والتر جيرمانوفيتش كريفيتسكي (28 يونيو عام 1899 – 10 فبراير عام 1941)[1]، ضابط استخبارات سوفيتي، كشف عن خطط توقيع اتفاق مولوتوف-ريبنتروب قبل انشقاقه، وقبل أسابيع من اندلاع الحرب العالمية الثانية.
النشأة
ولد والتر كريفيتسكي في 28 يونيو عام 1899، لأبوين يهوديين باسم صمويل جينسبيرج في بودفوتشيسكا، في غاليشا، النمسا-هنغاريا (الآن بودفولوشيسك، في أوكرانيا). تكنّى باسم "كريفيتسكي" المشتق من الجذر السلافي لكلمة معناها "غريب" أو "غير شريف". وهو اسم ثوري مستعار اتخذه عندما دخل الاستخبارات التشيكية البلغارية نحو عام 1917.
التجسس
عمل كريفيتسكي كجاسوس مقيم بصورة غير قانونية، باسم مزيف وأوراق مزيفة، في ألمانيا وبولندا والنمسا وإيطاليا وهنغاريا. ونال رتبة ضابط مراقبة. ويعود الفضل له في سرقة خطط الغواصات والطائرات، واعتراض المراسلات النازية اليابانية، وتجنيد العديد من العملاء، بمن فيهم ماجدا لوبيسكو (مدام لوبيسكو) ونويل فيلد.
أُرسل كريفيتسكي إلى لاهاي، في هولندا في مايو عام 1937، للعمل كرئيس جهاز (ضابط مراقبة إقليمي) وتظاهر أنه متخصص في الأثريات. ويبدو أنه نسّق عمليات الاستخبارات في جميع أنحاء أوروبا الغربية.
الانشقاق
كانت هيئة الأركان العامة للجيش الأحمر في ذلك الوقت تخضع للتطهير العظيم في موسكو، والتي وجدها كريفيتسكي وصديقه المقرب إيجناس ريس عندما كانا خارج البلاد، مزعجة للغاية. أراد ريس الانشقاق، لكن كريفيتسكي منعه مرارًا.
انشق ريس أخيرًا، أعلن ذلك في خطابه متحديًا موسكو. ودفع اغتياله في سويسرا في سبتمبر عام 1937 كريفيتسكي للانشقاق في الشهر التالي.
بدأ كريفيتسكي في باريس بكتابة المقالات والتواصل مع ليف سيدوف ابن تروتسكي، والتروتسكييين. والتقى هناك أيضًا بالجاسوس السوفيتي السري مارك زبوروفسكي، المعروف باسم "إتيان"، الذي أرسله سيدوف لحمايته. توفي سيدوف في ظروف غامضة في فبراير عام 1938، واستطاع كريفيتسكي التملص من محاولات قتله وخطفه في فرنسا، بما في ذلك هروبه إلى هييريس.[2]
تمكن البريطانيون من اعتقال جون كينغ، كاتب رموز في وزارة الخارجية، نتيجة لاستجواب كريفيتسكي. قدم أيضًا وصفًا مبهمًا لجاسوسَين سوفيتيَّين آخرَين، دونالد ماكلين وجون كارينكروس، لكن دون تفاصيل كافية لتمكين اعتقالهما. دخلت عملية الاستخبارات السوفيتية في المملكة المتحدة في حالة من الفوضى لفترة من الوقت.[3]
أبحر كريفيتسكي من فرنسا إلى الولايات المتحدة في نهاية عام 1938، استباقًا للاحتلال النازي.
معاداة الستالينية
لم يكتفِ كريفيتسكي بالانشقاق، بل أصبح معاديًا للستالينية.[4]
في خدمة ستالين السرية
أنتج كريفيتسكي قصة داخلية عن أساليب ستالين الخفية، بمساعدة الصحفي إسحق دون ليفين والعميل الأدبي بول وول. ظهرت بشكل كتاب بعنوان: في خدمة ستالين السرية (العنوان في المملكة المتحدة: لقد كنت عميل ستالين)، ونُشر في 15 نوفمبر عام 1939.[5][6] ظهر لأول مرة في طبعة مسلسلة مثيرة في أشهر مجلة ذلك الوقت، ساترداي إيفنينغ بوست. ظهر العنوان كعبارة في مقال كتبته زوجة ريس في الذكرى الأولى لاغتيال زوجها: "كان ريس في خدمة ستالين السرية لعدة سنوات وعرف المصير الممكن توقعه"[7]. تلقى الكتاب مراجعة لا مبالية من صحفية نيويورك تايمز المؤثرة للغاية.[8]
هوجم بعنف من اليسار الأمريكي، فقد ثَبُتت صحة توقعات كريفيتسكي، عندما وُقّعت معاهدة عدم الاعتداء الألمانية السوفيتية، والتي توقعها في أغسطس عام 1939.
الشهادة
اعتقد كريفيتسكي أن من واجبه الإبلاغ، عندما كان في صراع بين التفاني من أجل المثل الاشتراكية وإبغاض أساليب ستالين. تسبب هذا القرار له بالكرب النفسي، كما وضح للمنشق الأمريكي ويتاكلا تشامبرز. أخبر تشامبرز: "في عصرنا، الإبلاغ واجب" (أوردها تشامبرز في سيرته الذاتية، الشاهد).[9]
شهد كريفيتسكي أمام لجنة الموت (التي أصبحت فيما بعد لجنة مجلس النواب للأنشطة غير الأمريكية) في أكتوبر عام 1939، وأبحر باسم "والتر توماس" إلى لندن في يناير عام 1940 ليُستجوب من قبل جين آرشر من الاستخبارات العسكرية البريطانية إم آي5. كشف الكثير عن التجسس السوفيتي أثناء ذلك. كانت مسألة مثيرة للجدل حول ما إذا أعطى أدلة للـ إم آي5 عن هوية العميلين السوفيتيين دونالد ماكلان وكيم فيلبي. ومن المؤكد مع ذلك أن مفوضية الشعب للشؤون الداخلية والتي تعرف اختصارًا بـ إن كي في دي، علمت بشهادته وبدأت محاولاتها لإسكاته.
الوفاة
عاد كريفيتسكي حالًا إلى أمريكا الشمالية، وهبط في كندا. كانت هناك مشكلة دومًا مع دائرة الهجرة والتجنيس الأمريكية، إذ لم يتمكن من العودة إلى هناك حتى نوفمبر عام 1940. وكّل كريفيتسكي لويس والدمان لتمثيله في المسائل القانونية (كان والدمان صديقًا قديمًا لإسحق دون ليفين).
أقنعه اغتيال تروتسكي في المكسيك في 21 أغسطس عام 1940 بأنه أصبح وقتها على رأس قائمة مفوضية الشعب للشؤون الداخلية. قضى الشهرين الأخيرين في نيويورك بالتخطيط للاستقرار في فرجينيا والكتابة، لكن أحاطته الشكوك والرهبة.
عُثر عليه ميتًا في 10 فبراير عام 1941 في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحًا، في فندق بيلفو (المعروف الآن باسم فندق كيمبتون جورج)[10] في واشنطن العاصمة من قبل الخادمة، مع ثلاث رسائل انتحار بجوار السرير. كان مستلقيًا في بركة من الدم بسبب جرح من رصاصة واحدة في الصدغ الأيمن من مسدس عيار 38 عُثر عليه في يده اليمنى. وأشار التقرير في 10 يونيو عام 1941،[11] إلى أنه مات قبل 6 ساعات تقريبًا من العثور عليه.
وفقًا للعديد من المصادر قُتل على يد الاستخبارات السوفيتية،[9][12] لكن التحقيق الرسمي خلص إلى أن كريفيتسكي انتحر،[13] لأنهم لم يدركوا مطاردة مفوضية الشعب للشؤون الداخلية له.[14][15]
روى شخصان على صلة وثيقة بكريفيتسكي التأويلات المعاكسة لوفاته في وقت لاحق:
الانتحار: كتبت زوجة ريس
كان عليه أن يبدأ حياة جديدة في الولايات المتحدة، دون أن يعرف البلد واللغة. وجد أصدقاء جيدين، وبينهم أدرك كم كان وحيدًا بشكل مروع. عاش في أمان نسبي وغنى من بيع مقالاته. كانت عائلته بأمان وتحظى بالرعاية الجيدة وامتلك صُحبة، وبدا الأمر كأنه بدأ حياة جديدة. ولكن حدث شيء آخر، فقد كان لديه الوقت لأول مرة لرؤية نفسه في وضعه الجديد. قطع صلته بحياته القديمة ولم يبنِ حياة جديدة. ذهب إلى فندق في واشنطن، وكتب رسالة إلى زوجته وأخرى إلى أصدقائه، ووضع رصاصة في رأسه، لأولئك الذين يعرفون خط يده، أسلوبه، وتعبيراته، لا يمكن أن يكون هناك شك في أنه قد كتب لهم.[16]
الاغتيال: ذُكرت الغرف في مذكراته
اقتحم أحد أصدقائي المقربين في إحدى الليالي مكتبي إحدى المرات. كان يحمل جزءًا مقتطعًا أصفر جاء لتوه من المبرقة الكاتبة.
قال: "لقد قتلوا الجنرال، قُتل كريفيتسكي". عُثر على جثة كريفيتسكي في غرفة في فندق صغير في واشنطن على بعد بضعة مبان من مبنى البرلمان. كانت لديه غرفة محجوزة بشكل دائم في فندق كبير في وسط المدينة اعتاد أن يبقى فيها دائمًا عندما كان في واشنطن. لم يبق في الفندق الصغير من قبل. لماذا ذهب إلى هناك؟
أُطلق عليه النار في رأسه وكان هناك دليل على أنه هو من قام بذلك. بأمر من؟ ترك خطابًا ذكر فيه لزوجته وأطفاله نصيحة غير متوقعة بأن الحكومة والشعب السوفيتي كانا أفضل أصدقائه. حذرهم في السابق أنه إذا ما عُثر عليه ميتًا، ألا يعتقدوا تحت أي ظرف أنه انتحر. من الذي أجبر صديقي على كتابة الرسالة؟ تذكرت القول: "يمكن لأي غبي أن يرتكب جريمة قتل، لكن يتطلب الأمر فنانًا لاقتراف موت طبيعي جيد".
أخبرني كريفيتسكي أيضًا بشيء آخر في تلك الليلة. كان قد خلع المسدس الذي كان يحمله عادة قبل بضعة أيام ووضعه في درج المكتب. شاهده ابنه البالغ من العمر سبع سنوات. وسأله: "لماذا وضعت المسدس جانبًا؟" وأجابه: "لا أحد يحمل مسدسًا في أمريكا"، وقال الطفل: "بابا، احمل المسدس".
استمرت التخمينات في القرن الحادي والعشرين. حيث جادل كتاب أنتوني بيرسي "سوء الدفاع عن المملكة" في عام 2017 (باكنجهام: صحافة جامعة باكنجهام، 2017) أن كريفيتسكي كان أهم مصدر في المملكة المتحدة بشأن الخطة السوفيتية، ولم يتلق أي أمر من إم آي5 بشأن المعلومات الاستخباراتية التي قدمها، واغتِيل على أيدي الاستخبارات السوفيتية بعد أن أبلغ غاي بورغيس الرؤساء السوفييت عنه. يجادل بيرسي أن الاغتيال وضّح التهديد الذي يتعرض له جواسيس حلقة كامبريدج وجواسيس آخرون.
الناجون
وجد ويتاكر تشامبرز عند أول خبر لوفاة كريفيتسكي، زوجة كريفيتسكي أنتونيا (تونيا) وابنه أليك في مدينة نيويورك. أحضرهم بالقطار إلى فلوريدا، حيث أقاموا مع عائلة تشامبرز، والتي فرّت لتوها من نيو سميرنا. اختبأت العائلتان هناك خشية مزيد من الأعمال الانتقامية السوفيتية. ثم عادت العائلتان إلى مزرعة تشامبرز في ويستمنستر في ماريلاند. عادت تونيا وأليك إلى نيويورك في غضون فترة قصيرة.[9]
عاشت زوجته وابنه في فقر لبقية حياتهما. توفي أليك بسبب ورم في المخ في أوائل الثلاثينيات من عمره بعد أن خدم في البحرية الأمريكية ودرس في جامعة كولومبيا. تابعت تونيا التي غيرت لقبها قانونيًا إلى "توماس" حياتها وعملها في مدينة نيويورك، حتى تقاعدت في أوسينينغ، حيث توفيت في دار للمسنين في عام 1996 عن عمر بلغ 94 عامًا.
الأعمال
- في خدمة ستالين السرية (1939) (الطبعة الثانية في 1939، 1979، 1985، 2000).[17][18][19][20][21]
- عميل ستالين (بالفرنسية، 1940).[22]
- كنت عميل ستالين (بالبولندية، 1964).[23]
- كنت عميل ستالين. مذكرات ضابط استخبارات سوفيتي (بالروسية، 1991).[24]
- روسيا في إسبانيا (بالإسبانية، 1939).[25]
- استجواب إم آي5 ووثائق أخرى عن الاستخبارات السوفيتية (2004).[26]
المراجع
- Kern, Gary (2004). A Death in Washington: Walter G. Krivitsky and the Stalin Terror. Enigma Books. صفحات early life 3–12, Paul Wohl 20–23, 172–175, 314–317, 420–424, 448–454, especially 245–246, family's fate and money 400–401. . مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 2019.
- Krivitsky, Walter G. (1939). In Stalin's secret service: An Exposé of Russia's Secret Policies by the Former Chief of the Soviet Intelligence in Western Europe. New York: Harper Brothers. صفحات 290, 294. LCCN 40027004. (ردمك ) (1985)
- Lownie, Andrew (4 October 2016). Stalin's Englishman: Guy Burgess, the Cold War, and the Cambridge Spy Ring. 1878: St. Martin's Press.
- Lewis, Flora (13 February 1966). "Who Killed Krivitsky?" ( كتاب إلكتروني PDF ). وكالة المخابرات المركزية. Washington Post and Times-Herald. مؤرشف من الأصل ( كتاب إلكتروني PDF ) في 27 فبراير 2019.
- "Book Notes". New York Times. 4 November 1939. صفحة 13.
- "Books Published Today". New York Times. 15 November 1939. صفحة 21.
- Reiss, Elsa (September 1938). "Ignace Reiss: In Memoriam". New International. صفحات 276–278. مؤرشف من الأصل في 15 يوليو 201830 أغسطس 2010.
- The New York Times and Joseph Stalin, David Martin, March 9, 2008. نسخة محفوظة 4 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
- Chambers, Whittaker (1952). Witness. Random House. صفحات 27, 36, 47, 59, 317–318, 381, 402, 436fn, 457, 459–463, informing 463, murder 207, 337, 485–486, fate of family 486-487. .
- "The George Hotel". Kimpton Hotels & Restaurants. 2012. مؤرشف من الأصل في 6 مارس 201926 أكتوبر 2012.
- "Venona: Soviet Espionage and The American Response 1939-1957 (footnote 18: Charles Runyon [Department of State], Memorandum for the File, "Walter Krivitsky," 10 June 1947)". وكالة المخابرات المركزية. 1996. مؤرشف من الأصل في 10 أكتوبر 2012.
- Hyde, Jr., Earl M. (July 2003). "Still Perplexed About Krivistky". International Journal of Intelligence and Counterintelligence. New York: International Journal of Intelligence and Counterintelligence (Volume 16, Issue 3): 431, 438. ISSN 1521-0561. مؤرشف من الأصل في 18 مارس 202011 سبتمبر 2010.
- Large, David Clay, Between Two Fires: Europe's Path In The 1930s, New York: W.W. Norton & Co. (1991), (ردمك ), (ردمك ), p. 308: Just prior to his death, Krivitsky confided to his friend سيدني هووك and others, "if I am ever found apparently a suicide, you will know the NKVD caught up with me."
- Knight, Amy W. (2006). How the Cold War Began: The Igor Gouzenko Affair and the Hunt for Soviet Spies. Carroll & Graf. صفحات 304, n. 6. . مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 2019.
- "Files on Walter G. Krivitsky". مكتب التحقيقات الفيدرالي. مؤرشف من الأصل في 31 يناير 2011.
- Poretsky, Elisabeth K. (1969). Our Own People: A Memoir of "Ignace Reiss" and His Friends. London: Oxford University Press. صفحات 269–270. LCCN 70449412.
- "In Stalin's Secret Service". Library of Congress. 1985. صفحة 273. مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 201923 فبراير 2014.
- "In Stalin's Secret Service". Library of Congress. 1979. صفحة 273. مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 201923 فبراير 2014.
- Krivitsky, Walter G. (1939). In Stalin's Secret Service: An Exposé of Russia's Secret Policies by the Former Chief of the Soviet Intelligence in Western Europe. New York: Harper Brothers. LCCN 49034777.
- Krivitsky, Walter G. (1939). In Stalin's Secret Service: An Exposé of Russia's Secret Policies by the Former Chief of the Soviet Intelligence in Western Europe. New York: Harper Brothers. LCCN 40027004.
- In Stalin's Secret Service. Library of Congress. 2000. صفحة 306. . مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 201923 فبراير 2014.
- "Agent de Staline". Library of Congress. مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 201923 فبراير 2014.
- "Byłem agentem Stalina". Library of Congress. مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 201923 فبراير 2014.
- "Я был агентом Сталина. Записки советского разведчика". Терра-Terra. مؤرشف من الأصل في 19 أبريل 2019.
- "Rusia en España". Buenos Aires: Library of Congress. c. 1939. صفحة 31. مؤرشف من الأصل في 16 ديسمبر 201923 فبراير 2014.
- Krivitsky, Walter G. (2004). Kern, Gary (المحرر). MI5 Debriefing & Other Documents on Soviet Intelligence. Xenos Books. .