قومية هوي وتلفظ خوي بينهم[2] المسلمة (بالصينية: 回族 ؛ وبالبينيين: Huízú) التي تعيش في منطقة نينغشيا ذات الحكم الذاتي هي إحدى القوميات التي تتكون منها الصين. ويبلغ تعدادهم حوالي تسعة ملايين نسمة ويرجع تاريخ قومية هوي في منطقة نينغشيا إلى أواخر عهد أسرة تانج الملكية الصينية (من عام 618 م إلى 907 م).
قومية هوي |
التعداد الكلي |
---|
10 مليون[1] |
اللغات |
الدين |
المجموعات العرقية المرتبطة |
الدنغان، قومية البانثاي، قومية الهان، |
نبذة
تقع منطقة نينغشيا على طريق الحرير المشهور تاريخيا حيث ترك التجار العرب المسلمين لمساتهم وآثارهم في مدينة نينغشيا وبقى كثير منهم في الصين فنشروا الإسلام وتزاوجوا مع الصينيين ويمكن اعتبارهم الأجداد الأوائل لقومية هوي، وكانوا يسمون ب (هوي هوي كه) أي ضيوف(هوي هوي) أو (هوي هوي رن) أي أبناء (هوي هوي). وتذكر كتب التاريخ الصينية أن أبناء (هوي هوي) انتشروا في جميع أنحاء الصين، وتجمعوا بكثافة في مناطق شنسي وقانسو ونينغشيا. حيث أصبحت قرى أبناء (هوي هوي) منتشرة في منطقة واسعة المساحة ممتدة من نينغشيا إلى بينغليانغ في مقاطعة قانسو حاليا.
نينغشيا اسمها المختصر نينغ، تقع في المجرى الأوسط للنهر الأصفر في منطقة شمال غربي الصين. مساحتها 66 ألف كيلومتر مربع. حتى نهاية عام 2003، يبلغ مجمل عدد السكان 5 ملايين و803 آلاف نسمة، عاصمتها ينتشوان وتشتهر المدينة بالنواعير. تعرض الهوي في القرن التاسع عشر لحملات إبادة جماعية وتطهير عرقي من قبل الحكومة الصينية راح ضحيتها ملايين هوي الناس.
تاريخ الهوي
التاريخ الديموغرافي
كانت ويغورستان، قبل العصف الديموغرافي الاستيطاني الصيني المنظم الذي بلغ أوجه خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي بالذات، تضم غير الويغور الذين كانوا يشكلون الأكثرية الساحقة من السكان، بعضاً من الأعراق المسلمة الأخرى من الأوزبك و القازاك و التتار أو القيرغيز، كانوا يعيشون في انسجام بحكم انتمائهم جميعاً إلى تاريخ مشترك، وعقيدة مشتركة، ولغة أو لغات متقاربة تعود بجذورها إلى اللغة التركية القديمة. هذا الانتماء لا يشمل فقط الأعراق المسلمة التي تعيش في ويغورستان، ولكن أيضاً بقية أعراق آسيا الوسطى في الطرف الآخر من تركستان الشرقية. إي في المنطقة التي عرفت تاريخياً باسم تركستان الغربية، وتضم جمهوريات قيرغيزستان و أوزبكستان و تركمانستان و كازاخستان، إضافة إلى طاجيكستان حيث تغلب اللغة الفارسية. وهذه الحلقة الوسط بين مختلف دول آسيا الوسطى و الصين، هي ارتكازة نوعية لرهان جيوبوليتكي معقد، تنافست في شأنه أهم قوتين شيوعيتين في المنطقة، وفي العالم، وهما الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية.
القوى الشيوعية
انعكست صيرورة الأحداث والخلافات التي ربطت أو قسمت العلائق بين العملاقين، سلباً على صيرورة التحولات التاريخية أو الديموغرافية عند الويغور. إذ كان نشوء دولة إسلامية مستقلة على أرض ويغورستان يشكل تهديداً مزدوجاً للصين وللاتحاد السوفياتي. وارتأت الصين التي وجدت نفسها رهينة لجملة من الحركات الانفصالية، (تايوان على الساحل الشرقي، التيبيت في الوسط، منغوليا في الشمال، و سينكيانغ أو ويغورستان في أقصى الغرب)، بأن أي تنازل على أي جبهة انفصالية، سيسبب تداعيات سريعة قد تفتت الدولة الوطنية بكاملها. أما الاتحاد السوفياتي فكان بدوره يخشى اشتعال فتيل المطالب الوطنية وتفشى المطالبة بالاستقلال في جمهوريات الاتحاد السوفياتي في آسيا الوسطى المتاخمة
ولما سقط الاتحاد السوفياتي وحصلت جمهورياته المسلمة على استقلالها في الطرف الآخر من ويغورستان، ازداد موقف الصين تصلباً في شأن مطالب الويغور. ومارست تصعيداً في مستوى الردع إلى الدرجة الأمنية القصوى، خصوصاً من خلال العملية القمعية التي عرفت بعملية «أضرب بقوة» وما زالت سارية المفعول حتى اليوم
بعد الحرب الباردة
في المقابل واجه الويغور هذا التصعيد، بتصعيد مماثل للمقاومة، وحولوا مطالبهم السلمية إلى حركة نضالية مسلحة غابت أخبارها عن الأعلام العالمي بسبب التعتيم الصيني، تبعاً لذلك يبدو من غير المنصف اعتبار المقاومة الويغورية مجرد حركة إرهابية، أو إرهاب إسلامي ضد الصين كما يذهب بعض التحليلات
ولا يستقيم الحديث عن مقاومة «الويغور»، وهي سلمية في معظمها، على أنها حركة إسلامية تواجه الكونفوشيوسية، من موقع العداء. العكس هو الصحيح، إذ احتل الإسلام في سياق الدولة الصينية مكانة خاصة، لأنه جاء مكملاً ومؤيداً للمبادئ والأخلاق التي تدعو إليها الكونفوشيوسية، وحظيت كتب المسلمين الأوائل، مثل الكتاب الجوهري لفيلسوف الإسلام الكبير في الصين ليوتشي عن فلسفة الإسلام، بتقديم الإمبراطور نفسه الذي قال: «إن الكتاب الذي يشرح عقيدة الإسلام، كأنه جاء ليضيء مبادئ كونفوشيوس فيلسوف الصين العظيم». وهذا دليل مكانة الفكر الإسلامي الصيني في بلده ولدى السلطات الصينية. هكذا فإن انتفاضات «الويغور» لا تأتي من مسلمين يحاربون الكونفوشيوسيين أو البوذيين من أبناء شعبهم، لكنها كرد فعل على استعمار سياسي، وهيمنة ثقافية شوفينية صينية على ثقافتهم الخاصة، وهويتهم الإسلامية، وثوابتها التاريخية. وذلك عبر جينوسيد ثقافي واسع لطمس معالمها. وخير دليل على ذلك أن «الخوي» الصينيين المسلمين الذين اصطحبهم «الخان» في العمليات الأولى للتبديل الديموغرافي لكي يذرّوا الرماد في العيون، باعتبارهم مسلمين مثلهم، قابلهم «الويغور» بالرفض بالعنف المسلح، واعتبروهم كغيرهم من الـ «خان» غزاة يستبيحون الأرض الويغورية
وما حدث عشية الأولمبياد، وخلاله ليس أمراً جديداً، بل إن انتفاضات الويغور لم تهدأ على الإطلاق. يشرح السيد أولرش دليوس (الناطق باسم «الجمعية العالمية للدفاع عن الشعوب المهددة») هذا المعنى مؤكداً: «لا توجد في جمهورية الصين الشعبية مجموعة عرقية مضطهدة ومحرومة مثل الويغور». ويكفي أن نعرف أن السلطات الصينية نفذّت خلال عام 1997 فقط ما يزيد على 500 حكم إعدام في المنطقة. مقابل إعدام شخصين في منطقة التيبيت في الفترة نفسها
ويغورستان أو تركستان الشرقية
قبل أن تطلق الصين مع نهايات القرن التاسع عشر، (وفق مرسوم الإمبراطور المانشوري زاي تين في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1884 بضم تركستان الشرقية للصين)، على هذه الأراضي الصحراوية الشاسعة اسم سينكيانغ، والذي يعني في اللغة الصينية الأرض المضمومة حديثاً، أو الأراضي التي تشكل الحدود الجديدة للصين، كانت المنطقة، ولا زالت، تُعرف باسم ويغورستان، إي أرض الويغور. بينما كان الصينيون أنفسهم يسمونها خوي جيانغ أي بلاد المسلمين.
وكانت خطوة، دمج أرض الويغور بالصين، داعبت من قبل أباطرة الصين على اختلافهم، وكانوا يسعون إلى وضع اليد عليها إلا أن ضراوة مقاومة المسلمين منعتهم، حتى أن الإمبراطور الصيني الشاب تونغ جيه كتب لوالدته الإمبراطورة دواغرهيسا جين التي كانت وصية على الحكم في 10 آذار (مارس) 1875: «أن تركستان محاطة بروسيا من الشمال وبعدد من الدول الإسلامية مثل تركيا والعرب وإيران في الغرب، وهي متاخمة لحدود الهند البريطانية في الجنوب، لذلك أقترح على جلالتك أن تأمري ببقاء القوات حيث هي على الحدود الغربية بدلاً من التقدم... وإذا حدث أن تم الغزو وعدنا إلى تركستان فلا ضمان بأن ثورة المسلمين لن تتجدد وتهدد المناطق حول جيايكوان»
هذه الشهادة «الإمبراطورية» بحق المقاومة الوطنية الويغورية، تترجم مثلاً شائعاً في الصين يقول: «ينتفض الويغور مرة كل خمس عشرة سنة، ويقومون بثورة عارمة مرة كل ثلاثين سنة». وقد سجل التاريخ الصيني 17 ثورة ويغورية كبرى عارمة، قبل أن يتمكن هذا الشعب عام 1863 من دحر الحكم الصيني عن أرضه، وتأسيس مملكة ويغورية مستقلة في القرن التاسع عشر تحت قيادة يعقوب بك، وهي المملكة التي نالت اعتراف معظم الدول الكبرى، وعلى رأسها بريطانيا وروسيا، التي كانت قد دخلت معها في تحالفات إستراتيجية واسعة
غير ان جملة من التحالفات الإستراتيجية المواجهة سرعان ما ستقفز للسطح، وتقرر مصيراً مغايراً للمنطقة ولشعوبها المسلمة. فعلى أثر الاتفاقية السوفياتية – الصينية في 15 أيار (مايو) 1872، رأت القوتان ضرورة أن تشدد الصين قبضتها على ويغورستان، نظراً إلى ما تمثل من موقع جيوإستراتجي حاسم لروسيا، كدولة فاصلة بين الهند البريطانية وآسيا الوسطى الروسية. والتخلص بذلك من يعقوب بك ومشروع الدولة التركية الكبرى التي تدعو إليها إسطنبول في المنطقة، بما يهدد بانفصال جمهوريات الاتحاد السوفياتي التركية، وتشكيل قوة عالمية جديدة
وأنتج هذا التحالف عودة الصين للمنطقة، ودخول جيش الإمبراطورية المنشورية ويغورستان بعد مقتل يعقوب بك عام 1878. وعلى رغم إن المانشو حكموا تركستان الشرقية في تاريخ سابق حكماً عسكرياً على أنها مستعمرة خارج حدود الصين، باعتبار أن شعب الويغور يختلف عن الصينيين ويحتاج إلى إدارة مستقلة، فألحقت شؤونهم مباشرة بالقصر المنشوري، ولكن الصين هذه المرة، وأمام إصرار الويغور على الاستقلال، فضلت دمجهم كلياً في الصين وأطلقت على بلادهم اسم سينكيانغ وفق مرسوم الإمبراطور المنشوري المشار إليه. مع ذلك لم تنطفئ انتفاضات المسلمين في ويغورستان، وكلما لاح تهديد جدي لحريتهم أو لأرضهم أو لهويتهم الدينية كانوا يشعلون النار في وجه الصين. وسجل لهم التاريخ الصيني مئات الثورات، حتى تم تحرير بلادهم وتشكيل جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 1933
لم يكتب الاستمرار لجمهورية تركستان الشرقية الإسلامية بعد تأسيسها عام 1933، ذلك ان التحالفات الإستراتجية في المنطقة ستمنع حق الويغور في دولتهم الوطنية. إذ سارع الاتحاد السوفياتي، الذي كان يخشى انتقال المد الانفصالي إلى الجمهوريات الإسلامية السوفياتية، إلى مساعدة شنغ شي تساي الحاكم الصيني المحاصر في أورمجي. وأرسلت إليه موسكو عشرة آلاف جندي مجهزين بالعدة والعتاد من دبابات ومدرعات وأسلحة حديثة. (بينها 30 طائرة حربية وفريق من الخبراء والمستشارين)، وهو الدعم الذي مكن الحاكم الصيني من جمع فلول قواته المهزومة، ومعاودة ضرب الويغور وسحق جمهوريتهم الوليدة. وما يمكن أن يستوقفنا في إلحاح الصين على كون ويغورستان جزءاً «تاريخياً» منها، أن الأحداث في تلك المنطقة تكاد لا تهم بكين، وكان تثبيت القدم الصينية في ويغورستان بالذات يتم كل مرة بدعم موسكو وعنايتها وليس بمبادرة بكين، ما يعني أن الصين لم تكن على قناعة حقيقية حتى ذلك التاريخ، بأن ويغورستان تؤسس لأرض صينية «نهائية». واعترف ماوتسي تونغ بذلك صراحة في ما بعد، وجاء في الدستور الموقت للجمهورية الديموقراطية للعمال والفلاحين الصينيين الذي وافق عليه جميع أعضاء المؤتمر الأول لجميع ممثلي العمال والفلاحين في الصين عام 1931، الآتي: «تملك شعوب مناطق منغوليا والتيبيت وتركستان حق تقرير مصيرها، في شأن ما إذا كانت تريد الانفصال عن جمهورية الصين وتشكل حكوماتها المستقلة أو أن تنضم إلى الاتحاد، أو أن تكون مناطق ذاتية الحكم ضمن جمهورية الصين»
وعندما أختار الويغور الاستقلال قوبل طلبهم، على رغم رضوخ الصين لمطالب منغوليا في هذا الاتجاه، بالقمع والسحق، والتنكيل. وهي السياسة التي أدت، كما يرصد مؤرخو الويغور، إلى اعتقال وسجن ملايين الويغور، وإلى مقتل مئات الآلاف منهم. لكن هذا القمع لم يمنع المزيد من الانتفاضات والثورات ضد الوجود الصيني في ويغورستان، وانتهى الأمر من جديد إلى تشكيل جمهورية تركستان الشرقية بقيادة الشيخ علي خان تورة في 30 كانون الثاني (يناير) 1945. على أن الاتحاد السوفياتي سيعود مرة أخرى للوقوف حجر عثرة، ويرفض السماح بقيام دولة إسلامية على أرض تركستان الشرقية، إلا في إطار الدولة الصينية. وقد تدخل الروس بقوة ليفرضوا على الويغور قبول معاهدة الصلح التي طرحتها الصين، وقد رضخوا على أساس الاعتراف بالاستقلال الذاتي، وإجراء انتخابات حرة لاختيار أعضاء الحكومة الإقليمية، وإحلال الوطنيين من الويغور والمسلمين محل الصينيين «الدخلاء» بحسب التعبير الوارد في الوثيقة الويغورية. وتم التوقيع على الاتفاقية في أورمجي في 6 حزيران (يونيو) 1946، ونشرت رسمياً باللغة الصينية في جونكين في اليوم التالي. ومع فجر عام 1947 أجريت الانتخابات العامة لاختيار الحكومة الإقليمية لتركستان الشرقية، وانتخب الدكتور مسعود صبري رئيساً لها في أيار من العام نفسه، في سياق كان ينبئ بأن فجراً جديداً يطل على البلاد
غير أن هذا الخيار «القومي» - الإسلامي لتسيير أمور المنطقة ذاتيا لم يرق مطولاً لبكين، فانقلبت على المعاهدة، وأطاحت الرئيس المنتخب مسعود صبري، وفرضت برهان شهيدي الموالي للشيوعين مكانه. ثم أعلنت ضم المنطقة في 26/9/1949 إلى الاتحاد الصيني بقيادة ماوتسي تونغ. الحدث الذي سيتبعه دخول القوات الصينية الشيوعية إلى المنطقة في 21/10/1949، ليبدأ عصر جديد من الإرهاب والظلم والعصف بشعب الويغور
ولئلا نخرج من سياق الحدث نعتمد هنا بعض الأرقام التي صرح بها برهان شهيدي نفسه في إذاعة أورومجي في مطلع عام 1952 في شأن إعدام مئة وعشرين ألف شخص ممن كان يعتبرهم أعداء الثورة الشيوعية، وهم من العلماء والأدباء والزعماء الويغور. بينما تشير مصادر الويغور إلى إعدام أكثر من 360 ألف ويغوري في الفترة بين 1950 و1972 إضافة إلى هجرة مئات الآلاف من الويغور عن أراضيهم، وفرارهم نحو مناطق العالم، خصوصاً إلى تركيا أو المملكة العربية السعودية. في هذا السياق، تجدر الإشارة مرة أخرى أن لا نية تعبوية في هذا السرد، ولا نية لتصوير الصين كقوة معادية للإسلام أو للعرب. فالصين الشعبية اتخذت مواقف مشرفة من القضايا العربية، وكانت من المناصرين المهمين للقضية الفلسطينية، ولا نبحث في التشكيك في خيارات الصين الأيديولوجية الاشتراكية، ووفق هذا المعنى قد نفهم أن الإخلاص الثوري للزعماء الشيوعيين التركستانيين كان صادقاً في شأن الخيار الاشتراكي لحل مشاكل المنطقة، إلا أن ما لم يلاحظه هؤلاء هو أن استراتيجيات ماوتسي تونغ للمنطقة اتجهت إلى استلاب ثقافي عام، وسياسة «تصيين» منظمة قصدت محو الهوية الويغورية، لغة ومعتقداً وتاريخاً، في شكل جذري. من خلال فرض التعليم الصيني، ومنع استخدام اللغة الويغورية، أو من خلال التهديم والإحراق الفعلي لرموز هذه الثقافة. ومنذ أن شكل وانغ اينماو الحزب الشيوعي لمقاطعة تركستان الشرقية في كانون الأول (ديسمبر) 1940 بدأت الصين تطبيق برنامج لـ «سحق الرجعية»، بحسب تعبيرهم، والقضاء على كل البؤر التي تحرك الفكر الأصولي المعادي للشيوعية. وذلك بإعدام رجال الدين وزعماء الفرق الصوفية، وتلفيق تهم الخيانة والتهديد القومي لكل من يلتف حولهم، أو تطبيق الاقتصاد الشيوعي بمصادرة أملاك المسلمين والأوقاف، واعتقال الأثرياء والمفكرين، والهجوم على المؤسسات الدينية بحجة معاداتها للعمال والفلاحين. وما لم يلاحظه الشيوعيون التركستان، ليس أن الصينيين صاروا يبسطون نفوذهم ولغتهم وثقافتهم على المنطقة باسم الثورة العمالية فحسب، بل صاروا يحتلون تدريجاً الإدارات والمراكز الحكومية والشعبية ويقصون الويغور إلى دوائر هامشية. وأعطت فترة الثورة الثقافية بين 1966 و1977 فرصة إضافية للصينيين لمحو هوية الويغور، وتدمير معالمها التي كانت تؤسس لتميزهم الحضاري أو خصوصيتهم التاريخية، باسم تعارضها مع الثورة الشيوعية، فأغلقت المساجد واستعملت لغير أغراضها، وحولت بعضها إلى مخازن أو إسطبلات، ومنع الويغور من ممارسة شعائر دينهم أو التعبير عن ثقافتهم، بالقتل والإرهاب وإحراق ومصادرة الكتب
ولدعم سياسية التصيين، لجأت بكين إلى إستراتيجية مضافة اعتمدت على التهجير المنظم للصينيين نحو ويغورستان، وفي الوقت نفسه انتزاع الويغور من أراضيهم وتهجيرهم إلى أماكن صينية أخرى، أو تشجيعهم على الرحيل نهائياً خارج البلاد. الأمر الذي أسس لجماعات ويغورية كبيرة في جمهوريات تركستان الغربية، وهو ما أدى إلى قلب الميزان الديموغرافي لمصلحة الصينيين وتحويل الويغور إلى أقلية في أرضهم. يُضاف إلى ذلك أن الصين اختارت بلاد الويغور بالذات، في قلب صحارى تكلمكان، لإجراء تجاربها النووية، وتعريض سكان المنطقة للأخطار المصاحبة
هذا التصيين المتسارع لويغورستان، والتهديد النووي للمنطقة، واهتزاز التوازن الديموغرافي فيها لمصلحة الصينيين، جعل شيوعيي ويغورستان يستيقظون على ما يجرى، ويطالبون بوقف هذه السياسة. وفي تقرير ليوي كوبينغ رئيس لجنة الأقليات القومية الذي قدمه إلى رئيسي الوزراء الصيني مطلع عام 1970، نجد أن سياسة التهجير بالذات ولدت موجة من السخط العارم عند الويغور، بمن فيهم القيادات الشيوعية التي انضمت إلى المطالبة باستقلال الويغور عن الصين. ووقف الهجرة الصينية إليها. وهو ينقل عنهم: «نريد الاستقلال، وإن كان يعني ذلك أن نتخلى عن الاشتراكية. وإذا استمر تدفق الصينيين إلى بلادنا، فأننا سنغلق الحدود». وقد عرفت البلاد ردود فعل تجاه التدفق الصيني واستشعار المسلمين مخاطر الذوبان الثقافي والوجودي الذي صار يتهددهم وبلادهم. وسجل التاريخ الصيني عدداً «فلكياً» من الثورات والانتفاضات الويغورية التي كانت تشتعل في كل مكان تنديداً بهذا الغزو المنظم، حتى أن المنطقة شهدت أكثر من 800 انتفاضة ضد الحكم الصيني خلال سنة واحدة بين حزيران 1963 وتموز 1964، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الصينية في تايوان. في الرابع من تموز 1964
وعندما تسلم دنغ شياو بنغ رأس السلطة في الصين، وأحدث تغيرات ابتداء من العام 1978، وتجاه شعبه والأقليات القومية، أسست لمناخ نسبي من «التساهل»، سمح للويغور من جديد باستخدام لغتهم وممارسة شعائرهم وفتح مساجدهم، وترافق ذلك مع المصالحة بين الصين والأقليات المسلمة في سياق السعي للوصول إلى أسواق المنطقة العربية والإسلامية. لكن الحراك الويغوري الجديد يتم في إطار الطابع الصيني. واستمرت سياسة الإقصاء المنظم للويغور من دائرة القرار، وتجاهل حقهم في ثرواتهم الوطنية التي كانت تغذي مباشرة الدولة المركزية، بل أن سياسة التهجير بدأت تتأكد وكأنها قدر محتوم على الويغور. استمر الويغور في البحث عن مخرج للذود عن وجودهم الحضاري وحقهم في تقرير المصير، فتحولت منطقتهم إلى ساحة لا تهدأ من القلاقل في وجه الحكومة، ودفع ذلك المهجرين الصينيين للمطالبة بالعودة إلى أوطانهم الأصلية كما حدث في اقسو عام 1980، الأمر الذي دفع بالرئيس الصيني إلى التوجه للمنطقة في أول آب (أغسطس) 1981، للوقوف على ما يجري. غير أن المطالب الانفصالية التي واجهه بها الويغور دفعته إلى تشديد القبضة على المنطقة، وقطع الطريق في شكل نهائي أمام انتفاضات أخرى
القبضة الحديد المُضافة التي تتحكم بأنفاس الويغور، جعلت الطلاب بدورهم يدخلون على خط المعارضة عام 1985، وينظمون تظاهرات واسعة في اورمجي، وفي المدن الصينية الكبرى مثل شنغهاي وبكين حيث يدرسون. وكانوا يعبرون عن مطالبهم بشجاعة كبيرة توقفت أمامها أجهزة الأعلام الرسمي نفسها بكثير من الدهشة. من ذلك ضرورة وقف التجارب النووية في المنطقة، ووقف التهجير الصيني لبلادهم. وأن يعطى لويغورستان حق استغلال ثرواتها الطبيعية... وبطبيعة الحال قمعت السلطات التظاهرات من دون أن تخمد الشعلة
واتهمت الصين الاتحاد السوفياتي، بتحريض المسلمين. وحذرته من مغبة اثارة الحركات الانفصالية على أراضيها في منشور رسمي صدر في 30/8/1988، وما كان يدفع الصين لتصور مثل هذا الدعم السوفياتي للويغور هو وعيها بأن التهجير الصيني نحو منطقة الويغور، والذي يهدف إلى توطين مئتي مليون صيني فيها كما صرح سكرتير الحزب الشيوعي السابق لعموم الصين، بمقدار ما يشكل تهديداً لهوية تركستان الشرقية، فهو يشكل تهديداً لروسيا أيضاً ولمناطق الجوار على العموم. تحت قانون الطوارئ
أطلقت الصين عام 1996، بعد تزايد حركات الرفض في ويغورستان والمطالبة بالانفصال عن الصين، حملة للجم هذه المطالب الانفصالية تحت اسم «اضرب بقوة». وهذا النوع من قانون الطوارئ لا يزال ساري المفعول، ووسّعت بموجبه صلاحيات الشرطة والأجهزة الأمنية في الإقليم، فاعتُقل الآلاف من دون محاكمات، وسجن مئات الناشطين السياسيين والزعماء الدينيين، كما أُغلقت المدارس القرآنية ومُنع بناء الجوامع، وأعدم كثيرون في الساحات العامة (200 شخص بين عامي 1997 و1999). هذا القمع للويغور يستمر تحت ستار من الصمت العالمي مراعاة للصين، العملاق الاقتصادي والسكاني وأحد أهم الأقطاب السياسية العالمية في مطلع هذا القرن، وبسبب ارتباط المطالب الإسلامية عموماً بالإرهاب. وهو ما أكده لي صديق يرأس إحدى المنظمات العالمية الكبرى العاملة في مجال حقوق الإنسان وحرية الرأي، عندما سألته: لماذا تقصر منظمته دعمها على التيبيت؟ فأجابني أن منظمته تدعم الويغور أيضاً في الدفاع عن حقهم في التعبير عن أنفسهم، لكنه من الصعب أن ندعم في شكل علني شعباً تخيم على رأسه اتهامات «الإرهاب». ووفق هذا المعنى يمكن أن نتصور حصار الشعب الويغوري بتلفيق التهم ضده في دائرة «الإسلامية» والإرهاب، التهم التي تبدو في أكثرها مفتعلة
يذكر براد آدامز، مدير قسم آسيا في هيومن رايتس ووتش في هذا الصدد “أن الصين تستخدم القمع الديني كسوط في وجه الويغور الذين يتحدَّون أو حتى يتذمرون من الحكم الصيني لسينكيانغ (تركستان الشرقية). في حين يتمتع الأفراد بمجال أكبر من حرية العبادة في أجزاء أخرى من الصين. إلا أن الويغور المسلمين يواجهون تمييزاً وقمعاً موجهاً من الدولة يشبه ما يحدث في التيبيت، حيث تحاول الدولة الصينية تحريف الدين للسيطرة على أقلية عرقية”. مع ذلك فعامل الدين هنا لا يتدخل إلا باعتباره أحد أهم مكونات الهوية الويغورية، بينما لا يتعلق الأمر إلا بقضية احترام الحريات المدنية وببقاء شعب وحضارة يتعرضان لعملية استيعاب قسرية
تقرير المصير
على أن السؤال يبقى معلقاً: لماذا ترفض الصين للويغور حق تقرير المصير؟ والإجابة تحمل شقي حقيقة، الشق السياسي أو الجيوبوليتيكي، والشق الاقتصادي. فأرض الويغور تبلغ مساحتها 1600000 كيلومتراً مربع، وتشكل سدس مجمل مساحة الدولة الصينية، تقع على الحدود بين مونغوليا وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستانن وطاجيكستان وباكستان والهند وكشمير وأفغانستان إضافة إلى الصين بطبيعة الحال. بما يجعل منها بوابة إستراتيجية للمناورات الصينية في آسيا الوسطى، أو شرق آسيا على العموم. وتشكل صحارى المنطقة بالذات مركزاً على درجة من الأهمية للتجارب النووية الصينية من جهة، ولقواعد الإطلاق الباليستي من جهة أخرى، بما يجعل منها عمقاً إستراتيجياً لا يمكن للصين أن تسمح بالتفريط فيه. هذا الموقع الاستراتيجي لويغورستان، يحتضن مخزوناً هائلاً من الثروات الطبيعية، كالنفط والغاز الطبيعي (باحتياطي ينافس مخزون منطقة الشرق الأوسط بكاملها)، ومن المعادن «الإستراتيجية على أنواعها»، فهناك أكثر من 118 نوعاً من المعادن من اصل 148 نوعاً تنتجها الصين بأسرها، بما في ذلك الحديد والذهب، يتم استخراجه من أرض الويغور. كما تضم أكثر من 2 تريليون طن من الفحم الحجري، أي نصف احتياطي الصين بكاملها من هذه المادة الضرورية للصناعة. وهو ما يجعل هذه المنطقة ذات أهمية قصوى لبكين التي صارت ُتعرف اليوم بمصنع العالم. إي أن الأرض الويغورية تشكل رافداً ضرورياً لصيرورة الصين العظمى، ولانتصاب عملاق القرن. ومن دونها فإن هذا العملاق ذاته سيتهدد بدوره بالتفتت كما أصاب العملاق السوفياتي الجار في نهايات القرن الماضي.
انظر أيضاً
مراجع
- China - The Hui Ethnic Group - تصفح: نسخة محفوظة 14 مارس 2017 على موقع واي باك مشين.
- تاريخ الصين الاسلامي ، جمال الدين الكيلاني ، بغداد ، 2016، مجلة الفكر الحر