محمد بن عمرو الزرهوني, ولد بندرومة في 30 يونيو 1948.
وزير جزائري سابق للاتصال (1994-1995) في الحكومة الجزائرية التي ترأسها مقداد سيفي في عهد الرئيس ليامين زروال. إنه حاليا أقدم مستشار لدى رئيس الجمهورية الجزائرية، عبد العزيز بوتفليقة، و يعد من أقرب المقربين إليه، رغم حرصه على البقاء في الظل، وأنجعهم في الديوان الرئاسي الذي اضطلع ضمن طاقمه، من أبريل 1999 إلى إلى الآن بدور جامع الشمل في مرتبة مميزة بعد المستشار الدبلوماسي عبد اللطيف رحال.
بفضل مساره الطويل وخبرته في خدمة الدولة على أعلى مستوى، وما يشهد له من تضلع في اللغتين العربية والفرنسية، تأليفا وترجمة، أصبح مساعدا له شأن لا يستغني عنه الرئيس بوتفليقة الذي يأبى إلا أن يرافقه في جميع تنقلاته داخل الوطن وخارجه. من هذا الموقع، إنه شارك بقسط كبير في إعداد جل خطابات الرئيس وأهم النصوص الرئاسية، وهذا ما سمح له، بدعم من إلمام الرئيس الواسع بالثقافتين العربية والفرنسية، بأن يعيد للغة العربية الفصيحة مكانتها في هرم الدولة. رغم تواضعه وحرصه على تجنب الظهور إلى درجة التخفّي، فإنه يحظى باحترام كبير في الأوساط الحكومية بل ولدى القادة العسكريين الذين ما يزال بعضهم يشهد بإسهامه المشهود أثناء أدائه واجب الخدمة الوطنية بأكاديمية شرشال لمختلف الأسلحة.
نشأته
هو أكبر إخوته وعددهم أحد عشر ولدا وبنتا من بينهم يمينة نورية، أول إطار جزائرية تتولى منصب الوالي، وعسكري برتبة لواء، ومختصة في الصيدلة، وطبيبة، ومهندس، وجراح أسنان، ومختصة في علم الأحياء وغيرهم يحملون شهادات جامعية. والده بومدين ووالدته رشيدة وكلاهما من عائلة زرهوني.
عقب مرحلة التعليم الابتدائي الذي بدأها في ندرومة وأتمّها في مغنية، التحق بالثانوية الفرنكو إسلامية بتلمسان حيث درس بصفة تلميذ داخلي إلى أن أنهى دراسته الثانوية ثم بجامعة الجزائر التي زاول بها دراساته العليا في اختصاص الترجمة الشفاهية والتحريرية. في عام 1971، تخرج متصدرا دفعته ثم أدى واجب الخدمة الوطنية ليباشر بعد ذلك الحياة العملية.
من 1973 إلى 1976، أنشأ وأدار مصلحة التعريب ومحو الأمية داخل المؤسسة الوطنية للإلكترونيك (سونيلاك) و المحافظة الوطنية للإعلام الآلي.
بعدها، التحق بالمجلس الشعبي الوطني فور تنصيبه عام 1977، وأوكلت له مهمة إنشاء قسم الترجمة والمحاضر و رئاسته، وهذا إلى غاية 1982 تاريخ مغادرته الهيأة التشريعية للالتحاق بالهيأة التنفيذية ضمن طاقم ديوان وزير البريد والمواصلات، بشير رويس. في 1984، أصبح المساعد الأول للوزير في وزارة الإعلام إلى غاية 1988 بصفته رئيسا للديوان. من خلال هذا المنصب، عزز تحكمه في لغة الاتصال باحتكاكه بكبار الأقلام المعروفة في القطاع واطلع على خفايا عالم الصحافة والإذاعة و التلفزيون، مما أهله لتولي وزارة الاتصال فيما بعد.
في 1990، ألغيت وزارتا الإعلام والثقافة و تم استبدالهما بمجلسين أعليين فاستدعي إلى تولي أمانة المجلس الأعلى للإعلام وفي ذات الوقت رئاسة ديوان رئيسه، إلى غاية حل هذه المؤسسة.
في 1994 عيّنه الرئيس زروال وزيرا للاتصال في زمن كان فيه قطاع الإعلام يتخبط في فوضى كادت أن تنتزع من السلطات العمومية صلاحياتها كوصاية على وكالة الأنباء، وعناوين الاعلام المكتوب والإذاعة و التلفزيون، التي وجدت نفسها بلا راع منذ إصدار النصوص القانونية التي بادر بها مولود حمروش في غير موضعها. لكن رغم قصر الفترة التي قضاها على رأس هذه الوزارة والاضطراب الذي شابها وفق في استعادة وصاية الوزارة على مجمل أجهزة الإعلام التابعة للدولة وإطلاق القناة التلفزيونية الفضائية "ألجيريان تي في".
عقب إعفائه من المنصب الوزاري، التحق وهو في سن السادسة والأربعين بمجموعة الإطارات الشابة الذين أجبروا رغما عنهم على التقاعد. بالنظر إلى الوضع الأمني الفظيع الذي كانت تتخبط فيه كافة مناطق البلاد تعذر عليه تحويل نشاطه إلى الجامعة أو عالم النشر، فكرّس وقته لهوايته الأبدية المتمثلة في الشعر الشعبي الذي يعرف بالملحون. و من ثمة قام بإصدار ديوان "الشيخ قدور بن عاشور الزرهوني"[1] سنة 1996 ، الديوان الذي ظل طويلا مجرد مشروع رغم أنه شرع في جمع قصائده عام 1968. و منذ صدور هذا الديوان الذي ضم أكثر من 800 صفحة، واصل التنقيب عن النصوص المكتوبة والشفوية لشعراء الملحون الجزائريين والمغاربة و حرص في ذلك على توعية ورثة هؤلاء وهواة النصوص التراثية بضرورة جمع أكبر قدر من النصوص ونشرها بغية حمايتها من الاندثار المؤكد. في خضم ذلك حظي برعاية كاتب الأغاني الشهير وجامع نصوص الملحون، محمد الحبيب حشلاف الذي قبل العمل معه على إصدار ثلاثة دواوين: الأول يتضمن مرثيات مخلدة لذكرى الرئيس الراحل هواري بومدين، و الثاني ديوان الشيخ عبد القادر الخالدي و الثالث ديوان الشيخ بومدين بن سهلة.
لكن الموت الذي حرمه من شريكه في هذا المسعى، محمد الحبيب حشلاف، لم يمنعه من مواصلة جهوده في سبيل بعث التراث الشعبي ممثلا في الشعر الملحون وتثمينه. فأصدر آخر مؤلف له بعنوان "كناش السي دريس بن رحال"، أحد أعلام الموسيقى الأندلسية بمدينة ندرومة الذي على يديه تتلمذ الشيخ محمد غفور. كل هذه الدواوين تعد اليوم من بين المؤلفات المتخصصة في التراث الأدبي الشعبي التي يرجع إليها الباحثون.
بفضل هذا المسار المهني المتألق اكتسب محمد بن عمر الزرهوني تميّزا جعله أبرز المتخرجين في دفعته وأكثر من أسهم في تعميم استعمال اللغة العربية، وبالخصوص خلال تواجده في أكاديمية شرشال المتعددة الأسلحة وأثناء الفترة التي قضاها في المجلس الشعبي الوطني و هي التي شهدت ترجمة أهم النصوص التشريعية الجزائرية إلى اللغة العربية و قد أصبحت مفردات هذه النصوص، اليوم، هي الأكثر رواجا في أغلب دواليب الدولة. كل من عاشر الرجل يشهد له بكفاءته وخبرته العالية فهو لا يبخل بالصيغة المناسبة كلما قصده قاصد لفك مشكلة من مشكلات الترجمة. و هو الذي كان له السبق في ضبط التسميات العربية لأوسمة ورتب مصاف الاستحقاق الوطني الجزائري. إلا أن جزءا من الصحافة المكتوبة باللغة الفرنسية تصفه خطأ بالمتعصب للغة العربية وهو بعيد كل البعد عن ذلك، فهو من خلال المناصب المناسبة لتخصصاته التي تقلدها وبفضل تضلعه الكبير في اللغة الفرنسية، فإن إسهامه الملموس في مسار إعادة الاعتبار للغة العربية كلغة عمل وتواصل رسمية اتسم على الدوام بالفعالية والعقلانية و الرصانة.
تلكم هي جملة من المزايا التي تفسر حرص رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة على الاستفادة من عطائه الثمين حتى قبل أن يعلن ترشحه للانتخاب الرئاسي عام 1999 و الاحتفاظ به طيلة كل عهداته الرئاسية، في مرتبة مرموقة ضمن فريقه الرئاسي.