قصة القصيدة
" |
ذكروا في سبب نظمها أن فتاة من بنات أمير من أمراء نجد بارعة الجمال أسمها دعد، كانت شاعرة بليغة، وفيها أنفة. فخطبها إلى أبيها جماعة كبيرة من كبار الأمراء وهي تأبى الزواج إلا برجل أشعر منها، فاستحث الشعراء قرائحہم ونظموا القصائد فلم یعجبها شيء مما نظموه. وشاع خبرها في أنحاء جزيرة العرب وتحدثوا بها. وکان في تهامة شاعر بلیغ حدثته نفسه أن ينظم قصيدة في سبيل تلك الشاعرة. فنظم تلك القصيدة...وركب ناقته وشخص إلى نجد، فالتقى في طريقه بشاعر شاخص إليها لنفس السبب وقد نظم قصيدة في دعد. فلما اجتمعا باح التهامي لصاحبه بغرضه، وقرأ له قصيدته. فرأى أن قصيدة التهامي أعلى طبقة من قصيدته، وأنه إذا جاء بها إلى دعد أجابته إلى خطبتها. فوسوس له الشيطان أن يقتل صاحبه وينتحل قصيدته فقتله. وحمل القصيدة حتى أتى نجد (كذا)، ونزل على ذلك الأمير، وأخبره بما حمله على المجيء. فدعا الأمير ابنته فجلست بحيث تسمع وترى. وأخذ الشاعر ينشد القصيدة بصوت عال على جاري عادتهم. فأدركت دعد من لهجته أنه ليس تهامياً، ولكنها سمعت في أثناء إنشاده أبياتاً تدل على أن ناظمها من تهامة. فعلمت بنباهتها وفراستها أن الرجل قتل صاحب القصيدة وانتحل قصيدته. فصاحت بأبيها "اقتلوا هذا، إنه قاتل بعلي". فقبضوا عليه، واستنطقوه فاعترف...[1] |
" |
صاحب القصيدة
اختلف الأدباء في نسبة هذه القصيدة إلى قائلها، ورأى الدكتور صلاح الدين المنجد أن القصيدة كانت معروفة عند علماء الشعر ورواته منذ القرن الثالث هجري ورجح قول ابن المبرد أن القصيدة لا يعرف قائلها رغم أنه ذكر قول من نسبها إلى ذي الرمة ومن نسبها إلى دوقلة المنبجي وطرح حجج من نفى نسبتها إلى الاثنين[2].
فالذي ينفي أن تكون لذي الرمة يحتج بـ:
- أن ذي الرمة شبب طول حياته بميّة، ولم يذكر أحد أنه شبب بدعد ؛
- موطن صاحب القصيدة هو تهامة وهي ليست موطن ذي الرمة ؛
- يذكر صاحب القصيدة في البيت الخمسين "الجدّ كندة" وليس ذو الرمة من كندة، وفي رواية أخرى "جدي تميم" وليس هو من تميم.
والذي ينفي أن تكون لدوقلة المنبجي يقول:
- أن نسبته تدل على أنه من منبج (وهي بلدة بين حلب والرقة في شمال الشام) والقصيدة تشير إلى أن وطنه تهامة ؛
- ثم إن جهلنا بدوقلة هذا وعدم ذكره في كتب التراجم ومعاجم الشعراء يجعل من الصعب التأكد من وجوده فعلا.
ما نشر من القصيدة
- لعل أقدم من استشهد بأبيات من هذه القصيدة هو محمود شكري الألوسي البغدادي في كتابه بلوغ الأرب حيث ذكر منها 12 بيتا ولم يبين قائلها[3].
- في 1905 نشر جرجي زيدان 60 بيتا من هذه القصيدة في مجلة الهلال[1].
- في 1925 أورد الشيخ عبد القادر المغربي قصيدة من 70 بيتا في كتابه "البينات" سماها "الدرة اليتيمة" وقال أنها لم توجد مدونة في شيء من كتب الأدب المتداولة، وإنما هي مما كتبه الشنقيطي الكبير في مجموعته بخطه[4].
- في 1927 نشر عبد العزيز الميمني الأثري القصيدة اليتيمة من مخطوط بخزانة رامبور بالهند وبها 63 بيتا[5].
نص القصيدة [2]
هَل بِالطُلولِ لِسائِل رَدُّ | أَم هَل لَها بِتَكَلُّم عَهدُ | |
أبلى الجَديدُ جَديدَ مَعهَدِها | فَكَأَنَّما هو رَيطَةٌ جُردُ | |
مِن طولِ ما تَبكي الغيومُ عَلى | عَرَصاتِها وَيُقَهقِهُ الرَعدُ | |
وَتُلِثُّ سارِيَةٌ وَغادِيَةٌ | وَيَكُرُّ نَحسٌ خَلفَهُ سَعدُ | |
تَلقى شَآمِيَةٌ يَمانِيَةً | لَهُما بِمَورِ تُرابِها سَردُ | |
فَكَسَت بَواطِنُها ظَواهِرَها | نَوراً كَأَنَّ زُهاءَهُ بُردُ | |
يَغدو فَيَسدي نَسجَهُ حَدِبٌ | واهي العُرى وينيرُهُ عهدُ | |
فَوَقَفت أسألها وَلَيسَ بِها | إِلّا المَها وَنَقانِقٌ رُبدُ | |
وَمُكَدَّمٌ في عانَةٍ جزأت | حَتّى يُهَيِّجَ شَأوَها الوِردُ | |
فتناثرت دِرَرُ الشُؤونِ عَلى | خَدّى كَما يَتَناثَرُ العِقدُ | |
أو نضحُ عزلاءِ الشَّعيب وقد | رَاح العَسيف بملئها يعدُو | |
لَهَفي عَلى دَعدٍ وَما حفَلت | إِلّا بجرِّ تلَهُّفي دَعدُ | |
بَيضاءُ قَد لَبِسَ الأَديمُ أديم | الحُسنِ فهو لِجِلدِها جِلدُ | |
وَيَزينُ فَودَيها إِذا حَسَرَت | ضافي الغَدائِرِ فاحِمٌ جَعدُ | |
فَالوَجهُ مثل الصُبحِ مبيضٌ | والفَرعُ مِثلَ اللَيلِ مُسوَدُّ | |
ضِدّانِ لِما اسْتُجْمِعا حَسُنا | وَالضِدُّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِدُّ | |
وَجَبينُها صَلتٌ وَحاجِبها | شَختُ المَخَطِّ أَزَجُّ مُمتَدُّ | |
وَكَأَنَّها وَسنى إِذا نَظَرَت | أَو مُدنَفٌ لَمّا يُفِق بَعدُ | |
بِفتورِ عَينٍ ما بِها رَمَدٌ | وَبِها تُداوى الأَعيُنُ الرُمدُ | |
وَتُريكَ عِرنيناً به شَمَمٌ | وتُريك خَدّاً لَونُهُ الوَردُ | |
وَتُجيلُ مِسواكَ الأَراكِ عَلى | رَتلٍ كَأَنَّ رُضابَهُ الشَهدُ | |
والجِيدُ منها جيدُ جازئةٍ | تعطو إذا ما طالها المَردُ | |
وَكَأَنَّما سُقِيَت تَرائِبُها | وَالنَحرُ ماءَ الحُسنِ إِذ تَبدو | |
وَاِمتَدَّ مِن أَعضادِها قَصَبٌ | فَعمٌ زهتهُ مَرافِقٌ دُردُ | |
وَلَها بَنانٌ لَو أَرَدتَ لَهُ | عَقداً بِكَفِّكَ أَمكَنُ العَقدُ | |
وَالمِعصمان فَما يُرى لَهُما | مِن نَعمَةٍ وَبَضاضَةٍ زَندُ | |
وَالبَطنُ مَطوِيٌّ كَما طُوِيَت | بيضُ الرِياطِ يَصونُها المَلدُ | |
وَبِخَصرِها هَيَفٌ يُزَيِّنُهُ | فَإِذا تَنوءُ يَكادُ يَنقَدُّ | |
ولها هنُّ وليسَ ككلِّ هنٍّ | رابي المجسةِ حشوهُ وقدُ | |
فإذا طَعنتَ طَعنتَ في لُبَدٍ | وإذا سللــت يكـاد ينســـدُ | |
وَالتَفَّ فَخذاها وَفَوقَهُما | كَفَلٌ كدِعصِ الرمل مُشتَدُّ | |
فَنهوضُها مَثنىً إِذا نَهَضت | مِن ثِقلَهِ وَقُعودها فَردُ | |
وَالساقِ خَرعَبَةٌ مُنَعَّمَةٌ | عَبِلَت فَطَوقُ الحَجلِ مُنسَدُّ | |
وَالكَعبُ أَدرَمُ لا يَبينُ لَهُ | حَجمً وَلَيسَ لِرَأسِهِ حَدُّ | |
وَمَشَت عَلى قَدمَينِ خُصِّرتا | واُلينَتا فَتَكامَلَ القَدُّ | |
إِن لَم يَكُن وَصلٌ لَدَيكِ لَنا | يَشفى الصَبابَةَ فَليَكُن وَعدُ | |
قَد كانَ أَورَقَ وَصلُكُم زَمَناً | فَذَوَى الوِصال وَأَورَقَ الصَدُّ | |
لِلَّهِ أشواقي إِذا نَزَحَت | دارٌ بِنا ونوىً بِكُم تَعدو | |
إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني | أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ | |
وَزَعَمتِ أَنَّكِ تضمُرينَ لَنا | وُدّاً فَهَلّا يَنفَعُ الوُدُّ | |
وَإِذا المُحِبُّ شَكا الصُدودَ فلَم | يُعطَف عَلَيهِ فَقَتلُهُ عَمدُ | |
تَختَصُّها بِالحُبِّ وُهيَ على | ما لا نُحِبُّ فَهكَذا الوَجدُ | |
أوَ ما تَرى طِمرَيَّ بَينَهُما | رَجُلٌ أَلَحَّ بِهَزلِهِ الجِدُّ | |
فَالسَيفُ يَقطَعُ وَهُوَ ذو صَدَأٍ | وَالنَصلُ يَفري الهامَ لا الغِمدُ | |
هَل تَنفَعَنَّ السَيفَ حِليَتُهُ | يَومَ الجِلادِ إِذا نَبا الحَدُّ | |
وَلَقَد عَلِمتِ بِأَنَّني رَجُلٌ | في الصالِحاتِ أَروحُ أَو أَغدو | |
بَردٌ عَلى الأَدنى وَمَرحَمَةٌ | وَعَلى الحَوادِثِ مارِنٌ جَلدُ | |
مَنَعَ المَطامِعَ أن تُثَلِّمَني | أَنّي لِمَعوَلِها صَفاً صَلدُ | |
فَأَظلُّ حُرّاً مِن مَذّلَّتِها | وَالحُرُّ حينَ يُطيعُها عَبدُ | |
آلَيتُ أَمدَحُ مقرفاً أبَداً | يَبقى المَديحُ وَيَذهَبُ الرفدُ | |
هَيهاتَ يأبى ذاكَ لي سَلَفٌ | خَمَدوا وَلَم يَخمُد لَهُم مَجدُ | |
وَالجَدُّ حارثُ وَالبَنون هُمُ | فَزَكا البَنون وَأَنجَبَ الجَدُّ | |
ولَئِن قَفَوتُ حَميدَ فَعلِهِمُ | بِذَميم فِعلي إِنَّني وَغدُ | |
أَجمِل إِذا طالبتَ في طَلَبٍ | فَالجِدُّ يُغني عَنكَ لا الجَدُّ | |
وإذا صَبَرتَ لجهد نازلةٍ | فكأنّه ما مَسَّكَ الجَهدُ | |
وَطَريدِ لَيلٍ قادهُ سَغَبٌ | وَهناً إِلَيَّ وَساقَهُ بَردُ | |
أَوسَعتُ جُهدَ بَشاشَةٍ وَقِرىً | وَعَلى الكَريمِ لِضَيفِهِ الجُهدُ | |
فَتَصَرَّمَ المَشتي وَمَنزِلُهُ | رَحبٌ لَدَيَّ وَعَيشُهُ رَغدُ | |
ثُمَّ انثنى وَرِداوُّهُ نِعَمٌ | أَسدَيتُها وَرِدائِيَ الحَمدُ | |
لِيَكُن لَدَيكَ لِسائِلٍ فَرَجٌ | إِن لِم يَكُن فَليَحسُن الرَدُّ | |
يا لَيتَ شِعري بَعدَ ذَلِكُمُ | ومحارُ كُلِّ مُؤَمِّلٍ لَحدُ | |
أَصَريعُ كَلمٍ أَم صَريعُ ردى | أَودى فَلَيسَ مِنَ الرَدى بُدُّ |
المراجع
- مجلة الهلال، ج3 السنة 14، 1 ديسمبر 1905، ص174.
- القصيدة اليتيمة برواية القاضي علي بن المحسن التنوخي، قدمها: صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت ط3، 1983، ص14-15.
- بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، محمود شكري الألوسي البغدادي، تحقيق: محمد بهجة الأثري، دار الكتاب المصري، ب س، ج2، ص20.
- قصائد العشق و الجمال في الشعر العربي، عمر فاروق الطباع، دار القلم، ط1، 1993، ص49.
- مجلة الزهراء، العدد6، 1 يوليو 1927، ص344-349.