مراسم تقديم الشاي عندما تشاهد يابانياً يشرب الشاي وفق التقاليد الخاصة بها تشعر أن هناك حركة تفاعل وتبادل روحاني بين صاحب البيت الذي يعد الشاي وبين الضيوف الذين يبحثون عن الصفاء الفكري والجسدي، والذي يقود جميع الحاضرين حول إبريق الشاي وأكوابه إلى هدوء وسكينة عجيبة حتى تظن أنك تؤدي إحدى الشعائر الدينية. تبدأ قصة الشاي في اليابان عندما قدم أحد الرهبان البوذيين اليابانيين من جارتهم العملاقة الصين ومعه أوراق الشاي الأخضر، وانتشر شربه فقط بين الرهبان لتساعدهم على التعبد في فترات الليل الطويلة، ثم انتقلت بعد ذلك إلى إحدى العائلات الحاكمة، وتطورت عندهم مسألة تقديم الشاي لتقدم بطرق خاصة، باستخدام أدوات صينية سيراميكية جميلة، كالإبريق، والملاعق. طريقة عمل الشاي أو حفل تقديم الشاي للضيوف في كوخ صغير تسمى بــ”سادو”. هناك آداب ومفردات خاصة يجب تعلمها من أساتذة محترفين، في أكواخ معدة أساساً لذلك، وتكون هذه الأكواخ صغيرة الحجم والمساحة، لا تتسع لعدد كبير من الناس، يتم تصميمها من الخشب الخفيف والتي يؤخذ معظمها من الغابات، وتكون الأبواب والنوافذ مصنوعة من الورق الأبيض الخفيف على أعواد من الخشب الصغير، فتتكون منه لوحات هندسية مربعة الشكل، في حين تتكون أرضية الغرفة من حصير “التاتامي“. وتوضع أدوات تحضير الشاي في أحد أركان وزوايا الغرفة الجميلة.
الثقافة اليابانية غنية، وتتميز بالذكاء العملي لخلق تناغم مجتمعي جميل، يجمع بين أدب وظرف فن المحادثة الكلامية والصامتة، وهدوء وحكمة ضبط الأعصاب، وصدق وصراحة التعامل، وأمان وسلام السلوك، ليخلق كل ذلك نوعاً من الطمأنينة، والأمان، والحكمة، والراحة في المعيشة الحياتية في اليابان. والعجيب أن تناغم السلوك يرافق احترام الوقت، ودقة الأداء، وحرفية المهنة، وإتقان العمل، وقد أدى كل ذلك لتناسق رائع بين روحانية الشخصية اليابانية، وجمال أخلاقيات سلوكها، وبراعة أدائها في العمل. وقد تطورت هذه الشخصية عبر العصور من خلال ثقافة مجتمعية تجمع تآلف جميل بين الإنسان والطبيعة، ومرتبطة بفلسفة روحانية هادئة، وتضم ظواهر فنية مجتمعية، تجمع بين جمالية تنسيق الزهور، وبراعة الكتابة الكولوغرافية، وفن مسرح النو، واحتفالية شرب الشاي، وتقديم الحلويات الجميلة المنظر والشهية الطعم، بل وحتى جلسة الطعام اليومية قد تأخذ شكل احتفالية فنية، تجمع بين تنوع جميل لوجبة الطعام، وفي أواني أنيقة فاخرة، مع تنسيق جميل للورود على طاولة الأكل