بريطانيا ما بين الحربين (1918-1939)، فترة من السلام والركود الاقتصادي النسبي. سياسيًا، انهار الحزب الليبرالي وأصبح حزب العمال المنافس الرئيسي لحزب المحافظين البريطاني المهيمن طوال تلك الفترة. أثر الكساد الكبير على بريطانيا اقتصاديًا وسياسيًا بدرجة أقل من الدول الكبرى الأخرى، على الرغم من وجود بؤر شديدة من البطالة طويلة الأمد والمشقة، خاصة في مناطق المناجم وفي اسكتلندا وشمال غرب إنجلترا.
يرى المؤرخ آرثر مارويك تحولًا جذريًا في المجتمع البريطاني نتيجة الحرب العظمى (الحرب العالمية الأولى)، التي تُعتبر طوفانًا جرف العديد من المواقف القديمة، وجلب مجتمعًا أكثر مساواة. ويرى أن التشاؤم الأدبي الشهير في عشرينيات القرن الماضي في غير محله، بحجة وجود تبعات إيجابية طويلة الأمد للحرب على المجتمع البريطاني. ويشير إلى وجود وعي ذاتي نشط بين العمال الذين سرعان ما بنى حزب العمال البريطاني، وإلى ظهور الاقتراع الجزئي للمرأة، وتسريع الإصلاح الاجتماعي، وسيطرة الدولة على الاقتصاد. ويرى تراجعًا في احترام الطبقة الأرستقراطية والسلطة الراسخة بشكل عام، وضعف الشباب بين القيود التقليدية على السلوك الأخلاقي الفردي. تلاشت الوصاية، وباع صيادلة القرى وسائل منع الحمل.[1] يقول مارويك أن الفروق الطبقية قلّت، وازداد التماسك الوطني، وأصبح المجتمع البريطاني أكثر مساواة.[2]
سياسات القرن العشرين
توسع الديمقراطية
منح قانون تمثيل الشعب لعام 1918 في نهاية المطاف الرجال في بريطانيا حق الاقتراع العام في سن 21 عامًا، حتّى لو لم يمتلكوا مؤهلات متعلقة بالملكيات. والأهم من ذلك أنه أسس لحق المرأة في التصويت لمعظم النساء فوق سن الثلاثين. خضعت جميع النساء إلى نفس الشروط بشكل مساوٍ للرجال في عام 1928.[3] نشأت ثورة للإطاحة بالنخب والأرستقراطيات القائمة في الجو المحيط مع ظهور قوى ثورية، خاصةً في روسيا البلشفية وألمانيا الاشتراكية، وفي المجر أيضًا وإيطاليا وأماكن أخرى. سيطر حزب العمال البريطاني بشكل كبير على سياسات الطبقة العاملة، وأيد الحكومة في لندن بشدة وعارض الثورة العنيفة. كان المحافظون قلقين بشكل خاص بشأن «ريد كلايدسايد» في اسكتلندا الصناعية. كانت مخاوفهم في غير محلها، لعدم وجود محاولة منظمة لقيام ثورة. في الواقع، كان العمال البيض اليساريون المتطرفون في ريد كلايدسايد مهتمين بشكل رئيسي باستبعاد السود والنساء من الوظائف الجيدة.[4][5]
على الرغم من ذلك، كان هناك مخاوف بشأن المذهب الجمهوري. شعر الملك وكبار مستشاريه بقلق عميق من التهديد الجمهوري للملكية البريطانية، لدرجة أن ذلك كان عاملًا أساسيًا في قرار الملك بعدم إنقاذ ابن عمه الذي أطاح به القيصر نيقولا الثاني في روسيا.[6] ربط المحافظون المتوترون بين الجمهوريين وتصاعد الاشتراكية والحركة العمالية المتنامية. وعلى الرغم من المبالغة في مخاوفهم، أسفر ذلك عن إعادة تصميم الدور الاجتماعي للملك، ليكون أكثر شمولية للطبقة العاملة وممثليها، وهو تغيير جذري لجورج الخامس، الذي كان أكثر راحة في التعامل مع الضباط البحريين وطبقة النبلاء.[7] بحلول عام 1911، لم يعد الاشتراكيون يؤمنون بشعاراتهم المناهضة للنظام الملكي، واتخذوا من الانتظار والترقب موقفًا تجاه جورج الخامس.[8] كانوا على استعداد للتصالح مع النظام الملكي في حال اتخذ هذا النظام الخطوة الأولى بهذا الشأن. اتخذ جورج تلك الخطوة خلال الحرب؛ إذ قام بنحو 300 زيارة لمصانع أحواض بناء السفن والذخيرة، وتحدث مع العمال العاديين وأثنى على عملهم الشاق فيما يتعلق بالمجهود الحربي. تبنى موقفًا أكثر ديمقراطية تجاوز الحدود الطبقية وجعل الملكية أقرب إلى الشعب. وأقام الملك علاقات ودية مع كبار السياسيين في حزب العمال والمسؤولين في النقابات العمالية. كان تخلي جورج الخامس عن العزلة الاجتماعية مشروطًا بتصرفات العائلة المالكة، وعزز شعبيتها خلال الأزمات الاقتصادية في عشرينيات القرن الماضي، ولمدة تزيد عن جيلين. على سبيل المثال، أثبت الملك نيته في عام 1924-في ظل غياب أي أغلبية واضحة لأي حزب من الأحزاب الرئيسية الثلاثة في بريطانيا لاستبدال رئيس الوزراء المحافظ ستانلي بلدوين برامزي ماكدونالد، أول رئيس وزراء لحزب العمال.[9]
جزيرة أيرلندا
نشأ تمرد مسلح تحت اسم «ثورة عيد الفصح بقيادة الجمهوريين الأيرلنديين في دبلن خلال أسبوع عيد الفصح من عام 1916. كان تنظيمه سيئًا، وقمعه الجيش بسرعة. ردّت الحكومة أيضاً بقمع قاس واعتقلت 2000 شخص وأعدمت بسرعة 15 شخصًا من قادة الثورة. بعد ذلك تغيرت حالة الأيرلنديين الكاثوليك بشكل جذري، وانتقلوا للمطالبة بالانتقام والاستقلال. في عام 1917، دعا لويد جورج إلى الاتفاقية الأيرلندية 1917-1918 في محاولة منه لتسوية قضية الحكم الذاتي المتعلقة بأيرلندا، لكنها لم تحظ بدعم كبير. أدى الارتفاع المفاجئ في التعاطف الجمهوري في أيرلندا في أعقاب ثورة عيد الفصح، المقترن بمحاولة لويد جورج الكارثية لتمديد التجنيد الإلزامي في أيرلندا في أبريل 1918، إلى سقوط حزب الحكم الذاتي الأيرلندي القديم في انتخابات ديسمبر 1918. دعموا المجهود الحربي البريطاني ثم دفعهم حزب شين فين إلى النزوح، مما حشد معارضة شعبية لمساعدة الحكم البريطاني. لم يشغل نواب الشين فين مقاعدهم في البرلمان البريطاني، بل أنشؤوا برلمانهم الجديد في دبلن، وأعلنوا على الفور قيام الجمهورية الأيرلندية.[10]
كانت السياسة البريطانية مرتبكة ومتباينة، ولم يستطع مجلس الوزراء اتخاذ قرار بشأن الحرب أو السلام، وارتكبت فظائع أغضبت الكاثوليك في أيرلندا وأمريكا والليبراليين في بريطانيا، ولكن ليس بما يكفي لقمع المتمردين خارج المدن. ناقض لويد جورج نفسه عندما تفاوض مع القتلة بعد أن استنكرهم في وقت سابق. أرسل 40.000 جندي بالإضافة إلى وحدات شبه عسكرية تم تشكيلها حديثًا، وهي «بلاك تانز» و«المساعدين»، لتعزيز الشرطة المتخصصة (الشرطة الأيرلندية الملكية). سادت القوة النارية البريطانية في المدن، مما اضطر الجيش الجمهوري الأيرلندي (القوة شبه العسكرية لحزب الشين فين) للاختباء. وعلى الرغم من ذلك، سيطر الجيش الجمهوري الأيرلندي على جزء كبير من الريف وأنشأ حكومة محلية بديلة.[11] كان تنسيق الوحدات البريطانية سيئًا في الوقت الذي صمم فيه مايكل كولينز منظمة فعالة للجيش الجمهوري الأيرلندي، والتي استخدمت المخبرين لتدمير نظام المخابرات البريطاني عن طريق اغتيال قيادتها. على الرغم من تسمية تلك الحرب «حرب الاستقلال الأيرلندية»، اتفق المؤرخون عمومًا على أنها كانت معاكسة للحرب الأهلية الأيرلندية اللاحقة التي اندلعت في 1922-1923 بين قوات كولينز وإيمون دي فاليرا. لم يكن صراع 1919-1921 «حربًا بالمعنى التقليدي للكلمة، بل كان صراعًا شديد الخطورة، صغيراً جدًا ومنخفض الشدة، كان فيه الاغتيال بنفس أهمية الكمائن أو المعارك».[12]
حل لويد جورج أخيرًا الأزمة من خلال قانون حكومة أيرلندا لعام 1920 الذي قسم أيرلندا إلى أيرلندا الجنوبية وأيرلندا الشمالية في مايو 1921. فاز حزب شين فين بالسيطرة على الجنوب ووافق على المعاهدة الأنجلو-أيرلندية في ديسمبر من عام 1921 مع القادة الأيرلنديين. تولى كولينز السلطة عندما رفض دي فاليرا التوقيع وقاد فصيلًا منشقًا. انفصلت جنوب أيرلندا عام 1922 بموجب المعاهدة لتشكيل الدولة الأيرلندية الحرة. وفي الوقت نفسه، حافظ النقابيون بقيادة إدوارد كارسون على السيطرة على أولستر وأيرلندا الشمالية وظلوا موالين للندن. بحلول عام 1922، استقر الوضع الأيرلندي، ولم يعد يلعب دورًا رئيسيًا في العلاقات البريطانية الأيرلندية. ومع ذلك، فإن النزاعات التي اندلعت لعقود من الزمن ارتبطت بالعلاقة الخاصة مع الملكية وحرب التجارة الأنجلو-أيرلندية في الثلاثينيات والاستخدام البريطاني للموانئ البحرية. قطعت الدولة الأيرلندية الحرة العديد من علاقاتها مع بريطانيا في عام 1937. وبصفتها جمهورية أيرلندا، كانت واحدة من حفنة من المحايدين في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية.[13]
المراجع
- John Peel, "The manufacture and retailing of contraceptives in England." Population Studies 17.2 (1963): 113–125.
- Arthur Marwick, The Deluge: British Society and the First World War (1965)
- Robert Blackburn, "Laying the foundations of the modern voting system: The Representation of the People Act 1918." Parliamentary History 30.1 (2011): 33–52.
- Jacquelin Jenkinson, "Black Sailors on Red Clydeside: rioting, reactionary trade unionism and conflicting notions of ‘Britishness’ following the First World War." Twentieth Century British History 19.1 (2007): 29–60.
- Kay Blackwell, "Women on Red Clydeside: The Invisible Workforce Debate." Journal of Scottish Historical Studies 21.2 (2001): 140–162.
- Kenneth Rose, King George V (2000) p 215 [https://books.google.com/books?id=9BuIAgAAQBAJ&pg=PA40 online excerpt. نسخة محفوظة 26 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
- Neville Kirk, "The conditions of royal rule: Australian and British socialist and labour attitudes to the monarchy, 1901–11." Social History 30.1 (2005): 64–88, especially p. 80.
- كولن ماثيو, "George V (1865–1936)" قاموس السير الوطنية
- Frank Prochaska, "George V and Republicanism, 1917–1919." Twentieth Century British History 1999 10(1): 27–51.
- Caoimhe Nic Dhaibheid, "The Irish National Aid Association and the Radicalisation of Public Opinion in Ireland, 1916–1918." The Historical Journal 55.3 (2012): 705–729.
- Nick Pelling, Anglo-Irish Relations: 1798–1922 (2003) pp. 98–109.
- Shane Nagle, "Review of Leeson, D. M., The Black and Tans: British Police and Auxiliaries in the Irish War of Independence in H-Empire, H-Net Reviews. October, 2012. - تصفح: نسخة محفوظة 20 سبتمبر 2018 على موقع واي باك مشين.
- J.J. Lee, Ireland: 1912–1985 (1989), ch 2-3.