الشيخ محمد هشام البرهاني شيخ الطريقة الشاذلية الجامع بين الشريعة والحقيقة.
ولد فضيلة الشيخ محمد هشام البرهاني رحمه الله في مدينة دمشق سنة 1932 ونشأ بسويقة ساروجة زقاق النوفرة وهو من أحياء دمشق القديمة العريقة، وتربى في حِجر والده علاّمة عصره الشيخ "محمّد سعيد البرهاني"، الفقيه الحنفي والمرشدُ للطريقة الشاذلية بعد شيخه العلامة العارف السيد محمد الهاشمي.
عائلة البرهاني من الأسر الدمشقية العلمية التي توارث أبناؤها العلم والمعرفة والصلاح والتقوى كابراً عن كابر، جاء جدهم الأول العلامة المرحوم الشيخ ملا علي الداغستاني البرهاني مهاجراً من أذربيجان إلى تركيا ثم إلى حلب ثم إلى المدينة المنورة، ثم استقر به المقام في دمشق الشام فعُهدَ إليه التدريس تحت قبةِ النسر في الجامع الأموي.
صحب الشيخ محمد هشام والده العلامة محمد سعيد رحمهما الله ولازمه منذ سنٍّ مبكرة فأفاد من ذلك عِلماً عظيماً، وأتيح له ما لم يُتح لأمثاله وأقرانه، حيث تعرف على أكابر علماء ذلك العصر عند زيارة والده لهم أو حضوره لمجالسهم، ومن أشهرهم: الشيخ عبد القادر الاسكندراني، والشيخ صالح الحمصي، والشيخ شكري الأسطواني، والشيخ عبد الله المنجد وأمثالهم. وقد استقى من معين والده الكثير، وممن عاصرهم من الأفاضل المشهورين أمثال: الشيخ محمد أبي الخير الميداني (رئيس رابطة العلماء)، والشيخ عبد الوهاب الحافظ (الشهير دبس وزيت)، والشيخ السيد محمد الهاشمي التلمساني، والشيخ محمود ياسين، والشيخ حسن حبنكة الميداني، والشيخ السيد المكي الكتاني، وأمثالهم، فقرأ العلوم الشرعية في مراحل متباينة من تحصيله العلمي.
في العام 1952م وبعد حصوله على الشهادة الثانوية ابتدأ فضيلة الشيخ محمد هشام البرهاني يرحمه الله حفظ القرآن الكريم على فقيه دمشق ومقرئها، الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت الشهير بالحافظ، ثم توقف عند ثلثيه حين انخرط بالعمل العام؛ لكنه عاد فتفرغ مدة شهر واحد حتى أتمه بحمد الله. وتخرج من كلية الشريعة في العام 1958/1959م،ثم عين بعد تخرجه مدرساً في ثانويات السويداء ثم نقل معيداً في كلية الشريعة عام 1959-1960م، وأثناء وجوده معيداً في كلية الشريعة شارك بالتدريس وأعمال موسوعة الفقه الإسلامي، وإخراج الفهرس الأبجدي لمسائل كتاب “المحلّى في الفقه الظاهري” وقد صدر في مجلدين.
في العام 1961م أُوفد إلى مصر، كلية دار العلوم في القاهرة، لمتابعة دراساته العليا حيث نال الماجستير في الشريعة الإسلامية بدرجة ممتاز، وكان موضوعها “سد الذرائع في الشريعة الإسلامية” بإشراف الأستاذ الدكتور مصطفى زيد. عاد في العام 1968م إلى دمشق مدرساً في كلية الشريعة، وشارك في التدريس لمادة الفقه، ونظرية الالتزام والأصول والتفسير والمدخل الفقهي وفي كلية التربية أشرف على طلاب التطبيقات المسلكية لمدة ثلاث سنوات. في عام 1975م سافر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة للعمل كخبير للبحوث الإسلامية في وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف وكبيرٍ لوعاظها، واستمر في العمل هناك مدة ثمانية عشر عاماً،
من إنجازاته العلمية: سد الذرائع في الشريعة الإسلامية، علم تجويد القرآن الكريم، المختصر في علم التجويد، الأدب المفرد – تحقيق، سلسلة رسائل في العبادات (الصلاة والصيام والزكاة والحج)، فقه الصيام على المذاهب الأربعة (بالاشتراك)، فهرس أبجدي عام لموسوعة الفقه الظاهري “المحلى لابن حزم” (بالاشتراك)، مذكرة الفقه الحنفي لطلاب السنة الأولى في كلية الشريعة بجامعة دمشق، مناسك الحج على المذاهب الأربعة، مناهج مراكز زايد لتحفيظ القرآن الكريم ثمانية مراحل (بالاشتراك).
قد عُرف عن فضيلة الشيخ محمد هشام البرهاني يرحمه الله شجاعته وقوله للحق لا يخشى في الله لومة لائم، وله مواقف وطنية جريئة ومشهودة وهو في داخل سورية .
وفاته
فقدت الأمة الإسلامية فجر الأحد 27 جمادى الآخرة 1435 هـ الموافق 27 أبريل 2014 فضيلة الشيخ العالم الفاضل الفقيه الداعية المربي “محمد هشام البرهاني” عن عمر 84 عاماً وقد توفي رحمه الله في دمشق بعد أن توضأ لأداء صلاة الفجر ولكن الله اختاره لجواره قبل أدائه للصلاة. وخلف ابنه الشيخ "محمد ياسر برهاني" شيخاً للطريقة الشاذلية وهو امام وخطيب جامع التوبة وقد لازمه ابنه طيلة حياته ونهل من معين علمه الكثير.
لم أجد أبلغ من الكلمات التي نعى بها فضيلة الشيخ سارية الرفاعي حفظه الله الشيخ محمد هشام بقوله: إذا اجتمع العلم مع التصوف , والحال مع المقال , لم تكن إلا أمام الشيخ هشام البرهاني. نعم ذاك الرجل الذي كان إذا نطق نطقت كل ذرة من ذرات جسمه , وإذا تحدث , تحدث قلبه قبل لسانه. ذاك العالم المربي يودّعنا اليوم متوجهاً إلى لقاء ربه. بكلماتٍ ملؤها التصبُّر على فراقه , والأسى على فقده , نعزي الأمة الإسلامية عامة , وأهله خاصةً. آنسه الله , رحمه الله , عوضه الله الجنة.