المجتمع البروتستانتي الراقي (بالفرنسيَّة: Haute société protestante) هو تعبير فرنسي نشأ في القرن التاسع عشر، ويشير المصطلح إلى مجموعة من العائلات الثرية البروتستانتية، والتي كانت على استعداد للتضامن المتبادل والسلطة الغامضة جزئياً داخل "النخبة (والمجتمع) الفرنسي ذات الأغلبيَّة الكاثوليكيَّة". وبالتالي ينطبق هذا المصطلح أساساً على الأفراد والأسرات البرجوازية البروتستانتية الكبيرة والتي كانت تتألف من كبار الصناعيين والمصرفيين والتجار والحرفيين،[1] والتي تعود ثرواتها وشبكات نفوذها إلى القرن التاسع عشر.[2] تشمل العائلات التي تم ذكرها بشكل متكرر في هذا السياق آل أندريه، ودي بيثمان، وتشارلز رو، ودافيلير، وديليزيرت، ودي ديتريش، ودولفوس، وفريجيان، وجيرلان، وهيرميس، وهوتينجر، وجابي، وكالتينباخ، وكوشلين، وماليت، وميج، وميرابوود، ومونود، ونيجرو، وأودير، وبيجو، وبوبارت دي نوبليز، ورينوار دي بوسير، وريبود، وساباتير، وساي، وشلمبرجير، وشويتزر، وسيدوكس وفرن. يتم التلاعب بالمصطلح من قبل بعض المعاديين للبروتستانتية، ومع ذلك تم الاعتراف بمفهوم "المجتمع البروتستانتي الراقي" ويُستخدم في علم الاجتماع.[3]
أصل المصطلح
وفقًا للمؤرخ وعالم الأنساب إريك بونجنر، فإنه "بُنيت أسطورة المجتمع البروتستانتي الراقي حول رؤساء بنك فرنسا في ظل الإمبراطورية الفرنسية الأولى، والمؤلفة من عدد صغير جدًا من الأسر، الغنية جدًا، والتي تزاوجت من بعضها البعض".[2][4]
وتتمّ الإشارة في هذا السياق، إلى أن نفوذ البروتستانت الفرنسيين كبير ولا يتناسب مع وزنهم العددي. تم إنشاء العديد من الشركات الفرنسية والتي ما زالت نشطة حتى اليوم من قبل البروتستانت. ولقد ازدهرت الأنشطة الصناعية أو التجارية أو المصرفية التي يقوم بها البروتستانت بمرور الوقت، وقد أتاحت التحالفات المدروسة بين العائلات البروتستانتية إلى ظهور مجتمع راقي من البروتستانت،[5] ما أدى إلى إمكانية تعزيز هذه الأنشطة الاقتصادية وتنويعها. ويتبدى نفوذ البروتستانت في مجالات عديدة، ففي الصناعة: شركة بيجو لصناعة السيارات، ومجموعة هيرميس في مجال العطور والسلع الراقية. وفي السياسة ليونيل جوسبان وميشال روكار (شغلا منصب رئيس الوزراء). وفي العلوم والطب جاك مونو الحاصل جائزة نوبل في الطب وفي الثقافة اندريه جيد، والفيلسوف بول ريكور، والسينمائي جان-لوك غودار.[6]
التطور الإجتماعي
باريس
مؤشر جيد على تكون النخبة البروتستانتية في أوائل القرن التاسع عشر يظهر من خلال تحليل أصول ومهن أتباع الكنيسة البروتستانتية في باريس إلى جانب كون نصف أعضائها من أصل أجنبي، والمهن الرئيسية التي عمل فيها المجتمع البروتستانتي كانت مهن الصيرفة والتجارة. علاوة على ذلك خلال القرن التاسع عشر، تمتع بعض البروتستانت بمهن سياسية مهمة، وبرز منهم فرانسوا جيزو أو ويليام ودينجتون.[5] وضمن هذا المجتمع الغني، تم تجنيد العديد من أتباع الصحوة الكالفينية، وخاصةً أولئك الذين كانوا يترددون على مصلى شارع تايبوت، والذين سيمولون لاحقاً العديد من الأعمال البروتستانتية ذات الطابع الاجتماعي أو الديني.
من المهم الإشارة في هذه المرحلة إلى أنَّ مصطلح "المجتمع البروتستانتي الراقي" لم يكن يمثل سوى أقلية من البروتستانت في باريس. وكان يوجد من ناحية، بين الإصلاحيين كما بين اللوثريين، طبقة برجوازية صغيرة ومتوسطة، ومن ناحية أخرى، العديد من العمال والفلاحين، سواء في باريس أو في الضواحي. في عام 1903، احتفظ المجتمع البروتستانتي الراقي الباريسي بهيكل اجتماعي احترافي خاص للغاية، بما في ذلك، المعلمين والأطباء والقساوسة والمصرفيين. وتناقصت أهميتها بعد الحرب العالمية الأولى،[5] لكن في عام 1935، أشارت قائمة أكثر "مائتي عائلة" إلى تواجد ملحوظ للعائلات البروتستانتية النافذة، وإلى أن البروتستانت العاملين في المهن المصرفية وقادة الأعمال، ولا سيما في باريس، يواصلون السيطرة على هذه الأنشطة. تجدر الإشارة إلى أن مشاركة هذه العائلات البروتستانتية في هذه المهن لا تزال قوية.[5] في حوالي عام 1950، مثل المجتمع البروتستانتي الراقي حوالي 1,500 من البالغين، وكانوا يتركزون في باريس في أبرشية باسي وإيتويل وبنتيمونت، وكانت لهم علاقات أسرية قوية مع سويسرا والبلدان الأنجلوسكسونية.[5]
اليوم أدى تركيز الشركات إلى تراجع العديد من الشركات العائليَّة التي كانت أصالة النسيج الاجتماعي للمجتمع البروتستانتي الباريسي الراقي. ويشبه هيكلها الاجتماعي الآن تمامًا هيكل البرجوازية الفرنسية عمومًا: حيث أن العديد من البروتستانت من قادة الأعمال والمهندسون والمحامون والأطباء وكبار المديرين وكبار المسؤولين والأكاديميين. كما أدت علمنة المجتمع إلى تراجع أهمية مفهوم "المجتمع البروتستانتي الراقي"، التي يبدو أنها تراجعت أكثر بكثير اليوم مما كانت عليه في نهاية القرن التاسع عشر،[5] على الرغم من اتهام شخصيات العالم الاقتصادي القائم بالانتماء إلى البروتستانتية من قبل بعض المؤلفين.[7]
في مدن المحافظات
في بعض المدن الفرنسية الكبيرة، خاصةً تلك الموجودة في المناطق البروتستانتية التقليدية، كانت تضم طبقة برجوازية بروتستانتية مؤثرة: هذه هي الحالة على سبيل المثال في ستراسبورغ، وميلوز، وبوردو، وليون، ومونبلييه ونيم.[8] وتطور هذه الفئات الاجتماعية له نفس طبيعة تطور "المجتمع البروتستانتي الراقي" في باريس. على سبيل المثال، في مدينة ليون، مثل "المجتمع البروتستانتي الراقي" في بداية القرن الحادي والعشرين أكثر من ثلاثين عائلة وتوقف عملياً عن الوجود في نهاية عقد 1960 "عندما توقف النبذ تجاه البروتستانتية من قبل البرجوازيين الكاثوليك في مدينة ليون".[8]
استخدام التعبير في الجدل المضاد
في نهاية القرن التاسع عشر، استنكر الصحفي الملكي والمعادي للسامية إرنست رينو "أوليغارشية الهوغونوت"، في إشارة إلى بعض المناصب العليا في الخدمة المدنية التي يشغلها البروتستانت.[9] بالنسبة لرينو، كان هناك تمثيل مفرط للبروتستانتية في أجزاء معينة من المجتمع. كما جادل بأنه "إذا ذهب بروتستانتي؛ يأتي آخر في مكانه"، ومن هنا جاء تنديده بـ"الخطر البروتستانتي"، وهو عنوان عمله المنشور في عام 1899.[10] ويستخدم مصطلح «المجتمع البروتستانتي الراقي» من قبل بعض الجدليين لأنه يثير فكرة نظرية المؤامرة، على غرار "مائتي عائلة" أو المؤامرة "اليهودية-الماسونية". ولم يعد يستخدم في القرن العشرين، بعد أن اختفت بشكل بارز المشاعر المناهضة للبروتستانت، على الرغم من نشر بعض المنشورات لهذه الأفكار.[11]
مراجع
- Pourquoi les protestants ne protestent plus - Marianne - تصفح: نسخة محفوظة 3 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
- Joséphine Bataille, Y a-t-il encore un pouvoir huguenot ?, site lavie.fr, 22/10/2009. نسخة محفوظة 12 أغسطس 2018 على موقع واي باك مشين.
- Voir par exemple cet article : "La sociologie du protestantisme en France, des premières recherches aux travaux actuels"3 avril 2018. . (Citation p.117 "toute enquête globale est rendue difficile étant donné le caractère extrêmement diversifié du protestantisme en France (il y a le protestantisme alsacien et le protestantisme cévenol, le protestantisme luthérien et le protestantisme réformé, le protestantisme de la H.S.P (Haute Société Protestante) et le protestantisme populaire, etc.")
- En effet, explique Éric Bungener dans l'article cité de La Croix, en 1800, les Mallet participent à la création de la Banque de France, puis de la Société générale et du Crédit foncier. Les Delessert rejoignent l’aventure de la Banque de France et participent à celle de la Caisse d’épargne. Les Schlumberger, qui sont déjà de grands industriels, inventent dès 1920 les prémices des Sicav. Éric Bungener est l'auteur de Filiations protestantes, éditeur : Familiales, 1997, (ردمك ).
- François Boulet, Être parisien et protestant aux , in : Claude Gauvard & Jean-Louis Robert, Être parisien, Éditions de la Sorbonne, 2005, (ردمك ), pp.325-332.
- تاريخ البروتستانت في فرنسا. - تصفح: نسخة محفوظة 27 يونيو 2018 على موقع واي باك مشين.
- Voir par exemple J.-P. Richardot, Le peuple protestant français aujourd’hui, éditions Robert Laffont, Paris, 1992,(ردمك ), pp. 327-334 ; ; Jean-Luc Mouton, « Que reste-t-il du pouvoir protestant ? », Historia, n° 615, mars 1998. p. 68-72 ; Guy-Olivier Faure, Le Groupe et son idéologie. Étude d’un segment de la Société protestante en France, thèse de doctorat, 1973 ; J.-N. Boillane de Lacoste, Deux paroisses protestantes de Paris : Passy et Saint-Denis, thèse IEP, Paris, 1957.
- Olivier Vassé (30/09/2013). "Que reste-t-il de la Haute société protestante lyonnaise ?"4 avril 2018. نسخة محفوظة 27 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- L’antiprotestantisme pendant l’Affaire, site أكاديم . نسخة محفوظة 12 مارس 2020 على موقع واي باك مشين.
- Le protestantisme dans la littérature contemporaine, par Philippe Vassaux, site theolib.com. نسخة محفوظة 9 مايو 2012 على موقع واي باك مشين.
- Notamment celui du journaliste Robert Beauvais, "Nous serons tous des Protestants" (1976), où il dénonce la tendance à la généralisation de l'esprit protestant en France dans le monde occidental. Voir sa "radioscopie", entretien avec Jacques Chancel diffusé le 19 octobre 1976 sur France Inter. نسخة محفوظة 12 مارس 2020 على موقع واي باك مشين.