هند بنت النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بن زيد الأنصاري الخزرجي كانت أحسن نساء زمانها خَلقًا وخُلقًا، وأدبًا ولطفًا وفصاحة، ولها إلمام بالنثر والنظم، وكانت عند روح بن زنباع[1]،
" | قالت له يوما: عجبا منك كيف يسودك قومك وفيك ثلاث خلال أنت من جذام وأنت جبان وأنت غيور؟ فقال لها: أما جذام فإني في أرومتها وحسب الرجل أن يكون في أرومة قومه وأما الجبن فإن مالي إلا نفس واحدة فأنا أحوطها فلو كانت لي نفس أخرى جدت بها. وأما الغيرة فأمر لا أريد أن أشارك فيه وحقيق بالغيرة من كانت عنده حمقاء مثلك مخافة أن تأتيه بولد من غيره فتقذفه في حجره. فقالت:
|
" |
فوصف للحجاج حسنُها، فخطبها وبذل لها مالًا جزيلًا وتزوَّج بها، وشرط لها عليه بعد الصداق مائتي ألف درهم، وأقام بها بالمعرة مدة طويلة، ثم إنه رحل بها إلى العراق، فأقامت معه ما شاء الله، ودخل عليها في بعض الأيام فسمعها تقول وهي واقفة على المرآة:
وما هند إلا مهرة عربية | سليلة أفراس تحللها بغل | |
فإن ولدت فحلاً فلله درها | وإن ولدت بغلًا فجاء به البغل |
خطبة عبد الملك بن مروان لها
ثم بعد ذلك بلغ عبد الملك بن مروان خبرها، ووُصف له جمالها، فأرسل إليها يخطبها لنفسه، فكتبت إليه تقول بعد الثناء عليه: اعلم — يا أمير المؤمنين — أني لا أجري العقد إلا بشرط، فإن قلت: ما الشرط؟ أقول: أن يقود الحجاج محملي من المعرة إلى بلدك الذي أنت فيه، ويكون ماشيًا حافيًا بحليته التي كان فيها أولًا، فلما قرأ كتابها ضحك ضحكًا شديدًا. وأرسل إلى الحجاج بذلك فأجاب ولم يخالف، وامتثل الأمر، وأرسل إلى هند يأمرها بالتجهيز، وسار الحجاج في موكبه حتى وصل المعرة بلد هند، فركبت هند في محمل وركب حولها جواريها وخدمها، فترجل الحجاج ومشى حافيًا، وأخذ بزمام البعير يقوده ويسير بها، فأخذت هند تهزأ عليه وتضحك مع الهيفاء دايتها، ثم إنها قالت لدايتها: اكشفي لي ستارة المحمل لنشم رائحة النسيم، فكشفتها، فوقع وجهها في وجهه، فضحكت عليه وأنشدت:
بعض من إنشادها
وما نبالي إذا أرواحنا سلمت | بما فقدناه من مال ومن نشب | |
فالمال مكتسب والعز مرتجع | إذا النفوس وقاها الله من عطب |
فلما سمع ذلك منها الحجاج قال مجيبًا لها:
فإن تضحكي يا هند يا رب ليلة | تركتك فيها تسهرين نواحا |
ولم تزل تلعب وتضحك إلى أن قربت من بلد الخليفة، فرمت من يدها دينارًا على الأرض وقالت: يا جَمَّال، سقط منا درهم؛ فرده إلينا، فنظر الحجاج إلى الأرض فلم ير إلا دينارًا، فقال: إنما هو دينار، فقالت: بل درهم، فقال: بل دينار، فقالت: الحمد لله؛ إذ سقط منا درهم فعوضنا الله دينارًا! فخجل وسكت ولم يردَّ جوابًا، ودخلت على عبد الملك بن مروان فأعجب بها وبجمالها، وسفَّه رأي الحجاج بتخليه عنها، ونالت عنده حظوة زائدة.
مراجع
- عمر رضا كحالة: أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام. الجزء الخامس. مؤسسة الرسالة. ص 256