النقابات العمالية في الولايات المتحدة هي نقابات تمثل العمال من مختلف الصناعات تحت قانون العمل الأمريكي. يتركز نشاط هذه النقابات اليوم على المفاوضة المشتركة فيما يخص الرواتب والفوائد وظروف عمل أعضائها، إضافة إلى تمثيل الأعضاء في حال حصول نزاع مع صاحب العمل نتيجة خرق شروط العقد. تخوض النقابات العمالية الأكبر في نشاطات الضغط للتأثير على القرار ومساندة المرشحين السياسيين على مستوى الولاية والمستوى الفدرالي.
تقبع معظم النقابات في الولايات المتحدة تحت مظلة منظمة أو منظمتين هما: الاتحاد الأمريكي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية الذي تشكل عام 1995، ومنظمة التغيير نحو الفدرالية التي انفصلت عن سابقتها عام 2005. تدعم كلا المنظمتين السياسات والتشريعات التي تشمل حقوق العمال في الولايات المتحدة وكندا، ولها دور نشط في السياسة. يهتم الاتحاد الأمريكي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية بقضايا التجارية العالمية على نحو خاص.
في عام 2016، بلغ عدد الأعضاء 14.6 مليون في الولايات المتحدة، هبوطًا من 17.7 مليون عام 1983. كانت النسبة المئوية لعدد العمال المنتمين إلى النقابات العمالية في الولايات المتحدة 10.7%، مقارنةً مع نظريتها عام 1983 التي بلغت 20.1%.[1][2] انخفضت نسبة العضوية من العاملين في القطاع الخاص إلى أقل من 7%،[3] وهو مستوىً لم تشهده البلاد منذ عام 1932. من منظور عالمي، في عام 2016، كانت الولايات المتحدة في المرتبة الخامسة كأدنى كثافة نقابية من بين 36 دولة عضو في منظمة التعاون والتطوير الاقتصادي.[4][2]
في القرن الحادي والعشرين، يعود معظم أعضاء النقابات العمالية إلى القطاع العام، مثل عاملي المدينة والموظفين الحكوميين والمدرسين ورجال الشرطة. أغلب أعضاء النقابات هم رجال كبار في السن يقطنون في الشمال الشرقي أو الغرب الأوسط أو في ولاية كاليفورنيا.[5] يحصل أعضاء النقابات العمالية على راتب أعلى ب10-30% من العمال غير الأعضاء في الولايات المتحدة، تتراوح النسبة حسب الفرد والوظيفة وطبيعة سوق العمل.[6]
على الرغم من قلة عدد أعضائها مقارنةً بالعدد الذي وصل إلى ذروته في خمسينيات القرن الماضي، ما تزال النقابات العمالية عاملًا سياسيًا، سواء من خلال عضويتهم الخاصة، أو عبر التحالفات مع منظمات ناشطة تشاركهم نفس التفكير حول قضايا مثل حقوق المهاجرين والسياسة التجارية والتأمين الصحي والحد الأدنى للأجور. ما يثير القلق هو الجهود التي تبذلها المدن والولايات بهدف خفض المعاشات التقاعدية للعمال المنتسبين إلى النقابات المهنية بعد تقاعدهم في المستقبل.[7] أطلق المحافظ السابق المعروف سكوت ووكر، والذي انتخبه الجمهوريون من حركة الشاي عام 2010 عن ولاية ويسكونسن، جهودًا حثيثة ضد نقابات القطاع العام، بسبب ما يترتب عنها من التزامات تتعلق بمعاشات التقاعد التي تقع على كاهل حكومة الولاية (على الرغم من أن المعاشات التقاعدية في ولاية ويسكونسن كانت ممولة بالكامل عام 2015)،[8] إضافةً إلى ادعائه بمدى قوة التأثير التي تمتلكها تلك النقابات.[9][10] تُظهر النشرات الأكاديمية دليلًا دامغًا على أن النقابات العمالية تقلل من التباين الاقتصادي الطبقي (عدم المساواة في الدخل).[11] تشير الأبحاث إلى أن زيادة نسبة عدم المساواة في الدخل في الولايات المتحدة تعود بشكل جزئي إلى انخفاض توجه العمال للانتساب في النقابات.[12][13][14]
التاريخ
بدأت النقابات العمالية بالتشكل في منتصف القرن التاسع عشر كاستجابة للتأثير الاجتماعي والاقتصادي للثورة الصناعية. بدأت النقابات العمالية الوطنية بالظهور في الحقبة التي تلت الحرب الأهلية. ظهر اتحاد «فرسان العمل» كقوة عظمى في أواخر ثمانينيات القرن التاسع عشر، ولكنه انهار بسبب قلة التنظيم وضعف الإدارة والاختلاف على أهداف الاتحاد والرفض الذي قابله من أصاحب العمل والقوى الحكومية.
أظهر اتحاد العمال الأمريكي الذي أسسه وأداره سامويل كومبرز عام 1886 وحتى وفاته عام 1924 متانة واستمرارية أكبر. ظهر الاتحاد بوصفه ائتلافًا لمجموعة من مختلف النقابات المحلية. ساعد في دعم وتوجيه الضربات حتى أصبح لاعبًا أساسيًا في السياسة الوطنية، عادةً مع صف الحزب الديمقراطي.
استفادت النقابات العمالية الأمريكية بشكل كبير من سياسات الصفقة الجديدة التي أبرمها فرانكلين ديلانو روزفلت في ثلاثينيات القرن الماضي. أسهم قانون علاقات العمل الوطنية لعام 1935 على وجه الخصوص في دعم الحق القانوني في تنظيم النقابات. بدءًا من هذه النقطة، وثّقت النقابات العمالية علاقتها بشكل أكبر مع الحزب الديمقراطي، وأصبحت عنصرًا أساسيًا في ائتلاف الصفقة الجديدة.
ما بعد الحرب العالمية الثانية
أحكم الحزب المحافظ المؤيد للأعمال قبضته على الكونغرس في عام 1946، وأقر في عام 1947 قانون علاقات إدارة العمل لعام 1947 المعروف باسم «قانون تافت-هارتلي» المصاغ من قبل عضو مجلس الشيوخ روبرت تافت. اعترض الرئيس ترومان على القرار إلا أن الائتلاف المحافظ تجاهله. حظي تجاهل الفيتو بتأييد كبير من الحزب الديمقراطي، بنسبة 106 من أصل 177 نائب ديمقراطي في الكونغرس، و20 من أصل 42 ديمقراطيًا في مجلس الشيوخ.[15] يحظر القانون -الذي ما يزال ساري المفعول- على المرشحين السياسيين المشاركة في الأعمال النقابية وتقييد سلطة النقابات في شن ضربات «تهدد الأمن القومي» وأجبر على طرد قادة النقابات الشيوعيين (وجدت المحكمة العليا الأمريكية أن هذا البند غير دستوري، ولم يعد ساريًا). أطلقت النقابات حملات شديدة عدة سنوات لإلغاء هذا القانون لكنها باءت بالفشل. خلال أواخر خمسينيات القرن العشرين، صدر قانون إدارة العمل والإبلاغ والإفصاح لعام 1959 في أعقاب تحقيقات الكونغرس بشأن الفساد والسياسة الداخلية غير الديمقراطية بين نقابة سائقي الشاحنات وغيرها.[16][17]
في عام 1955، اندمجت أكبر منظمتين للعمل، اتحاد العمال الأمريكي والهيئة التشريعية للمنظمات الصناعية، منهية اختلافًا دام 20 عامًا.. أصبح رئيس اتحاد العمال الأمريكي جورج ميني هو الرئيس الجديد للمنظمة، وأصبح الأمين العام للمنظمة القديمة هو الأمين العام للمنظمة الجديدة. كُتبت مسودة الدستور أولًا من قبل نائب رئيس اتحاد العمال الأمريكي ماثيو وول والمستشار العام للهيئة التشريعية للمنظمات الصناعية آرثر غولدبيرغ، في حين كُتبت بيانات السياسة المشتركة من قبل كل من وول وجيمس كاري ونائب رئيس الهيئة ديفيد ماكدونالد وجوزيف كوران وجوزيف هاريسون وروبن سودرستروم.[18]
زادت نسبة العمال المنتمين إلى النقابات في الولايات المتحدة لتصل إلى ذروتها في عام 1954 بنحو 35%، ووصل عدد العمال النقابيين إلى ذروته عام 1979 بقرابة نحو 21 مليون عضو. بدأت العضوية بالتراجع منذ ذلك الحين، مع تراجع عضوية العمال من القطاع الخاص حتى خلال الفترة التي تلت عام 2010، إلا أن عضوية العاملين في القطاع الخاص ما تزال تنمو بمعدل ثابت.
في الفترة التي تلت ستينيات القرن الماضي، بدأت نقابات القطاع العام بالنمو، وأمّنت رواتب جيدة ومعاشات تقاعدية لأعضائها. في حين انخفاض العمل في مجالي الصناعة والزراعة، تضاعف التوظيف الحكومي والمحلي من 4 مليون عامل في عام 1950 إلى 12 مليون عام 1976 و16.6 في عام 2009. إضافةً إلى 3.7 مليون موظف مدني اتحادي، في عام 2010، مثلت النقابات 8.4 مليون موظف حكومي، تتضمن 31% عاملين فدراليين، و35% من العاملين ضمن الولاية، و46% عاملين محليين.
بحلول سبعينيات القرن الماضي، ساهمت الزيادة الكبيرة في تدفق الواردات (مثل السيارات والصلب والأجهزة الإلكترونية من القادمة من ألمانيا واليابان، إضافةً إلى الألبسة والأحذية من آسيا) بضعف الاعتماد على المنتجين الأمريكيين.[19] بحلول الثمانينيات، كان هناك تحول كبير في التوظيف بعدد أقل من العمال في القطاعات ذات الرواتب العالية وعدد عمال أكبر في قطاعات العمل ذات الرواتب القليلة. أُغلقت العديد من الشركات وانتقل بعضها إلى الولايات الجنوبية (إذ تضعف النقابات هناك)، مواجهة الخطر بإغلاق المصنع أو نقله، أو نقل المصانع إلى دولة خارجية ذات أجور منخفضة.[20][21][22][23]
مراجع
- Bureau of Labor Statistics, "Union Membership Summary" Jan 24, 2014 - تصفح: نسخة محفوظة 3 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- See: Trade Union Density. OECD. StatExtracts. Retrieved: 1 January 2017. نسخة محفوظة 13 أغسطس 2019 على موقع واي باك مشين.
- Union Members Summary Bureau of Labor Statistics, January 24, 2014 Retrieved: 11 March 2014 نسخة محفوظة 3 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- See also اتحاد نقابة عمال
- Not With a Bang, But a Whimper: The Long, Slow Death Spiral of America's Labor Movement| Richard Yeselson| June 6, 2012 نسخة محفوظة 21 يناير 2013 على موقع واي باك مشين.
- 8-31-2004 Union Membership Trends in the United States Gerald Mayer. Congressional Research Service. 8-31-2004 نسخة محفوظة 21 نوفمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- Alicia H. Munnell (2012). State and Local Pensions: What Now?. Brookings Institution Press. صفحات 4–5. . مؤرشف من الأصل في 17 يونيو 2019.
- Kertscher, Tom (August 14, 2015). "Wisconsin is only state with a fully funded pension system, Scott Walker says". بوليتيفاكت.كوم. مؤرشف من الأصل في 05 سبتمبر 201517 مايو 2019.
- Nelson Lichtenstein, "Can This Election Save the Unions?," Dissent Summer 2012. نسخة محفوظة 16 أكتوبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- Jason Stein and Patrick Marley, More than They Bargained For: Scott Walker, Unions, and the Fight for Wisconsin (2013) is favorable toward Walker, who beat off a recall challenge and was easily reelected in 2014
- Ahlquist, John S. (2017). "Labor Unions, Political Representation, and Economic Inequality". Annual Review of Political Science. 20 (1): 409–432. doi:10.1146/annurev-polisci-051215-023225. مؤرشف من الأصل في 07 أغسطس 2019.
- Doree Armstrong (February 12, 2014). Jake Rosenfeld explores the sharp decline of union membership, influence. UW Today. Retrieved December 19, 2014. See also: Jake Rosenfeld (2014) What Unions No Longer Do. Harvard University Press. (ردمك ) نسخة محفوظة 6 نوفمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- Keith Naughton, Lynn Doan and Jeffrey Green (February 20, 2015). As the Rich Get Richer, Unions Are Poised for Comeback. Bloomberg. Retrieved February 20, 2015.
- "A 2011 study drew a link between the decline in union membership since 1973 and expanding wage disparity. Those trends have since continued, said Bruce Western, a professor of sociology at Harvard University who co-authored the study." نسخة محفوظة 6 نوفمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- Michael Hiltzik (March 25, 2015). IMF agrees: Decline of union power has increased income inequality. Los Angeles Times. Retrieved March 26, 2015.
- "The IMF analysis suggests these trend lines aren't merely correlations, but the first is caused, at least partially, by the second. Indeed, the paper says that roughly half the increase in income inequality in advanced economies is "driven by deunionization."" نسخة محفوظة 11 أكتوبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- Benjamin C. Waterhouse, Lobbying in America, (Princeton University Press, 2013) 53. نسخة محفوظة 10 يونيو 2019 على موقع واي باك مشين.
- William H. Holley et al.Jr. (2011). The Labor Relations Process, 10th ed. Cengage Learning. صفحة 85. . مؤرشف من الأصل في 2 يناير 2020.
- David Scott Witwer (2003). Corruption and Reform in the Teamsters Union. University of Illinois Press. صفحة 131ff. . مؤرشف من الأصل في 2 يناير 2020.
- Soderstrom, Carl; Soderstrom, Robert; Stevens, Chris; Burt, Andrew (2018). Forty Gavels: The Life of Reuben Soderstrom and the Illinois AFL-CIO. 3. Peoria, IL: CWS Publishing. pp. 95-96. (ردمك ) نسخة محفوظة 15 نوفمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
- Susan Margaret Collins (1998). Imports, Exports, and the American Worker. Brookings Institution Press. صفحات 288–90. . مؤرشف من الأصل في 2 يناير 2020.
- Frank Levy, Larry Mishel and Jared Bernstein (1996). Running in Place: Recent Trends in U.S. Living Standards. DIANE Publishing. صفحات 53–56. . مؤرشف من الأصل في 2 يناير 2020.
- James Charles Cobb and William Whitney Stueck (2005). Globalization and the American South. U. of Georgia Press. صفحة 41. . مؤرشف من الأصل في 2 يناير 2020.
- U.S. Census Bureau, Statistical Abstract of the United States: 2012 (2011) p 428 table 663 - تصفح: نسخة محفوظة 23 سبتمبر 2015 على موقع واي باك مشين.
- Carter A. Wilson (2013). Public Policy: Continuity and Change, Second Edition. Waveland Press. صفحات 256–57. . مؤرشف من الأصل في 2 يناير 2020.