الرئيسيةعريقبحث

محمد بن سعيد


☰ جدول المحتويات


محمد بن سعيد
معلومات شخصية

اسمه ومولده ونشأته

هو الشيخ العابد الزاهد الورع البكاء واعظ مكة وزاهدها بقية السلف الصالح محمد بن أحمد بن عبد الله بن حسن بن سلطان بن سعيد النجدي ثم المكي، ولد في عام 1322هـ، ونشأ في أسرة عرفت بالصلاح والعبادة وحب العلم، فجده عبد الله بن حسن من طلبة العلم ومن أهل الصلاح وهومن تلاميذ الشيخ حسين بن علي بن محمد بن عبد الوهّاب رحمة الله عليهم، ووالده أحمد بن عبد الله بن سعيد ولد في مدينة الرياض عام 1275هـ، وقد عرف بالصلاح والعبادة وحب العلم والحث عليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو من حفظة القرآن، وقد اشتهر بحسن صوته وأدائه لتلاوة القرآن، وكان يؤم الناس في رمضان لصلاة التراويح والقيام، فكان مع حسن صوته في القراءة يختم بالناس في رمضان ثلاث ختمات، واشتهر بالشجاعة والكرم والأمانة، والتقوى، اشترك مع الملك عبد العزيز في العديد من الغزوات وذلك في بداية حياته، وقد كان الملك عبد العزيز يأخذه معه في بعض أسفاره ليسمعه القرآن من حلاوة وحسن صوته، ولأمانته وورعه كلفه الملك عبد العزيز بعدة مهام كان أهمها مسئولاً في إمارة المدينة النبوية، وكذلك مسئولا في إمارة الطائف آنذاك، ثم مسئولا عن بيت المال في الحجاز في أعمال جباية الزكاة، ثم بعد ذلك تفرغ إلى العبادة بقية عمره، إلى أن توفي في مدينة الرياض عام 1349هـ. تأثر الشيخ محمد بن سعيد بوالده كثيراً فقد قام والده بتربيته على طاعة الله وحفظ القرآن وطلب العلم، وكان يقول له يا محمد أنا أكفيك طلب الرزق المهم أن تطلب العلم وتلازم العلماء، حدثني بذلك شيخي محمد بن سعيد، كذلك تأثر شيخنا بأخواله فقد كانوا من أهل العبادة والصلاح، وقد مات اثنان منهم وهم سجود لله تعالى فما أحسنها من خاتمة، في هذه الأسرة الصالحة نشأ شيخنا على حب العلم والعبادة والزهد والورع وصدق أبو العلاء المعري حين قال:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا ***** على ما كان عَوَّده أبوه

طلبه للعلم وشيوخه

بدأ شيخنارحمه الله في طلب العلم، وذلك بتوجيه من والده، فبدأ أولاً بحفظ القرآن فحفظه قبل البلوغ، ثم أمره والده وحثه على ملازمة العلماء والقراءة عليهم، فبدأ شيخنا وهو في زهرة شبابه بالقراءة على أكابر علماء نجد، فقرأ على الشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف (ت1339هـ) في المختصرات ومنها ثلاثة الأصول والقواعد الأربع وكتاب التوحيد، وكان له من العمر خمسة عشر عاماً أو أقل، ثم قرأ على الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق جميع المختصرات في التوحيد، والفقه، والحديث، والتفسير، واللغة، مع بعض شروحها وقد لازمة ملازمة طويلة، وقد أحبه الشيخ سعد بن عتيق محبة عظيمة فقربه وجعله قارئاً خاصاً يقرأ عليه وحده في بيته بعد العشاء، وكان يأمره بقراءة المختصرات وشروحها وذلك ليُحّضِّر الشيخ سعد بن عتيق لتدريس الطلبة بعد الفجر، وكذا جعله الشيخ كاتباً يكتب له الرسائل والفتاوى والإجازات والتزكيات لطلبة العلم، ومن ذلك كتابته لإجازة الشيخ سعد بن عتيق للشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحم الله الجميع، وكذلك قرأ على الشيخ العلامة حمد بن فارس في الفقه واللغة، وقرأ على الشيخ محمد بن عبد اللطيف في المطولات كمسند أحمد وتفسير ابن كثير وغيرها، وقرأ على الشيخ محمد بن إبراهيم في التوحيد والفقه والحديث واللغة، وقرأ على الشيخ محمد بن عياف آل مقرن في جميع المختصرات في التوحيد والفقه والحديث، وقرأ على الشيخ أحمد بن عبيد إمام مسجد (المصمك) في التوحيد والفقه، وكذلك حضر بعضاً من دروس العلامة أبوبكر خوقير السلفي في مكة وقرأ على غيرهم من العلماء، فرحمة الله عليهم وجمعنا وإياهم في دار كرامته، وما حصل لشيخنا هذه الكوكبة النيرة من العلماء إلا بتوفيق الله ثم بتبكيره لطلب العلم.

تلاميذه ومن حضر مجالسه

قرأ على شيخنا وسمع منه بعض الكتب عدد من طلبة العلم وهذه الكتب التي كان يقرأها الشيخ أو يقرأها بعض الطلبة كانت في كتب ابن القيم وابن أبي الدنيا وكتب الترغيب والترهيب وكتب أئمة الدعوة في نجد، وقد كان شيخنا يصبر ويصابر على القراءة وإفادة الناس مع ما فيه من الأمراض الشديدة والأوجاع، وأيضاً قد نصحه الأطباء بعدم القراءة، فعيناه وصحته لا يناسبهما القراءة، ولكن كل هذا لا يأبه له الشيخ فحلاوة القراءة في كتب أهل العلم وإفادة الناس تذيب هذه الأعراض. (وهذا ذكر بعض الطلبة ممن قرأ عليه أو سمع منه بعض الدروس والمواعظ:

  1. 1- شيخنا المعمر ناصر التوحيد وقامع الشرك عبد الله بن سعدي الغامدي العبدلي ، وهو من أخص أحبابه ومعارفه.
  1. 2- الشيخ الداعية الفاضل يوسف بن عبد العزيز النافع رئيس هيئة الحرم المكي سابقاً وهو من أخص أحبابه ومعارفه.
  1. 3- الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد رئيس مجلس الشورى وإمام وخطيب المسجد الحرام، وقد كان يزور الشيخ كثيراً.
  1. 4- الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام.
  1. 5- الشيخ الدكتور أحمد بن عبد الله بن حميد أستاذ الفقه وأصوله في جامعة أم القرى، وهو ممن يكثر من زيارة الشيخ.
  1. 6- الشيخ الدكتور أسامة بن عبد الله خياط إمام وخطيب المسجد الحرام.
  1. 7- الشيخ الداعية سعيد بن عبد الله الدعجاني مدير الدعوة والإرشاد بجدة، وهو من أخص أحبابه ومعارفه وقد صحبه مدة طويلة من الزمن.
  1. 8- الشيخ صالح المقوشي مدير معهد الحرم سابقاً.
  1. 9- الشيخ الدكتور عبد الوهّاب بن ناصر الطريري أستاذ الحديث في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
  1. 10- الشيخ الدكتور عائض بن عبد الله القرني.
  1. 11- الشيخ الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي.
  1. 12- الشيخ شايع الدوسري.
  1. 13- الشيخ مشعان بن زايد الحارثي داعية بالطائف.
  1. 14- الشيخ الدكتور دوخي بن زايد الحارثي مدير الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني بالطائف.
  1. 15- الشيخ عبد الله بن ناجي المخلافي رئيس قسم شؤون حلقات القرآن الكريم بالمسجد النبوي قرأ عليه وسمع منه مسلسل الحنابلة.
  1. 16- الشيخ عبد الله بن أحمد بخيت مدير الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني بمكة.
  1. 17- الشيخ عبد الله بن صالح العبيد.
  1. 18- حسن بن محمد القحطاني.
  1. 20- الشيخ عبد الوهّاب بن عبد العزيز الزيد.
  1. 21- الشيخ محمد زياد بن عمر التكلة.
  1. 22- الشيخ أنس عبد الرحمن العقيل.
  1. 23- الشيخ سعد بن عبد الله السعدان.
  1. 24- الشيخ إبراهيم بن محمد القباع.
  1. 25- الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي. وقد أجازه الشيخ بمقروءاته ومسموعاته وقرأ على الشيخ مسلسل الحنابلة.
  1. 26- محمد بن صالح بن محمد بن سعيد حفيد الشيخ.
  1. 27- الشيخ ياسر بن سعيد السعيد.

وقد قرأت على شيخنا في مختصرات الإمام محمد بن عبد الوهّاب والعقيدة الواسطية وغيرها، وقد أجازني الشيخ بمقروءآته ومسموعاته وما أخذه عن مشايخه، وسمعته منه وقرأت عليه مسلسل الحنابلة الذي يرويه عن الشيخ سعد بن عتيق قراءة عليه، وقد كان بيني وبين شيخنا علاقة تربطها المودة والمحبة والنصح، ولازمته مدة طويلة تقرب من خمسة عشر عاماً يرعاني فيها بنصحه وتوجيهه فكان نعم الناصح والمربي، وكنت إذا قرأت عليه أو ذكرت له بعض سير السلف الصالح، أو بعضاً من سيرة الشيخ سعد بن عتيق، أجده لا يتمالك دمعه فيأخذ في البكاء فكانت هذه العبرات وهذه الدموع تصنع شيئاً في قلبي، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: قرأت على مائة شيخ ولم استفد إلا من شيخين، أبو البركات الأنماطي والجواليقي إذا قرأت عليهما الحديث يبكيان، فكان هذا البكاء يصنع شيئاً في قلبي، هكذا يكون العلماء، وإلا فكيف يتربى طلبة العلم على علماء جافية عيونهم قاسية قلوبهم.

اعماله

تأثر شيخنا محمد بن سعيد بوالده كثيراً عندما كان يؤم المصلين في شهر رمضان، فأخذ شيخنا يؤم الناس في رمضان للتراويح والقيام فأمَّ الناس في مسجد (المعيقلية) أحد أحياء الرياض القديمة، ثم أمَّ الناس أيضاً في حي آخر من أحياء الرياض يدعى (الحِنْبِلي) ويعرف المسجد بمسجد (الشيخ علي بن داود ) ثم إماماً أيضاً في مسجد الأمير عبد الرحمن بن عبد الله في حي عليشة، وقد كان الناس ينطلقون أفراداً وجماعات إلى ذلك المسجد الذي يؤمُّه الشيخ فيزدحم المسجد بالمصلين، والبعض يصلي في الطرقات لشدة الزحام؛ وذلك ليستمعوا إلى حلاوة وحسن تلك القراءة الحزينة التي يظهر عليها التدبر والخشوع، فكان يحبر التلاوة تحبيراً، ويُفَصِّلُ الآيات بإجادة منقطعة النظير دون تكلف. ومما يزيد في تأثر الناس بتلك القراءة هو أن شيخنا كان يبكي كثيراً إذا قرأ آيات العذاب والجنة والنار، ومشاهد اليوم الآخر، وإذا قرأ رأيت كأنَّ في جوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء.

وقد حدثني شيخنا المعمر داعية التوحيد عبد الله بن سعدي الغامدي فقال: كنا نذهب ونحرص كثيراً إذا جاء شهر رمضان أن نصلي مع الشيخ محمد بن سعيد فقد كانت صلاته على السنة، وكنَّا إذا استمعنا إلى حلاوة وحسن تلك القراءة نسينا الدنيا وما فيها والبعض إذا سمع تلك القراءة يقول: كأن القرآن أنزل الآن، اللهم اجعل شيخنا محمد بن سعيد مع السفرة الكرام البررة واجعله ممن يقال له يوم القيامة أقرأ وارتق ورتِّل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها. وفي عهد الملك عبد العزيز تم اختيار الشيخ محمد بن سعيد للعمل في ديوان الملك عبد العزيز حيث حضر الملك عبد العزيز درس الشيخ محمد بن عبد اللطيف، ومعه بعض الرجال ومنهم أحمد بن سعيد والد الشيخ فحضر الملك عبد العزيز ومن معه الدرس وكان القارئ الشيخ محمد بن سعيد وعندما انتهى الدرس قام الملك عبد العزيز وقال لأحمد ابن سعيد من هذا القارئ؟ حيث أُعجب بحسن قراءته فقال هذا ابني فقال ما شاء الله. وبعدها استدعاه الملك عبد العزيز وطلب منه أن يقرأ بصفة دائمة في مجالسه القرآن الكريم والكتب العلمية من السيرة النبوية والتفسير، واستمر على ذلك إلى أن عينه الملك عبد العزيز في الديوان ليعمل في بعض ما يسند إليه من أعمال البر كالصدقات والهبات وتفريج كربات المحتاجين الذين يتقدمون إلى جلالة الملك.

وبعد فترة طلبه سمو ولي العهد آنذاك الملك سعود ليعمل مساعداً لرئيس ديوانه واستمر فترة طويلة في العمل إلى أن انتقل جلالة الملك عبد العزيز إلى رحمة الله، فتم ضم ديوان سمو ولي العهد إلى الديوان الملكي في عهد الملك سعود واستمر في عمله وتنفيذ ما يسند إليه من الأعمال المتنوعة في بعض الأقسام، إضافة إلى ما يختص بأعمال المساعدات العامة والهبات والصدقات وتسديد الديات عن بعض المعسرين في كافة أنحاء المملكة كالرياض ومكة وجدة والمدينة والطائف، والمدن الشرقية والجنوبية والشمالية التي يزورها الملك سعود. وكذلك التوزيع على الطرقات الرئيسية ليتم توزيع الصدقات والكساء الرجالية والنسائية والأطفال، فيما في ذلك توزيع الإكراميات النقدية على عموم طلاب المدارس على طول الطرق وعلى إدارييها والدوائر الحكومية الأخرى.

وكان الشيخ محمد بن سعيد لصلاحه وورعه و أمانته ومعرفته بأهل العلم هو همزة الوصل في جميع المهام الدينية بين جلالة الملك سعود وسماحة المفتي العام آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم وأصحاب الفضيلة العلماء في القضايا السرية والعلنية وغيرها. وكان الملك سعود ي يحبه كثيراً وذلك لصلاحه وورعه وأمانته ونصحه، وكان وجوده رئيساً للديوان محل رضا الناس من الحاضرة والبادية، حيث يلقاهم بوجهه الصبوح ومحياه الطلق فيلبي طلباتهم ويعرض مشكلاتهم وينفذ التوجيهات السامية بالنسبة لهم دون تأفف أو تذمر أو تسويف، وقد كان في منصبه هذا يساعد العلماء و الدعاة المصلحين وطلبة العلم، ويشفع عند الملك سعود لكثير منهم، وقد دعم في منصبه هذا دعوة ومدارس الشيخ الداعية عبد الله القرعاوي في الجنوب وكذا دعم دعوة الشيخ الداعية عبد الله بن سعدي الغامدي العبدلي في غامد وزهران وغيرها، وكذا دعم الشيخ الداعية محمد حامد الفقي مؤسس جماعة أنصار السنة في مصر، وكانت له مساهمات كبيرة في إنشاء وتطوير دار الحديث بمكة، وكذا دعم العلماء السلفيين في الداخل والخارج، وكذلك دعم العلماء السلفيين في المسجد الحرام أمثال الشيخ المحدث محمد بن عبد الله الصومالي والشيخ يحيى عثمان المدرس وغيرهم، وأيضاً قام وساعد في طباعة الكتب السلفية وتأمينها لتنتشر بين طلبة العلم في تلك الفترة. يقول شيخنا عبد الله بن سعدي الغامدي ما أظن أن أحداً خدم الناس كما خدمهم الشيخ محمد بن سعيد في تلك الفترة. واستمر في هذه الأعمال المباركة حتى عام 1384هـ وطلب إحالته إلى التقاعد وبعدها جاور بيت الله الحرام فرحمة الله عليه وجعل ما قام به من أعمال في ميزان حسناته، وما زال الناس إلى اليوم على اختلاف طبقاتهم يتذكرون ما قام به هذا الشيخ الجليل من تسهيل لأعمالهم ومتطلباتهم جعل الله ذلك في موازين أعماله.

مكتبة الشيخ

كان شيخنا يملك مكتبة عامرة، بدأ بجمعها منذ أوائل طلبه للعلم، ومما زاد في كثرة الكتب فيها، أن شيخنا كان يُدمن القراءة في ليله ونهاره، ويحب اقتناء كل جديد يخرج من تراث أهل العلم، وقد حوت مكتبته نفائس من المخطوطات ونوادر الطبعات ، ومما زاد في نفاسة المكتبة أن بعضاً من الأعيان من أهل العلم والوجهاء يهدون إلى الملك سعود نفائس من نوادر الكتب والمخطوطات، فالبعض منها يأمر بإعطائها إلى الشيخ محمد بن سعيد ليستفيد منها وإن أراد يتملكها، وأيضاً كان بعضاً من العلماء في هذه البلاد وغيرها يهدون للشيخ بعض مؤلفاتهم وبعض الكتب وعليها خطهم بالإهداء.

ومكتبة الشيخ كانت في مدينة الرياض ولما أراد الإقامة بمكة نقلها معه وزاد عليها الكثير، وكانت للشيخ خلوة وغرفة في المسجد الحرام، وجعل فيها أكثر مكتبته وكان يأتيه في هذه الغرفة العلماء والدعاة والوجهاء يتذاكرون فيها ، وللأسف فقدت أو تلفت أكثر ما في هذه المكتبة وذلك عندما وقعت الفتنة النكراء حادثة الحرم في عام 1400هـ وقد حزن عليها الشيخ حزناً شديداً ، وفي بيت الشيخ الذي هو في حي العزيزية بمكة مكتبة فيها نوادر من الكتب وبعض المخطوطات، ولعلها بعضاً من مكتبته التي هي في خلوته في المسجد الحرام وهذه المكتبة التي هي في بيته أوقفها الشيخ على دار الحديث بمكة والبعض منها أوقفها لبعض طلاب العلم.

مجلسه العامر

عرف الناس القاصي والداني بجميع طبقاتهم من الأمراء والعلماء والدعاة والوجهاء وطلبة العلم عرفوا سيرة الشيخ العطرة وتعلق روحه وفؤاده بالله والدار الآخرة ، وبذله النصح والإرشاد لجميع الناس ، ومعرفته بسير وأحوال علماء نجد الأكابر ، أقول لهذا حرص الكل على زيارته في الله ، ولو وصفنا مجلسه لم نستطع أن نعطيه حقه فهو بحق يشبه مجالس السلف الصالح، كالحسن البصري وعبد الله بن المبارك وابن الجوزي، وهذا وصف مجلسه العامر بذكر الله والدار الآخرة.

من عادة شيخنا أنه يفتح بابه للزيارة بعد صلاة العصر ، فيأتيه بعض العلماء وبمجرد رؤية الشيخ لهم والسلام عليهم والسؤال عن أحوالهم يستأذنهم الشيخ تلطفاً بقراءة بعضاً من الكتب مثل كتب ابن القيم أو بعض التفسير أو في كتب الترغيب والترهيب ، وما إن يبدأ شيخنا بتلك القراءة العطرة التي يزينها حلاوة ذلك الصوت وذلك الوجه المنير حتى يأخذ شيخنا بالبكاء، فهو لا يملك دمعه، ومن عادة شيخنا أنه إذا تأثر وبكى من آية أو حديث، أو بعضاً من السيرة، كرر ذلك النص مراراً على الحاضرين وهو يبكي حتى أن الزائرين له ليشفقون على حاله، ثم ترى هؤلاء العلماء أو الدعاة وطلبة العلم، إذا سمعوا تلك القراءة من الشيخ وهو يبكي تراهم يغطون وجوههم ولهم خنين. والعجب كل العجب أن شيخنا يبكي إذا قرأ آية عذاب أو آية رحمة، أو يبكي عند قراءة أحاديث في الترغيب والترهيب، وهي تمر على بعض الناس وإن كان يتصف بالعلم والصلاح مرور الكرام والشيخ يقف منها موقف الوجل المنكسر الذي يقشعر جلده ويلين قلبه لها، ثم لا يستطيع أن يتمالك دمعه لها وإذا أراد الزوار توديع الشيخ قال لهم الشيخ أسأل الله أن يجمعنا وإياكم في الجنان، وأن يغفر لنا وهو يبكي فكان هذا البكاء من الشيخ عند استقبالهم وتودعيهم، يصنع في قلوبهم شيئاً فيخرجون من الشيخ بقلب آخر ، وكم بكى عدد من الأمراء والعلماء وطلبة العلم في مجالس الشيخ ، وما كان هؤلاء يأتون في مجالس شيخنا إلا ليذكرهم بالله والدار الآخرة فرحمة الله عليه. ولقد أحسن بعض طلبة العلم في وصف مجلس شيخنا فقال مشكوراً: ومن سعد بزيارة الشيخ في بيته (بعزيزية مكة ) وقف على بقية من أخلاق السلف ، التي كادت أن تندثر في زماننا إلا ما وقى الله ، صوت متهدج بالعبرات ،وموعظة تقطع نياط القلوب ، وصدع بالحق لا يراعي فيها لومة لائم ، لا يدعك تلتقط أنفاسك حتى يتناول كتاباً سلفياً فيقرأ ما يفتح الله به ، فتخرج من عنده بغير القلب الذي دخلت به حقاً لقد كانت مجالس الشيخ على حد قول القائل (تعالى بنا نؤمن ساعة ) ولا عجب بعد ذلك أن ترى منزل الشيخ قبلة لمن ينزل مكة ، من أهل العلم والعمل والدعوة ، كما هو موئل ذوي الحاجة والمسكنة ، فرحم الله الشيخ رحمة واسعة).

وأحياناً إذا لم يكن الشيخ يقرأ في كتاب ، يُذكِّره من يزوره من أهل العلم والدعاة بسيرة شيخه والذي تربى عليه ولازمه وهو العلامة سعد بن حمد بن عتيق ، فيبدأ الشيخ محمد بن سعيد بالثناء العاطر على شيخه ويذكر نماذج من سيرته العلمية والدعوية وصدعه بالحق وزهده وورعه، ثم لا يتمالك شيخنا نفسه فيجهش بالبكاء على شيخه سعد بن عتيق ، ويتأثر من في المجلس بهذه العبرات ، والعجب أن شيخنا في مجلسه يبكي عند بعض الكلمات التي تقال له ، والزائر قالها عرضاً، ويتعجب من بكائه فكأن الزائر يقول ما الذي يبكيه في هذه الكلمات، فمثلاً جئت لشيخنا في شهر رمضان في ليلة السابع والعشرين وقلت له: الناس في المسجد الحرام في هذه الليلة ربما بلغوا المليون أو أقل منه والزحام شديد فبكى الشيخ ثم قال: كل هؤلاء يزحمون في هذه الليلة يرجون رحمة الله ومغفرته ، اللهم لا تخيب سعيهم واستجب دعائهم ثم بكى ، فقلت في نفسي الشيخ في واد وأنا في واد آخر ، فانظر إلي هذه الشفقة ومحبة الخير للناس في قلب هذا الشيخ الجليل. وهذا ذكر لبعض الأمراء والعلماء الذين يأتون إلى مجالس الشيخ ، وهم على ما يلي:

  1. 1- صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز وقد سمع بسيرة الشيخ العطرة ، فزاره في مكة المكرمة في منزله بحي العزيزية في شهر رمضان عام 1422هـ وكان مع ولي العهد عدد من الأمراء.
  1. 2- الأمير عبد الرحمن بن عبد الله آل سعود ، وكان بينه وبين الشيخ محبة كبيرة وقد بكى الأمير عندما علم بموت الشيخ.
  1. 3- الأمير متعب بن عبد العزيز آل سعود وكان بينه وبين الشيخ محبة كبيرة وكان الأمير من أوائل من يزوره في عيد الفطر الشيخ محمد بن سعيد.
  1. 4- الأمير ممدوح بن عبد العزيز وكان بينه وبين الشيخ محبة كبيرة.
  1. 5- الأمير الصالح عبد الله بن فيصل الفرحان أمير القصيم سابقاً وكان من خاصة معارفه وأحبابه.
  1. وأما ( العلماء الذين حضروا مجالس الشيخ ) فهم ما يلي:
  1. 1- شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز. وكانت بينه وبين الشيخ محبة عظيمة وتربطهم علاقة منذ أكثر من خمسين عاماً ، وكلما جاء الشيخ عبد العزيز بن باز إلى مكة، كان من أوائل من يزور الشيخ محمد بن سعيد ، وكم بكى الشيخ عبد العزيز بن باز في مجالس شيخنا فرحمة الله عليهما.

شيخنا العلامة فقيه الحنابلة وبقيتهم عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل ، وقد أجازه الشيخ محمد بن سعيد بمروياته ،وكان شيخنا محمد بن سعيد، يسألني عنه كلما رأيته فقد كان الشيخ يحبه كثيراً وينثلج صدره برؤية الشيخ عبد الله بن عقيل وشيخنا عبد الله بن عقيل، يحرص جداً على زيارة الشيخ محمد بن سعيد في مكة ، وقد اجتمعا على المحبة في الله و افترقا على ذلك واذكر قصة مؤثرة تبين ذلك ، جاء شيخنا عبد الله بن عقيل لزيارة الشيخ محمد بن سعيد في مكة في بيته الكائن في حي العزيزية وكنت أنا عند الشيخ محمد ولم أدخل عليه لشدة مرضه وتدهور صحته وعدم استطاعته على الكلام، بسبب وجود فتحة في حلقه وإذا أغلقت هذه الفتحة تكلم وهو صابر محتسب وهذا في آخر شهرين من وفاته، فلم استطع الدخول عليه، وأيضاً كان نائماً وعندما جاء الشيخ عبد الله بن عقيل استأذن أحد أولاد الشيخ، فقال ابن الشيخ يا شيخ الوالد متعب جداً، وهو أيضاً نائم وجزاك الله خيراً على هذه الزيارة، فقال الشيخ عبد الله سأدخل على الشيخ لأقرأ عليه بعض الآيات فقال له الابن تفضل يا شيخ فدخل الشيخ عبد الله وكنت معه، فنظر إلى الشيخ محمد وتأثر الشيخ كثيراً فالمرض وإجراء العمليات له غيرت من حاله، فبدأ الشيخ بالقراءة وما أن انتهى الشيخ من القراءة حتى استيقظ الشيخ محمد بن سعيد، وفتح عينيه ثم نظر إلى من حوله وأصبح يتمتم ولا يُسمع ما يقول وعيناه تذرفان، فأخذ ابن الشيخ محمد وأغلق هذه الفتحة في عنقه والتي تمنعه من الكلام، فتكلم الشيخ محمد وقال للشيخ عبد الله وعيناه تذرفان فرحاً برؤيته كيف حالك، فقال الشيخ عبد الله الحمد لله، وظنَّ الشيخ عبد الله أن الشيخ محمد لم يعرفه وأنه قد اختلط عقله وذلك لشدة مرضه، فقيل له هل عرفت الشيخ فابتسم ووجهه يتهلهل مبتسماً، فأمسك بشدة بيدي الشيخ عبد الله وقّبَّلها، وقال أنت الحبيب الشيخ عبد الله بن عقيل فتأثر الشيخ عبد الله، فَقبَّل يد الشيخ محمد وكل منهما دعا للآخر ، وكان هذا آخر لقاء بينهما حيث مات الشيخ محمد بن سعيد بعدها بشهرين ، وله من العمر مائة سنة وزيادة سنتين، اجتمعا فيها على المحبة في الله وافترقا على ذلك.

  • 3- الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين ، كان يزوره في رمضان إذا جاء الشيخ إلى مكة.
  • 4- الشيخ العلامة المحدث محمد عبد الرزاق حمزة، وكانت بينهما علاقة قوية ، وقد تزوج شيخنا ابنته.
  • 5- الشيخ العلامة عبد الله خياط إمام وخطيب المسجد الحرام.
  • 6- الشيخ العلامة بن صالح الخليفي إمام وخطيب المسجد الحرام.
  • 7- الشيخ العلامة عبد الله بن سليمان المنيع.
  • 8- الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين.
  • 9- الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الفريان.
  • 10- الشيخ محمد بن عبد الله بن سبيل.
  • 11- الشيخ محمد بن جبير رئيس مجلس الشورى سابقاً.
  • 12- الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة بمصر. وهومن خواص اصدقاء الشيخ.
  • 13- الشيخ الداعية عبد الله بن سعدي الغامدي العبدلي.
  • 14- الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن حسن آل الشيخ إمام وخطيب المسجد الحرام.
  • 15- الشيخ عبد العزيز بن صالح المرشد.
  • 16- الشيخ المحدث محمد بن عبد الله الصومالي المدرس بالمسجد بالحرام.
  • 17- الشيخ يحيى بن عثمان المدرس العظيم آبادي ، المدرس بالمسجد الحرام.
  • 18- الشيخ العلامة المحدث محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحيم الجاركي الفارسي.
  • 19- الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي وغيرهم.
  • 20- الشيخ عبد الله بن قعود

مؤلفاته

ليس لشيخنا مؤلفات وذلك لتواضعه الكبير فهو لا يرى نفسه شيئاً، وأيضاً انشغاله بالعبادة ومساعدة طلبة العلم والفقراء والمساكين ، وقد بحثت له عن مؤلفات فلم أجد له إلا مؤلفين: 1- التبيان لبعض كلمات القرآن، وهو تفسير بديع لبعض كلمات القرآن التي يخفى معناها، وهو كامل ومفيد جداً ، وقد عهد به شيخنا إليَّ يسر الله نشره. 2- المهمات في الأذكار والدعوات. 3- شرح أسماء الله الحسنى . (صفات الشيخ الخَلْقِيّة والخُلُقِيَّة): أما صفاته الخلقية ، فقد كان شيخنا ليس بالطويل ، ولا بالقصير وسط بين ذلك ، أبيض الوجه مشرباً بحمره وسيماً جميل الطلعة، كث اللحية يخضبها بالحناء ، على وجهه نور ونضارة يذكر بنضارة أهل الحديث، ومن نظر إليه عرف أنه من أهل العلم والعبادة. (صفاته الخُلُقِيَّة): كان شيخنا على قانون السلف ، رقيق القلب سريع الدمعة ، زاهداً متورعاً ، عليه وقار أهل العلم والعبادة ، يتأثر الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه، لا يعرف ضياع الوقت، كل من جاءه لم يجده إلا قارئاً للقرآن، أو يقرأ في أذكار الصباح والمساء، أو قارئاً لكتب أهل العلم، وإذا أسدل الليل عليه ستاره لا تجده إلا قائماً يصلي يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ، كريماً جواداً للإخوان وما في جيبه ليس له ، رحيماً وأباً للفقراء والمساكين ، ومساعداً وناصراً لطلبة العلم ، لا يخاف في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لومة لائم ، ناصحاً للأمراء والعلماء بالخفاء ، طيِّب المعشر ، أنيساً من رآه وجلس معه مرة كأنه يعرفه منذ زمن ، عُرف بصبره على ما يأتيه من البلاء والأمراض ، لا يحب المدح والشهرة ، وأبرز ما فيه أنه يعمل ويسارع في عمل الطاعات لا يفتر وكأن القيامة ستقوم غداً ، يذكر برؤيته السلف الصالح، فرحم الله شيخنا وجعله خيراً مما نظن وغفر له ما لا نعلم.

وفاة الشيخ

كان شيخنا وأسكنه فسيح جناته يستعد للموت في كل ساعة فلا تراه إلا سباقاً لكل خير وطاعة، يكثر على الناس في مجلسه من ذكر الموت والساعة، ومن كثرة ما يعظ ويذكر في مجلسه بالموت وسكراته يظن البعض أنه قد اقترب أجله وأنه يُعرِّض بنفسه، وما عرفوا أن هذا هو حال السلف الصالح، وكان يقول في مجلسه لبعض أهل العلم لما تجاوز عمره فوق المائة: ( أنا تجاوزت المائة كأني تأخرت عليكم وأزعجتكم ) وكان يكرر أن يقول دائماً ( اللهم اجعلنا من أهل التوحيد الخالص وأمتنا عليه ) وقد كتب شيخنا وصيته وعندما جاءه مرضه الذي مات فيه كتب في وصيته لبعض أولاده، صفة غسله وتكفينه ووضعه في قبره وغير ذلك، وأوصى أن يغسله بعض من يعرفه من أهل العبادة والورع، وعندما جاءت ساعات موته أخذ يستغفر ويكرر لا إله إلا الله حتى فارق الحياة في عام 1423هـ ، وله من العمر مائة سنة وزيادة سنتين ، وقد صلى عليه جموع غفيرة في المسجد الحرام، وكان الإمام الشيخ الدكتور أسامة بن عبد الله خياط، وامتلأت المقبرة بالناس يتقدمهم رفيقه ومحبه، شيخنا العلامة عبد الله بن عقيل، وشيخنا محمد بن عبد الله السبيل، والشيخ صالح بن عبد الله بن حميد رئيس مجلس الشورى، وغيرهم من أهل العلم والصلاح ، وكم عدد من الأمراء والعلماء والدعاة لوفاة شيخنا، رحم الله شيخنا الزاهد العابد محمد بن أحمد بن سعيد وجمعنا وإياه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وقد وثق إجازة الشيخ سعدبن عتيق للشيخ محمد بن سعيد شيخنا عبد الله بن عقيل كما في كتابه النافع فتح الجليل تأليف الشيخ البحاثة العارف بتراجم العلماء زياد التكلة ، وفي الكتاب ذكر لرواية سيخنا ابن عقيل عن الشيخ محمد بن سعيد وسماعه لمسلسل الحنابلة. (توثيق إجازة الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق للشيخ العلامة محمد بن إبراهيم ابن عبد اللطيف آل الشيخ) : وقد أملاها شيخنا وكتبها للتوثيق بناء على طلبي، وهذا نصها: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين وبعد: أنا محمد بن أحمد بن سعيد قد طلب مني الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق وقت طلبي العلم عليه وملازمتي له وكتب خطوطه أن أكتب بخطي، إجازته للشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ،وقد كتبتها بقلمي هذا وأعدت قراءتها على الشيخ بعد ذلك أمرني أن أذهب للشيخ محمد في بيته وأسلمها له، ولا حفظت منها إلا بيتين وهي: وقد أجزت مع التقصير عن دركي لرتبة الفضلاء أهل الإجازاتي وأسأل الله توفيقاً ومغفرةً ورحمة منه في يوم المجازاتي والإجازة طويلة، ومعها إجازة شيخه نذير حسين، وغيره من أهل العلم في الهند ، وقد طلب مني الأخ العزيز الشيخ رياض بن عبد المحسن بن سعيد كتابة وتوثيق هذه الإجازة ، وأسأل الله الكريم لمشايخنا الرحمة والغفران، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. أملاه الفقير إلى الله محمد بن أحمد بن سعيد

مسلسل تفقه شيخنا بالمذهب الحنبلي

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده: وبعد فقد رأيت بعض الفقهاء من المذاهب الأربعة، قد ذكروا مسلسل تفقههم كالنووي في تهذيب الأسماء ، والمقتطعات لابن فرحون من طبقات المالكية ، وعبد الحي اللكنوي في طبقات الحنفية ، وحيث أن شيخنا تفقه في مذهب إمام السنة أحمد بن حنبل فأقول: أخذ شيخنا محمد بن أحمد بن سعيد الفقه الحنبلي عن جماعة من الأجلاء منهم الشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف والشيخ العلامة سعد ابن حمد بن عتيق، وتفقه الشيخ سعد على والده العلامة حمد بن عتيق وكل من الشيخ العلامة حمد بن عتيق والشيخ عبد الله بن عبد اللطيف تفقها على العلامة المحقق عبد الرحمن بن حسن ، وهو تفقه بالعلامة المجدد محمد بن عبد الوهّاب، وهو تفقه بوالده الشيخ عبد الوهّاب وهو تفقه بوالده الشيخ سليمان بن علي فقيه نجد وعلامتها صاحب المنسك المشهور ، وهو تفقه بالشيخ أحمد بن مشرف ، وهو تفقه بالعلامة المحقق شيخ المذهب في وقته الشيخ موسى الحجاوي صاحب الإقناع ، وقال الشيخ موسى الحجاوي: أخذت الفقه عن جماعة منهم الشيخ العلامة الصالح الزاهد أحمد بن أحمد بن محمد العلوي الشويكي ثم الصالحي ، وتفقه الصالحي الشويكي بالعلامة شهاب الدين أحمد بن عبد الله العسكري المقدسي ثم الصالحي ، وتفقه العسكري بشيخ الإسلام مصحح المذهب ومقرب المأرب القاضي علاء الدين علي بن سليمان المرداوي المقدسي، وتفقه القاضي علاء الدين بالعلامة تقي الدين أبي بكر إبراهيم بن قندس البعلي ، وتفقه بن قندس بالشيخ الأصولي علاء الدين علي بن محمد بن عباس البعلي المشهور بابن اللحام وتفقه ابن اللحام بالشيخ الإمام الحافظ المحقق زين الدين عبد الرحمن بن رجب البغدادي ، وتفقه ابن رجب بعلامة الزمن الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية ، وتفقه ابن القيم بشيخ الإسلام وبحر العلوم تقي الدين أحمد بن تيمية ، وتفقه ابن تيمية بقاضي القضاة شيخ الإسلام شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر ، وتفقه ابن أبي عمر بشيخ الإسلام موفق الدين ابن قدامة ، وتفقه أيضاً ابن تيمية بوالده الشيخ شهاب الدين عبد الحليم ، وتفقه الشيخ عبد الحليم بوالده شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات عبد السلام ، وتفقه المجد عبد السلام بجماعة منهم الفخر إسماعيل البغدادي ، وأبي بكر الحلاوي، وتفقه كل من الشيخ موفق الدين والفخر إسماعيل وأبي بكر الحلاوي بناصح الإسلام أبي الفتح المني الذي قال في صفته شيخ الإسلام: ناصح الإسلام بن الحنبلي ، فقهاء الحنابلة اليوم في سائر البلاد يرجعون إليه وإلى أصحابه ، قال العلامة بن رجب: قلت وإلى يومنا هذا الأمر على ذلك فإن أهل زماننا يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين موفق الدين المقدسي ومجد الدين بن تيمية الحراني ، فأما الموفق فإنه تلميذ ابن المني، وأما ابن تيمية فإنه تلميذ تلميذه ابن الحلاني ، وتفقه الشيخ موفق الدين على علم زمانه الشيخ عبد القادر الجيلاني ، وعلى الإمام الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي ، وتفقه كل من ابن المني والشيخ عبد القادر وابن الجوزي بالإمام أبي الوفاء علي بن عقيل وبالإمام أبي الخطاب محفوظ الكلوذاني ، وبالإمام أبي بكر الدينوري وغيره ، وتفقه كل من الثلاثة بشيخ الإسلام حامل لواء المذهب القاضي أبي يعلى وتفقه القاضي أبو يعلى بشيخ الإسلام عبد الله بن حامد ، وتفقه ابن حامد بالإمام أبي بكر عبد العزيز المعروف بغلام الخلال ، وتفقه عبد العزيز بشيخه أبي بكر الخلال صاحب كتاب الجامع الذي دار بلاد الإسلام وجمعها فيها بأصحاب الإمام أحمد ودون نصوصه عنهم في هذا الكتاب وتفقه الخلال بالإمام أبي بكر المروذي ، وتفقه المروذي بإمام المسلمين أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، وتفقه الإمام أحمد بجماعة من سادات العلماء المجتهدين منهم سفيان بن عيينة ، والإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ، والإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب الإمام أبي حنيفة م ، وتفقه سفيان بن عيينة بجماعة منهم عمرو بن دينار وتفقه الإمام الشافعي بجماعة منهم إمام دار الهجرة مالك بن أنس وأخذ الإمام مالك عن جماعة من سادات التابعين منهم عالم زمانه أبو بكر محمد بن شهاب الزهري والإمام عبد الرحمن بن ربيعة المدني ونافع ، وتفقه الإمام أبو يوسف بالإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي وتفقه الإمام أبو حنيفة بجماعة منهم الإمام أبو إسماعيل حماد بن أبي سليمان ومنهم عالم الكوفة الحكم بن عتيبة وعطاء بن أبي رباح المكي وأخذ الزهري وربيعة ونافع شيوخ مالك ، وحماد والحكم بن عتيبة وعطاء بن أبي رباح شيوخ أبي حنيفة عن جماعة من الصحابة م ، منهم عبد الله بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، و أخذ الصحابة من صاحب الوحي سيد المرسلين ، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وأيضاً تفقه شيخنا محمد بن أحمد بن سعيد على العلامة سعد بن حمد بن عتيق قاضي الرياض وفقيهها في وقته ، وهو تفقه بالشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى وهو تفقه بالعلامة المحقق الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بابطين وهو تفقه بالشيخ محمد بن طراد الدوسري وهو تفقه بالشيخ محمد بن أحمد السفاريني ، و هو تفقه بأبي التقى عبد القادر التغلبي شارح الدليل ، وهو تفقه بالشيخ عبد الرحمن البهوتي ، وهو تفقه بشيخ الإسلام تقي الدين الفتوحي صاحب المنتهى ، وهو تفقه بوالده القاضي شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن النجار الفتوحي القاهري ، وهو تفقه بالقاضي شهاب الدين أبي حامد أحمد بن نور الدين أبي الحسن علي بن أحمد الشيشني الأصل القاهري الميداني ، وهو تفقه بالقاضي عز الدين أبي البركات أحمد بن القاضي برهان الدين إبراهيم بن القاضي ناصر الدين بن نصر الله الكتاني ، وهو تفقه بجمال الدين عبد الله بن القاضي علاء الدين بن علي الكتاني وهو تفقه بعلاء الدين أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الفرضي الدمشقي ، وهو تفقه بالفخر أبي الحسن علي بن أحمد المعروف بابن البخاري وهو تفقه بأبي علي حنبل بن عبد الله بن الفرج الرصافي ، وهو تفقه بأبي القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد الحصين ، وهو تفقه بأبي علي الحسين بن علي التميمي الواعظ ، وهو تفقه بأبي بكر أحمد بن جعفر القطيعي ، و هو تفقه بأبي عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل ، وهو تفقه بوالده إمام المسلمين أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، وهو تفقه بيحيى بن سعيد ، وهو تفقه بعبيد الله ، و هو تفقه بنافع، وهو تفقه بمولاه عبد الله بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ما ، وهو تفقه بسيد ولد آدم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم(1). وقد تفقهت على جماعة من العلماء منهم شيخنا الزاهد محمد بن أحمد بن سعيد النجدي ثم المكي ، قاله رياض بن عبد المحسن بن سعيد. (رواية شيخنا لمسلسل الحنابلة رحمهم الله)

قال الفقير إلى الله محمد بن أحمد بن سعيد أخبرني الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق قراءة عليه، عن الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى الحنبلي عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن الحنبلي عن جده العلامة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب الحنبلي قال حدثني الشيخ عبد الله بن إبراهيم الحنبلي بظاهر المدينة عن أبي المواهب محمد بن عبد الباقي الحنبلي عن أبيه تقي الدين عبد الباقي الحنبلي قال أخبرني عبد الرحمن البهوتي الحنبلي قال أخبرني تقي الدين بن النجار الفتوحي صاحب منتهى الإرادات قال أخبرني والدي شهاب الدين أحمد قاضي القضاة الحنبلي قال أخبرني عز الدين أبو البركات الظاهري الحنبلي قال أخبرني أبو علي حنبل بن عبد الله الرصافي قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر الحنبلي قال أخبرني أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل قال أخبرني والدي أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل إمام كل حنبلي عن بن أبي عدي عن حميد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) قالوا: كيف يستعمله ، قال: " يوفقه لعمل صالح قبل موته".

وقد سمعت وقرأت هذا المسلسل على شيخنا الزاهد محمد بن أحمد بن سعيد ، قاله رياض بن عبد المحسن بن سعيد. ( رواية شيخنا لبعض كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب ) يروي شيخنا الزاهد محمد بن أحمد بن سعيد أكثر كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب عن الشيخ العلامة عبد الله بن عبد اللطيف قراءة عليه عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهّاب قراءة عليه عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب إجازة وقراءة لبعضها. ويرويها أيضاً عن الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف قراءة عليه عن الشيخ عبد الرحمن بن حسن قراءة عليه عن الشيخ حمد بن ناصر بن معمر قراءة عليه عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب قراءة عليه. ويرويها أيضاً شيخنا محمد بن أحمد بن سعيد عن الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق قراءة عليه عن كل من والده الشيخ العلامة حمد بن عتيق وعبد الله بن عبد اللطيف قراءة عليهما كلاهما عن الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن قراءة عليه عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب إجازة و قراءة لبعضها. هذا وأروي عن شيخنا الزاهد محمد بن أحمد بن سعيد جميع مقروءآته ومسموعاته وما أخذه عن مشايخه ومنها بعض كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب. كتب في الشيخ بعض المقالات وكان من أفضلها مقالة: ( في الرفيق الأعلى أبا أحمد ) بقلم الأستاذ المؤرخ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد، وهو من أفضل من كتب في سيرة شيخنا: ( ليس من السهل على من يكابد مرارة الحزن أن يسترسل في شرح سيرة علم افتقدناه بالأمس بعد عمر مديد حافل بالتدين والعبادة وحب الخير في جميع مراحل حياته ، وحتى بعد أن أقعده عسف المرض الذي لازمه في آخر حياته ، لكنه رغم ذلك لم يمنعه بفضل الله عن أداء واجباته ، ولا عن ممارسته للفضائل والعبادة. فعاش رضي الله عن النفس قرير العين يحمل بداخله الطمأنينة والرضا بقضاء الله وقدره ، ولا نزكي على الله أحداً. ذلك الفقيد هو الشيخ الجليل محمد بن أحمد بن سعيد من أعيان الرياض وأبنائها البررة. التي اتصلت معرفتي به منذ أوائل الستينات الهجرية ، ولم تنقطع تلك الصلة إلا بعد أن ترك مسقط رأسه الرياض حيث غادرها عام 1385هـ مفضلاً عليها السكنى والمجاورة في بلد الله الحرام (مكة المكرمة) حيث تحققت أمنياته بتلك المجاورة الكريمة ، ومنح الكرامة التي كان يهفوا إليها ‍‍‍. وكان – – قبل اتصالي به وبعد معرفتي له من الشخصيات المرموقة في بلد الرياض ، فهو أحد المشهود لهم بالصلاح والتقى وحفظ كتاب الله الكريم ، كما كان مُجيداً في تلاوته ، بنغمة مميزة تدهش المتلقي وتبعث على الخشوع ، نغمة عذبة ملهمة دونها أنغام المزامير والأوتار ، هي في تصور كل من سمعها تشبه تلك الغنة التي امتدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري وهو يتغنى بها في تلاوته فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام بعد أن أنصت إلى تلك التلاوة: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وكم أتمنى – وإن كنت في شك من تحقق هذه الأمنية – أن يكون قد التقط تسجيل للشيخ محمد بن سعيد يضم مقاطع من تلاوته لتكون شاهداً حياً على حسن التلاوة للقرآن في هذه البقاع.

والذي دفع بي إلى ضعف الأمل في تحقيق هذه الأمنية ما علمته من بعض أقاربه من أنه – – كان يمتنع عن تسجيل تلاوته للقرآن تواضعاً وابتعاداً عن الإطراء والرياء.

أدركت الشيخ محمد بن سعيد في الستينات الهجرية وعرفته وهو يؤم الناس لصلاة التراويح في مسجد (المعيقلية ) أحد أحياء الرياض القديمة. ثم أدركته مرة أخرى وهو يؤم الناس في رمضان لصلاة التراويح والقيام في حي آخر من أحياء الرياض يدعى (الحِنْبِلي) ويعرف المسجد الذي يؤمه بمسجد (الشيخ علي بن داود ) فكان عدد من سكان الرياض وضواحيها ممن تستهويهم تلاوة ذلك الشيخ الجيدة ينطلقون أفراداً وجماعات إلى ذلك المسجد طمعاً في أن يعينوا أنفسهم من خلال تلاوته للقرآن على التدبر والخشوع ، فكان يحبر التلاوة تحبيراً ، ويُفَصِّلُ الآيات بإجادة منقطعة النظير دون تعسف أو تكلف ، وكان يطيل الصلاة ويأخذ بالحد الأعلى المشروع في صلاة التراويح حيث يصلي عشرين ركعة يقرأ فيها نحواً من جزء كامل من القرآن في العشر الأولى والوسطى من الشهر أما في العشر الأخيرة من رمضان فإنه يضاعف القراءة ويطيل التهجد ، وكان من خلفه من المصلين مسرورين بتلك الإطالة ويسعدون بالسماع لصوته الجميل دون تذمر أو ملل. فيالحظوة المؤمن – وأرجو الله أن يكون كذلك – عندما يغادر هذه الحياة غير آبه بما فيها من متاع ولا آسف على فراقها حينما يموت ، كل شيء بموته حتى الشمس والقمر والبحر والنهر والليل والنهار ، حيث ينفصل ذلك المؤمن عن جسده المتعب بآلام الحياة وآمالها وأمانيها المصدومة ليواجه الوعد الحق (كل نفس بما كسبت رهينة ) ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية). نشأ الفقيد في بيت كريم من بيوتات الرياض في أسرة تميل إلى العلم والخير.. أسرة لم تتأخر عن البذل في سبيل حب هذا الوطن وقيادته فكان منهم منذ القدم العالم والمجاهد والتاجر ولا زالوا.

وكان مولد فقيدنا في أوائل السنة التي قدر لسيد هذه البلاد وباني مجدها وجامع شملها الملك عبد العزيز أن يشهد مصرع ألد خصومه مواجهة وأكثرهم إثارة للجدل الأمير عبد العزيز بن متعب بن رشيد أمير حائل آنذاك في موقعة تدعى (روضة مهنا) وكان ذلك عام 1324هـ. فيكون عمر الفقيد – – عندما وافته المنية قد تجاوز المائة عام أو نقص دونها‍‍

كان والده الشيخ أحمد بن سعيد أحد الرجال المشهود لهم بالصلاح والتقى والشجاعة. فقد شارك في العديد من الغزوات في أوائل حياة عبد العزيز ، غير أنه وبتأثير صحبة ماجد من أبناء الأسرة السعودية الكريمة وهو الأمير محمد بن عبد العزيز بن سعود بن فيصل . فّضَّلَ أن يترك حياة الترحال والجندية وأن ينصرف إلى المزيد من طلب العلم واكتساب فضائل الأعمال والعكوف على استظهار القرآن الكريم ، فكان أحمد بن سعيد ، أبرز رجل في مدينة الرياض ، ربطت بينه وبين الأمير صداقة حميمة وتوجهات روحية كريمة ، واشتهر الشيخ أحمد بن سعيد والد الفقيد بحسن الأداء لتلاوة وحفظ القرآن . فتأثر به العديد من أهل بيته وغيرهم وكان ممن تأثر به عدد من أبنائه وفي مقدمتهم الشيخ محمد. وفي هذا السياق ارتفع ذكر الشيخ محمد وَعُدَّ واحداً من طلبة العلم وحفاظ القرآن . فقرأ على كبار العلماء وانتفع بهم أيما انتفاع فقرأ على أكبر علماء الرياض آنذاك الشيخ سعد بن حمد بن عتيق ، وعلى الشيخ محمد بن عبد اللطيف . وعلى الشيخ حمد بن فارس وغيرهم ، وكان يختار لحسن صوته وجودة قراءته لتلاوة الكتب المطولة لكي يقرأ منها جهراً في حلق المساجد بين يدي كبار علماء الرياض. كما كان حضوره في المجالس التي تفتح أبوابها في العديد من أحياء الرياض حضوراً مشهوداً حيث كان أحد الملازمين لأحد المجالس الكبيرة التي كانت تعقد في مجلس وزير الدولة آنذاك الشيخ (محمد بن صالح بن شلهوب ) المعروف بـ (شلهوب) حيث كان يتلو فيه الشيخ (محمد بن سعيد ) صفحات من كتب التاريخ أو التفسير أو الآداب على الجالسين الذين يؤمون ذلك المجلس بقصد الاستفادة وتزجية الوقت والمؤانسة. فيتلو عليهم من أحد تلك الكتب لمدة لا تزيد على نصف ساعة ثم يتقدم قارئ آخر هو الشيخ عبد العزيز بن محمد بن شلهوب فيمضي في القراءة نحواً من نصف ساعة في كتاب آخر ثم يتلوهما قارئ ثالث ابن العم سعد بن عبد العزيز الرويشد (مد الله في حياته ) فيقرأ نحواً من ذلك .. وفي هذه الأثناء يقدم للجالسين الشاي والقهوة ، وبعد الفراغ يقدم للحضور فاكهة الموسم أو شيء من التمر ثم تتاح الفرصة للمعلقين من طلبة العلم أو يتم تجاذب الحديث بين الأطراف للاستيضاحات.

وليس مجلس الشيخ محمد بن شلهوب هو المجلس الوحيد في الرياض آنذاك بل كانت هناك مجالس أخرى في عدد من الأحياء يكون غالب أصحابها من العلماء أو من ذوي اليسار .. وتتم القراءة والحضور بين صلاتي المغرب والعشاء وكانت العادة آنذاك أن تؤخر صلاة العشاء لأن سكان الرياض في ذلك الحين لا يلبثون بعد أداء الصلاة أن يدخلوا بيوتهم استعداداً للذهاب إلى النوم. والجدير بالذكر أن عادة فتح المجالس والقراءة فيها عادة قديمة.. يتوارثها الآباء عن الأسلاف ، وبعد الانتهاء من القراءة يخرج الناس عن صمتهم ويتحدثون في شؤونهم ويتجاذبون أطراف الحديث ثم ينهض الجميع لصلاة العشاء في أقرب مسجد من ذلك المجلس. وفي عهد الملك عبد العزيز تم اختيار الشيخ محمد بن سعيد ليكون أحد رؤساء الشعب في الديوان ثم ديوان الملك سعود ، فكان وجوده على رأس تلك الشعبة محل رضا الناس من الحاضرة والبادية ، حيث يلقاهم بوجهه الصبوح ومحياه الطلق . فيلبي طلباتهم ويعرض مشكلاتهم وينفذ التوجيهات السامية بالنسبة لهم دون تأفف أو تذمر أو تسويق.وكان للثقة الكبيرة التي أولى إياها عوناً على إنجاز أعماله الشاقة حيث كان عمله يتطلب المواجهة بالجمهور وعرض أحوالهم فكان الكل يلقى منه الاستجابة وقضاء الحاجة. .

وأتذكر آنذاك أنه قد أوكل إليه صرف الإعانات والمساعدات العامة للحاضرة والبادية . فكان يقوم بتلك المهمة وإلى جانبه لجنة مختارة من ذوي الخبرة والأمانة للقيام بتوزيع تلك الإعانات والمساعدات في البادية والقرى. وفي سنة من السنوات قام بتوزيع تلك المساعدات كالمعتاد ، وبينما كان منشغلاً بأداء مهمته مع اللجنة قام فريق من الأشقياء من سفهاء البادية وأقدموا على قذف اللجنة بالحجارة لإرباكهم كي يتسنى لهم السطو على ما بحوزتهم من النقود ، فلم ينجحوا في مهمتهم غير أن حجراً أصاب وجه الشيخ محمد بن سعيد جراء قذف أولئك الأشقياء الذين ولّوا الأدبار غير أن الفرقة المصاحبة للجنة تعرفت على بعض مثيري ذلك الشغب .. فلم يمض يوم أو يومان على الحادث حتى اقتيد أولئك السفهاء من أماكنهم إلى سجن الرياض ، وأدخل الشيخ محمد المستشفى للعلاج.. وفي اليوم التالي زار الملك سعود المستشفى للاطمئنان على صحة الشيخ محمد، ولإفهامه بأن المعتدين قد أودعوا السجن وسيلقون جزاءهم.

وكان الحادث قد وقع في شهر رمضان المبارك ، وعندما أراد الملك سعود مغادرة المستشفى والانصراف هب الشيخ محمد بن سعيد واقفاً وأمسك بالملك قائلاً له: أطال الله عمرك لي عندك طلب هو الطلب الأول والأخير وهو أن تطلق سراح المعتدين السجناء لينضموا إلى عائلاتهم في هذا الشهر ، وليعظم أجرك وأجري إن شاء الله . فأنا متنازل عن حقي الخاص ، وأطلب من جلالتك أن تأمر بالتنازل عن الحق العام . فدهش الملك لهذا الطلب وجعل يتلفت إلى من حوله متعجباً مستغرباً من تلك التضحية ثم بدرت من عيني الملك سعود – – دمعتان كبيرتان تقديراً منه لهذا الموقف النبيل ، ولم يلبث أن أمر في الحال مدير الشرطة آنذاك المرحوم محمد علي الثقفي بإطلاق سراح السجناء بناء على طلب صاحب الحق. فما كان من أولئك المعتدين إلا أن تقاطروا مع ذويهم على المستشفى معلنين أسفهم شاكرين ومتأسفين ، وداعين الله أن يعجل بشفائه وأن يجزيه خير الجزاء ‍‍ وفي سياق الحديث الذي لا ينقطع عن سيرة الراحل ، أود أن أشير إلى دار الشيخ محمد بن سعيد في الرياض كانت إحدى الدور التي يرتادها طلبة العلم وذوو الحاجات من عامة الناس فكانوا يلقون من صاحب الدار كل عون ومساعدة ، مع أنه لم يكن صاحب ثروة أو مال ، لكن وجاهته وحبه للمساعدة كانا عوناً له في أن يتحقق عن طريقه كل ما أمله من يقصده. وكان من رواد داره ممن أعرف عدد من طلبة العلم من آل الشيخ والشيخ علي بن داود ، وصهره الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة ، والشيخ عبد الله المسعري ، والشيخ عبد الله الخليفي ، وغيرهم.

وكان الناس يقصدونه لا سيما من طلبة العلم ليتوسط أو يساعد في طباعة الكتب وتأمينها لتنشر بين طلبة العلم آنذاك. بل كان مجلسه محطة لاستضافة العلماء والأدباء ممن يفدون إلى الرياض وأتذكر من بين أولئك الأفاضل شيخ جليل يدعى الشيخ محمد الفارسي الجاركي من بلدة (جارك) مدينة في إيران تقع على الضفة الشرقية من الخليج مواجهة لإمارة الشارقة وكانت فيما مضى تابعة لها ، وكان سكان تلك المدينة من أهل السنة وقد تأثروا منذ القدم بالدعوة الإصلاحية التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبد الوهّاب فكان ذلك العالم وغيره يحلون ضيوفاً على الحكومة .. غير أن هذا الأديب العالم حظي بترحيب خاص من الشيخ محمد بن سعيد فكان يزور مساجد الرياض ، ويعظ ويُذِّكر ، وكان آيةً في الحفظ والقدرة على قرض الشعر حتى أنه لا يرى حكمة منشورة أو قولاً مأثوراً فيطلب منه أن يُضمِّنه بعض أشعاره إلا وأجاب بعد دقائق معدودات منشداً تلك الحكمة ضمن أبيات من الشعر الجيد..

وأذكر أن ذلك الأديب قد قام (بتخميس) أي (تضمين) عدد من القصائد الوعظية بناء على طلب الشيخ محمد بن سعيد ومن تلك القصائد قصيدة مشهورة للإمام الشافعي مطلعها: دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً بما حكم القضاء كما خمس قصيدة للشيخ سليمان بن سحمان ، وأخرى للحريري صاحب المقامات مطلعها: خل الذكار الأربع والمعهد المتربع وأندب زماناً سلفاً سودت فيه الصحفا ولم تزل معتكفاً على القبيح الشنع وكل أملي أن تكون تلك الدرر محفوظة مع غيرها مما اشتهر الشيخ محمد بحفظه وصيانته ليتولى إخراجها أبناؤه الكرام في كتيب يبقى تخليداً لذكر هذا الرجل العزيز على أنفس الكثير من محبيه وعارفي فضله وسامعي ذكره ، وأرجو ألا تكون تلك الدرر والأشعار قد فقدت مع ما فقد من كتبه التي حملها معه عندما ترك الرياض وعزم على المجاورة في مكة عام 1385هـ حيث كان يملك الكثير من الكتب والمخطوطات الثمينة ، وكان يحتفظ بها طيلة حياته. وفي مكة أودعها – خلوته المعروفة – في الجزء السفلي من المسجد الحرام . فكان من سوء الحظ أن احتل البغاة مع قائدهم سيئ الذكر (جهيمان) تلك المنطقة من المسجد التي تعرضت لإطلاق المياه عندما أريد إخراج البغاة من (القبو) فكانت مكتبة الشيخ محمد بن سعيد في تلك الخلوة ، فتعرضت للتلف ، ولا أعلم شيئاً عما بقي منها ، بل الذي سمعته أن صاحب تلك المخطوطات والنوادر التي حصل عليها عندما كان في الديوان الملكي حيث كان الملك سعود – – يأمر أن تعطى تلك النفائس من الكتب والمخطوطات التي تهدى إليه بعد أن يطلع عليها للشيخ محمد بن سعيد لينتفع بها ويمتلكها ويستفيد منها . سمعت أنه قد حزن حزناً شديداً على فقد تلك النفائس والأوراق والكتب المخطوطة بعد أن عرف أنها قد تلفت وجرفتها المياه.

رحمك الله أبا أحمد رحمة واسعة ، وجزاك عما قدمته خير الجزاء ولا نملك أمام قدر الله إلا أن نرفع مع أبنائك وذويك ومحبيك أكف الضراعة إلى الله العلي القدير أن يسبل عليك شآبيب الرحمة والغفران ، وأن يلهم الجميع الصبر والسلوان.)[1]

(ترجمة مختصرة أملاها شيخنا بناء على طلبي ومعها إجازة لي بمقروءآته ومسموعاته وما أخذه عن مشايخه): الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين أما بعد: الحمد لله الذين قال في كتابه ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون). هذا وقد طلب مني الشيخ رياض بن عبد المحسن بن سعد بن سعيد ترجمة مختصرة لي، فأقول: قد شرفني الله بالقراءة على كبار أهل العلم في نجد وأخص منهم أستاذي وشيخي ووالدي العلامة الكبير الصادع بالحق الذي لا يخاف في الله لومة لائم ناصر السنة وقامع البدعة الشيخ سعد بن العلامة حمد بن عتيق، وقد لازمته ملازمة طويلة وكنت من خاصة طلبته، وقد أحبني كثيراً فكنت أقرأ عليه في المختصرات حفظاً مع الطلبة، وإذا دخل الشيخ بيته في العشاء أكون معه وحدي لأقرأ عليه شروح هذه المختصرات مع متونها، ومن ملازمتي واختصاصي بالشيخ ، أني أكتب خطوطه التي يمليها عليَّ ، ومن ذلك أنه أمرني بكتابة الإجازة العامة للشيخ العلامة محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ، وقد كتبتها وكانت إجازة طويلة ، ولما فرغت من كتابتها أمرني الشيخ بإعادة قراءتها عليه ، ثم سلمتها للشيخ محمد بن إبراهيم ولا أذكر منها إلا بيتين استحسنت حفظها: وقد أجزت مع التقصير عن دركي لرتبة الفضلاء أهل الإجازاتي وأسأل الله توفيقاً ومغفرةً ورحمة منه في يوم المجازاتي هذا وقد قرأت على شيخنا العلامة سعد بن عتيق جميع المختصرات منها ثلاثة الأصول والقواعد الأربع وكتاب التوحيد ومسائل الجاهلية وكشف الشبهات وشروط الصلاة وآداب المشي للصلاة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب ، والعقيدة الواسطية وفتح المجيد شرح كتاب التوحيد ، والأربعين النووية ، وبلوغ المرام وعمدة الأحكام ، وزاد المستقنع وعمدة الفقه ، ونخبة الفكر وغير ذلك . وقد قرأت على الشيخ حمد بن فارس الأجرومية وغيرها ، وقرأت على الشيخ محمد بن عبد اللطيف المطولات كتفسير ابن كثير ومسند أحمد ، وقد كان الشيخ يحبني كثيراً وأهدأ إليَّ بعض ما عنده من المخطوطات بعد قراءتها عليه، وقرأت على الشيخ محمد بن إبراهيم في الفقه والفرائض واللغة ، وقرأت على الشيخ أحمد بن عبيد (إمام مسجد المصمك ) ثلاثة الأصول وآداب المشي إلى الصلاة وكتاب التوحيد ، وقرأت على الشيخ محمد بن عياف آل مقرن في جميع المختصرات ، وقد حضرت بعض الدروس للشيخ العلامة أبو بكر خوقير، فرحمة الله عليهم وجمعنا وإياهم في دار كرامته. هذا وقد قرأ عليّ الشيخ رياض بن عبد المحسن بن سعد بن سعيد القواعد الأربع وثلاثة الأصول ونواقض الإسلام وكتاب التوحيد وشروط الصلاة للشيخ محمد بن عبد الوهّاب ، والعقيدة الواسطية وغيرها من الكتب . وقد سمع مني وقرأ عليّ مسلسل الحنابلة. وقد أجزته بما أخذته وقرأته وسمعته عن مشايخي وأسأل الله أن يوفقنا وإياه للسنة وأن يجنبنا البدع وأن يحسن الخاتمة ، وأوصيه بتقوى الله في السر والعلن والدعاء لي ولمشايخي والحمد لله رب العالمين. أملاه الفقيرإلى الله محمد بن أحمد بن سعيد 8-9-1491هـ ، مكة

هذه المقالة منقوله من [1] عن كاتبها طالب العلم رياض بن عبد المحسن بن سعيد. علماء دين سنة سعوديون

مراجع

  1. منتديات الالوكه الشيخ محمد بن سعيد

موسوعات ذات صلة :