الرئيسيةعريقبحث

لالة ستي


Hotel Renaissance - Panoramique - panoramio.jpg

هضبة لالة ستي بتلمسان

تتميّز ولاية تلمسان بثروة غابية كبيرة تمتد على مساحة 225 ألف هكتار؛ ما يعادل 24 بالمائة من مساحة الولاية، لتحتل بذلك المرتبة الأولى جهويا والثالثة وطنيا. وفضلا عن أدوارها البيئية والمناخية أعطى هذا الطابع الغابي للولاية قفزة كبيرة، لتصبح السياحة الغابية ثقافة منتشرة لدى الزوار من كلّ ولايات الوطن. وتُعتبر هضبة لالة ستي هذا الشريط الغابي والمنتجع السياحي والتاريخي الذي يقع على علو 800 متر من المواقع السياحية والأثرية، التي أضحت تنافس شواطئ المنطقة خاصة شاطئ مرسى بن مهيدي من حيث استقبال السياح في الصيف، وأصبحت أهم مركز للسياحة بالولاية.

تشير الإحصائيات إلى أنّ الولاية تسجّل 20 مليون مصطاف وسائح سنويا، منهم أكثر من 10 آلاف أجنبي تستقطبهم الغابة والمنتجع السياحي المطل على حي بودغن العتيق؛ نسبة لضريح المرأة الصالحة «لالة ستي»، الذي دشّنه رئيس الجمهورية في أكتوبر 2008، ليكون واحدا من أهم الوجهات السياحية. وباتت هضبة لالة ستي  تستقطب آلاف الزائرين كلّ سنة بسبب موقعها الجغرافي الممتاز.

هذه الهضبة التي أقيمت بها مرافق سياحية كبيرة على غرار المنتجع السياحي والبركة المتحركة التي ضاعفت من الجمال الطبيعي للمنطقة، حيث سهرت السلطات على إقامة المقاعد الحجرية؛ مما زاد من إقبال العائلات عليها خاصة خلال فصل الصيف والسهرات الليلية؛ إذ لا تخلو الهضبة ليل نهار من السياح الذين يقضون أوقاتا طويلة هناك، في ظل تواجد كل الضروريات من مطاعم ومقاه.

كما زاد مشروع «التيليفيريك» الذي يربط الهضبة بوسط المدينة بمبلغ رمزي لا يزيد عن 30 دج، زاد من قوّة الاقبال، إذ لا تكاد العربات تخلو من الصاعدين إلى الهضبة والنازلين منها، عابرين أزقة تلمسان من الأعلى ومستمتعين بالمناظر التي تشكّل لوحة تلمسان التي تكوّنت منذ الأزل، لكن تعطّل التيليفيريك منذ قرابة سنة حرم السياح من الهضبة، في انتظار استكمال إصلاحه من قبل مؤسّسات أجنبية مختصة، إذ أكد مدير النقل لولاية تلمسان بالمناسبة، أنّ التليفيريك لن يدخل حيز الخدمة إلا بعد حوالي 5أشهر بسبب أشغال الصيانة. ويجري حاليا شحن معدات فرنسية لصيانته. واقترح مدير النقل خلال لقاء خاص بالمجلس الشعبي الولائي، فتح خط للمؤسسة العمومية للنقل الحضري ما بين الحوض الكبير وهضبة لالة ستي لتأمين النقل السياحي في انتظار إعادة فتح المصعد الهوائي.

ويتميز هذا الموقع السياحي بمناظره الطبيعية الخلابة، إذ تقصده العائلات ليلا لقضاء السهرة في جو عائلي حول الموائد الحجرية المهيأة على ضفاف الغابة، إذ يتواصل السمر العائلي إلى ساعات متأخرة من الليل، ويستمتع الصغار باللعب في الوقت الذي يرافق الآباء أبناءهم للقيام بجولة مائية في البركة المتحركة على متن الزوارق التي تعتمد على الجهد العضلي. كما يختار بعض الزوار ضريح لالة ستي الواقع بالجهة الغربية على بعد أمتار قليلة من البرج، الذي يعدّ أحد المعالم الخمسة التي تحتويها الهضبة، لاكتشاف السر الدفين الذي تخفيه هذه المرأة الصالحة، التي يقال إنها جاءت من بغداد، وهي بنت الشيخ عبد القادر الجيلاني، وعاشت بتلمسان خلال القرنين 6 و7 هجري (12 و13 ميلادي)، وكانت أصغر أخواتها. واختلفت الروايات في سرد حكاياتها، حيث تؤكّد بعض الروايات أنها شقيقة لالة مغنية المدفونة بمدينة مغنية.

من جانب آخر، تستقطب غابة بتي بيردرو المحيطة بهضبة لالة ستي التي لاتزال بها مراكز الاعتقال والتعذيب الفرنسي، تستقطب السياح والزوار لمشاهدة الزنزانات التي أقامها الاستعمار في تلك الفترة، حيث يقف هؤلاء بعددها المنتشر وبآثارها التاريخية الشاهدة على جرائم الاستعمار ووحشيته في حق الشعب الجزائري، هي مشاهد وشواهد تاريخية هامة، جعلت من الغابة متحفا طبيعيا مفتوحا، يتزاوج فيه الجمال الطبيعي والتاريخي والاصطناعي، وحتى الرياضي والسياحي والعلمي؛ على خلفية إقامة ملعب رياضي هناك، احتضن مؤخّرا فعاليات الطبعة 13 للبطولة الإفريقية لألعاب القوى لصنف أواسط أقل من 20 سنة، إلاّ أنّ بعض التصرّفات اللامسؤولة وبعض السلوكات السلبية لازالت تشكّل نقطة سوداء، خاصة منها الرمي العشوائي للنفايات وسط الغابة، التي قد تكون سببا في كثير من الأحيان، في اندلاع حرائق غابية تأتي على الأخضر واليابس.

Lala Setti لالة ستي - panoramio (1).jpg

ووجّهت الحظيرة الوطنية لتلمسان في هذا الصدد، نداء إلى مرتادي هذه الفضاءات الغابية من أجل الحفاظ عليها والارتقاء بالحس المدني وتجنّب كلّ ما من شأنه إحداث الحرائق.

بالمقابل، أطلقت محافظة الغابات بتلمسان، بهدف تجنّب نشوب الحرائق الغابية، مشروعا ينظّم ويحدّد أماكن المواقد المستعملة للشواء في الأماكن الغابية.

وينتظر المشروع مصادقة السلطات الولائية لتفعيله، باعتبار أنّ السياحة الغابية ثقافة وسلوك وأدب، يتوجب الحفاظ على المكاسب الطبيعية، لاسيما نظافة المحيط واحترام القوانين وبعض الضوابط، خاصة عدم الشواء وإشعال النار، فقد عانت مصالح الحماية المدنية لولاية تلمسان خلال الأسابيع الماضية الأمرّين لإخماد الحريق الذي شبّ بغابة مرباح التابعة لبلدية بني صميل، حيث عزّزت وحدات الحماية المدنية من تواجدها، إذ بلغ تعداد عناصرها 201 عون أكفاء من مختلف الرتب تابعين للحماية المدنية لتلمسان والرتل المتنقل لولايتي عين تموشنت ومعسكر، و19 شاحنة إطفاء وسيارتي الإسعاف وسيارة اتصال، بمشاركة أعوان محافظة الغابات والبلدية وأفراد الجيش الوطني الشعبي.

ودامت عملية إخماد الحريق خمسة أيام كاملة، والسبب الذي زاد من صعوبته عوامل التضاريس والمناخ، حسب المكلفة بالإعلام على مستوى مديرية الحماية المدنية بولاية تلمسان، والغطاء النباتي المتكوّن من الصنوبر الحلبي والأدغال المتفرّقة والحشائش اليابسة سريعة الالتهاب. كما يبقى المواطن العامل الرئيس والمباشر وراء هذه الحرائق بسلوكاته غير المسؤولة أحيانا ما لم يتخذ الاحتياطات ويتّبع التعليمات، حسب مصالح محافظة الغابات، فإذا كانت الغابة ـ حسبها ـ جمالا والسياحة استجماما فالحس المدني تمام ودوام.

صورة للالة ستي فوق تلمسان

قصة التسمية

يولي الجزائريون أهمية كبرى لـ “أولياء الله الصالحين"، ولأسباب وعوامل تاريخية عدة، يرى الكثير من الباحثين أنها مرتبطة برواسب الدولة الفاطمية التي ظهرت عام 912 للميلاد، ورغم تهديدات الجماعات المتشدّدة إبان فترة التسعينيات، بقيت أضرحة ومقامات "أولياء الله الصالحين" مقصد العائلات، ومكانا تقام من حوله المواسم المختلفة.

وفي أعالي مدينة تلمسان التاريخية، التي تعتبر من أقدم عواصم الحضارات التي مرت بالجزائر ترقد “لالة ستي" حارسة المدينة الزيانية.

من بغداد إلى تلمسان

تتقاطع معظم الروايات حول أصول "لالة ستي"، القادمة من بغداد إلى تلمسان بغرب الجزائر، المدينة التي كانت رمزا لمختلف الحضارات، خصوصا الزيانية التي ظهرت خلال الفترة ما بين 1235 و1554 ميلادية..

وهي ابنة الشيخ عبد القادر الجيلاني، صاحب الطريقة القادرية الصوفية الشهيرة، والمعروف باسم قطب بغداد، وكان سكان تلمسان ينادونها باسم "لالة"، كتعبير عن احترامهم لها بعد وقوفها إلى جانبهم ضد حصار المرينيين لتلمسان.

وفي هذا السياق، يؤكد الكاتب الصحفي الباحث في تاريخ المنطقة، ميلود زناسني في تصريح لـ "أصوات مغاربية" على أن "لالة ستي ابنة الشيخ الجيلالي قدمت من بغداد وكانت أول امرأة متصوفة استأنست الجبال، وأن الفرنسيين حافظوا على ضريحها، وظل بعيدا عن أيادي التخريب من قبل الجماعات المتشددة ".

نزلت "لالة ستي" بتلمسان، وأقامت في هضبة تطل على عاصمة الزيانيين التي اتخذوها حاضرتهم، إلى أن توفيت هناك ودفنت في الهضبة التي حملت اسمها، وأصبحت حارستها وحارسة المدينة.

مزار مشهور

كانت "لالة ستي" معروفة بالزهد والتقوى، فتحول ضريحها بعد ذلك إلى مزار دائم، فقد حظيت بالاحترام في حياتها وبعد مماتها، ولا يعرف في المصادر التاريخية الكثير عنها، بخلاف الولي الصالح سيدي بومدين مثلا، حيث لم يشر مؤرخو تلمسان كثيرا إلى "لالة ستي"، مقارنة بما ذكروه عن أولياء تلمسان الذين نشأوا فيها، أو أولئك الذين جاؤوا من مختلف البلدان، باستثناء ما ذكره العشماوي في كتاب الأنساب ، عندما سرد أسماء بنات الشيخ الجيلاني.

Lala Setti لالة ستي - panoramio.jpg

لكن "لالة ستي" اليوم، ليست هي "لالة ستي" الأمس، فبعدما حملت اسم الهضبة، تحوّل المكان إلى أشهر منطقة استقطاب سياحي للعائلات وزوار تلمسان، حيث أقيمت على أرض الهضبة أفخم الفنادق العالمية، وأجمل الحدائق، وأوسع الملاعب، ومساحات للتنزه وتسلية الأطفال، كما تدعّمت بهياكل ودوريات أمنية لحماية السياح وزوار المنطقة، الذين لا ينسون "لالة ستي" المرأة الصالحة.لالة ستي لالة ستي

مراجع

موسوعات ذات صلة :