الوقف هو مصطلح إسلامي، لغويا يعني الحبس أو المنع، واصطلاحاً هو "حبس العين عن تمليكها لأحد من العباد والتصدق بالمنفعة على مصرف مباح".[1][2][3] ويشمل الوقف الأصول الثابتة كالعقارات والمزارع وغيرها، ويشمل الأصول المنقولة التي تبقى عينها بعد الاستفادة منها كالآلات الصناعية والأسلحة أما التي تذهب عينها بالاستفادة منها فتعتبر صدقة كالنقود والطعام وغيرها. ويختلف الوقف عن الصدقة في أن الصدقة ينتهي عطاؤها بانفاقها، أما الوقف فيستمر العين المحبوس في الانفاق في أوجه الخير حتى بعد الوفاة.
مشروعيته
الوقف الخيري مشروع ومستحب ومن الدلائل على ذلك:
- قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، ولما سمعها أبو طلحة بادر إلى وقف أحب أمواله إليه وهو بستان كبير كثير النخل اسمه (بيرحاء)أخرجه البخاري.
- ما روي عن عمرو بن الحارث بن المطلق أنه قال: " ما ترك رسول الله إلاّ بغلته البيضاء وسلاحه، وأرضاً تركها صدقة ". رواه البخاري.
- قول المصطفى: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، والصدقة الجارية محمولة على الوقف عند العلماء.
- وقف النبي لسبع حوائط(بساتين) بالمدينة كانت لرجل يهودي.
- ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: " أصاب عمر بخيبر أرضاً فأتى النبي فقال: أصبت أرضاً لم أصب مالاً قط أنفس منه فكيف تأمرني به، قال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه ".
تعريف الوقف
ونظام «الوقف» هونور الصيغة التاريخية التي ابتكرها المسلمون للتقرب إلى الله من خلال المشاركة في بناء مجتمعاتهم وإعمار الأرض، وقد اقتبسها الغربيون ونقلوها عن الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر...أطلق عليها الغربيون لاحقا اسم"منظمات المجتمع المدني" والتي -ومن المفارقة - استوردنا مصطلحها منهم في القرن العشرين بعد أن همشنا دور الأوقاف ومحوناه من عندنا. من المسلم به أن نظام الوقف الإسلامي ظل يمثل على مدى ثلاثة عشر قرناً صورة من أروع صور التعاون الإنساني وينبوعاً فياضاً من ينابيع الخير حتى آلت حال الأوقاف في العصور الأخيرة من عصور الدولة العثمانية إلى التدهور والجمود والإهمال، وتعرضت ممتلكاتها بسبب ذلك، إلى الانهيار والخراب، فقلت عائداتها وتضاءلت منافعهاورغم محاولات الإصلاح إلا انها لم تؤت الثمار المرجوة خصوصا بعد دخول البلاد الإسلامية مرحلة الاستعمار الأوروبى وخصوصا الفرنسي الذي أدرك أن أهم المؤسسات التي تدعم الطبقـــة المتعلمة الواعية في وقوفها في وجه سياسة الاستعمار وخططه هي المؤسسات التي تعتمد على الوقف كالمساجد والمدارس والزوايا والأربطة. لهذا عمد المستعمر إلى التدخل المباشر في شؤون الوقف ومؤسساته، تحت ستار إصلاح إدارتها وتحديث أنظمتها، وكان هدفه الحقيقي هو الحد من الدور الإيجابي للوقف ومؤسساته، خاصة في تنشيط الوعي الوطني ودفع حركة مقاومة المستعمر. وبانتهاء عهد الاستعمار، دخلت البلاد الإسلامية عهداً جديداً من التطور السياسي والاجتماعي تمثل في نشوء نظام الدولة الوطنية الحديثة على النمط الغربي.وكانت تركيا أول دولة إسلامية تقوم بإلغاء النظام القديم للأوقاف ووضع ممتلكاته تحت الإدارة الحكومية الرسمية، وذلك عقب تعطيل نظام الخلافة الإسلامية مباشرة، أي في العشرينيات من هذا القرن. وقد صدرت قوانين إلغاء الوقف الأهلي(الذري) في عدد من الأقطار الإسلامية الأخرى، ففي لبنان صدرت سنة 1947، وفي سوريا 1947م، ومصر 1952م، وفي العراق 1954م، وفي المغرب 1977م. فانحصر دوره، أو كاد، في رعاية المساجد وصيانتها، وفي بعض الأنشطة الدينية والثقافية. كما كانت سبباً في انقطاع الوقف بنوعيه الأهلي والخيري، وفي صمت العلماء والمفكرين عن الحديث عنه، والبحث في أبعاده وقضاياه.
جاء في نهاية المحتاج قول ابن شهاب الرملي: "الوقف شرعاً: حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه _أصله_ بقطع التصرف في رقبته، على مصرف مباح وممنوع"[4]، وقد تختلف الأوقاف بحسب الديانات والمذاهب حيث يفرد لكل مذهب أو دين ديوان للوقف الذي يحكم بحسب الأحكام الفقهية لهذا المذهب أو الدين كما هو الحال في العراق، حيث يعرف الوقف بأنه: (تحبيس الأصل وإطلاق منفعته وفق شروط وأحكام المذاهب الإسلامية والأديان السماوية)[5]
مشروعية الوقف
تستند مشروعية الوقف إلى الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فيدل على مشروعيته بعموم قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}. وقد بادر بعض الصحابة إلى التصدق بأحب أمواله إليه، عند نزول هذه الآية. روى البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، عن أنس بن مالك قال: "كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة نخلاً، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله ﷺ ، يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما أنزلت>لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون<قام أبو طلحة وقال: يارسول الله: إن الله يقول:>لن تنالوا البر...الآية، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يارسول الله حيث أراك الله<، فقال ﷺ : إجعلها (أي ريعها) في قرابتك.
أ)مارواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له". ويفصل معنى الصدقة الجارية ماورد في سنن ابن ماجه يقول النبي ﷺ : "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً نشره أوولدًا صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته".
ب) وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قدم النبي ﷺ ، المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: "من يشتري بئر رومة، فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة"، قال عثمان:"فاشتريتها من صلب مالي<، ومعنى الحديث أن عثمان اشترى البئر وجعلها وقفاً على المسلمين.
ج) روى أبو هريرة، رضي الله عنه أن خالد بن الوليد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله.
د) مارواه البيهقي من أن عدداً من الصحابة تصدقوا بدورهم ومساكنهم، وجعلوها وقفاً في سبيل الله أو على ذريتهم. ويكون الوقف باطلا غير مشروع إذا قصد به الواقف مضارة ورثته، كمن يقف على ذكور أولاده دون إناثهم، لأن ذلك مما لم يأذن به الله سبحانه، بل إنه تعالى نهى عن الضرر والضرار، قال رسول الله ﷺ : "لاضر ولاضرار".
أول وقف في الإسلام
كان أول وقف في الإسلام هو مسجد قباء الذي أسسه النبي ﷺ حين قدومه إلى المدينة مهاجراً. ثم المسجد النبوي الذي بناه ﷺ بالمدينة بعد أن استقر به المقام.
وأول وقف خيري عرف في الإسلام هو وقف سبع بساتين بالمدينة، كانت لرجل يهودي اسمه مخيريق، أوصى بها إلى النبي ﷺ حين عزم على القتال مع المسلمين في غزوة أحد، قال في وصيته: "إن أصبت ـ أي قتلت، فأموالي لمحمد ـ يضعها حيث أراه الله، فقتل، وحاز النبي ﷺ تلك البساتين السبعة، فتصدق بها، أي حبسها. ومضى الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ على ما سنه النبي ﷺ ، وعملوا بما حث عليه من الإكثار من الصدقة والإنفاق مما يحبون، وسجلوا أروع الأمثلة في التطوع بأحب أموالهم إليهم.
من تلك الأمثلة وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل هو ثاني وقف في الإسلام، ففي الحديث أنه أصاب أرضاً بخيبر، فجاء إلى النبي ﷺ وقال: يا رسول الله: أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس منه، فبم تأمرني؟ فقال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها". فتصدق بها عمر على ألا تباع ولا توهب ولا تورث، وتكون (أي منافعها وثمارها) في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل، ولاجناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول. ثم تتابعت الأوقاف بعد ذلك في أوجه البر والخير.
وفي العصر الأموي حدث تطور كبير في إدارة الأوقاف، فبعد أن كان الواقفون يقومون بأنفسهم على أوقافهم ويشرفون على رعايتها وإدارتها، قامت الدولة الأموية بإنشاء هيئات خاصة للإشراف عليها، وأحدث ديوان مستقل لتسجيلها.
وفي عهد العباسيين أصبحت للأوقاف إدارة خاصة مستقلة عن القضاء، يقوم عليها رئيس يسمى "صدر الوقوف" وواكب هذا التطور الإداري جهد علمي مفيد، لضبط أحكام الوقف وطرق التصرف فيه ولحماية أملاكه من الضياع، فخصه الفقهاء بمؤلفات خاصة، وأفردوا له فصولا واسعة في مدونات الفقــه الكبرى. وهذا التطور والتوسع في العناية بالأوقاف أدى إلى قيام الوقف بدور كبير في التنمية الاجتماعية على مر التاريخ الإسلامي.
أركان الوقف
للوقف أربعة أركان رئيسة، لابد من توافرها في كل وقف، وهي كالتالي:
- "موقوف
- موقوف عليه
- صيغة وقف
- واقف" [6]
أنواعه
ينقسم الوقف إلى نوعين ويشتق الثالث منهما وهم كالتالي:
1- الوقف الأهلي (الذري):ما جعلت فيه المنفعة لأفراد معينين أو لذريتهم سواء من الأقرباء أو من الذرية أو غيرهم.
2- الوقف الخيري: ما جعلت فيه المنفعة لجهة بر أو أكثر وكل ما يكون الإنفاق عليه قربة لله تعالى.
3- الوقف المشترك: ما يجمع بين الوقف الأهلي والخيري.
أهدافه
تتعدد أهداف الوقف وهي كالتالي:
1- امتثال أوامر الله عز وجل بالبذل والإنفاق.
2- تحقيق مبدأ التكافل بين أفراد الأمة والتوازن الاجتماعي حتى تسود المحبة والأخوة ويعم الاستقرار.
3- ضمان بقاء المال ودوام المنفعة به واستمرار العائد من الأوقاف المحبوسة.
4- تحقيق أهداف تنمية المجتمع في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية وغيرها.
5- صلة الرحم وضمان مستقبل ذوي القربى وذوي الحاجة ألا يكونوا عالة يتكففون الناس.
شروطه
للوقف شروط معتبرة لصحته وهي كما فصلها الرحيباني الحنبلي:
1- كون الوقف من مالك جائز التصرف وهو المكلف الرشيد؛ فلا يصح من صغير أو سفيه أو مجنون.
2- كون الموقوف عينا؛ فلا يصح وقف ما في الذمة
3- كون الوقف على بر وهو اسم جامع للخير.
4- كون الواقف على معين من جهة كمسجد كذا، أوشخص ما، غير نفسه.
5- من شروط الوقف كذلك أن يقف ناجزاً غير معلق ولا موقت ولا مشروط بنحو خيار.
6- أن لا يشترط الواقف في الوقف أي شرط ينافيه من الشروط الفاسدة كشرط نحو بيعه أو هبته متى شاء، أو شرط خيار فيه.
مجالات الوقف
للوقف مجالت كثيرة ومتعددة منها:
- الوقف بإنشاء المساجد ورعايتها والقيام بشؤونها وتزويدها بالمصاحف.
- الوقف على الجهاد في سبيل الله.
- الوقف على توزيع الكسوة للفقراء والأرامل والمحتاجين.
- الوقف على المكتبات العامة كإنشائها وإيقاف الكتب الشرعية بها.
- إنشاء المدارس العلمية التي تكفل مجانية التعليم لأبناء المسلمين.
- حفر الآبار وإجراء الماء.
- الأوقاف على الدعاة والوعاظ.
- الوقف على نشر دعوة التوحيد وتبليغ الإسلام؛ وذلك بطبع الكتب والأشرطة وتوزيعها.
- إقامة مراكز للمهتدين الجدد.
- بناء مراكز الأيتام ورعايتهم والعناية بهم.
- الوقف على تطوير البحوث المفيدة والنافعة.
- الوقف على جماعات تحفيظ القرآن الكريم التي نفع الله بها أبناء المسلمين.
- الوقف على مدارس تحفيظ القرآن النسائية.
- الأوقاف على الدعوة على شبكة المعلومات (الإنترنت).
تطور الوقف على مر العصور الإسلامية
الوقف في العصر الأول (عهد الصحابة)
كانت أوائل الوقفيات في عهد الرسول وصحابته وكانت تشمل المساجد والمزارع وغيرها.
الوقف في العصر الأموي
كثرت الأوقاف نظراً لاتساع الفتوحات الإسلامية التي بلغت مشارف الصين شرقاً، وحدود فرنسا غرباً وأنشئت إدارة خاصة للإشراف على الأوقاف، وخضعت إدارة الأوقاف لإشراف السلطة القضائية مباشرة، وكانت مستقلة عن السلطة التنفيذية.
الوقف في العصر العباسي
ازداد التوسع في إنشاء الأوقاف، وكان يتولى ديوانها من يطلق عليه(صدر الوقف)، وشملت مصارف ريع الوقف الأوقاف الحضارية المدنية كالمستشفيات والمكتبات ودور الترجمة ومعاهد التعليم وغيرها..
الوقف في عصر المماليك
اتسعت الأوقاف في عهد المماليك وكثرت كثرة ملحوظة واتسع نطاقها وأنشئت ثلاثة دواوين للإدارة والإشراف على الاوقاف هي: 1.ديوان لأحباس المساجد. 2.ديوان لأحباس الحرمين الشريفين وجهات البر المختلفة. 3.ديوان للأوقاف الأهلية.
الوقف في العصر العثماني
اعتنى سلاطين العثمانيين بالأوقاف بدرجة ملحوظة وخاصة عند نساء بني عثمان، وتوسعت مصارف ريع الوقف لتشمل كليات الطب والخدمات الطبية لمستشفيات قائمة، مواكبة للتطور والتقدم العلمي في العصور الحديثة.
الوقف في العصر الحاضر
قامت كثير من الدول الإسلامية في العصر الحاضر اهتماماً بالأوقاف في مجالات شتى، كما أنشأت كثير منها وزارات خاصة بالأوقاف أو إدارات خاصة تعنى بشئونها وأمورها. انظر
أنواع الوقف
للوقف أبعاد دينية واجتماعية واقتصادية وثقافية وإنسانية غطت أنشطتها سائر أوجه الحياة الاجتماعية وامتدت لتشمل المساجد والمرافق التابعة لها والدعوة والجهاد في سبيل الله، والمدارس ودور العلم والمكتبات، والمؤسسات الخيرية، وكفالة الضعفاء والفقراء والمساكين والأرامل، والمؤسسات الصحية.
ويستند شرعيته لأحاديث نبويه كثيرة منها: مارواه أبو هريرة، رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"
كذلك قول النبي ﷺ : "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته:علماً نشره أوولدًا صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته".
1.بنـــاء المســـــــاجد
أهم الوظائف التي يشتمل عليها المسجد: الإمامة - الأذان -الصيانة -النظافة -التربية والتعليم -الخطابة -الوعظ والإرشاد -قراءة القرآن -تعليم أبناء المسلمين،
ومن المرافق الهامة التي ترتبط بالمسجد: محلات الطهارة والوضوء، وتحتاج بدورها إلى دعم متصل لتزويدها بالماء الطاهر وتنظيفها وإصلاحها، وهناك مرافق أخرى: كالإنارة والتدفئة أو التبريد وكل هذه الوظائف دامت واتصلت بفصل الوقف. كان أول وقف في الإسلام هو بناء حين قدومه إلى المدينة مهاجراً. ثم بالمدينة بعد أن استقر به المقام.
2.الوقف والجهاد في سبيل الله
يؤكد مشروعيته هنا ماروى أن خالد بن الوليد حبس دروعه وأكراعه في سبيل الله. ويغطى الوقف هنا:
- تأهيل المجاهدين.
- إعداد العدة اللازمة من سلاح وطعام.
- صناعة الأسلحة.
- فك أسرى المسلمين من أيدي الأعداءوقد سجل تاريخ الإسلام أوقافاً كانت مخصصة لهذا الغرض، ولعل أشهرها وقف صلاح الدين الأيوبي الذي كان ببلده بلبيس.
وبفضل ما تدره الأوقاف من أموال سخية في هذا المجال، قاومت الأمة الإسلامية أعداءها على مر العصور، وصدت جيوش الاستعمار في العصر الحديث، ولم ينجح المستعمر في اختراق حدودها إلا بعد أن ضعفت مؤسسة الوقف وتقلص دورها في حياة المسلمين.
3.الوقف والمواسم الدينية
تعتبر المواسم والأعياد الإسلامية شعائر تعبدية، فضّلها الله تعالى على غيرها وأمر بإحيائها من هذه المواسم: شهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى ويوم عاشوراء.وحرصاً على إقامة هذه الشعائر، أقام المسلمون أوقافاً خاصة بها، وشرطوا أن تخصص لإحيائها، وأن يصرف ريعها على المحتاجين للتفريج عنهم وإدخال السرور على أنفسهم.
هناك وثائق نصت على أن يصرف من ريع الوقف كل سنة:
- في يوم عاشوراء في شكل إعانات ومواد غذائية، توزع على طلبة العلم والأيتام والفقراء والمساكين.
- في كل يوم من أيام رمضان على الفقراء والمساكين وطلاب العلم..ومولت الأوقاف موائد الإفطار والسحور للصائمين من الفقراء والغرباء، ووضعت بذلك الأساس لِسُنَّةٍ حسنة لا تزال حية في بعض البلاد الإسلامية تحت شعار"موائد الرحمان" ((كما هو معروف في مصر مثلاً.))
- في عيد الأضحى الأغنام تذبح وتوزع لحومها.
هناك أوقاف أخرى يتجلى فيها هذا البعد الديني كتلك التي كانت مخصصة للحرمين الشريفين، والزوايا، وأهل التصوف ونسخ المصاحف وقراءة القرآن، ولايتسع المجال هنا للحديث عنها.
ومن منافع ذلك النوع من أنواع الأوقاف انها تدخل السرور على قلب المرءالمحتاج حسب قول النَّبيّ ﷺ أنه قال: إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم: إشباع جوعته وتنفيس كربته.
4.الوقف على المدارس
عرف تاريخ الإسلام إيقاف أموال المسلمين على التعليم وبناء المدارس. ولدينا العديد من الأمثلة على عظمة ورقى المسلمين في هذا الصدد. من امثلة ذلك ما روى في كتب التاريخ حول:
كل واحدة منها في قصر وبناية كبيرة.... أشهرها وأكبرها "المدرسة النظامية". ولهذه المدارس أوقاف وعقارات للإنفاق عليها وعلى العلماء والدارسين فيها، وكان وقف "نظامية بغداد" خمسة عشر ألف دينار شهرياً، وتخرج منها أكابر العلماء.
- تحدث ابن جبير عما شاهده من هذه المدارس في القاهرة ودمشق وغيرها بأنه تأسست المدارس الموقوفة الخاصة بأبناء الفقراء والأيتام واللقطاء.
- ويعطي ابن خلدون أمثلة على ما كان في بغداد وقرطبة والكوفة والبصرة والقيروان وفاس من مراكز علمية، ويتحدث عما شاهده في القاهرة من التطور العلمي وازدهار المدارس.
- ويذكر التاريخ فضل صلاح الدين الأيوبي في إنشاء المدارس العلمية في جميع المدن التي كانت تحت سلطانه، في مصر ودمشق والموصل وبيت المقدس.
5.الوقف على المكتبات
انتشرت المكتبات التي أوقفها المسلمون في جميع بلاد المسلمين في بغداد ومصر والشام والأندلس والمغرب على مَرِّ التاريخ.
وهناك أمثله عديدة توضح المستوى الذي كانت عليه تلك المكتبات: (أ)حوت المكتبة التي أوقفها ابن مليس الوزير الفاطمي على: غرف عديدة للمطالعة، وقاعات خاصة للمحاضرات والمناظرات، وقاعة خاصة لتوجيه الباحثين والناشئين. وأعطيت من ريع وقفها مرتبات لطلبة العلم والعلماء والقائمين عليها. (ب)يقال أن المكتبة التي أوقفها بنو عَمَّار في طرابلس الشام، كانت آية في السعة والضخامة، وإنها اشتملت على مليون كتاب. (ج)يصف لنا ابن جبير عن المكتبات التي أوقفها المسلمون في مصر فيقول: "ومن مناقب هذا البلد (أي مصر)، ومفاخره أن الأماكن في هذه المكتبات قد خصصت لأهل العلم فيهم، فهم يفدون من أقطار نائية فيلقى كل واحد منهم مأوى يأوي إليه ومالاً يصلح به أحواله. وبلغ من عناية السلطان بهؤلاء الذين يفدون للاستفادة العلمية، أن أمر بتعيين حمامات يستحمون فيها، وخصص لهم مستشفى لعلاج من مرض منهم، وخصص لهم أطباء يزورونهم وهم في مجالسهم العلمية، وخصص لهم الخدم لقضاء حاجاتهم."
6.الوقف في المجال الصحي
بلغ من عناية المسلمين بالرعاية الصحية وتطوير خدماتها، أن خصصت أوقافا وقفت على رعاية المرضى جميعا دون تمييز بين فقير وغنى..
ويجب أن نشير إلى أن الخدمات الصحية التي تقدمها هذه المراكز الطبية، من علاج وعمليات وأدوية وطعام، كانت مجــــــــــانــــــــــــاً بفضل الأوقاف التي كان المسلمون يرصدونها لهذه الأغراض الإنسانية، إذ كانت الرعاية الصحية في سائر البلاد الإسلامية إلى وقت قريب من أعمال البــــر والخيــــــــــر، ولم تكن هناك وزارات للصحة العمومية كما في العصر الحاضر.
وكان للأوقاف أثر حميد في النهوض بعلوم الطب، لأن دور المستشفيات التي ينفق عليها من الأوقاف لم يقتصر على تقديم العلاج، وإنما تعدى ذلك ذلك إلى تدريس علم الطب، فكانت تخصص قاعات داخل المستشفيات الكبيرة للدروس والمحاضرات.
بعض الأمثلة لبيان مستوى تلك الخدمات الطبية: (أ)كان أول مستشفى كبير في تاريخ الحضارة الإسلامية هو "البيمارستان" الذي أمر ببنائه هارون الرشيد ببغداد. ثم توالت بناء المستشفيات حسب نظام الوقف حتى أصبح ببغداد وحدها في مطلع القرن الرابع الهجري خمسة مستشفيات. (ب)وصل الأمر إلى بنــــــــاء أحيــــــاء طبيــــة متكـــامـــــلــة: فقد تحدث ابن جبير في رحلته: أنه وجد ببغداد حياً كاملاً من أحيائها يشبه المدينة الصغيرة، كان يسمى بسوق المارستان، يتوسطه قصر فخم جميل وتحيط به الغياض والرياض والمقاصير والبيوت المتعددة، وكلها أوقاف وقفت على المرضى، وكان يؤمه الأطباء والصيادلة وطلبة الطب، إذ كانت النفقات جارية عليهم من الأموال الوقفية المنتشرة ببغداد. (ج)تحدثت كتب التاريخ عن المستشفيات التي أنشئت في مصر بفضل أموال الوقف: مثل:مستشفى أنشأه الفتح بن خافان ومستشفى أمير مصر أحمد بن طولون والمستشفى التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي. وتحدث المؤرخون والرحالة عن المستشفى التي أنشأه الملك قلاوون بمصر، وجعله وقفاً لعلاج مرضى المسلمين، قال عنه ابن بطوطة:>إنه يعجز الوصف عن محاسنه، وقد أعد فيه من الأدوية والمرافق الخدمية ما لايحصى<. (د)وكثرت المنشآت الصحية بمدن الأندلس حتى ان مدينة قرطبة وحدها كان بها خمسون مستشفى، أوقفها الخلفاء والأمراء والموسرون. وكذلك الحال في المغرب الأقصى حيث انتشرت المستشفيات في أهم المدن وتحدث عنها المؤرخون بإسهاب، ومن أهمها مستشفى سيدي فرج بفاس التي خصص جزءا منها لعلاج طير اللقلاق، وجزءا خصص للموسيقيين الذين يزورون المرضى مرة كل أسبوع للترفيه عنهم
7.الرعاية الاجتماعية
تعددت أنواع الوقف في هذا المجال عبر التاريخ الإسلامي فهناك:
- أوقاف للّقطاء واليتامى لإيوائهم ورعايتهم وختانهم.
- أوقاف مخصصة لرعاية المقعدين والعميان والشيوخ والعجزة، وأوقاف لإمدادهم بمن يقودهم ويخدمهم.
- وأوقاف لتزويج الشباب والفتيات ممن تضيق أيديهم وأيدي أوليائهم عن نفقاتهم، وفي بعض المدن دور خاصة حبست على الفقراء لإقامة أعراسهم.
- وأوقاف لإمداد الأمهات المرضعات بالحليب والسكر، ويذكر المؤرخون بإعجاب شديد أن من محاسن صلاح الدين الأيوبي أنه جعل في أحد أبواب القلعة بدمشق ميزاباً يسيل منه الحليب، وميزابا يسيل منه الماء المحلى بالسكر، تأتي إليهما الأمهات في كل أسبوع ليأخذن لأطفالهن ما يحتاجون إليه من الحليب والسكر.
- وأوقاف لإنشاء دور للضيافة والاستراحة (الخانات).
- وأوقاف لقضاء الديون عن المعسرين، وأوقاف للقرض الحسن، وأوقاف لتوفير البذور الزراعية، ولشق الأنهار وحفر الآبار.
- ومن أهم المنشآت الاجتماعية التي نشأت في المجتمعات الإسلامية، بفضل الاهتمام بالوقف، أسبلة المياه الصالحة للشرب(السقايات) وكان من تقاليد الوقف أن تلحق الأسبلة بالمساجد، وغالباً ما تكون وسط المدينة أو على طرق القوافل، لتكون في متناول الجميع. وشاع الوقف لهذا الوجه من البِرِّ في سائر أنحاء العالم الإسلامي، لعظيم فضلها وثوابها.
- وهناك أوقاف مشهورة في التاريخ لتزويد مكة المكرمة بالماء الطاهر الطيب، أشهرها وقف السيدة زبيدة زوج هارون الرشيد، وما زال يعرف بعين زبيدة.
مقالات ذات صلة
المراجع
- Deligöz, Halil (2014). "The legacy of vakıf institutions and the management of social policy in Turkey". Administrative Culture. مؤرشف من الأصل في 29 يوليو 201215 سبتمبر 2015.
- Mahru, Ainud Din (1965). Insha-i Mahru, Lahore, 1965. Lahore: Shaikh Abdur Rashid (ed.). صفحات 37–39.
- al Wakf Council, Indiaنسخة محفوظة 22 June 2011 على موقع واي باك مشين.
- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه على مذهب الإمام الشافعي، لابن شهاب الرملي، دار الفكر، ج 5، ص 358
- المستشار القانوني رامي احمد الغالبي. الإنصاف في بيان أحكام الأوقاف (المحرر). بغداد- كلية العلوم الاسلامية. مجلة كلية العلوم الإسلامية-جامعة بغداد- العدد(50).
- اقتصاديات الوقف، تأليف د. عطية عبدالحليم صقر، طبعة عام 199، ص16