وزارة الشؤون الخارجية (بالفرنسية: ministère des Affaires étrangères) هي الوزارة المسئولة عن علاقات فرنسا الخارجية، يقع مقر الوزارة في منقطة كاي دورسي في باريس بالقرب من الجمعية الوطنية الفرنسية.[1][2][3] تعرف وزارة الشؤون الخارجية في فرنسا أيضاً باسم "الكي دورسيه" نظراً لموقعها الجغرافي، وهي المقر الرسمي للدبلوماسية الفرنسية.
الوزير الحالي هو السيد لوران فابيوس.
نظرة تاريخية
من اللوفر إلى "الكي دورسيه"
كان لفرنسا دبلوماسييها قبل أن يكون لها وزير للخارجية، وكان لها وزير للخارجية قبل أن يكون لها وزارة للشؤون الخارجية.
لطالما كان لملوك فرنسا سياسة خارجية ولكنهم كانوا يقودونها بشكل منفرد ومباشر مع نظرائهم. كما كان لهم مستشارين دبلوماسيين وبعثات دبلوماسية مؤقتة ثم دائمة، ولكن دون أن يشكل ذلك وزارة. فقد كان يساعد الملك "كتبة ملكيين"، ثم أصبح يطلق عليهم اسم "سكرتير دولة" منذ القرن 15.
في الأول من كانون الثاني 1589 تولى لويس دو ريفول شؤون الوزارة للمرة الأولى، ومنذ ذلك الحين، أصبح وزير الخارجية مقرباً جداً من رأس الدولة. وحين تركزت السلطات في القرن 18 في "مجلس ملكي ضيق"، يحمل أعضاؤه لقب وزراء دولة، كان وزير الخارجية دائماً جزءاً من هذا المجلس.
عرفت مهنة الدبلوماسية تطوراً كبيراً بمرور السنين، وإذا كانت ممارستها حكراً على رجال الدين في البداية انعكاساً لمكانة الشؤون الكنسية آنذاك، إلا أنها خلعت عنها هذا الطابع تدريجياً، وأصبح يمارسها سفراء من النبلاء والقضاة المتخصصين بالشؤون الخارجية، إلى أن قرر نابوليون اختيار الدبلوماسيين من ضمن المراقبين التابعين لمجلس الدولة. وتولى بعدها تاليران تنظيم المهنة الدبلوماسية حيث حافظ على مبدأ الفصل بين الخدمة داخل البلاد وخارجها. هذا وأعطى الإصلاح هيكلية واضحة المعالم للوزارة بدا فيها واضحاً التردد بين معيار التقسيم الجغرافي أو الوظيفي لدوائرها. ومنذ العام 1853 أصبح "الكي دورسيه" مقراً للوزارة.
"الكي دورسيه"
يقع مقر وزارة الخارجية الفرنسية على الرقم 37 من الرصيف الذي يحمل اسم أحد رؤساء المجلس البلدي لباريس خلال القرن 18. بدأ العمل فيه في العام 1844 وانتهى في العام 1855، وهو عبارة عن مجموعة هندسية منسجمة تمثل الفن المعماري الذي تميزت به الامبرطورية الفرنسية الثانية.
وضع حجر الأساس لقصر أورسيه في العام 1845 وعهد بأعمال الديكور الخارجية لمجموعة من النحاتين الذين شاركوا في بناء وترميم كنائس وقصور عدة (كنيسة نوتردام باريس وكنيسة القديس بولس وقصري بلوا وسان كلو...).
بعد أن انتهى البناء في 1853، تم استقدام عدد من أبرز مصممي فرنسا آنذاك للاهتمام بأعمال التزيين الداخلي التي اريد لها أن تخرج إلى الوجود مبنى معداً لاستقبال ملوك ودبلوماسيين أجانب بكل الأبهة والفخامة التي تليق بهم.
وحيث أن مقر الوزارة لم يتغير منذ منتصف القرن 18، أصبحت عبارة "الكي دورسيه" تشير تجاوزأً إلى وزارة الخارجية الفرنسية.
وزراء الشؤون الخارجية منذ 1589 (مجموعة صور)
مهامها
يقع على عاتق الوزارة، أولاً، مهمة إعلام رئيسي الجمهورية والحكومة عن التطورات الدولية والأوضاع في الدول الأجنبية. تتولى سفارات فرنسا وقنصلياتها في الخارج، هذه المهمة، عبر جمع مختلف المعلومات، ذات الطبيعة السياسية والاقتصادية والثقافية وحول سبل التعاون، من مصادر عدة، وإرسالها إلى باريس.
تتولى الوزارة وضع تصور حول سياسة فرنسا الخارجية، وتقرير التوجهات الكبرى للسياسة الدولية لفرنسا، انطلاقاً من المعلومات التي يتم جمعها من قبل السفارات والقنصليات الفرنسية في الخارج.
تتولى الوزارة أيضاً مباشرة وتنسيق علاقات فرنسا الدولية. فالوزارة، عبر سفرائها الذين يمثلون رئيس الجمهورية لدى الدول الأخرى والمنظمات الدولية، تمثل فرنسا لدى الحكومات الأجنبية. وعليه يقوم هؤلاء بالتفاوض باسم فرنسا وبتوقيع الاتفاقات والقيام بكافة التحركات باسمها. كما تقوم الوزارة بالتنسيق بين باقي وزارات الدولة إزاء الخارج (بهذه الصفة يمثل السفير الحكومة وبالتالي كل الوزراء الذين يشكلونها).
تقوم الوزارة برعاية المصالح الفرنسية في الخارج وبمساعدة المواطنين الفرنسيين خارج أراضي الدولة الفرنسية، ويتولى القناصل الفرنسيون والمراكز القنصلية هذه المهمة بشكل أساسي.
تنظيمها
تتألف وزارة الشؤون الخارجية من عدد من المديريات والدوائر.
النشاط الخارجي
شركاء الوزارة
سياسة فرنسا الخارجية
يصعب على قوة دولية متوسطة أن تمارس وحدها تأثيراً فاعلاً على مجتمع دولي آخذ بالتعقيد يوماًَ بعد يوم. ولهذا أصبح العمل ضمن إطار الاتحاد الأوروبي مبدأ مطلقاً للسياسة الخارجية لفرنسا ولاسيما في مسائل حفظ السلم واحترام القواعد القانونية الني تحكم التعاون الدولي المتعدد الأطراف. وقد عمدت فرنسا خلال رئاستها للاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من العام 2008 لإرساء أسس جديدة لدبلوماسية أوروبية أكثر تضامناً وأكثر استقلالية.
في الوقت نفسه، تؤكد فرنسا موقعها من خلال عدد من المبادرات الخاصة حيث تدعم تقنياً ومالياً عدداً من المشاريع والشراكات التنموية في عدد من الدول الأكثر فقراً في جنوب الصحراء الكبرى.
كذلك يتم تشجيع التبادل الثقافي ومشاريع التعاون العلمي والجامعي حيث يتم استقبال حوالي 220 ألف طالب ومساعدتهم خلال إقامتهم في فرنسا. كما تم تحديث وسائل العمل الثقافية في الخارج عبر إنشاء مؤسسة "كولتور فرانس" CulturesFrance ومحطة France24، وهما مثالين حديثين عن وسائل السياسة الثقافية لفرنسا التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من سياستها الخارجية.
أوروبا : "الأولوية المطلقة"
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبغض النظر عن طبيعة الأغلبية السياسية الحاكمة في فرنسا، أصبحت أوروبا تشكل المحور الأساسي للسياسة الخارجية الفرنسية. فقد تلا إعلان وزير خارجيتها روبرت شومان، المستوحى من جان مونيه، إنشاء جمعية الحديد والصلب مع كل من ألمانيا و إيطاليا ودول البينيلوكس. وكان الهدف المحرك وراء ذلك بناء "آليات تضامن فعلي" من أجل إعادة بناء أوروبا وتقوية المصالحة الفرنسية-الألمانية. وضمن الروحية نفسها، أطلقت معاهدة روما السياسات الأوروبية المشتركة ومن ضمنها السياسة الزراعية المشتركة التي حرصت عليها فرنسا.
دفع سقوط جدار برلين وإعادة توحيد الألمانيتين فرنسا وألمانيا إلى اقتراح إنشاء "اتحاد أوروبي" على شركائهم، فكانت اتفاقية ماستريخت عام 1992، وولادة العملة الموحدة اليورو، التي يشارك فيها حتى اليوم 17 دولة تشكل منطقة اليورو. إلا أن معاهدة ماستريخت نصت أيضاً على تعاون في مجال السياسة الخارجية بين دول الاتحاد الأوروبي، يكون ركيزة لوحدة سياسية تدعمها فرنسا وتدعو لها. وهكذا تم تطوير سياسة خارجية مشتركة للأمن والدفاع بشكل تدريجي من خلال مجموعة من الأنشطة المشتركة في عدد من القضايا الدولية الأساسية كالقيام بعدد من عمليات السلام حفظ السلام الأوروبية وبلورة "استراتيجية أوروبية للأمن"، تشهد على وجود رؤية موحدة للمخاطر وسبل الرد عليها.
نحا التوسيع الأخير للاتحاد الأوروبي باتجاه إعادة توحيد القارة الأوروبية، إلا أن المهمة تبقى غير منجزة. فلا تزال الأوضاع في عدد من دول يوغسلافيا السابقة غير مستقرة ما يبرر متابعة أعمال المحكمة الخاصة بيوغسلافيا السابقة، فضلاً عن وجود قوي للاتحاد الأوروبي على الأرض في عدد من هذه الدول من أجل تهيئة انضمامها إليه.
ومن أجل مواءمة آليات عمل الاتحاد الأوروبي مع مقتضيات التوسيع، حصلت كل من فرنسا وألمانيا في حزيران 2007 على موافقة شركائهما على معاهدة جديدة تعدل المعاهدات السابقة وقد تم إبرامها في 2008. أنشأت المعاهدة الجديدة رئاسة دائمة للمجلس الأوروبي ومنصب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة والأمنية. ونصت على اعتماد التصويت بالأغلبية الموصوفة مع زيادة صلاحيات البرلمان الأوروبي، كما نصت أخيراً على توثيق الروابط بين الاتحاد والبرلمانات الوطنية.
إلى جانب العلاقات بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي، تبقى مسألة مستقبل المشروع الأوروبي التي تطرح نفسها بين عامي 2020-2030، إذ تتمنى فرنسا أن يتم إطلاق تفكير معمق حول الاتحاد ومكانته في العالم وهي ترى أنه يتوجب عليه أن يجيب بأفضل طريقة ممكنة على انشغالات مواطنيه ولاسيما في مجالات الهجرة والبيئة والأمن، وعلى هذه الأمور تحديداً، انصب اهتمام الرئاسة الفرنسية خلال النصف الثاني من العام 2008.
حماية حقوق الإنسان
تشكل حماية حقوق الإنسان والترويج لها ونشر الديموقراطية مكوناً أساسياً من مكونات السياسة الخارجية لفرنسا. فرينيه كاسان، القانوني الفرنسي الحائز على جائزة نوبل للسلام، هو أحد أبرز المفاوضين الذين عملوا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
واليوم تلعب فرنسا دوراً فاعلاً في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف, وهي تدعم، بمؤازرة شركائها الأوروبيين، إصدار قرارات في المناطق أو الدول التي تتعرض فيها حقوق الإنسان إلى انتهاكات جسيمة أو متكررة إضافة إلى قرارات في مواضيع محددة كالفقر المدقع والأطفال الجنود أو الاختفاءات القسرية. كذلك، هي تنشط في الدعوة لإبرام الاتفاقات الحامية لحقوق الإنسان على صعيد عالمي، كتلك التي أنشأت في العام 2002 المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية.كما أنها تعمل على مكافحة الإفلات من العقاب عبر دعم أعمال المحكمة التي تحاكم الخمير الحمر في كمبوديا مثلاً.
أما في إطار الاتحاد الأوروبي، فتتمنى فرنسا أن تعطي لشرعة الحقوق الأساسية بعداً قانونياً ملزماً. أما في المنظمة الأوروبية للأمن والتعاون (OSCE) المنشأة بموجب إعلان هلسنكي لعام 1975، فهي تحرص أيضاً على الاحترام الكامل من قبل أعضائها، ولاسيما الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي سابقاً، لالتزاماتها في مجالي الحريات الأساسية والمؤسسات الديموقراطية، عبر المشاركة مثلاً في بعثات لمراقبة الانتخابات في هذه الدول.
يضاف إلى ذلك ما تقوم به فرنسا على صعيد تقوية تشريعها في مجال حقوق الإنسان كإصدار قانون 2004 ضد العنصرية ومعاداة السامية، وإنشاء السلطة العليا للمساواة ومكافحة التمييز والتي يمكن أن يلجأ إليها ضحايا التمييز مباشرة منذ العام 2005.
مواجهة التحديات العالمية الجديدة
وذلك في مجالي حفظ السلام والاستجابة للتحديات العالمية
- حفظ السلام: منظمة الأمم المتحدة هي المنظمة العالمية الوحيدة ذات الصلاحية الشاملة في هذا المجال وعلى مجلس الأمن النهوض بمسؤولياته كاملة بما خص السلام والأمن. فقد أثبتت التجارب أن اللجوء الأحادي الجانب لاستخدام القوة، كما في أزمة العراق، يؤدي إلى الفشل. كما أن فرنسا تحبذ توسيع مجلس الأمن وانضمام أعضاء دائمين جدد إليه كألمانيا واليابان والهند والبرازيل إضافة إلى تمثيل عادل للقارة الإفريقية. وفرنسا تدعم أنشطة الأمم المتحدة في مجال حفظ السلام في هذه القارة التي عرفت نزاعات دامية طويلاً ولاسيما في منطقة البحيرات الكبرى وسييراليون وليبيريا وساحل العاج والقرن الإفريقي, كما أنها تلعب دوراً خاصاً في بناء القدرات الإفريقية عبر برنامج (RECAMP).
أما في الشرق الأوسط، ففرنسا، الصديقة لكل من إسرائيل والفلسطينيين، تدعو للاعتراف بدولتين تعيشان جنباً إلى جنب. أما في لبنان، فهي تدعم المصالحة الوطنية وتساهم بشكل كبير في قوة الأمم المتحدة العاملة هناك. وفي أفغانستان، تشارك في قوة حلف شمالي الأطلسي العاملة تحت رعاية الأمم المتحدة، إلا أنها وإن كانت من أولى الدول المساهمة في هذا الحلف، فإنها تتطلع إلى دور أكبر للاتحاد الأوروبي في حل النزاعات وهي تحبذ تقدم أوروبا في مجال الدفاع وتجديد الحلف الأطلسي وهما أمران متكاملان.
- الاستجابة للتحديات العالمية: يجب تعزيز التعاون الدولي بمواجهة التهديدات الإرهابية التي لا تعرف حدوداً. ولذلك، بعد أحداث 11أيلول 2001، وأثناء تولي فرنسا رئاسة مجلس الأمن، تم تبني القرار 1373 الذي يفرض على الدول اتخاذ إجراءات محددة ضد مرتكبي الأعمال الإرهابية، آمريهم وشركائهم. كما دعمت فرنسا تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية دولية حول تمويل الإرهاب، في حين تم تبني اتفاقية أخرى ضد الإرهاب النووي عام 2005. وهي تعمل في الاتجاه نفسه ضمن الاتحاد الأوروبي ومجموعة الثماني. وإزاء مخاطر انتشار أسلحة الدمار الشامل، كالمثال الإيراني، تحبذ فرنسا أيضاً تعزيز التعاون الدولي ولاسيما في مجال فرض عقوبات إضافية (الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية).
ساهمت فرنسا بشكل فاعل ضمن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية، باعتماد أدوات لمراقبة تهريب الأسلحة ولاسيما الخفيفة منها، التي لها آثار مميتة في النزاعات في أفريقيا. كما أنها تعمل من أجل تقوية التعاون الدولي في مجالي تهريب المخدرات والجريمة المنظمة.
وأخيراً، في مجال التغير المناخي وتلوث المياه وحماية الملكيات العالمية المشتركة، تجهد فرنسا لإنشاء منظمة عالمية للبيئة ولتعميم بروتوكول كيوتو لتخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. كما اتخذت مبادرات خلاقة لتمويل برامج مكافحة الأوبئة والأمراض كالسيدا مثلاً.
روابط خارجية
مراجع
- Les métiers», sur diplomatie.gouv.fr نسخة محفوظة 07 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
- Décret du 31 juillet 2015 portant nomination d'un ambassadeur à la gestion des crises à l'étranger
- Décret du 22 mars 2012 portant nomination de l'inspecteur général des affaires étrangères