الرئيسيةعريقبحث

نظام الحسبة في الأندلس


ّ

نظام الحسبة في الأندلس

حسبة محتسب

خضعت الأسواق الإسلامية منذ وقت مبكر للاشراف والرقابة.وكان متولي هذه الوظيفة يعرف باسم"العامل على السوق"، واستمر الامر على ذلك حتي عهد الخليفة، أبو جعفر المنصور العباسي، إذ ترد أول إشارة صريحة لذكر حسبة ،ومحتسب وذلك في سنة 157ه\773م. ويبدو أن اسم الحسبة لم يكن شائعا في الأندلس قبل القرن الرابع الهجري\العاشر الميلادي، إذ كان يتولى امر الرقابة والإشراف على الأسواق موظف خاص يدعى"صاحب السوق"،وعرفت خطته باسم"ولاية السوق"،أو"احكام السوق"،ثم أصبح يقال لها:"ولاية الحسبة"،وأحيانا"خطة الاحتساب"، كما عرف متوليها باسم"صاحب الحسبة"،لان أكثر نظره انما كان فيما يجري في الأسواق من غش وخديعة وتفقد مكيال وميزان. هذا، وقد انشئت خطة الحسبة أو ولاية السوق في وقت مبكرمن تاريخ الأندلس، فقد وصلتنا إشارة تذكر ان الأمير عبد الرحمن الثاني ـ206ه-238ه-هو أول من ميزولاية السوق عن احكام الشرطة المسماة بولاية المدينة، وخصص لمتوليها 30 دينارا في الشهر ولوالي المدينة 100 دينار. مما يدل على ان ولايتي الشرطة والسوق كانتا تسندان لشخص واحد في القرن الثاني الهجري\الثامن الميلادي.واستمر الوضع على ذلك حتى منتصف القرن الرابع الهجري \العاشر الميلادي أذ نلاحظ العودة للجمع بين الوظيفتين في يد وال واحد، لتحقيق التكامل بين هذبن الجهازين المشرفين على النظام والامن فيما يبدو. ولقد شهدت الحسبة في الأندلس تطورا وازدهارا كبيرا، إذ أولى الأندلسيون فقه الحسبة عناية كاملة، فكانت لهم في أوضاع الاحتساب قوانين يتداولونها ويتدارسونها، كما تتدارس احكام الفقه، لانها عندهم تدخل في جميع المبتاعات.ووصفت خطة الحسبة بانها من اعظم الخطط الدينية، وهي بين خطة القضاء والشرطة.كما اعتبرت نوعا من أنواع القضاء المتميز بسرعة البت في القضايا، وعهد بولايتها إلى كبار الفقهاء من طبقة القضاة، وكان متوليها يتقاضى راتبا معينا من بيت المال. وكان القاضي يتولى بنفسه عملية تعيين وعزل المحتسب بعد الرجوع إلى صاحب الامر "الخليفة" في الدولة، مما يدل على اهمية نظام الحسبة في الأندلس.

شروط المحتسب

كان يشترط فيمن يتولى هذه الوظيفة ان يتحلى بصفات وخصائص تميزه عن غيره حتى يستطيع القيام بعمله على خير وجه، فلا بد ان يكون رجلا، مسلما عفيفا، خيرا ورعا، ، غنيا محنكا، عالما، فقيها في الدين، قائما على الحق، نزيه النفس، لا يميل ولا يرتشي، عالي الهمة، معلوم العدالة، عارفا بجزئيات الامور، وسياسات الجمهور، ذا اناة وحلم وتيقظ وفهم ووقار، وان يكون حازما لا تأخذه في الله لومة لائم. ويجب أنيكون عارفا بأصناف الصناعات والمعايش وحيل الباعة، إذ بذلك يتوصل إلى معرفة الغش والتدليس التي يمارسها بعض اصحاب الحرف والصناعات.

مهام المحتسب

تتضح لنا اهمية المحتسب في الأندلس من خلال المهام الموكولة اليه، إذ انها شملت مختلف جوانب الحياة الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية.ويهمنا هنا الجانب المتعلق بالحياة الاقتصادية بصورة خاصة إذ ليس من السهولة الإلمام بكافة الجوانب في هذه العجالة.ولذا اكتفي بالإشارة إلى بعض مهام المحتسب ذات الصلة المباشرة في مراقبة وتنظيم الأسواق الأندلسية.فقد كان على المحتسب ان يتفقد الأسواق، ويراقب المكاييل والموازين ويتأكد من دقتها ومطابقتها للمواصفات والمقاييس. وكان عليه ان يبحث عن اساليب الغش والتدليس التي كان يمارسها اصحاب الحرف والصنائع، فيراقب الطحانين والخبازين والفرانين والجزارين والطباخين ويامرهم على الدقة في الصناعة والمحافظة على نظافة المنتج وادوات الإنتاج، ويحثهم علي تنظيف ابدانهم وملابسهم وان يقوموا بتنظيف حوانيتهم واسواقهم. كما كان على المحتسب ان يراقب صناع المنسوجات والملابس الصوفية والقطنية والكتانية، وان يراقب صناع الأدوات الجلدية والخشبية، والخزف والفخار، والزجاج، واصناف الحديد، والذهب والفضة، واهل الترياق والادهان، والاكحال، والجباصين، والجيارين،...وغيرهم من اصحابالحرف، فيأمرهم على عد المماطلة والتسويف في اعمالهم، ويحثهم على اجتناب الغش والتدليس، ويعاقب المخالفين منهم، بالردع والزجر والتوبيخ والتعزير والضرب والسجن والإخراج من السوق، وحتى النفي من البلد إذا تطلب الامر ذلك.

اعوان المحتسب

نظرا لكثرة مهام المحتسب التي يباشرها، جرت العادة في الأندلس ان يتخذ له اعوانا يساعدونه في ضبط الأسواق، وملاحقة المخالفين من اصحاب الحرف والصناعات. وكان يجب أن تتوافر فيهم صفات وخصائص لا تقل عنتلك التي يتمتع بها المحتسب، من خير وعفه وورع وامانه، ومعرفة العون بصنعته، خبيرا بالجيد والردئ من حرفته.وكان من أهم اعوان المحتسب العريف، الذي كان يختار من بين ثقات اهل الأسواق ووجوه ارباب الصنائع.وكان من أهم واجباته ان يساعد المحتسب في تنظيم طرق العمل بين اهل الحرف، وان يقوم بحل المنازعات والخصومات التي تقع بينهم. ومما تقدم تبدو لنا اهمية الحسبة ومكانة المحتسب في المجتمع الأندلسي، واثرها البالغ في الحياة الاقتصادية، ومما يؤكد تلك الاهمية من الناحية العملية، ان ملوك إسبانيا المسيحية، كانوا كلما استردوا من المسلمين إقليما ابقوا فيه المحتسب، ولذا نجد لفظ المحتسب، يدخل في اللغة القشتالية فيشار اليه ب "الموتاس"،ليدل على الوالي المكلف بضبط المكاييل والموازين.

المصادر والمراجع

1. ابن عبدون، رسالة في القضاء والحسبة، تحقيق:ليفي بروفنسال، مطبعة المعهد العلمي الفرنسي للاثار الشرقية، القاهرة،1955 م.

2. ابن عبد الرؤوف، رسالة في اداب الحسبة والمحتسب، تحقيق:ليفي بروفنسال، مطبعة المعهد العلمي الفرنسي للاثار الشرقية، القاهرة،1955 م.

3.ا بن حيان، المقتبس من انباء اهل الأندلس، تحقيق:عبد الرحن الحجي، بيروت، لبنان،

4. الجرسيفي، رسالة في الحسبة، تحقيق: ليفي بروفنسال، مطبعة المعهد العلمي للاثار الشرقية، القاهرة،1955 م.

5.ا لسقطي، في اداب الحسبة، باعتناء: كون وليفي بروفنسال، باريز، 1931.

6.ا لمقري، نفح الطيب، مج 1،تحقيق:احسان عباس، دار صادر، بيروت،1968 م.

7. عز الدين موسى، النشاط الاقتصادي في المغرب الإسلامي، خلال القرن السادس الهجري، ط1،دار الشروق، بيروت،1983.

8. الفاسي، عبد الرحمن، خطة الحسبة، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب.

9. الزغول، جهاد غالب، الحرف والصناعات في الأندلس منذ الفتح الإسلامي حتي سقوط غرناطه، مركز الافق، اربد، الأردن ،2001.

موسوعات ذات صلة :