الرئيسيةعريقبحث

محمد بشير القويضي


من كتاب " تراجم المبدعين " للأستاذ محمد البدوي

محمد بشير القويضي
معلومات شخصية
الميلاد سنة 1927 (العمر 92–93 سنة) 


من هو فؤاد سليم ؟

في إحدى قرى الساحل التونسي، وفي الثاني والعشرين من آ خر شهر من سنة 1927، وُلد فؤاد سليم وتوفي في الرابع من مارس 2016- واسمه الحقيقي مَحمٌد بن البشير القويضي -.. وكغيره من الصغار، أخذه أبوه إلى الكُتٌأب وإلى المؤدٌب في سنٌ الرابعة. حفظ طفلنا السوٌر الأولى من القرآن الكريم وتعلٌم كتابة الحروف على اللوحة الصغيرة المطلية بالطفل، والتي كان يُعيد طليها في كل صباح ويجفّفها في الشمس. في قصيبة المديوني وفي الثلاثينات لم تكن هنالك مدرسة ابتدائية، فاتٌجه به أبوه إلى قصرهلال حيث توجد مدرسة "الحاج علي صوٌه".. التي عُرفت بأنها مدرسة قرآنية، وفي الحقيقة كانت برامجها تمتاز على برامج المدارس الحكومية – أيام الاستعمار الفرنسي - بموادها العربية التي تنافس البرامج "الفرنكو- عربية"، وكان معلٌموها أكثرحماسا و"وطنية" من سائر المعلٌمين ،الأمر الذي جعل "خرٌيجي" هذه المدرسة الحرٌة متفوقين، سواء في الشهادة الابتدائية - التي بفضلها كان التونسي يفلت من الخدمة العسكرية في جيش الاستعمار- أو في مسابقة الدخول إلى المدرسة الصادقية... إلى درجة أنٌ معظم التلاميذ المنتفعين من حبس"عزيزة عثمانة" كانوا من مدرسة "الحاج علي صوٌه" ،هذه المدرسة الشهيرة التي كانت هي الأخرى مشروعا خيريا...ورحم الله رجل الخير المناضل الصامت الحاج علي صوٌه، وبلٌل ثراه.

من القرية إلى المدينة

في سنة 1941 التحق صاحبنا بالمدرسة الصادقية ودخلها من الباب الواسع أي برتبة الخامس، وبصفة " بيات كامل" على نفقة عزيزة عثمانة.. ولولا هذه النعمة لماعرف فؤاد العاصمة ولا التعليم الثانوي ولا الدراسة بالجامعات في أوروبا وفي أميركا. يقول فؤاد سليم : كانت حالة عائلتي المادٌية متواضعة على الرغم من أنٌ جدٌي الأول حكم القرية كشيخ تراب طيلة 17 سنة لكنٌه لم يثرِ ولم يترك إرثا، وهذا ما جعلني أنكبٌ على الدراسة والاجتهاد، لأن شرط عزيزة عثمانة- لكي لا أُُحرم من "الجبٌة الزرقاء" ومن المبيت - هو الامتياز، وإلاٌ سلٌط علينا مديرنا المرحوم محمد عطيٌة "سيف داموكلاس". فتحمٌلتُ صلابة محمود المسعدى وصرامة جلٌولي فارس وغيرهما : من عبد السلام الكناني إلى حميدة بكير والركباني والفاضل بن عاشور ومحمد العرابي والمسيو "هيدري" و"لوران" و"اورلياك"، إلى آخرهم... كان فؤاد في الصادقية تلميذا مجتهدا ومطيعا - ولو أنه "زنديقا" في الخفاء- وكان لا يفكر إلا في الدراسة... وهل كان الشابٌ في الأربعينات يجد شيئا آخر في تونس غير الدراسة ؟ أخذ عن أساتذته اللغات، بعربيتها وفرنسيتها وإنكليزيتها وآدابها وأدبائها، وأخذ عن أساتذة العلوم علموهم، وعن المشائخ البعض ممٌا كانوا يحملون في صدورهم، كما درس الفلسفة، خاصة فلسفة "د يكارت" و"قوته" و"فولتير".

الانطلاقة الأولى

تحوٌل الطفل القادم من قريته الساحلية بـ" بلغته وكدرونه" إلى شابٌ يكاد يكون " بلديا مدينيا " يلبس الجبٌة والحذاء وحتى "الكرافات"، ويقول " أنا " عوض " آني"، و" الماء " عوض " المي"، و" جا " عوض "جي" بحكم طول مقامه في المدينة. كان تعرف لديه قوٌّة العزيمة والإرادة والمثابرة والطوق إلى الخروج من حالة إلى حالة أحسن. فعلى الرغم من تعمقه في دراسة اللغة العربية وحبٌه لأشعارأبي نواس وامرئ القيس والمتنبي والشنفرى وبديع الزمان وغيرهم كثير، فإنٌ "فيكتور هوقو" و"الفريد دي مو سي" و"بود لير" - إلى آخر السلسلة - كان لهم تأثير على ثقافته... ثم جاء "شكسبير" و"اوسكار وايلد" و"جورج برنار شو"، مع دراسة اللغة الإنكليزية. بيد أنٌه كان يعتبر أن الشعر والآداب بصفة عامٌة "شمبانيا شراب النساء"، فصار يبحث عن " بلوبلو بلوبلو فودكا " مثل راسبوتين، معتبرا أن " فودكاه " هو، هي العلوم الحديثة. لذلك، بعد أن اجتاز ديبلوم الصادقية والجزء الأول من الباكلوريا، اختار أن يكون الجزءُ الثاني في شعبة الحسابيات، عاقدا العزم على الا لتحاق بإحدى المدارس العليا في فرنسا، مثل " البولي تكنيك ". ولم تشأ الأقدار أن يتحقق الحلم لظروف عائلية مرٌة، إذ اضطرٌ سنة 1948 - وبعد إنهاء مرحلة التعليم الثانوي - إلى العمل في إحدى الإدارات، لسدٌ حاجيات عائلته المتركبة من عشرة أنفار.

أرض الله واسعة

و لم تطل فترة الإدارة، إذ سرعان ما سافر فؤاد إلى أوروبا : فرنساأولا، ثم إنكلترا، سنة 1950 - سعيا وراء تحقيق أحلامه وكسب عيش أوفر. كان في لند ن يدرس بالجامعة وفي نفس الوقت يشتغل.. أوٌل عمل دخل به هيأة الإذاعة البريطانية " البي بي سي" كان تمثيلية قصيرة اقتبسها عن قصة لأوسكار وايلد : "الأمير السعيد"، تلتها أعمال أخرى مترجمة ومؤلفة باللغة العربية... ومن لندن عاد إلى تونس لأن مشاغب العائلة كانت دائما تلاحقه.. التحق بالقنصلية الأميركية وعرض عليها خدماته.. من بين هذه الخدمات : نقل مقالات الصحف التونسية إلى اللغة الإنكليزية، تدريس اللغة العربية للموظفين الأميركان، ومراسلة إذاعة " صوت أميركا"، إلى أن فتح أول أستوديو لهذه المحطة بتونس، وهو الأول في شمال أفريقيا..في الأثناء كان الإنتاج غزيرا، وكانت تمثيليات فؤاد سليم تذاع في نفس الوقت من "صوت أميركا" ومن لندن ومن طنجة ومن الرباط ومن الجزائر ومن باريس ومن هولندا وحتى من تونس.. من تونس إلى هوليود

سنة 1955 تكٌرمت عليه حكومة الولايات المتحدة الأميركية بمنحة للدراسة في جامعة ميسوري كولومبيا حيث اكتشف فؤاد عالما آخر متمٌما لنشاطه، وهو عالم السينما والتلفزة...وتخرٌج بتفوٌق، وعمل بعدة محطات تلفزية من واشنطون إلي لوس أنجلس إلي هوليود، وساهم بمقالات في الصحف الأميركية للتعريف بتونس يوم كانت تونس تئنٌ تحت الاستعمار، ثم عاد إلى مسقط رأسه في فجر الاستقلال عزما منه على المساهمة في بناء تونس جديدة. وفعلا تمٌ تكليفه بتنظيم قسم البرامج بالإذاعة كما تمٌ تكليفه بإنتاج أوٌل فيلم تونسي قصير " لماذا تنتخب "، تلاه فيلم " كيف تنتخب "، اعتبرهما مؤرٌخ السينما "جورج صادول " باكورة السينما التونسية في عهد الاستقلال".. ثمٌ جاءت أفلام "المجلس التأسيسي" فـ "عيد الشغل" فـ"عيد الشباب"... بسبب اختلاف في الرأي عندما أقدم فؤاد سليم على تأميم "استوديوهات افريكا" التي كانت في تصرٌف أحد الفرنسيين على الرغم من أن رأس المال كان من الخزينة التونسية، ترك صاحبنا بلاده وهاجر إلي وطنه الثاني : المغرب الشقيق، حيث عمل لمدة خمس سنوات بين إذاعة طنجة الدولية ومحطة

" صوت أميركا "

.بداية السينما

في أوائل الستينات عزمت تونس على بعث مؤسسة للإنتاج السينمائي - عُرفت فيما بعد باسم "الساتبيك"، واستُقدم فؤاد سليم من المغرب للغرض، لكن عند حلوله وجد أن الأوراق تغيٌرت، ومرة أخرى اختلف في الرأي مع بعض المسيٌرين، وتذكٌر بعض الأصدقاء أنه قد يصلح في ميدان السمعيات والبصريات في مجال النشر.. فساهم في تأسيس الشركة القومية للنشر والتوزيع التي أصبحت فيما بعد، شركتين : الشركة التونسية للنشر، والشركة التونسية للتوزيع.. فمن يذكر اليوم أن أوٌل كتاب بالألوان عن متحف باردو وأوٌل كتاب عن تونس السياحية كان من إنتاج مترجمنا ؟ لم ينقطع فؤاد سليم في هذه الفترة عن الإنتاج الإذاعي والسينمائي إذ حصل بسكاتش "الخطاب الافتتاحي" على جائزة التربية القومية للتأليف المسرحي، ومن هذه التمثيلية أخرج أوٌل فيلم ناطق.. يقول بعض النقاد أن فيلم "الخطاب الافتتاحي" كان أوٌل فيلم تونسي مائة بالمائة، في عهد لم تكن فيه تلفزة ولا مسلسلات... أكبر ممثلينا وممثلاتنا – من المرحوم محمد بن علي إلى المرحومة زهرة فايزه إلى عبد السلام البش والبشير قوبعه - وقفوا لأول مرة أمام الكاميرا وتعٌلموا الألف باء من هواية أصبحت فيما بعد مهنتهم، ونالوا بها الشهرة. كما اشتُهر صاحبنا خارج الحدود التونسية وأصبح له إنتاج مشترك في أوروبا وفي أميركا، وهو جانب يكاد يكون مجهولا من بني وطنه..كما أنه ألٌف ونشر عدة كتب سمعية بصرية نذكر من بينها سلسلة "اكتشف قرطاج" التي صدرت في قائمة الكتب المدرسية في فرنسا. ومن بعض أفلامه ما هو موجود في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة " اليونسكو" والوكالة الفرنكوفونية للتعاون الفنٌي، وغيرهما عد يد.

في ربوع صاحبة الجلالة


في السبعينات د خل فؤاد سليم ساحة الصحافة الدولية فوجدناه في باريس مديرا تنفيذيا لمجلة تصدر باللغتين الفرنسية والإنكليزية هي مجلة "كونتنان 2000"، التي تهتمٌ بالشؤون الإفريقية.. ومن باريس إلي روما حيث أصبح معتمدا لدى وزارة الخارجية الإيطالية ومجلس الوزراء، ومنحته الجامعة الدولية للصحافة العضوية الشرفية لمدى الحياة. وكان يمثٌل صحافة الخليج العربي لدى المنظمات الدولية ويكتب في جرائد أصبحت فيما بعد مشهورة، مثل " القبس" و"المدينة" و"الجزيرة" وغيرها. في الفترة الخليجية، أنتج فؤاد سليم فيلما عن الحج ونشر كتابين :" جواز إلي مكة المكرٌمة" و"لبٌيك"، وأصدرعدة مجلٌدات سمعية بصرية باللغة العربية ،بالتعاون مع المجمع السمعي البصري بباريس...

المحافل الدولية

سنة 1982 جاء إلى تونس بمناسبة الاحتفالات بمرور ربع قرن على تأسيس الجامعة التونسية وأنتج فيلما وثائقيا عن تفتح المدرسة على المحيط عنوانه : " تقرأ وتكتب...وبعد ؟ ". حرٌك هذا الفيلم بعض السواكن فاقتنت منه اليونسكو نسخا وزٌعتها على الدول الأعضاء السائرة في طريق النمو، واقتنت منه وكالة التعاون الفنٌي بباريس حقوق التوزيع في 47 دولة إفريقية وآسيوية. في باريس وفي أوائل الثمانينات اكتشف فؤاد سليم الإعلامية ،فأسٌس مركزا لتعريب الحاسوب، وكان أوٌل من سجٌل بعض سور من القرآن - حرفا وصوتا - على الأقراص الليزرية. من يومها غاص فؤاد سليم في الإعلامية وأصبح عبدا للحاسوب وبذل قصارى الجهد لإدخاله إلى المدارس.. لكن في البداية، وجد معارضة من المعلٌمين أنفسهم، أولئك الذين يرون في الحاسوب منافسا خطيرأعلى طرقهم الكلاسيكية التي أكل عليها الدهر وشرب..كان ذلك في أوائل الثمانينات، أمٌا اليوم فإنه يحمد الله أن يرى الحاسوب في جلٌ المدارس والنوادي، وقد دخلت الإنترنت حتى المقاهي. بقى شغله الشاغل : ما حكٌ جلدك مثل ظفرك، فماذا نضع في هذه التجهيزات الموردة من اليابان وتايوان وحتى من بلاد الصين؟ بعد المساهمة في تعريب الحاسوب خلال الثمانينات ينكبٌ فؤاد سليم منذ عام 2000 على إنتاج البرامج العربية واستغلالها أحسن استغلال لكي لا نبقى مستهلكين لما يحضره لنا الغير من أكلات قد لا تهضمها معداتنا... أدب.. وفن.. وحاسوب في عقده الثامن وفي حين يرى معظم رفاق الدرب أُحيلوا على المعاش و" تقاعدوا "، يواصل فؤاد سليم مشواره بنفس الحماس والحيوية وحب المغامرة، كما عرفه كل من اقترب منه منذ أيام المدرسة الصادقية. جمع ما أنتجه طيلة نصف قرن، من مسرحيات وأفلام وعدة مؤلفات سمعية بصرية، وأقدم بكل شجاعة على إنشاء أول مكتبة رقمية تعتمد أساسأعلى إمكانيات الحاسوب دون سواها من ورق وحبر ومطابع، وأخرج باكورته في كتب رقمية سوف تكون غدا الوسيلة المتداولة بين الجميع لنشر الأفكار واشعاع المعرفة بين الناس.

موسوعات ذات صلة :