نظرية الاختيار العقلاني والمعروفة أيضا باسم نظرية الاختيار أو نظرية العمل العقلاني هي منهج لفهم المقاصد والوسائل،[1] وإن كان التركيز فيها على الوسائل وتفترض التسليم بالمقاصد كثوابت، كما تفترض مواجهة الفرد لمحددات فيزيائية واقتصادية ومنطقية. تحاول هذه النظرية أن تبين الطريقة التي نختار بها أفضل الوسائل (الأفعال) لتحقيق المقاصد، والمعايير التي نفاضل بها بين الخيارات المتاحة لنا من الأفعال في إطار المحددات المختلفة التي تجابه الشخص. وهي كنظرية وصفية تحاول أن تجد تفسيراً للأفعال التي تقع من الأفراد وتتبين ما إذا كانت أفعالاً عقلانية، أي هي الخيار الأفضل للشخص الذي قام بها لتحقيق أهدافه التي قصدها.
ولهذه النظرية تطبيقات واسعة في مجال الاقتصاد، وكذلك في مجال العلوم السياسية لا سيما نظرية الاختيار العام، وكذلك في علم النفس وعلم الاجتماع. وللنظرية أيضاً أوجه قصورها، وهناك نقد كثيف وجه إليها، إلا أنها رغم ذلك تظل الآن الأمل الذي يتعلق به علماء العلوم الاجتماعية الغربيون في توحيد القاعدة النظرية لجميع العلوم الاجتماعية.[2]
تاريخ
المبادئ الأساسية لنظرية الاختيار العقلاني اشتقت من النظريات الاقتصادية الكلاسيكية الحديثة في علم الاقتصاد السياسي مثل نظرية المباريات Theory Games، وبفضل الجهود التي قام بها جيمس كولمان عام 1989 حيث أصبحت نظرية الاختيار العقلاني من النظريات الهامة لعلم الاجتماع المعاصر،[3] و كذلك بناء على مجموعة من النماذج المتغيرة، قدم فريدمان و هيكتار (1998) ما وصفاه بأنه نموذج هيكلي لنظرية الاختيار العقلاني حيث يتضح أن الفرد هو الوحدة الأساسية لعملية التحليل.[4]
عناصر الاختيار
من أجل تبرير أو تفسير الفعل المعين فإن نظرية الاختيار العقلاني (Rational Choice) تلجأ إلى ثلاثة عناصر أساسية تحكم الحالة التي تقتضي الاختيار:
- زمرة مسارات الفعل العقلاني الممكنة والتي تستوفي جميع أنواع المحددات (فيزيائية، منطقية، اقتصادية).
- زمرة الاعتقادات العقلانية المتعلقة بالعلاقات السببية في واقعة الاختيار والتي تحدد مآلات (Outcomes) المسارات المختلفة للأفعال.
- الترتيب الذاتي للمسارات المختلفة للأفعال مستمداً من ترتيب النتائج المتوقع أن تؤدي إليها هذه المسارات.
ولكي يكون الإنسان عقلانياً في فعله في الحالة المعينة فإنه ينبغي عليه اختيار ذلك المسار الأعلى ترتيباً في زمرة مسارات الفعل الممكنة؛ ولعل نظرية سلوك المستهلك في علم الاقتصاد هي مثال لنظرية الاختيار العقلاني.
حالات الاختيار
يمكن تقسيم حالات الاختيار على مستويين:
- هناك تفريق بين المعلومات التامة وتلك الناقصة فيما يتعلق بالنتائج التي سوف تترتب على المسارات المختلفة التي سوف يتبعها الفعل. فحالات الاختيار التي تكون فيها المعلومات ناقصة تتصف بالمخاطرة وعدم اليقين. في هذه الحالة فإن الاختيار العقلاني يقتضي تفضيل ذلك الخيار الذي يعظم المنفعة المتوقعة.
- هناك أيضا تفريق بين القرارات المحددة والقرارات الاستراتيجية. في الحالة الأولى يواجه الشخص بمحددات خارجية يقوم أولاً بتقديرها بأحسن ما يستطيع ثم يختار ما يمكن فعله. أما الحالات الاستراتيجية فهي تتميز بالاعتماد المتبادل للقرارات. قبل أن يتخذ الشخص قراره بالفعل المناسب فإن عليه أن يقوم بعملية توقع وتحسب لما يمكن أن يفعله الآخرون.
النتائج المتوقعة
إن النتائج المتوقعة من الأفعال تتوزع عبر الزمان؛ فبعضها يكون عائده سريعاً بينما خيار آخر قد يكون عائده أكبر ولكنه يتأخر في الزمان. ولكي نختار بين مسارات الأفعال البديلة ذات النتائج المختلفة زمنياً فينبغي أن تكون لنا طريقة عقلانية في الموازنة بين منافعها التي تتحقق في أزمنة مختلفة.
إن التفسير الذي ينبني على أن الأعمال بالنيات يعني أن نكون قادرين على التدليل الواضح على علاقة ثلاثية الأبعاد بين السلوك (B) وزمرة الاعتقادات والإدراكات (C) التي يحملها الشخص صاحب السلوك وزمرة مقاصده (D). هذه العلاقة تنبني على ثلاثة شروط وهي:
أولاً: المقاصد والاعتقادات هي الدواعي للفعل؛ أي: إذا ثبتنا الاعتقادات (C) فإن الفعل (B) هو أفضل وسيلة لتحقيق المقاصد (D).
ثانياً: المقاصد والاعتقادات كانت السبب في الفعل؛ أي: (C) و(D) تسببت في (B).
ثالثاً: لكي يكون التفسير عقلانياً فلابد من الوفاء بالشرط الثالث وهو: (C) و (D) تسببت في (B) كدواعي له.
وكمثال لشرح نظرية الاختيار العقلاني قضية ارتفاع معدلات الطلاق في الولايات المتحدة الأمريكية في العصر الحديث.
John Scanzoni جون سكانزوني مثلا استخدم هذا المدخل (نظرية الاختيار العقلاني) ليبرهن أن الاقتصاد الحضري، ارتفاع الأجور، والفرص الوظيفية المتزايدة للنساء عوامل حاسمة لأنها جعلت من الطلاق خيارا ممكنا ماليا ويمكن للنساء استخدامه وبأعداد متزايدة. بالإمكان أن ندرك ما قصده سكانزوني إذا تخلينا امرأتين في أواخر الثلاثينيات من العمر، الأولي زوجة فلاح في القرن التاسع عشر والثانية امرأة معاصرة في لوس أنجلس أو باريس. الأولى هي في الغالب مقيدة للبقاء مع زوجها حتى لو كان سكيرا وعنيفا. لا وجود لوظائف في محيطها لامرأة عازبة واحدة فما بالك بامرأة مطلقة ومعها أطفالها.
على النقيض من ذلك نجد أن المرأة المعاصرة لها خبرات، في مجال السكرتارية على الأقل، وبإمكانها الحصول على وظيفة وإيجار شقة صغيرة وتقوم بالصرف من مرتبها وحده علي نفسها وأطفالها. إذا وجدت أن علاقتها مع زوجها غير مقنعة لها دع عنك أنه يسيء معاملتا باستمرار، يكون الطلاق بالنسبة لها خيارا جاذبا.»راجع أيضا
مراجع
- Ruth A. Wallace and Alison Wolf, Contemporary Sociological Theory, Chapter Six, Theories of rational choice, Prentice Hall, Inc, new Jersey, 1995,pp.279-341.
- الأصول العامة لنظرية الاختيار في الإسلام. أ.د. محمد الحسن بريمة إبراهيم. معهد إسلام المعرفة (إمام) – 1420 هـ/2000م
- النفط في العلاقات الأمريكية-العربية دراسة حالة الجزائر(1990 -2014 - تصفح: نسخة محفوظة 2 نوفمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
- - سامية خضر صالح، المشاركة السياسية و الديموقراطية: اتجاهات نظرية و منهجية حديثة تساهم في فهم العالم من حولنا، 2005، القاهرة