 14.Benjamin Powell, Ryan Ford, Alex Nowrasteh (November 30, 2006). "Somalia After State Collapse: Chaos or Improvement?". http://www.independent.org/pdf/working_papers/64_somalia.pdf. 15.Ministry of planning and statistics, Puntland state of Somalia, "Puntland facts and figures 2003", http://siteresources.worldbank.org/SOMALIAEXTN/Resources/PuntlandFigures.pdf 16.htpp://www.mbendi.com/indy/cotl/of/so/p0005.htm#companies.


    بقلم: حسين عثمان أحمد (الصومالي) ماجستير إدارة الأعمال (MBA) عدن في الجمهورية اليمنية

    موسوعات ذات صلة :