نسبه ومولده
هو العالم , الورع الزاهد، محمدن (بدن) بن المامون (امون) بن محمد بن مولود بن المختار(التكروري) بن البخاري بن المصطف بن الشريف مودي مالك, الذي يجمع المؤرخون على نسبته للشريف سيدي إلياس الولاتي التمبكتي, وهذه السلسلة مثبتة في كتاب تاريخ بني صالح شرفاء كومبي صالح استنادا إلى وثائق من بينها بحث معد من قبل الباحث الخامس ولد البراء الذي نقلها بدوره عن مجموعة من مؤرخي المنطقة من امثال اقليقم بن متالي وباب ولد شماد وغيرهم ووثيقة كتبها أمين عام رابطة العلماء الموريتانيين العلامة حمدا بن التاه عن المرحوم بنفس الخصوص.كان والده المامون بن محمد أحد كبار أتباع العارف بالله الولي محمد فال بن متالي وكان معاصرا وصديقا لأبنه عبد الرحمن بن لمرابط الذي كان يجله ويحترمه ولما ساله أحد تلامذته مرة عن سبب وقوفه له كلما قدم عليه اجابه عبد الرحمن : إنه شريف النسب لذلك أقف له.ولد رحمه الله حسب الأرجح سنة 1935 للميلاد بموضع يسمي أم اغليف يقع جنوب شرقي مدينة نواكشوط على مسافة تقدر بنحو أربعين كيلو مترا.
نشأته العلمية
رغم انه لم يدرك من عمر والده أكثر من خمس سنين إلا أنه أقبل على التعلم منذ نعومة اظافره بدافع شخصي وتشجيع من والدته ام الخيري منت اباه , ويتفق كل من عاصره وعرفه على أنه لم يمر ابدا بما مر به اقرانه من اللهو واللعب في حياة الصبا وريعان الشباب بل إن يدا خفية كانت تقوده نحو الاشتغال بالعلم والتعلم وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره, بدأ كما جرت العادة بالقرآن الكريم وبعض المختصرات الفقهية والنحوية ليغادر أهله بعد ذلك طلبا لدراسة المتون الكبري في الفقه والنحو والسيرة، كانت أولي محطاته هي محظرة أهل النح التي قضي بها عدة سنوات كان خلالها محط اهتمام شيخ المحظرة النح بن عبد اللطيف لما لمس فيه من علامات النجابة وإقبال على التحصيل بنهم ودون ملل , بعد سنوات من التحصيل في محظرة أهل النح انتقل نحو إكيدي ونحديدا إلى محظرة العلامة محمد سالم بن الما والتي مكث بها طويلا ولم يغادرها حتى حصل على الإجازة في العلوم المدرسة بها, يقول عنه العلامة القاضي ابين بن ببانه في نظمه لمسادير محظرة أهل الما
وكالإمام متقن الفنونـــــــى +++ العالم الجهبذ نجل امـــونى
محمدن بشد الدال كانـــــــا +++ مشيدا من العلا أركانـــــا
قد فاق في الأدب والإتقان +++ والعلم والورع للأقــــــران
لقي رحمه الله من الشيخ محمد سالم بن الما حبا كبيرا وتقريبا غير مسبوق لما عرف عنه من نشوء في طاعة الله وما شاهد فيه من ورع وزهد و أخلاق حميدة حتى أنه كان يخلفه في الصلاة وهو ما يزال طالبا مع ان المحظرة كانت تضم من هم اسن وربما اعلم منه في ذلك الوقت, وكان شيخه لا يخفي حبه له وتفضيله له عن غيره من أقرانه عندما يسأل عن ذلك.
تدريسه
بعد أن صدره شيخه محمد سالم بن الما منتصف الستينات رجع إلي اهله وبدأ مباشرة في التدريس وتوافدت علي محظرته وفود من شتي قبائل منطقة القبلة, ولم يكن لمحظرته مكان ثابت فكان يتنقل مع تلامذته متتبعين تساقط المطر ومنتجعين الكلأ و المرعى ولم يستقر في مكان دائم, وفي سنة 1971 انتقل مع تلامذته إلى العاصمة انواكشوط ليستقر وبصورة دائمة سنة 1976 في مقاطعة السبخة التي أسس بها زاويته ومحظرته وبني بها مسجده. ظل رحمه الله مشتغلا بالإمامة والتدريس في نفس المكان أكثر من 25 سنة وكان يؤدي- مع بعض تلامذته من من اخذوا عنه الطريقة التيجانية- الوظيفة يوميا وكان مسجده وجهة التجانيين من المقيمين في تلك المنطقة وضواحيها.عرف عنه أسلوبه المتميز في التدريس حيث كان يحث طلابه علي المراجعة مع بعضهم البعض أي القيام بما يسمي في المصطلح المحظري با (الدولة) وكان يقول لهم انا (دولة) من لا دولة له منكم أي أنه سيراجع هو معه.كان يشتغل في الوقت نفسه بالفتيا حيث يستقبل يوميا العديد من الأسئلة شفهية وكتابية ويجيب عنها أيضا شفهيا أو كتابيا, وكان يعرف عنه تخصصه وسرعة بديهته في قضايا التركات والمواريث وكانت تصله في هذا المجال عديد الأسئلة حتي من المتخصصين .ولم ينقطع رحمه الله عن الإمامة والتدريس إلا مع بداية 2001 حيث بدأ رحمه الله يضعف عن تلك المهام الجسيمة وكان طبيبه وصديقه عبد الله ولد اوفي قد طلب منه قبل ذلك أن يبحث عن مكان خارج العاصمة للسكن لأن جو المدينة لم يعد يلائمه وهو ماحدي به منتصف التسعينات إلي تأسيس حاضرة صغيرة ضمن ما يعرف بمنطقة اجدير التي تقع 25 كيلو مترا جنوب العاصمة انواكشوط علي طريق روصو, وقد انتقل إليها نهائيا مع أسرته وبعض طلبته وأقاربه مطلع 2002 ليستقر بها إلي أن انتقل إلي جوار ربه.
تلاميذه
نعلم أن الشيخ رحمه الله جلس للتدريس منذ عام 1966 أي حينما كان عمره ثلاثون عاما تقريبا وقد التف حوله خلال مدة جلوسه للتدريس التي زادت علي 35 سنة طلاب كثيرون من الكبار و الصغار ومن مختلف المناطق والقبائل وقد أصبح من بين طلابه فيما بعد علماء واساتذة وقضاة ورؤساء محاكم وغيرهم نسأل الله ان يجعل كل ذلك في ميزان حسناته.
تصوفه
بعد أن أكمل تحصيل العلوم المحظرية شعر بأن شيئا ينقصه وكان يسمع من ابن شيخه اتاه بن محمد سالم بن الما عن الطريقة التجانية وعن عن شيخها العارف بالله الشيخ إبراهيم انياس في داكار وقد اكتملت قتاعته بضرورة اكتشاف الأمر بنفسه فانطلق أوائل السبعينات يحدوه ظمؤ روحي إلى الأنوار الربانية الساطعة التي كان شعاع ضوؤها المنبثق من مدينة كولخ قد غطي معظم الدول المجاورة للسينغال لتهوي إليه افئدة الكثير من الذين أراد الله لهم الترقي في معارج الحقائق والأنوار فانطق ولسان حاله يقول (وعجلت إليك ربي لترضى) لم يكن الوافد الجديد علي مدينة كولخ ضيفا عاديا فهو شخص تبحر في علوم الشريعة قبل ان يد خل فصول علوم الحقيقة , وهذا ما جعله محط اهتمام خاص من الشيخ إبراهيم نفسه الذي أوصي عليه امين سره الشيخ علي سيس توصية خاصة.بقي رحمه الله تحت تصرف شيخه ومربيه يترقي في علوم الحقيقة وينهل من ينابيع العرفان الرباني إلى أن من الله عليه بما من ذات يوم مما لا يعبر عنه إلا هو أو امثاله من العارفين بالله فرجع إلي الشيخ إبراهيم مسرعا فقال له الشيخ : قل الحمد لله رب العالمين , عرفت فالزم.كان صديقه الشيخ المشري يقول له : لا أدري ما أفعل لك بعد أن قال لي الشيخ إبراهيم في حقك : عليك به عليك به عليك به.أجازه الشيخ إبراهيم وقدمه التقديم المطلق في كل ما ثبت عنه وزاده علي ذلك بأن أجاز له نقل (الكناش المكتوم) والتصرف في محتواه وهو كناش خاص بالشيخ لم يطلع عليه من المقربين منه أكثر من عدد اصابع اليد ممن تتوفر فيهم الدراية الشرعية الكاملة والقدرة علي حمل الأمانات الخطيرة التي لا تستخدم إلا في حلها ولا توضع إلا في محلها ورغم أنه لم يستخدمه مطلقا حسب المقربين منه إلا أنه مازال في مكتبته حتي الآن.
عبادته وزهده وإعراضه عن الدنيا
كان رحمه الله عابدا زاهدا مداوما على قيام الليل بورد قلما ينقص عن الصلاة بأربعة أحزاب واضعا نصب عينيه قوله تعالى في وصف عبادة المؤمنين: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون) كماكان شديد الزهد في الدنيا, ورغم انه كان يعد من ميسوري الحال نسبيا إلا أنه لم يعرف عنه اشتغاله بتحصيل الدنيا إلا في حدود ابسط أنواع التسبب المطلوبة شرعا وكان دائما يقول إذا كان التحرك هو آخر أسباب تحصيل الرزق الستة من حيث الترتيب فلماذا نجعله أولها. وفي سنة 1987 لما كان مع إحدي بناته في رحلة علاجية في فرنسا عرض عليه بعض المهاجرين المغاربة الذين كان يؤمهم للصلاة ويدرسهم بعد ضروريات الدين عرضوا عليه توفيرالإقامة وراتب شهري مقابل البقاء معهم ولكنه رفض العرض قائلا ماكنت لأقيم بدار الكافرين طلبا للدنيا. ومن مظاهر أعراضه عن الدنيا كذلك رفضه المتكرر لعروض من صديقيه العالمين محمد سالم بن المحبوبي وابين ولد ببانة الذين كانا يعملان في سلك القضاء حينها حيث كانا يطلبان دائما منه الانضمام إليهما في المهنة وكان يرفض قائلا بأن شيخه محمد سالم بن الما أوصاه وهو يدرسه باب القضاء في مختصر خليل ان لا يكون قاضيا وانه ماكان ليخالف وصية شيخه.
خلقه وعمله في ميادين البر
كان رحمه الله كيسا فطنا دمث الأخلاق وعرف عنه تحلِّيه بالورع, ورحابة الصدر، والقوة والشجاعة في قول الحق, والعمل لمصلحة المسلمين, والنصح لخاصتهم وعامتهم.- كان أول ما قام به بعد إجازته من قبل شيخه محمد سالم بن ألما في الستينات هو أداء فريضة الحج والتي كان أداؤها في ذلك الزمن من شبه المستحيل ولكن الله حقق له ما أراد فحج من دكار سنة 1966 -
- استثمر مكانته كمرجع للحل والعقد في عشيرته للعمل على محاربة العديد من الظواهر الاجتماعية المتوارثة والتي لم تكن تتفق مع قواعد الشرع سواء تعلق الأمر بالعبادات كغياب الطهارة المائية الذي كان منتشرا في المنطقة أو بعادات تخص بعض القضايا الاجتماعية كالزواج والتعامل بين الأصهار وغيره, ويتفق العارفون بأنه أحدث ثورة حقيقية في محيطه الاجتماعي من خلال تغيير تلك العادات التي ترسخت علي مدار قرون.-
- للشيخ رحمه الله أعمال عديدة في ميادين الخير وأبواب البرّ ومجالات الإحسان إلى الناس, والسعي في حوائجهم, وإسداء النصيحة لهم بصدق وإخلاص.-
- حضر العديد من المؤتمرات الإسلامية التي عقدت خارج موريتانيا في السعودية والمغرب.-
- كان رحمه لله يتبع أسلوبا خاصا في الدعوة إلى الله يتمثل في تقديم درس أسبوعي عادة ما يكون بعد صلاة العصر يتحدث فيه عن أهمية أركان الدين وكان يركز كثيا علي الصلاة باعتبارها عماد الدين والصلة بين العبد وربه وضرورة ادائها في الجماعة بطهارة مائية مشرا إلى الطرق المعينة علي ذلك
أصدقاؤه وزملاء دراسته
كان رحمه الله ينتقي الصحبة بعناية وكان معياره في ذلك بسيطا وواضحا فهو يقول انا لا اصحب إلا من هو خير مني وهذا القول وإن كان يحمل في طياته تواضعا جما إلا أنه يوضح ان المرحوم لم يكن يصحب أيا كان وهذا ما كان يوصينا به بصورة دائمة ربطته علاقات قديمة ووطيدة بكل من العلماء التاه بن الما وشيخان بن النح والشيخ محمدو ولد انحوي الذي كان المرحوم يداوم على صلاة الجمعة معه في زاوية أهل انحوي بالسبخة كما رافقه إلي السعودية وزارا معا ضريح الشيخ التجاني بالمغرب كما كان على صلة وطيدة بابنيه الشيخ محمد الحافظ والباحث الخليل انحوي
وممن كان علي صلة بهم أيضا المشايخ المشري وابنه الحاج وكذلك الحسن ولد السيد والتلميدي ولد عبد الله, وكان من اعز أصدقائه العلامة محمد الحسن بن أحمدو الخديم والقاضيان العلامة محمد سالم بن المحبوبي والعلامة ابين بن ببانة وكذلك محمد سالم بن السعد, كما كان رحمه الله علي صلة بالعلماء والصلحاء من أبناء عصره من امثال الشيخ اقليقم بن متال والعلماء الأجلاء بداه بن البصيري و محمدسالم بن عدود ومحمد حامد بن حميدي وحمدا بن اتاه وغيرهم
وفاته:'
تُوفي – رحمه الله – في مدينة انواكشوط صباح يوم السبت 25/05/2005 ودفن في مقبرة انوعمرت المشهورة.